تمديد فترة الميركاتو الصيفي بالمغرب إلى غاية 25 غشت        سعر الدرهم يرتفع أمام الدولار الأمريكي    المقاتل المغربي الرشيدي يرفع التحدي في بطولة PFL إفريقيا    ترامب يعلن لقاء بوتين في ولاية ألاسكا    أربع أولويات كبرى ضمن مشروع قانون المالية 2026    مراكش.. توقيف ضابط أمن عن العمل بعد اتهامه بتلقي رشوة من سائق سيارة ارتكب مخالفة    رئيس جنوب إفريقيا الأسبق يدافع عن زيارته للمغرب        الشان يؤخر صافرة بداية البطولة الوطنية في قسميها الأول والثاني            حرائق كاليفورنيا .. 2000 هكتار في ساعات وأوامر إخلاء عاجلة للسكان    فتح تحقيق مع ضابط أمن للاشتباه في تورطه في طلب رشوة من سائق سيارة    تيزنيت : شبهات تواطؤ بين مسؤولين ولوبي العقار في قضية الواد المدفون    الولايات المتحدة.. ترامب يعين مستشاره الاقتصادي عضوا في مجلس البنك المركزي    مشروع قانون مالية 2026.. 60% من الاستثمارات للمناطق القروية والجبلية وبرامج اجتماعية لتعزيز العدالة المجالية    قانون مالية 2026.. مواصلة تنزيل الإصلاحات الهيكلية والحفاظ على التوازنات المالية    أسود البطولة يرفعون التحدي قبل مواجهة كينيا    فرنسا تندد ب"شدة" بخطة الحكومة الإسرائيلية لاحتلال غزة بالكامل    شيخ الطريقة القادرية البودشيشية في ذمة الله    موجة حر مع درجات حرارة تصل الى 48 بعدد من مناطق المغرب    تداولات بورصة البيضاء تنتهي بالأخضر    واشنطن توضح سياسة "رسوم الذهب"    وقفات مغربية تواصل مناصرة غزة    الحضري: بونو يستحق الأفضل في العالم    "أولمبياد تيفيناغ" .. احتفاء بالهوية عبر منافسات تربوية في الحرف واللغة    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    المغرب يحتفي بأبنائه في المهجر ببرامج صيفية تعزز الانتماء للوطن وتواكب ورش الرقمنة (صور)    المعرض الوطني للطوابع والمسكوكات يتوج نسخته الثانية في مدينة خنيفرة بندوة علمية حول تاريخ النقود والبريد    عيطة الحال ... صرخة فنية من قلب البرنوصي ضد الاستبداد والعبث    الرباط تحتضن النسخة الأولى من «سهرة الجالية» بمناسبة اليوم الوطني للمهاجر    قادة دول ورجال أعمال يلتمسون ود ترامب بالذهب والهدايا والمديح    بطولة إسبانيا.. مهاجم برشلونة ليفاندوفسكي يتعرض للإصابة    مدافع برشلونة إينيغو مارتينيز في طريقه إلى النصر السعودي    الجمارك المغربية تجدد إجراءات الرقابة على المعدات العسكرية والأمنية    المغرب في قائمة الوجهات الأكثر تفضيلا لدى الإسبان في 2025    بطولة أمم إفريقيا للمحليين.. بوابة اللاعبين المحليين صوب العالمية    مقاييس الأمطار المسجَّلة بطنجة ومناطق أخرى خلال ال24 ساعة الماضية    وفاة الفنان المصري سيد صادق    المغرب يصدّر أول شحنة من القنب الهندي الطبي نحو أستراليا    لطيفة رأفت تعلق على "إلغاء حفلين"    النجم الحساني سعيد الشرادي يغرد بمغربية الصحراء في مهرجان "راب افريكا"        العربيّ المسّاري فى ذكرىَ رحيله العاشرة    واشنطن تعلن عن جائزة 50 مليون دولار مقابل معلومات للقبض على الرئيس الفنزويلي    توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة    مسؤول أممي يرفض "احتلال غزة"    استخدام الذكاء الاصطناعي للتحقق من الصور يؤدي إلى توليد أجوبة خاطئة    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    المغرب يواجه ضغوطا لتعقيم الكلاب الضالة بدل قتلها    تسجيل 4 وفيات بداء السعار في المغرب خلال أشهر قليلة    "دراسة": تعرض الأطفال طويلا للشاشات يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب    من هم الأكثر عرضة للنقص في "فيتامين B"؟        الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    من الزاويت إلى الطائف .. مسار علمي فريد للفقيه الراحل لحسن وكاك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اغتيال الديمقراطية التشاركية
نشر في هسبريس يوم 29 - 06 - 2014

عجبت لمن يطلب العلا، وينسى مجمل ما يحدث حوله، ويغفل عن كل ما من شأنه أن يعينه على فهم ما سيأتي مستقبلا. وبالرغم من تحقيق الوعي بما ذكرنا، فليس في مقدورنا القضاء على كل ما يهدم بنى مستقبلنا في رمشة عين، بيد أننا نسعى مهما كان الأمر إلى بلوغ مرتبة، نرى فيها الإنسان عموما يعز، ولا يهمش؛ وفقا لما احتوته المبادئ السامية للديمقراطية التي لا تفارق مخيلتنا، بحكم أن أفكارنا تتوقف عليها، ولا تبتعد عنها؛ مما يجعلها بعد استقرائنا لواقعها ،من خلال الدعوات إلى العمل بما جاءت بها، أعز مايطلب، وأغنى ما يكتسب. لهذا ستظل عملية تشريح محتوياتها، واستنطاقها واحدة تلو الأخرى في نظرنا سبيلا لتحقيق الديمقراطية التشاركية، بغية المضي قدما إلى الأمام، للبحث عن مداخل الإصلاح، أو التفتيش عن منابع التغيير الإيجابي عموما.
نحن نراهن- والحق يقال- على ما ستسفر عنه الديمقراطية التشاركية من نتائج مستقبلية، لحظة العمل بركائزها، مادامت تأخذ بعين الاعتبار آراء المواطنين، وتصوراتهم القائمة على رغباتهم، غير البعيدة عن تحقيق مصالحهم، المتفق عليها، بعد الاعتراف بوجودهم. وإلاَّما الفائدة من وجودهم في هذه الحياة التي يتجاوز فيها الأخذ برأي أغلبيتهم، والذي نجده مغتالا، بعد رميه في سلة المهملات، وكأن شيئا لم يكن أبدا.
وإن كنا نعلم كل الخطوات التي مر منها اغتيال رأي الأغلبية تاريخيا، قبل أن يكون مصيره ملازما للوضع الذي أوردناه، فإننا لا نقدر على تحويل الجاني إلى مكان فض النزاعات، الذي سيكون حَكَما بعد الاستماع إلى ممثليه المنصفين، حتى لا تغيب عن ذهننا تفاصيل ما حدث، لمعرفة كيف تمت عملية اغتيال رأي الأغلبيه، وهل وجد فيها مرتكبها حلاوة، وهو يقوم بتنفيذ خطته هاته أم لا، وما خصوصيات الزمن المناسب، الذي اختاره لتنفيذ هذه العملية؟ وكيف حققت هذه العملية نجاحا، دون إثارة كل ما يمكن أن يؤدي إلى عرقلتها، أو خلخلة آلياتها لإفشالها؟.
أجل، عندما تظهر ملامح الاغتيال، تغيب كل الظنون التي يمكن أن تلف بهذه القضية، ويحق لنا بعد ذلك أن ننتقل إلى دائرة اليقين، لنؤكد أن حكومة بن كيران تمكنت في مرحلتها الحالية، بشكل يثير الذهول، من تجاوز الخطوط الحمراء التي كان المواطن سابقا -كيفما كانت درجة وعيه- يعتقد استحالة تخطيها لها. إذ الراية الحمراء التي رفعها الشعب ضد الفساد أصبحت بيضاء، وسلمية، وهذا الاختيار الأخير لم يكن في حقيقته سوى من إبداع حكومتنا الحالية.
ربما سئم حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة المغربية من الدفاع عن مطالب الشعب، منذ ظهوره على الساحة السياسية، وممارسته للمعارضة، لذلك اختار بعد وصوله إلى السلطة، نهجا يقوم على إغفال وعوده المسطرة في برنامجه الانتخابي، والطمس عليها، بشكل لم يكن في حسبان الجميع.
لم يعد سرا أن جل المغاربة ساندوا معظم المحسوبين على حزب المصباح، الذي سينير الطريق، ويجعله نورا على نور في نظرهم. فمن ذا الذي يستطيع أن يتبع الظلام ويترك النور؟. لذا عمت الفرحة أتباع حزب العدالة والتنمية، سيما بعد الاستماع إلى التنبؤات البنكرانية التي تبشر بالخير، وتبعد القنوط عن عامة المضطهدين اجتماعيا .
وعلى العموم فكلام بن كيران الذي تحول إلى حلم بعد ذلك، لم يزد النفوس سوى بغض لواقعها الذي لم يرحم الطبقة الفقيرة أو المتوسطة، والتي لم تزد رخاء، بقدر ما أصبحت الزيادات تخيف جيوبها، وتتحدى آمالها؛ وهي أيضا في نفس الوقت تزيد من حظوظ طبقة الأغنياء، لدرجة لا يمكن تصورها بعد غض الطرف عنها، وترك فرص الانتعاش بين أيديها كما شاءت، وكأن من أهداف الائتلاف الحكومي الحالي حمايتها من الشعارات التي تهدد مصالحها.
إننا نمارس حقنا في التعبير بآليات ديمقراطية وموضوعية، وكلامنا هذا ليس الغرض منه ممارسة النقد بشكل سلبي، مع إغفال كل ماهو إيجابي، فنحن نعترف ببعض الإنجازات التي نجد لها أثرا على أرض الواقع إن وجدت، لكنها – والحق يقال- تبقى ناقصة جدا، ومحدودة إن لم نقل منعدمة، إذا ما قارناها بحجم البرنامج الضخم الذي تبنته حكومتنا، قبل توليتها لزمام الأمور، مما يجعلنا نطلق على هذا الوضع، الردة السياسية؛ أي الرجوع إلى الوراء، واتخاذ وجهة أخرى، لا يعلمها سوى رب العالمين؛ الذي لا يخفى عليه شيء لا في الأرض ولا في السماء .
فوجئ الجميع بهذه الردة التي انطلقت عمليا بعد رسم خارطة الطريق البنكرانية الجديدة باسم العفو وما أدراك ما العفو، وهناك أعلن – بن كيران - اغتياله بلا تردد للديمقراطية التشاركية، على مرأى ومسمع الكل، معلنا عبر منابره الداخلية والخارجية، المؤيدة والمعارضة لنهجه أن الفساد سيكون مقابله العفو، ولا بأس في ذلك، مادامت القاعدة الكبرى التي ستفتح الآفاق المستقبلية للإصلاح، في اعتقاده لا تخرج عن دائرة "عفا الله عما سلف"، وهذا ما جعل ثورة الغضب، تندلع من جديد في خوالج الشعب الذي عول على خلاف ما أتى به بن كيران، فلم يصدق الكثير من أبناء هذا الوطن إلى حدود الآن ما أعلنه، و جسده على أرض الواقع المغربي الاجتماعي، والاقتصادي، والسياسي، والثقافي..
ثورة الغضب وحدها حيال ما جرى، وما زال يجري لا تكفي، ومع ذلك فهي ضرورية، لأن عملية اغتيال رأي الأغلبية إحساس وشعور، قبل أي شيء آخر، يمكن أن يتبادر إلى ذهاننا، الإحساس والضمير لا يفترقان عندنا، فالضحك قلبا وقالبا إحساس، يعبر عن الفرحة، بيد أن الغضب والمأساة سلوك و إحساس أيضا، لكنه يعبر هذه المرة عن الحزن، المهم أن الإحساس لايفارقنا، أينما حللنا وارتحلنا، ومن يرى غير هذا صائبا، فليطرح على نفسه متى شاء ما حقيقة شعوره الداخلي؟ ولينظر إلى جانبه الخارجي (المظهر) كي يعرف إحساسه، دون تدخل أي عنصر، أو مؤثر خارجي في هذه العملية، رغم صعوبة الأمر في الغالب الأعم.
إننا نعيش الآن في واقع يحتم علينا ألا نبتعد عنه، لكي لايبتعد عنا، فنعيش عيشة الغرباء، رغم أن الغرباء في بلادنا غالبا هم الفائزون بخيرات بلادنا، فقد أثبت التاريخ أن كل من يهرب من واقعه يجد نفسه خارجه، فينسى كأنه لم يكن أبدا، لذا فكل منسي هو خارج التاريخ، أما عيشه فهو ينقلب إلى ممات، وهذا ما يجعل وجودنا مرهونا بدرجة قربنا من واقعنا.
أكيد أن واقعنا مليء بالفساد، وقد عرف الشعب هذه الحقيقة، و لم يعد سرا أنه يريد إسقاطه، ليس هذا شعارا فحسب، بل هو مطلب يعلو فوق كل المطالب الأخرى، لأنه منبع لتحقيق العدالة الاجتماعية، وتكافؤ الفرص، لكن يبدو أن التكافؤ السائد اليوم يتمثل في حجم الزيادات في الأسعار، دون مراعاة الأحوال، مع غض النظر عما يهدد سلامة الناس ماديا ومعنويا، ما دام الفساد لم يحارب بالشكل المطلوب، وإستراتيجية محاربته متذبذبة.
بعيدا عن لغة المبالغة، أو اللف و الدوران، يتضح أن حكومة بن كيران عجزت عن الاستجابة لمطالب الشعب، بعد الخضوع لقوى الفساد التي أثبتت قدرتها على هتك دعوات الائتلاف الحكومي، واعتبارها مجرد ثرثرات بنكيرانية؛ تتأثر بعملية المد والجزر بين الفينة والأخرى، دون أن تغني أو تسمن من جوع.
وعليه فقد صدق من قال إن حكومة بن كيران هي الحكومة المناسبة لهذه المرحلة، لتحقيق القوى الخفية ما لم تحققه في ظل أي حكومة سابقة، فالحكومة الحالية تستطيع أن تستر قوى الفساد، وتعينها بآليات حديثة منطلقها "مصلحة البلاد تقتضي هذا ....للحفاظ على الأمن السائد"، نعم نحن أيضا نسعى إلى تحقيق الأمن، لكن متى كانت مصلحة أي بلاد تقتضي قيام الفساد فيه لتحقيق الأمن؟ أم أن هذا مرتبط بالأخذ بأخف الضررين كما يقال؟.
دعونا نقف هنا للتأكيد على أن الأوراش الإصلاحية الكبرى، المرتبطة بوعود الحكومة - كإصلاح صندوق المقاصة الذي بقي حلما لم يتحقق بعد، وإصلاح أنظمة التقاعد التي شكلت حيرة لدى المعنيين بها، وإصلاح النظام الجبائي رغم الصعوبات التي تلف بمقتضياته- ستبقى أوراشا تتطاير من هنا وهناك ، فتسقط في حفرة، ليس بينها وبين الموت منقذ تستعين بها، لإدراك ما فاتها، أو مرشد لكي يرشدها، لمعرفة مسالك الصواب، سوى الشعب الذي لم ينس هاته المطالب التي عض عليها بالنواجد، وفقا لتعليمات الديمقراطية التشاركية التي لم تعد لدى الحكومة الحالية سوى سيمفونية، مزخرفة بشتى الترانيم ، يتطلب أن يتقنها فريقها، بأشكال مختلفة، يصعب التفريق فيها بين بروتوكولاتها وإيتيكاتها، لأن تحيتها سرعان ما تزيد من غفلتها لمطالب مجتمع كان يوما سببا في وجود هذه الحكومة، وتوليها لزمام أموره.
فما على الحكومة الحالية بعد هذا كله، سوى الاستجابة لمطالب الديمقراطية التشاركية، والرجوع إلى أسسها بسرعة، قبل فوات الأوان، وقبل أن يتخذ الشعب حق الرفض في ذلك، وفقا للاختيار المبني على ما ستجيء به الديمقراطية التشاركية مستقبلا، إن كانت ضد ما تشهده الساحة السياسية الحالية، وهذا ما يكاد يتخيله أي متتبع لشطحات بعض سياسيينا، وخطاباتهم التي تستفز حتى أولئك الذين بلغوا درجة الصفر في السياسة باعترافهم، دون النقص من قدرهم، في واقع لا يخفي خلاصات السياسيين، ولا يترك الغباء يكون سببا للبحث عن سبل أخرى، لفهم محتوياتها التي لا تحتاج في الحقيقة إلى إعادة القراءة من جديد، لأنها فارغة من الداخل والخارج أيضا، بعدما اجتثت أركانها بمجرد اغتيال الخطاب السياسي المبني على مبادئ الديمقراطية التشاركية، وهذا ما ينذر ببروز الاستبداد الفردي والجماعي معا، بشكل متسلط.
ذاك ما يجعل المجتمع المغربي برمته – بعد تجاوز مرحلة التيه السياسي- يشير إلى أن قصة البحث عن الديمقراطية التشاركية ستبدأ من جديد، و بنفس آخر، لإعادة مبادئها المفقودة، بعد نجاح عملية اغتيالها واقعيا، بآليات ممنهجة، تعارض الأغلبية ولاتؤازرها. فما نصبو إليه إذن ليس بغريب، بل إن ما هو قائم الآن هو الأغرب، لأن موسم الحصاد الديمقراطي مر بدون أن نذكر فيه، وكأن أعلى مراتب الديمقراطية التشاركية هي الانفراد بجل القرارات بعد الادعاء بمحاربته بهتانا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.