انتهت يوم أمس الأربعاء، فْترةُ عمليّة تسوية الوضعية القانونية للمهاجرين غير النظاميين المقيمين في المغرب، والتي انطلقتْ يوم فاتح يناير من السنة الجارية، وجاءت في إطار السياسة الجديدة للمغرب، في التعاطي مع قضايا الهجرة، التي أعلن عنها الملك محمد السادس، بعد أن تحوّل المغرب من بلد عبور إلى بلد إقامة لآلاف المهاجرين، تقدّرهم إحصائيات وزارة الداخلية بما بين 25 و 40 ألف مهاجر. في هذا الحوار، يتحدّث الكاتبُ العامّ للمنظمة الديمقراطية للشغل، علي لطفي، عن حصيلة عمليّة تسوية المهاجرين غيرِ النظاميين المقيمين في المغرب، عشيّة انتهائها، ويرَى أنّ العملية كانتْ قرارا جّريئا، إلّا أنّ المُدّة الزمنيّة المحدّدة لها ليستْ كافية، خصوصا وأنّ عددَ طلبات التسوية التي توصّلتْ بها اللجان المكلفة بهذه العملية في مختلف أقاليم المغرب لم يُقبْل منها سوى 50 في المائة، في انتظار أن يُبثّ في الطلبات المرفوضة... ما تقييمكم لحصيلة عمليّة تسوية الوضعية القانونية للمهاجرين غير النظاميين؟ نحن في المنظمة الديمقراطية للشغل نعتبرُ قرار تسوية وضعية المهاجرين المقيمين بالمغرب في وضعية غير قانونية قراراً جرّيئا وشجاعا، وهو قرارٌ فريد من نوعه في الوطن العربي وفي القارة الإفريقية ككُلّ، وينسجم مع مصادقة المغرب على الاتفاقية الدولية المتعلقة بحقوق المهاجرين وأسَرهم، والتي كان المغرب من بين الدول الستّ الأولى المُوقّعة عليها. ونعتبر، أيضا، أنّ العملية مرت في ظروف جيدة، رغم أننا نرى أنّ المعايير التي تمّ وضعها أمام المهاجرين غير النظاميين المقيمين في المغرب للاستفادة من بطاقة الإقامة هي معايير معقّدة إلى حدّ ما، ولا تُسهّل عملية الاستفادة لعدد أكبر من المهاجرين الذين تقدّموا بطلبات تسوية وضعيتهم القانونية، وهذا ما أدّى إلى عدمِ تجاوز نسبة عدد الملفات المقبولة 50 في المائة. هل تروْن أنّ الفترة التي تم تحديدها للاستقبال الملفات كافية؟ أوّلا، لا بدّ من الإشارة إلى أنَّه لولا توصيّة اللجنة الوطنية التي يشرف عليها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والقاضي بتسوية وضعية جميع النساء المهاجرات اللواتي يوجدن في وضعية غير قانونية وأطفالهنّ، بمن فيهنّ من لا تستجيبُ للمعايير التي تمّ اعتمادها، لكانَ عدد الملفات المقبولة أقلّ من خمسين في المائة المسجّلة. أمّا فيما يخصّ الفترة الزمنية المُحدّدة لعملية تسوية الملفات، فهي غيرُ كافية لدراسة كل الطلبات التي وردتْ على اللجان المكلفة بالعملية على الصعيد الوطني، أضف إلى ذلك مسألة صعوبة التواصل مع فئات كثيرة من المهاجرين غير النظاميين، الذين يتحدّثون لغات أخرى ولا يفهمون الفرنسية أو العربية. هؤلاء المهاجرون نسبة كبيرة منهم لم يتوصّلوا بخبر القرار الحكومي الرامي إلى تسوية وضعيتهم، وخاصة الذين يتواجدون في الغابات، والذين يصل عددهم إلى أكثر من أربعة آلاف مهاجر، في تُخوم سبتة ومليلية المحتلّتين، والغابات المحاذية لوجدة، وربّما بسبب ذلك لم يتقدموا بطلبات تسوية وضعيتهم، لذلك نقول إنّ مدّة سنة واحدة ليست كافية لتسوية هذا الملف. ما هي، برأيكم، التحدّياتُ والإشكاليات التي يمكن أن تَطرحَها الهجرة الوافدة للمغرب مستقبلا؟ ينبغي الإشارة إلى أنّ خمسة ملايين مهاجر مغربي مُتواجدون في مختلف بلدان العالم، والمغربُ، من خلال مؤسساته ومجتمعه المدني يطالبُ باحترام حقوق هذه الفئة من المغاربة المتواجدين في الخارج، لذا، يجب أن تكون مواقف المغرب منسجمة مع هذا المبدأ الإنساني في تعامله مع المهاجرين المقيمين على أرضه، والذين لا يتعدّى عددهم ثلاثين ألفا. بمعنى آخر هذه الظاهرة هي ظاهرة ضعيفة جدا مقارنة مع ساكنة المغرب، إذ لا تُمثل سوى 0.030 في المائة، وهو عدد قليل جدا، ولن يخلق مشاكلَ أو إشكاليات، بل إنّ العديد من هؤلاء المهاجرين هم إما أطباء أو مهندسون أوْ من فئات أخرى لها تكوين عالٍ، ويُمكن للمغرب أن يستفيد منها. هناك من يدعو إلى اعتماد "هجرة انتقائية"، هل أنتم مع أم ضدّ هذا الطرح؟ نحن نقول بضرورة اعتماد مقاربة شمولية، تضمن حقوق جميع المهاجرين المتواجدين على أرض المغرب، وفي الآن ذاته من حقّ المغرب أنْ ينْحو في اتجاه التوجه العام المعتمد في دول كثيرة، مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية وكندا ودول أوربية، والتي تنهج سياسة الهجرة الانتقائية للاستفادة من خبرات المهاجرين. في فرنسا، مثلا، نسبة عشرة في المائة من الأطباء هم من أصول مغربيّة، لذلك لا بأس أنْ يسيرَ المغربُ بدوره في اتجاه تبنّي هجرة انتقائية، بشرْط أن تنْحصر "الانتقائية" في مجال التشغيل فقط، أما فيما يتعلق بالإدماج الاجتماعي والاقتصادي فأيّ مواطن أجنبي يتواجد في المغرب ويريد الاستقرار به فعلى المغرب أن يضمن له حقوقه بناء على الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة بالهجرة. ما الذين يتوجّب على المغرب القيامَ به لإنجاح عملية إدماج المهاجرين بعد تسوية وضعيتهم القانونية؟ عمليّة تسوية الوضعية القانونية للمهاجرين، وإنْ كانت قد انتهت، إلّا أن هناك، كما أشرتُ إلى ذلك آنفا، ما يقارب 50 من الملفات الموضوعة لدى مكاتب الاستقبال في مختلف العمالات عالقة، وستجتمع اللجنة الوطنية بمقرّ المجلس الوطني لحقوق الإنسان بداية شهر يناير الجاري لإعادة النظر فيها ودراستها من جديد. أما فيما يخص سياسة الادماج، فلا بد للحكومة أن تعيد النظر في الترسانة القانونية التي تتناقض كلية مع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، والتي تتنافى، كذلك، مع دستور 2011، وخاصّة مدوّنة الشغل، التي تمنع المهاجرين من العمل النقابي وتحرمهم من عدد من الحقوق، كما يجب على المغرب أن يصادقَ على الاتفاقية الدولية رقم 189 لمنظمة العمل الدولية. بالإضافة إلى ذلك، يجبُ على المغرب أن يعمل على نهْج سياسة إدماج اجتماعي وسياسي للمهاجرين، كما نطالبُ نحن بالإدماج الاجتماعي والسياسي للمهاجرين المغاربة المتواجدين في الخارج، ولا يكفي أن نقدم للمهاجرين بطاقة إقامة ونتوقّف عند هذا الحدّ.