يمكن تعريف منظومة الأحزاب السياسية ، بكونها تلك الهيئات السياسية التي من المعول عليها القيام بتأطير المواطنات والمواطنين بشكل يضمن انخراطهن وانخراطهم المباشر واللامشروط في تدبير قضايا الشأن العام ، قاسمهم المشترك في ذلك هو الانتماء للوطن الواحد والدفاع عن قضاياه الداخلية وخاصة التنموية منها والخارجية أيضا. إن المتأمل للمشهد الحزبي المغربي، ليمكنه أن يجزم ولأول وهلة بكثرة الأحزاب السياسية من حيث العدد ، أمر ليس بالغير صحي ، لا لشيء إلا لأنه واقع يعبر عن انخراط الدولة المغربية في تنزيل مقومات الديمقراطية الحقة ، والتي سنناقش من بين ثناياها في هذا المقال ما يرتبط بالواقع الحزبي التعددي ومحاولة فهم علاقته بخدمة القضايا الوطنية من عدمه. لقد أبانت التجربة الحزبية المغربية ، سواء إبان مرحلتي الحماية وما بعدها ، عن وعي حقيقي قوامه الجرأة في حماية الثوابث أولا، وأيضا في خدمة مصالح المواطن ثانيا ، مما تمكن معه المغرب من خطو خطوات جد مهمة جعلت منه نموذجا يحتذى به من قبل الدول الطامحة إلى تدبير شؤونها الاقتصادية والاجتماعية في شكل يحترم خصوصيتها الثقافية من جهة ، ويضمن انخراطها في منظومة الدول التي استطاعت الارتقاء بواقعها إلى مستويات الحداثة ، إنها انجازات يجب أن نصفق لها وبحرارة ، لا لشيء إلا لأنه انخرط فيها زعماء أحزب سياسية وخاصة التاريخية منها كحزب الاستقلال مثلا، غير أنه ومع هبوب رباح الربيع الديمقراطي على بلادنا ، أصبحنا نعيش وضعا حزبيا مترهلا يمكنني أن ننعته في هذا المقال بالسكتة القلبية للعمل الحزبي المواطن، هذا التقييم ليس بحكم قيمة ، لا لشيء إلا لأن الكاتب منخرط في أعرق الأحزاب السياسية ، غير أن انتمائي هذا لم ولن يمنعني في يوم من الأيام من القيام بعملية النقذ الذاتي لجسمنا الحزبي وذلك في علاقته بخدمة القضايا الوطنية وعلى رأسها ملف صحرائنا المغربية. لقد جاء الربيع الديمقراطي لبلادنا، واستجابت معه قوانا الحزبية بمعطى الخريف الذي غدا يبعثر أوراق أحزابنا يمينا وشمالا، ما يمكنني أن أرجعه وبكل جرأة إلى مجموعة من المشاكل، والتي أذكر من بينها على سبيل المثال لا الحصر: بروز جبهات داخل معظم الأحزاب السياسية ، حملت في البداية شعارات التغيير والتداول على مناصب القرار الحزبي ، غير أن واقع الحال ، لازال يثبث وإلى حدود كتابة هده الأسطر على استمرار تعاملها بمعطى الولاءات وإغراق منظومتنا الحزبية بأشخاص شغلهم الشاغل هو تعقب المعارضين للقرارات الغير الديمقراطية التي يتخذها أولياء نعمتهم، والتصفيق بحرارة لهذه الفئة ، هذا في وقت لا يعلم فيه هؤلاء ولو حرفا واحدا عن تاريخ المنظمات التي جيء بهم إليهم ، مما يضعنا أمام معطى جديد في أحزابنا السياسية ، إنه معطى العمالة الحزبية المأجورة؛ بعض الأحزاب السياسية ، قد أصبحت بمثابة ضيعات فلاحية ، تجد فيها الأخ والأب والأم والأخت ، يتقاسمون مواقع القرار الحزبي، وكأن هؤلاء الأشخاص هم الذين استطاعوا تحقيق تراكم سياسي ليظفروا بهدف المقاعد دون غير من المناضلات والمناضلين ، الذين ضاقوا ضرعا بممارسات سماسرة الأحزاب السياسية ، ومن يرد التعرف على اليات وصول هؤلاء الأشخاص إلى منبع القرار الحزبي ، سأجيبه بالليستة بعص الأحزاب السياسية ، قد أصبحت بمثابة ضيعات فلاحية ، تجد فيها الأخ والأب والأم والأخت ، يتقاسمون مواقع القرار الحزبي، وكأن هؤلاء الأشخاص هم الذين استطاعوا تحقيق تراكم سياسي ليظفروا بهدف المقاعد دون غير من المناضلات والمناضلين ، الذين ضاقوا ضرعا بممارسات سماسرة الأحزاب السياسية ، ومن يرد التعرف على اليات وصول هؤلاء الأشخاص إلى منبع القرار الحزبي ، سأجيبه بالليستة "LA LISTE " ، التي تتداول في أغلب مؤتمرات أحزابنا السياسية ، والتي يتم تضمينها بأقرب المقربين وحتى من لا يخاف من تمردهم في يوم من الأيام على أسيادهم ، إذ أصبحنا نعيش منطق الشيخ والمريد الحزبي فعن اي ديمقراطية حزبية نتحدث، وعن أية كفاءات حزبية ، سيتم ضخها في مشهدنا الوطني الذي أصبح يتطلع لأطر قادرة على مسايرة سياسة الأوراش التنموية الكبرى التي انخرط فيها مغرب العهد الجديد؛ لائحتا الشباب والنساء، أصبحتا تورثان للعائلة والمقربين ، بحيث أن أغلب المناضلين أصبحت لديهم اللائحة المسبقة لمن سيظفرون بمقاعد برلمانية "مجانية"، تتعارض البتة مع ماهيتها ، والمتمثلة أساسا في تشجيع الشباب والنساء للانخراط في العمل السياسي ومن ثمة التخفيف من حدة ظاهرة العزوف السياسي التي لازالت تنخر جسمنا الحزبي إلى حد الان ؛ الاعتماد على الية التوافق الملغومة في تصريف القضايا المرتبطة بالقرار الحزبي ، في ضرب سافر لتطبيق المسار الديمقراطي ، والذي من المفروض الاحتكام فيه لصناديق الاقتراع وليس بمعطى الخفافيش ، التي لا يمكن أن تعيش إلا في الظلام؛ الانخراط إبان فترة الربيع الديمقراطي وإلى الان في مسلسل من الملاسنات والمشاحنات الفارغة ، والتي لازالت تضيع على بلادنا بلوغ مراتب حقيقية من مراتب التنمية في شقيها الممكن والمستدام ، إذ أصبحنا نعيش تحت وطأة معطى الغنيمة والكعكة السياسية ، في وقت نحن في أمس الحجة لمنظماتنا الحزبية للقيام بحملة حقيقية قوامها الدفاع عن القضية الوطنية الأولى ، إنه ملف صحرائنا المغربية ؛ غياب مراكز للتكوين الحزبي داخل منظومتنا الحزبية ، الأمر الذي لم ولن يجدي معه تفريخ الفروع الحزبية أو حتى الاتيان بعقليات القطيع إليها، لا لشيء إلا لأن الاشتغال بدون برامج حزبية حقيقية بعيدة عن الموسمية المرتبطة بالفترات الانتخابية ، سيجني على واقعنا الحزبي المريض شيئا فشيئا ، مما سيؤدي لا محالة وما سبقت الإشارة إلى ذلك في يداية هذا المقال إلى السكتة القلبية الحزبية ؛ فرقاء حزبيون ، لا يؤمنون بالاختلاف الحزبي، وكأن الانتماء إلى حزب من الأحزاب المعارضة لتوجهاتهم ، تجعل المناضل في كفة " المسخوط السياسي"، الأمر الذي كال حتى مناصب المسؤولية الإدارية ، في شكل لا يحترم بتاتا منطق فصل العمل الإداري عن الانتماء الحزبي الحر والمكفول دستوريا الخ... إن التطرق لسرد مختلف المشاكل المبينة أعلاه ، لا يجب أن يفهم معه القارئ تحامل الكاتب على مشهدنا الحزبي، ولكن يجب أن يعي فيه بأن الكاتب يؤمن بالنقذ الذاتي الذي ليس بالجديد على ساحتنا الحزبية ، فقد مارسه وكتب عنه الشيء الكثير الزعيم علال الفاسي وغيره ، ومن هذا المنطلق فالحاجة قد أصبحت ملحة، لانخراط شاباتنا وشبابنا في منظومتنا الحزبية ، لا لشيء إلا من أجل المساهمة المباشرة في تدوير عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية لبلادنا من جهة، والعمل جميعا من أجل مجابهة كل من يتخيل بأن الحزب السياسي هو ملكية خاصة ، ومن ثمة المساهة في وضع معالم بريسترويكا حزبية جديدة قوامها الوطن أولا ودائما. [email protected]