بملامح هادئة وبذلة رسمية، ظهر أندري أزولاي، عام 2023، في مقر إقامة الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتزوغ بتل أبيب، وهو يتسلم "جائزة الشرف"، أرفع وسام تمنحه دولة الاحتلال لمن تعتبرهم أوفياء لخدمة مشاريعها. لحظةٌ رمزية، استُحضرت فيها أسماء رؤساء أمريكيين ومسؤولين بارزين من أمثال هنري كيسنجر، لتؤكد أن تكريم أزولاي ليس مجرد احتفاء بروح "السلام"، بل تثمينٌ لخدمات سياسية وديبلوماسية ممتدة عقوداً. هرتزوغ قالها صراحة: الوسام جاء "لمساهمته الفريدة للشعب اليهودي". وُلد أزولاي، الذي يحمل الجنسيتين المغربية والفرنسية، في الصويرة عام 1941 لأسرة يهودية مغربية. بدأ مساره صحفياً متخصصاً في الاقتصاد، قبل أن ينتقل إلى عالم المال والمصارف في فرنسا حيث راكم شبكة واسعة من العلاقات مع رجال الأعمال ومؤسسات إعلامية فرنسية نافذة. هذه الخلفية هي ما أغرت الملك الراحل الحسن الثاني باستقطابه إلى الديوان الملكي في ثمانينيات القرن الماضي، ليصبح مستشاراً اقتصادياً ثم سياسياً دائم الحضور في المشهد السياسي المغربي. منذ ذلك الحين، ظل أزولاي بمثابة "موظف دائم" في القصر، يتقاضى رواتب وتعويضات وامتيازات من المال العام، دون أن يكون للمغاربة أثر مباشر لخدماته، عدا حضوره في الملفات المرتبطة باليهود وإسرائيل.
حين دخل جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على خط "صفقة القرن"، كان أزولاي ملازماً له مثل ظله في زياراته إلى المغرب عام 2020، وفي الكواليس، لعب دور "الظل الصامت" الذي يسهّل التقاطعات بين البيت الأبيض والقصر الملكي. تُوجت تلك اللقاءات بتوقيع الرباط على اتفاقيات التطبيع المشؤومة مع إسرائيل، وهو ما منح أزولاي صفة العرّاب الخفي والفعلي لهذا المسار، حتى وإن فضّل أن يبقى بعيداً نسبياً عن الأضواء. خلال السنوات الأخيرة، ورغم ظهوره المتباعد إعلامياً، ظل أزولاي يحرّك خيوط التطبيع من وراء الستار عبر شبكة من الجمعيات والمنتديات الثقافية والفكرية. فهو عضو أو رئيس فخري في مؤسسات تحمل شعارات الحوار والتعايش ولقاء الحضارات وحوار الثقافات مثل: ة منظمة أنا ليند للحوار بين الثقافات، مؤسسة الثقافات الثلاث، تحالف الحضارات، بيت بيريز للسلام والابتكار، الاتحاد الإسرائيلي العالمي... هذه الواجهات المتعددة تسمح له بتمرير أجندة اختراق ناعم للفضاء المغربي، وتقديم التطبيع في ثوب أنشطة ثقافية أو ندوات أكاديمية. مسقط رأسه، الصويرة، تحولت إلى قاعدته الصلبة. هناك تُنظم مهرجانات وملتقيات تحت شعارات "السلام" و"الحوار بين الأديان" و"حوار الثقافات"، لكنها لا تخلو من مشاركة صهاينة مكرّمين. أحدث الأمثلة: المنتدى العالمي للنساء من أجل السلام (سبتمبر 2025)، الذي شهد مشاركة ناشطات إسرائيليات في وقت تحترق فيه مدينة غزة تحت نيران حرب الإبادة الصهيونية، بينما غابت عنه أي إشارة إلى المجازر التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي على أرض فلسطين ويذهب ضحيتها آلاف الأبرياء أغلبهم من النساء والأطفال. كبريات الجمعيات النسائية المغربية أعلنت مقاطعته، لكن المنتدى مضى بدعم أزولاي وجمعية "محاربات من أجل السلام"! رغم كونه أكبر "الموظفين الأشباح" في الجهاز الرسمي المغربي – براتب وتعويضات وسكن وظيفي وسيارات خدمة – فإن أزولاي لا يقدم أي خدمة ملموسة للمجتمع المغربي. تصريح هرتزوغ كان أوضح من أي تحليل: تكريم أزولاي تم "لمساهمته الفريدة للشعب اليهودي". وهنا تتجلى المفارقة: مستشار في قصر ملكي عربي، تُختصر مسيرته في خدمة مشروع خارجي لا علاقة له بأولويات المغاربة ولا بقضاياهم الوطنية.