ينبغي الفصل دائما بين لغة التدريس بوصفها لغة تكوين لشخصية التلميذ و هويته و انتمائه لوطنه و نظرته للحياة و الكون، و بين تدريس اللغات بمعنى حصر اللغات الأجنبية في كونها تؤدي وظيفة أو وظائف معينة مخصوصة في العلوم و المعرفة. و الاطلاع على حضارة الآخر دون تأثيرها في الذوات و الأذهان أو استخدامها في مجال العلوم و التكنولوجيا الحديثة و التواصل الإعلامي عند الحاجة. إن اللغة الفرنسية لغة دخيلة على المغاربة ينبغي أن يتعاملوا معها على أنها لغة وظيفية فقط، يتوصل بها إلى معرفة العلوم والتكنولوجيا و العلوم الدقيقة بالنسبة للتلاميذ و الطلاب الموجهين إلى تلك الشعب - رغم أنها لم تعد مؤهلة لذلك في العصر الحاضر - و لا يجوز أن تكون لغة تكوين و تثقيف. لأن التكوين بالطريقة المعمول بها في المدارس المغربية يعني توجيه المواطن المغربي توجيها مقصودا و ملغوما و لأن الثقافة الرائجة الآن في المجتمع المغربي تعني إعلان الحرب على الهوية و الكينونة الوطنية. و من المؤسف أن نجد أصواتا محسوبة على الجامعات المغربية تنادي باستبدال العربية باللهجات الدارجة في المدارس الابتدائية و الثانوية. أو تبني اللهجات الأمازيغية عوض العربية من قبل بعض المناوئين للعربية بدعوى صعوبة هذه اللغة و تعقيداتها بالنسبة للأطفال و التلاميذ في المدارس. و لأن هؤلاء لا يعرفون شيئا عن العربية، و يجهلون أسرارها و جمالها، و لا يدركون أهميتها في تكوين المواطن المغربي العربي الأمازيغي المسلم و اختاروا على العكس من ذلك الوقوف إلى جانب الفرانكفونية التي هي السبب المباشر في اعتلال الجسم التربوي المغربي منذ عقود. و الأدهى من ذلك أن ينادى على هؤلاء إلى المجلس الأعلى للتربية و التكوين للمشاركة في إخراج مسرحية جديدة - لا قدر الله - للنظام التعليمي في المغرب بعد أن لقي الميثاق الوطني الاخير و الخطة الاستعجالية ذلك الفشل الذريع و المشهود له من جميع الفئات.و لقيت قبله الإصلاحات و المواثيق نفس الفشل منذ 1965 فيما عرف بالمنهج التعليمي القائم على النظام الفرانكفوني الذي قاده الوزير بنهيمة آنذاك. وإلى الآن لم تستطع تلك الاصلاحات و المواثيق أن تهتدي إلى اخراج المنظومة التعليمية من المأزق الذي تتردى فيه . لأنها لم تستطع ان تجيب اجابة حريصة و واضحة و واقعية و وطنية على السؤال البسيط والمهم: من هو المواطن الذي نريد أن ننشئه و نصنعه لهذا البلد؟ أو ربما لم يستطع المسؤولون المغاربة أن يتجاوزوا الضعوط والاملاءات التي تملى عليهم من قبل المنظمات الاستعمارية والمؤسسات الدولية بصفة مباشرة أوغير مباشرة. وأعتقد جازما أنه ما لم نستطع أن نجيب على هذا السؤال الحرج l'échec جوابا واضحا وصريحا وما لم نعتمد على اللغة العربية أساساً في تكوين الأجيال من التلاميذ و الشباب، وما لم نحارب عقدة الفرانكفونية في أذهان المسؤولين قبل المدارس و الثانويات ونستعمل اللغة الفرنسية استعمالا وظيفيا و بحصص مدروسة ومحددة لفائدة طلاب العلوم والتكنولوجيا . أو نستبدلها باللغة الإنجليزية السائرة في العالم المعاصر . وما لم نعتمد على قدراتنا وكفاءاتنا الوطنية فإننا لن نخرج من الازمة. واذا لم تستطع اللجان المنكبة الآن على انجاز التقرير المنتظر الذي يصدر قريبا عن المجلس الأعلى للتربية والتكوين أن يتجاوزالافكارالسابقة القائمة على التبعية المطلقة للفرنكفونية رغم ما يشاع في وسائل الاعلام من تفاؤل و مفاجئات قد يحملها هذا التقرير في وسط احتدام الصراع بين المناصرين للانجليزية و المحافظين على الفرنكوفونية. إذا لم نستطع أن نلتزم بهذه القواعد الأساسية فإن الإصلاح المنتظر سوف يلقى نفس المصير الذي لقيته التقارير و المواثيق و الإصلاحات السابقة.و نرجو هذه المرة أن تكون المصلحة العليا للوطن فوق كل اعتبار و أن لا يكون هذا التقارب الحاصل الآن بين المغرب و فرنسا على حساب التقرير المرتقب. جامعة محمد الأول _ وجدة