حققت الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة نتيجة كانت مفاجئة لدى الكثيرين ، هذه المفاجأة تمثلت في تمكن اليمين المتشدد بزعامة السيد بنيامين نتانياهو من العودة إلى سدة الحكم .نعم انتصر نتانياهو وحافظ على منصبه للمرة الثالثة أي انه حقق "هاتريك "بالمعنى الكروي للكلمة في ملعب خصومه الذين راهنو على سقوطه تحت سنابك حملتهم الانتخابية .لكن الرجل عرف كيف يجعل الشعب الإسرائيلي يلتف حول برنامجه السياسي ،فجاءت رياح النتيجة عكس ما كانت تتمنى سفن خصومه . دولة أخرى كان الساسة فيها يتمنون اندحار رئيس حكومة إسرائيل ،هذه الدولة هي الولاياتالمتحدة راعية عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين .طبعا البيت الأبيض ومنذ إنشاء الكيان اليهودي ، وتمكن اللوبي الإسرائيلي من دواليب السياسة والاقتصاد في أقوى دولة في العالم ،وهذه الأخيرة أي الولاياتالمتحدة ، تساند دون قيد ولا شرط ربيبتها إسرائيل وكلما ضربت إسرائيل بقرارات المنتظم الدولي إلا وكان الفيتو الأمريكي بالمرصاد ليحبط أي محاولة عقابية في حق إسرائيل .بيد أن ما ميز الولاية الثانية لأوباما التي تزامنت مع وجود نتاياهو في سدة الحكم هو ظهور خلافات غير مصرح بها بشكل علني بين الزعيمين .إدارة أوباما بين يديها ملفات من العيار الثقيل ، أهمها الملف النووي الإيراني ، وتنامي سطوة الدولة الإسلامية المعروفة اختصارا بداعش .هاتان القضيتان بالأساس إضافة إلى القضية الفلسطينية محور الخلاف بين العرب وإسرائيل . كل هذا جعل نتانياهو لا ينظر بعين الرضا إلى المنهجية السياسية التي تتعامل بها إدارة واشنطن مع هذه الملفات وخاصة طول النفس والصبر الذي أبداه البيت الأبيض تجاه الملف النووي الإيراني . . الولاياتالمتحدة ورغم سحابة الخلاف التي تعترض صفاء العلاقة الأمريكية الإسرائيلية ،لا زالت تعتبر إسرائيل حليفا استراتيجيا لها في المنطقة ، وما زال الساسة في البيت الأبيض يعتبرون وإلى حدود الآن أمن إسرائيل من الأولويات ،بل إن امن أمريكا رهين بأمن إسرائيل وحكام البيت الأبيض لن يفرطوا في سلامة الدولة العبيرية حتى ولو اضطروا إلى مخاصمة العرب جميعا.إذن هذا الأمر لا خلاف فيه وهو خيار استراتيجي لا محيد عنه .لكن بالرغم منكل ذلك فالولاياتالمتحدة تميز بين أمن ومصالح إسرائيل وبين بعض الساسة الاسرائليين الذين قد تختلف معهم في قضايا سياسية جوهرية كما هو الحال بالنسبة لنتانياهو . من هذا المنطلق كان اوباما يتمنى لو أن الانتخابات الإسرائيلية أفرزت رئيس حكومة جديد لأن نتانياهو بالنسبة للبيت الأبيض متعصب ويريد أن يخرب كل شيء على حد قول المصريين . السؤال الآن ما الذي جعل نتانياهو يحقق الانتصار في الانتخابات على الرغم من أن الرجل يصنفه العديد من الخبراء السياسيين بأنه من أضعف رؤساء الحكومات الذين عرفتهم إسرائيل ، ولم يحقق لشعبه الرفاه والعيش الرغيد الذي ينشده ،كما أن معدل البطالة يتجاوز نسبة 21في المائة وهي نسبة مرتفعة في دولة ديمقراطية كإسرائيل . نقط ضعف كثيرة كانت أمام خصومه استغلالها ضده ،لكن كل تلك المثالب لم تغير شيئا في الرأي العام الإسرائيلي ويوم الاقتراع صوتت فئة عريضة لصالحه . الجواب على هذا السؤال ، هو أن نتانياهو ربما كان أكثر خبرة بسكلوجية الإنسان الإسرائيلي ، هذه الشخصية التي يمثل الخوف مكونا هاما من مكوناتها ، لذلك عرف كيف يعزف على هذا الوتر الحساس ، مبينا لقومه بأن إسرائيل الدولة الصغيرة والديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط تواجه الخطر النووي الإيراني ، والإرهاب الداعشي وتفكك سوريا التي أصبحت بوابة إرهابية لا أحد كنتانياهو يحسن كيفية إقفالها متى شاء .ولم ينس رئيس الحكومة أيضا أن يعد الإسرائيليين بأن ينهي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لصالحهم .الصراع سينتهي حسب التصور الذي سوق له نتانياهو بالمماطلة بالتسوية مع الفلسطينين ،بل أكثر من ذلك وعدهم بأن لا تكون هناك تسوية تقوم على أساس حل الدولتين .فلسطين لن ترى النور أبدا ونتانياهو يعد بالمزيد من المستوطنات ما على الفلسطينين وكل من يحلم بحل الدولتين بمن فيهم الولاياتالمتحدة سوى أن يقبل بهذه الحقيقة ،حتى وإن كانت مرة ، وإلا على الجميع أن يشرب من مياه البحر . العرب سيكون عليهم إعداد خطط المواجهة الدبلوماسية مع إسرائيل ، وأن يفضحوا نواياها في كل محفل ،وإلا بالأزمة الفلسطينية ستعرف منعطفا خطيرا قد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه.