إن الفرعونية لها أشكال، بدأت بالعصور التاريخية القديمة ( 2780 ق م) و أضيفت إليها صور في الدولة الوسطى ثم الدولة الحديثة (945 ق م)، و ظهر فرعون موسى الذي هضم التجربة السابقة و أخذ أسوء ما في الفرعونية، و في العصور الأخيرة أخذت شكلا آخر مع الاسكندر و تستمر في عصرنا في أشكال جديدة أهل مصر أدرى بها. لقد كان فرعون موسى تجسيدا لآبائه و مقدمة لمن جاءوا بعده في عالم الظلم، أمره يتجاوز القول و الفعل، حيث أصبح مصدرا للتشريع والهوى،( ما أريكم إلا ما أرى و ما أهديكم إلا سبيل الرشاد) غافر 29، فيكذبه الله تعالى ( و ما أمر فرعون برشيد) هود 97. فالرشيد لا يمكن أن يكون ظالما و لا سفاكا و لا سجانا بغير حق، لقد كان فرعون زعيم ظلال ( فاتبعوا أمر فرعون) هود 97، فالآمر و المنفذ سواء، لهذا كانت الفرعونية خطرا على البشرية. إن الفرعونية لها مجموعة عمل ( و قارون و فرعون و هامان و لقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في الأرض...)العنكبوت 39، فالسلطة المالية لقارون و السلطة السياسية لفرعون و السلطة الكهنوتية لهامان ، إن الثالوث نموذج لانحراف الدولة، و ما كان لفرعون أن يسير الأمر وحده، لقد كان هامان يتحكم في معابد الدولة و كان عبدا مملوكا و مخلصا لفرعون فجعله شريكه و مستشاره، و كانت مهمته ربط الناس بفرعون بالسيطرة على المعابد التي تملك أخصب الأراضي و لها صناعتها و تجارتها و جنودها، و كان فرعون يعتمد عليها كثيرا. أما السلطة الثانية في مجموعة العمل الفرعونية مثلها قارون، الشخص الذي يقف وراء السلطة بالمال و أهم عيون فرعون على بني إسرائيل، كان على علم بالتجارة و سائر المكاسب، و كان الشخصية الكانزة المتسلطة. هكذا تم الجمع بين السلطة و الفتوى و المال، و هو ثالوث يعضد بعضه بعضا، فالله تعالى ذكره في الآية السابقة بترتيب قارون فرعون ثم هامان و في آية أخرى بالترتيب التالي : ( و لقد أرسلنا موسى بآياتنا و سلطان مبين إلى فرعون و هامان و قارون فقالوا ساحر كذاب) غافر 23 فلعبة التموقع مهمة في الواقع : (قارون فرعون هامان)، و مرة ( فرعون هامان قارون) فمرة فرعون يتوسط السلطتين و مرة يتصدرهما، كما يتم تبادل مواقع سلطة المال و سلطة الكهنوت، فحين تصدر فرعون السلطتين كان إصدار الحكم على موسى أنه ساحر، و في ذلك إحالة إعلامية تضليلية لتشويه سمعته بين الناس و حين توسطهما كانت الحماية و التعذيب و منطق العنف، و هذا الأسلوب هو الذي يسود حين يغيب العقل، فبعد الحوار الذي دار بين فرعون و موسى، كانت فيه حقيقة التوحيد و الربوبية و الهدائية ، و بعد إفحامه لم يجد فرعون إلا منطق السلطة القهرية ( قال لئن اتخذت إلاها غيري لأجعلنك من المسجونين)الشعراء 29 الذين هم كثيرون و تصدر في حقهم الأحكام دون حجج أو أدلة، و تلك سياسة التلويح بالقضبان التاريخية التي عاش محنتها الأنبياء و العلماء و الزعماء و الأبرياء. ثم سياسية تأليب الرأي العام ( إنه لكبيركم الذي علمكم السحر)طه 71 (إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون ).الأعراف123 و قد بلغ الظلم الفرعوني ذروته مع السحرة ( لأقطعن أيديكم و أرجلكم من خلاف و لأصلبنكم في جذوع النخل و لتعلمن أينا أشد عذابا و أبقى)طه 71 ، حكم صادر : الإعدام على الطريقة الفرعونية، القطع و الصلب للسحرة و العذاب الشديد المستمر لمن خالف أمر فرعون. لقد حطم السحرة قاعدة ( ما أريكم إلا ما أرى) و انتقلوا من عزة فرعون الظالمة إلى عزة العزيز الذي حرم الظلم على نفسه و جعله بين عباده محرما. و تستمر السياسة الفرعونية بالقتل و التنكيل ( سنقتل أبناءهم و نستحيي نساءهم و إنا فوقهم قاهرون )الأعراف127 ( فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه و استحيوا نساءهم)غافر23، فبين الوعد بالقتل (سنقتل) ثم التنفيذ (اقتلوا) يبدو أن جهات الفساد تدخلت لوضع الخطط الفرعونية، و خصصت الجهة المقصودة ( أبناء الذين آمنوا)، و عمت سياسة التخويف و القتل لتشمل الشهيدة آسية زوجة فرعون و ماشطة بناته، و أصبح ذكر اسم موسى جريمة في القانون الفرعوني ( فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون و ملئهم أن يفتنهم و إن فرعون لعال في الأرض و إنه لمن المسرفين)يونس83. إن عالم الخوف وضع فلسفته النظام الفرعوني، و يرتبط بالمصالح الداخلية و الخارجية، فهو أخطر النظم على الفطرة البشرية. و في المقابل يأتي الخطاب الالاهي....( قال موسى لقومه استعينوا بالله و اصبروا إن الأرض لله يرثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتقين )الأعراف 128 فالأرض لا يملكها فرعون حتى يمنحها من يشاء، إنما يملك سلطة السجن و الإعدام، و على المتقين تجري سنة الابتلاء تحت مضلة فرعون أو عاد أو ثمود...