ينجرف الإنسان المغربي في التفكير الخرافي الغيبي كوسيلة سحرية للخلاص،إزاء مأزق العقلانية، وتعطل المنطق،وإلحاح الحاجة إلى الحل نظرا لتأزم التوتر الداخلي.إن العجز عن التصدي العقلاني الموضوعي للمشكلات والأزمات الحياتية يدفع المرء إلى النكوص إلى المستوى الخرافي،إلى الحدود السحرية والغيبية.وكلما زاد العجز تفشت الخرافة. الإيمان المطلق بالأولياء وكراماتهم غير مقصور على فئة دون أخرى،بل يشمل جميع فئات المجتمع ،حيث يؤمنون بفعالية كرامات الأولياء معللين ذلك بأنهم ينتسبون إلى عالم من الأسرار الميتافزقية، إن هذا التسليم يعكس صورة الواقع الذهني لدى العقلية المغربية، التي لا تزال تنظر إلى العلم كمفهوم وتقنية لتفسير الأحداث نظرة مملوءة بالشك أو الخرافة أو بالرفض او بالتجاهل ،وحينما يكون هنالك مجال للصراع بين العلم والخرافة يميل البعض إلى إبراز الجانب الخرافي بعد أن يصبغ عليه صبغة دينية أو شبه دينية، تثير في نفوس الأفراد رهبة وتعمق فيه الاعتقاد بالخوارق. مواقف كثيرة تبين عن تغلغل الخرافة في أذهان الأفراد ، فتواجدهم مثلا داخل الأضرحة واعتقادهم بكراماتهم ومعجزاتهم خير دليل على ذلك.فالعلم بالنسبة لبعضهم لا يكفي فلابد للعلم أن يمتزج بالبركة مع العلم أن البلدان المتقدمة يكفيه العلم وحده .أما في بلادنا لابد للعلم من عكازة يتكئ عليها ولا مانع أن تكون هذه العكازة قطعة من الخرافة، كبركة ضريح ما أو ولي لا يعرفه احد. وهذا يعكس لنا الموقف التوفيقي التقليدي والذي أصبح من سمات العقلية المغربية سواء في الماضي أو الحاضروالواقع أن هذا الموقف التوفيقي يدل بوضوح على تغلغل الخرافة في اعماق النفسية والعقلية العربية عموما. مازال العقل المغربي قاصر إذ لا يفهم أن العلم تفسده الخرافة وان العلم بالتعريف هو نقيض الخرافة. وان البركة تعني الشعور بالعجز وان الشعور بأهمية البركة يعني التقليل من دور الإنسان في الخلق والإبداع والتفوق. ويحتل الأولياء موقعا هاما في ذهن الناس حيث يمثلون تجسيدا حيا "للمعجزة" المنتظرة التي ستظهرها القوى الغيبة، على أيديهم والتي يأملون أن تتكرر لتحل لهم مشاكلهم والوالي حسب موقعه هذا يشكل حلقة تربط الإيمان الديني بالأساطير الموروثة بالتطلعات الحياتية.ولذا نجد أن لكل مدينة أو قرية ولي هو واسطتها إلى الله وهذا الولي يتميز بقوى خارقة. فرغم انتشار التعليم،وبرغم اتصال المغرب بالعالم الصناعي المتقدم،ورغم أن العصر قد أتاح مجالا واسعا لتبادل المعلومات إلا أن اللجوء إلى الخرافة واللجوء إلى المساعدة من أضرحة الأولياء مزال واسع الانتشار في عدد من المدن المغربية،حيث يتقاطرعدد كبير من الناس يمثلون قطاعات مختلفة من المجتمع طلبا للشفاء أو الزواج. إن استمرار اللجوء و الاستنجاد بالأضرحة والأولياء وتصديق السحرة والمشعوذين رغم التقدم الذي طرأ على الحياة الإنسانية عموما والذي أصاب حياة المغاربة منه نصيب ملحوظ وإذ كان ضئيلا، يقودنا إلى الاستنتاج بأن التعليم وحده بالمفهوم المجرد ليس كافيا لتغير سلوكات المجتمع وتطوير مفاهيمه عن الحياة وتعميق ارتباطاته على العمل بالنظريات العلمية العصرية، لذلك فإن تغير الواقع المادي للإنسان هو واحد من الشروط الإنسانية لتغيير مفاهمه وتغير أسلوبه في مواجهة الحياة.إن انتشار الخرافة والتجاء العديد من البشر إلى الأضرحة إنما هو وليد التقاليد الاجتماعية. وعليه فإن الترقي في المستوى التعليمي أفقيا وعموديا لابد وان يرافقه ترق في التشريعات وتطوير لها وترق لها في طبقية العلاقات الاجتماعية بمعنى أن التعليم الذي يراد منه تخليص المجتمع من مركبات الجهل بالخرافة،وابدالها بمفاهيم علمية عقلانية لابد وأن ترافقه عمليات داخل المجتمع نفسه لتخليص المجتمع من الرواسب الخرافية والعلاقات التي تدفع إلى الخرافة أوتركسها التشريعات المتجمدة . إن تخلف العقلية العربية والمغربية خاصة، والتي تعود أسبابها إلى أسباب اجتماعية سياسية،بالإضافة إلى سياسة التعليم وعلاقات التسلط السائدة في المجتمع و التي تشل الفكر وتمنع الموقف النقدي من ظواهر المجتمع وأنظمته والتي يقع الإنسان ضحية لها،كل ذلك يخلق جوا عاما من العنف ،يمارس على الشخصية ويمنع أي تنمية في اتجاه الاعتبار الحقيقي لإنسانية الإنسان، مانعا تفتحها وانطلاقتها وتصديها بشكل أوثق لمختلف قضاياها الوجودية. في ظل هذه الوضعية من الطبيعي أن يستفحل الاعتقاد بالخرافات والاعتقاد بكرامات الأولياء، فالإنسان في حالة القهر والعزلة والجهل وقلة الحيلة بحاجة إلى ولي ،هذا الأخير الذي يعتبر ملاذا له ،ويتخذه نصيرا وحليفا يتوسط له لدى العناية الإلهية . في ظل هذه الوضعية الراهنة من حقنا أن نتساءل،كيف يمكن التصدي لأشكال العنف والتسلط الممارس ضد تنمية شخصية الإنسان، ورد الاعتبار لإنسانية الإنسان؟ ماهي السبل الأنجع لتغير سلوكات المجتمع؟ وتطوير مفاهيمه عن الحياة ويكون الحل العقلاني الملاذ الأول والأخير لحل مشاكله؟؟. -باحثة في العلوم الاجتماعية وعلوم التربية.