يتجدد النقاش حول حرية التعبير ، كلما برز فجاة حدث يثير مجموعة من ردود الأفعال المختلفة سواء باتجاه المساندة أو باتجاه المعارضة . و قد عرفت مونتريالبكندا في هذه الأيام زيارة غير مرحب بها لا حد المدونين المثيرين للجدل وخاصة في وسط الحركات النسائية والمناوئين لكل الأشخاص المروجين للعنف والكراهية كيفما كانت جنسياتهم وتوجهاتهم . ويتعلق الأمر بمدون مغمور يدعى Roosh V كاسم مستعار, يروج لا فكار مثيرة للدهشة خاصة في عصرنا الحالي ،أقل ما يقال عنها أنها جارحة ومبتذلة في حق المرأة ، أفكار أعتقد جازما أنه قد تم الحسم فيها نهائيا بالنسبة المجتمعات الغربية . حيث يدعي هذا الشخص أنه ينافح عن مبدأ الرجولة كاتجاه راديكالي مناوئ جملة وتفصيلا للا فكار والمبادئ التي تدافع عنها الحركات النسائية ، ويضرب في العمق كل النضالات النسائية من أجل اتباث الحقوق المشروعة للمرأة في مواجهة المجتمع الرجولي المجحف . حيث يدعو وبصفاقة في تدويناته إلى شرعنة العنف ضد النساء ، و يطلق العنان لتدوينة مفادها انه " يلزم ممارسة العنف على المرأة داخل الجدران " ثم يضيف من بين تدويناته الساخرة كذلك " أن المرأة تعتقد أن حضورها العادي يمكن وحده أن يحقق لها النجاح " ومما أجج والب عليه الحركات والمنظمات النسائية بمونتريال ؛ هو دعوته الى أن المرأة مجرد سلعة لا تصلح إلا للجنس . حيث قامت بعض الناشطات بمبادرة جمع التوقيعات كعملية احتجاجية لمنعه من الحضور لإلقاء ما يسميه ب "محاضرات " خاصة جدا , تلقن الحضور كيفية امتلاك الطرق الناجعة التي تتيح للرجل فرص ممارسة العنف على المرأة ، و الادعاء بان الاخذ بهذه الوصفات سيؤهل هذه الاخيرة ،لامحالة ، أن تدرك لاحقا أهمية هذا العنف في تحقيق المتعة والاستمتاع الجنسي .وبالفعل فإن هذه الاحتجاجات السلمية والتي اتخذت من العرائض وجمع التوقيعات منهجية سلمية لمناهضة كل إنزال من هذا القبيل ،قد أتت أكلها نسبيا ، ومؤقتا ، حيث ألغت إدارة الفندق حجز المكان المتفق عليه سابقا مع هذا الشخص والذي كان من المزمع أن يلقي فيه محاضراته لمناصريه .وبالرغم من هذا الاحتجاج ، والذي اعتبره المعني بالامر مجرد تشويش زائل ، حيث اعتبر من خلال تدويناته، أن هذه الحفنة من المناوئين لن تثنية عن بلوغ أهدافه والترويج لافكاره إلى درجة أنه مستعد للدخول إلى السجن بدل التراجع عن اشاعة ما يؤمن به ، بل إنه هدد صحفية من" جريدة "مونتريال" وناشطتين من الحركات النسائية ، باقتحام حياتهم الشخصية وذلك عن طريق دعوة مناصريه إلى جمع المعلومات الدقيقة عن محيطهم العائلي و الاجتماعي ، قصد العمل على الكشف عن نقط ضعفهم كعملية انتقامية للحد من تهجماتهم اتجاهه ،متهما إياهم باضاعة اوقاتهم في مراقبة الناس عن طريق الا نترنيت عوض القيام بواجباتهم العملية حسب جريدة "مونتريال " دائما ,لأنهم استطاعوا الكشف عن المكان الذي سيخصص لإلقاء محاضراته , مما اضطره إلى اختيار وجهة سرية أخرى ، على أن يكون التواصل مع مناصريه برسائل مشفرة . وتجدر الإشارة إلى أن حضور " دروسه" ليس مجانيا بل قد يصل احيانا إلى 100 دولار تقريبا . وهذا الاصرار على حضور هذا الشخص إلى كندا في زيارة لمونتريال وتورونتو ، جعل الناشطين والنشاطات في الحركات النسائية يحثون وزيرة العدل في الكيبيك ،باعتبارها الوجهة الاولى لنشاطه ،إلى إرغام هذا الشخص على العودة ادراجه وغلق الحدود في وجهه وفتح تحقيق استعجالي إلى ما يروج إليه من أفكار تدعو للكراهية والعنف , حسب زعمهم , ضد شريحة من المجتمع راكمت النضالات تلو اخرى للخروج من سطوة الضغط الرجولي الذي كان يمارس على المرأة منذ عقود من الزمن . و يبدو أن هذه الاحتجاجات والعرائض لم تحقق المراد بسد الحدود في وجهه باعتباره " شخصا غير مرغوب فيه" ، وهو الأمريكي الجنسية،ذي 35 من العمر، استطاع أن يحقق مراميه في الالتقاء بمناصريه في مونتريال، متبجحا ومصرا بأنه سيد نفسه وأفكاره وأنه هو الآخر مناضل بطريقته الخاصة عن طريق تأليف ما يزيد عن 14 كتاب وإلقاء المحاضرات في كل أرجاء العالم ، تروج للحد من أنشطة الحركات النسائية كتوجه سياسي واجتماعي في نظره يحيد بالمرأة عن موقعها الحقيقي و مكانتها الطبيعية ، لانها في الاصل وستظل , في نظره , مصدرا للمتعة والجنس والانجاب فحسب ، وان العلاقة بين المرأة والرجل ،كما يروج لها ، علاقة جنسية بامتياز ؛ إلا أن هذا لم يمنع الشرطة المحلية أن تفتح تحقيقا جديا في ما يروج له من افكار تقض مضجع الحركات النسائية وكل المناصرين لقيم التسامح والتساكن في العلاقات الاجتماعية بين الرجل والمرأة. و مربط الفرس في كل هذا لا يتمثل فقط في هذه الوقائع التي سردتها أمامكم لتنجلي لكم الصورة واضحة إزاء حدث يبدو غير عاد ، إلا أن الأمر يتعدى ذلك إلى المس باهم المبادئ الأساسية للحقوق المكفولة للإنسان ، خاصة إذا ما تعلق الأمر بحرية التعبير كمبدا أساسي في المجتمعات الديمقراطية ، هذه الحرية التي عادة ما تسوغ لاشخاص مثيري الجدل في الترويج لافكارهم الشاذة عن المعهود والعادي أو ضد التيار المجتمعي أحيانا ،حيث يظهر وبالملموس والعدد أن لهم مناصرين قادرين ومستعدين للدفاع و استيعاب وإشاعة مثل هذه الافكار ، و الوجهة المقصودة في غالب الاحيان صفوف الفئات الشابة . وقد تكون افكارهم مخالفة جذريا لأفكارنا ولقناعاتنا، بحيث لا ينزعج مثل هؤلاء الاشخاص من ابداء ارائهم علانية وعنوة و تطرفا احيانا ، وبذخا فكريا في احايين اخرى ، معتقدين انهم يسلكون الطريق الصحيح و الصائب في اغراء وسحر واستمالة المتلقين من السذج والعارفين في كثير من الأحيان ، وذلك باستعمال وسائل إقناع قد تبدو منطقية ومؤسسة على تمثلات راسخة في أذهاننا ولاشعورنا عبر التاريخ ، بحيث لم تستطع القطائع الفكرية القضاء عليها نهائيا ، بل انهم يعللون تدخلاتهم تحت طائلة وفزاعة الحرية الشخصية ، مما يجعلهم يعاندون ويصرون على تصريف هذه الأفكار واسداء النصح لبعض الفئات المهمشة أو المقموعة مجتمعيا تحت غطاءات معينة قد تبدو في السطح سياسية ومجتمعية كعملية وقائية اوانقاذية ولكنها في العمق لها أهداف مادية صرفة تتوخى جمع الاموال على حساب العقول الهشة والضيقة وقد يحدث العكس فيلجأون الى التستر على الخلفيات المحركة لمثل هذه الانزالات المفاجئة. لكن السؤال الذي يظل قائما هو: ما هي حدود حرية الترويج لمثل هذه الأفكار النزاعة الى التفرقة والكراهية والعنف بتلويناته الرمزية والمادية ،في ظل مجتمع دافع وبشدة ،بل قدم تضحيات جسام في سبيل تحقيق الحريات بكل اصنافها و مقتضياتها وعلى جميع المستويات؛ وبخاصة حرية التعبير ؟ كيف ندعو إلى إيقاف مثل هؤلاء الأشخاص عن الترويج لافكارهم في اطار دعوتنا الموازية الى الحفاظ على الحرية في التعبير عن تعدد الآراء والمعتقدات والتوجهات السياسية والمجتمعية إلى درجة التطبيع مع سلوكات قد تكون مبررة او غير مبررة حسب طبيعة المجتمعات المفرزة لهذه السلوكات ؟ أليس يحق لهذا النوع من الشخوص أن يروج لافكاره بطريقة سلمية وان كانت تحمل في طياتها الكراهية وعدم التسامح والتطبيع مع العنف ؟ ما هو سقف حرية التعبير في ظل شبح واقعة "شارلي" المريرة؟ أليس الأجدر بنا أن نقارع الأفكار بالافكار ونقف عند هذا الحد وان نتبنى جدلية الاقناع والاقتناع لتبديد وتسفيه مضامين الاراء و الأفكار الهدامة للحد من انتشارها وتاثيرها ، أم المنع هو السبيل الوحيد للحد منها نهائيا درءا لإنتكاس المجتمع ونكوصه؟ اليس منع دخول الدعاة الاسلامويين المتطرفين الى كندا حد من حرية التعبير وتناقض في التعامل ؟ هذه بعض الأسئلة التي استقيتها من النقاش الدائر في وسائل الإعلام الكندية والكيبيكية على الخصوص بمناسبة حضور هذا الشخص في مونتريال ، إلا أن التتيجة هو أن الدولة الكندية ، لم تغلق الحدود في وجه هذا الشخص المثير للجدل أينما حل وارتحل ، رغم العرائض والتوقيعات ، فرسالة الدولة , رغم طبيعة الحدث , تزكية للمجتمع الديمقراطي ،الذي يكفل الحرية لكل فرد أراد أن يروج لافكاره بطريقة سلمية حتى وإن كان أجنبيا ، دون أن تغفل , في المقابل , حق البث في الشكايات الموجهة ضد هذا الشخص ، حيث وعدت بفتح تحقيق جدي فيما يروج له من أفكار تدعو للكراهية والعنف حسب منطوق هذه الشكايات ؟؟؟