الانتخابات التشريعية في خطاب العرش: رؤية ملكية لاستكمال البناء الديمقراطي وترسيخ الثقة    حادثة مميتة على الطريق الساحلي بين الحسيمة وتطوان تخلف قتيلين    منصة تيك توك تزيل أكثر من مليون فيديو لمغاربة خلال 2025    الانخفاض ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    العرائش… تدشين فضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير    شخصيات فلسطينية تشيد بالمبادرة الإنسانية التي أطلقها الملك محمد السادس    الممثلة الخاصة للأمم المتحدة في ليبيا تشيد بالتزام المغرب وتعرب عن تقديرها العميق للمملكة لتيسير الحوار الليبي-الليبي    النقص الحاد في المياه يفاقم مآسي الجوع والنزوح في قطاع غزة    غينيا تهزم النيجر بهدف في "الشان"    أولمبيك آسفي يتعاقد رسميا مع الإيفواري "أبو بكر سيلا"    قضية حكيمي تثير جدلًا حقوقيا وقانونيا.. ونشطاء فرنسيون يطالبون بإنصافه    البطالة تستفحل في الشرق: الجهة تسجل 21,1% خلال الفصل الثاني من 2025    رابطة الكتبيين بالمغرب تحذر من أساليب تجارية «مضلّلة» وتدعو لحوار وطني حول مستقبل الكتاب المدرسي    قارب "فانتوم" ينفذ ثالث عملية تهريب مهاجرين بين شمال المغرب وإسبانيا خلال أسابيع    توقيف مروجين للمخدرات والقرقوبي بأكادير    اختتام الدورة الثالثة لمهرجان "ولاد المدينة" بالعرائش    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    موجة حرّ قياسية تصل إلى 47 درجة وأمطار رعدية مرتقبة بعدد من مناطق المملكة هذا الأسبوع    بنكيران يدخل على خط مهاجمة الريسوني للتوفيق ويعتبر أنه من غير "اللائق أن ينعت وزارة الأوقاف بتشويه الإسلام"    رد واضح لا غبار عليه من مستشار ترامب مسعد بولوس خاصة أنه موجّه لوسيلة إعلام جزائرية: الصحراء مغربية والحل أساسه الوحيد مبادرة المغرب للحكم الذاتي    "فدرالية ناشري الصحف" تدعو الحكومة لمراجعة موقفها من قانون مجلس الصحافة        الصحراء المغربية دعم أمريكي متجدد وكشف إسباني وشيك    كوندوري تلتقي بوفد من المستشارين    الدار البيضاء تستضيف الدورة الأولى من مهرجان "عيطة دْ بلادي"    باحث يناقش رسالة ماستر حول الحكامة المائية في ضوء التجارب الدولية بكلية الحقوق بالدار البيضاء    بجلد السمك.. طفل يُولد في حالة غريبة من نوعها    غامبيا تبحث تعزيز التعاون القضائي مع المغرب        حملة "التعمير والإسكان" تخدم الجالية    إسبانيا تنفي إنزال علمها من جزيرتي الحسيمة    دعوات لاحتجاجات أمام ميناء الدار البيضاء رفضا لاستقبال "سفن الإبادة"    ضربات إسرائيلية تخلف قتلى في غزة    انخفاض أسعار النفط بعد اتفاق "أوبك+" على زيادة الإنتاج    "الجايمة"..أشهر مطعم مغربي في ألميريا يُغلق أبوابه نهائيًا    من الزاويت إلى الطائف .. مسار علمي فريد للفقيه الراحل لحسن وكاك    فنادق أوروبا تلاحق "بوكينغ" قضائياً    الأطعمة الحارة قد تسبب خفقان القلب المفاجئ    لا أنُوء بغزّة ومِنْهَا النُّشُوء    مقاومة الأداء الإلكتروني بالمغرب تعرقل جهود الدولة نحو الشمول المالي    كأس أمم إفريقيا للاعبين للمحليين 2024.. المغرب مرشح قوي تترقبه أعين كل المنافسين على اللقب    إنتر ميامي يعلن غياب ميسي لأجل غير مسمى    ريال مدريد يحصن نجمه المغربي إبراهيم دياز بعقد جديد    الدخول المكثف للجالية يدفع الدرهم المغربي للارتفاع أمام الأورو    ارتفاع في أعداد المهاجرين غير النظاميين الوافدين إلى سبتة ومليلية المحتلتين خلال 2025    ترتيب شباك التذاكر في سينما أميركا الشمالية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين        بطولة انجلترا: تشلسي يتعاقد مع الظهير الأيسر الهولندي هاتو    فرنسا ترحل طالبة فلسطينية إلى قطر بعد اتهامها بكتابة منشورات "معادية للسامية"    وفاة الممثلة الأميركية لوني أندرسون عن عمر ناهز 79 عاما    دراسة كندية: لا علاقة مباشرة بين الغلوتين وأعراض القولون العصبي    دراسة: الانضباط المالي اليومي مفتاح لتعزيز الصحة النفسية والعلاقات الاجتماعية    بنكيران يدعو شبيبة حزبه إلى الإكثار من "الذكر والدعاء" خلال عامين استعدادا للاستحقاقات المقبلة    حبس وغرامات ثقيلة تنتظر من يطعم الحيوانات الضالة أو يقتلها.. حكومة أخنوش تُحيل قانونًا مثيرًا على البرلمان    "العدل والإحسان" تناشد "علماء المغرب" لمغادرة مقاعد الصمت وتوضيح موقفهم مما يجري في غزة ومن التطبيع مع الصهاينة    التوفيق: كلفة الحج مرتبطة بالخدمات    في ذكرى عيد العرش: الصحراء المغربية وثلاثة ملوك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سقوط السياسي المغربي
نشر في هسبريس يوم 02 - 09 - 2015

في ما مضى، كان السياسي أو الشخصية العامة معروفا و فريدا عن عامة المجتمع بمبادئه و أفكاره و منجزاته، متحررا من التعقيدات و العقد التي تميز المواطن العادي. صحيح أننا أحرار في التوافق أو الاختلاف معه ، لكن كان على الأقل من الأكيد أنه قادر على تحمل مسؤولية معينة أو شغل منصب على أحسن وجه و دون القلق حيال نزاهته أو كفاءته. كان السياسي مرجعا، بل دعامة تبنى حولها الآراء و وجهات النظر و ترتكز عليها مطامح البلاد المستقبلية.
إن النقص في جودة الشخصية السياسية ينعكس سلبا على الديمقراطية، ما يؤدي إلى التخلي على كل الوعود و السقوط في الفساد السياسي و الفضائح المتتالية و ما إلى ذلك من ممارسات تؤدي إلى نبذ شامل للسياسيين برمتهم من طرف المواطنين. و الأكثر من ذلك، فتدني الكفاءة في تسيير الشأن العام ، إضافة إلى غياب المصداقية ، العاملين الضروريين للدفع بأي تغيير اجتماعي إلى الأمام ، من شأنه اختزال الديمقراطية في مجرد لعبة استغلال لمصالح انتخابية .
هل يمكن إذن الاعتماد في بناء دولة ما، اقتصاديا و اجتماعيا و ثقافيا و على كل المستويات، على سياسيين تتركز كل همومهم على حملاتهم الانتخابية و يستثمرون من أجلها كل جهودهم ؟ ، هل السياسي في صيغته الحالية قادر على تحقيق آمال المواطنين و تخفيف آلامهم، هو الذي يحمل حلما مغايرا مختصرا في الوصول إلى كرسي معين – يعتبره شرفا لا مسؤولية - سيمكنه من التمتع بمجموعة من الامتيازات و المغريات ، غير آبه بحجم المسؤولية التي تنتظره و لا تقض مضجعه محاسبة ؟
إن الأحزاب السياسية التي كان معولا عليها في تأطير المجتمع و الرقي به أضحت مجرد دكاكين تحمل أسماء و علامات تجارية براقة غرضها الإثارة من أجل استهلاك منتوجها الوحيد الذي هو المناصب الانتخابية لا غير. لقد تكاثرت و لا تزال، لكن تكاثرها لا يعني بالضرورة الحرية و الديمقراطية في تأسيس الأحزاب بقدر ما يعبر عن صراعات مصالح بين أقطاب و جماعات فطنت بمردودية هذه الأخيرة في ظل الظرفية الحالية، فأصبح بذلك كل شخص له قليل من النفوذ و الأتباع يفضل أن يمتلك لنفسه واحدا يسيره على هواه. إن الأحزاب السياسية الحالية أضحت متشابهة إلى حد يمكن وصفها بحزب واحد له عدة فروع، فلا فرق اليوم بين الاشتراكي و الليبرالي و الإسلامي و الشيوعي ....، لها قوانين أساسية تكاد تكون نمطية معيارية، تتحدث نفس الخطاب و يستعمل وكلاؤها التجاريون نفس المصطلحات وفقا للمستجدات و الأكثر من ذلك فهي لم تعد تجدد أو تبتكر في شيء اللهم في أساليب الوصول إلى السلطة، و لعل حكومات التناوب أبانت و فضحت عدة اختلالات و نقائص أدت – تجربة بعد أخرى - بشكل ملحوظ إلى تزايد مهول في نفور المواطنين من الشأن السياسي ككل و من العملية الانتخابية خاصة. و بما أن الأهداف كما قلنا تصب في اتجاه الانتخابات لا غير، فإن أكبر حزب في المغرب اليوم هو حزب "العازفين عن التصويت" و المشاركة في السياسة.
إن ظاهرة العزوف، و إن تم استغلالها بطريقة ما لصالح الأحزاب، لتشكل ضررا كبيرا على الديمقراطية فهي و إن كانت نتاجا لفقدان الثقة في المنتخبين ( وليس الأحزاب لأن المواطن اليوم يصوت على الشخص ) ، تفقد المواطن شيئا فشيئا سلطته بشكل غير مباشر، على اعتبار أن المنتخب أضحى مجرد أداة في يد حزبه يشتغل وفق أوامره و مخططاته و لا يستطيع بذلك تلبية رغبات منتخبيه أو الوفاء بوعوده، ما أدى بالمواطن إلى النفور و إسقاط الثقة عنه. إذن عندما فقد المواطن سلطته في تسيير شؤونه و إن بصفة غير مباشرة عن طريق منتخبيه، اختار الحفاظ على سلطته من الاستعمال الغير اللائق و لم لا محاولة إفشال عملية استغلالها باسم القانون و الديمقراطية لأغراض حزبية و شخصية ضيقة.
أضحت أحزابنا اليوم قلّما تتوفر على مشروع مجتمعي تدافع عنه أو يمكن اعتباره أرضية لنضالها و قلما مثلت إرادة الشعب أو صوته، فاتجه معظمها إلى نقاشات و مشادّات كلامية بين أعضائها و بين قيادييها تصل لحد التهريج و الصبيانية، متحاربين حول مواضيع بعيدة عن هموم الشعب الحقيقية، قريبة و فاضحة لمطامعهم الشخصية و الانتخابية، فاختلط اليمين باليسار و التبس على المواطن صاحب الحق من الذي على خطأ و فقد المتحاربون المصداقية و فقدتها أحزابهم معهم و ضاعت مساندة الشعب لأي مخطط أو إستراتيجية، ما من شأنه إفشال كل شيء و لا يبقى للأحزاب سوى بعض الشطحات من حين لآخر في انتظار الانتخابات التي هي الهدف الأسمى و الوحيد. هذا التمييع الخطير في أخلاقيات العمل الحزبي السياسي النضالي أضحى معه حتى المنخرط الحزبي غير مستعد للتضحية من أجل حزبه كما كان أو من أجل مبادرات و تصرفات شخصية جريئة لا تخدم سوى مصالح الزعماء، و لا غرابة أن ينتقل المنخرط ( المناضل ) من حزب لآخر دون حرج أو أن ينجح في الانتخابات بلون تم "يبيعه" لصالح لون آخر بعيد انتخابه بقليل، دون مبالاة بمشاعر الناخبين و اختيارهم، ففي الأخير مهما تعددت الألوان و الأسماء فالعقلية واحدة و المنهج واحد .
بالكلام على المناضل الحزبي، فقد أضحى أقل تكوينا من نظيره الجمعوي على جميع المستويات، ما خلق نزيفا لبعض الراغبين في العمل الجاد نحو هذا الاتجاه تبعته الأحزاب بتأسيس جمعيات تابعة لها للمنافسة، لكن العمل الجمعوي الحر و المستقل بقي هو السائد، على اعتبار أن هذا النوع من النضال يحتاج إلى التضحية و نكران الذات و لا يقبل بالاستغلالية و الفساد. فماذا يعني أن تتجه الأحزاب اليوم نحو استقطاب الأميين و ذوي المستويات التعليمية المتدنية ؟ ، ألا يعني رغبة من طرف القيادات في التحكم و دحض المنافسة أو النقاش؟ . و ماذا يعني تزكية و تقديم مرشح أمي للانتخابات التشريعية أو المحلية و العمل على إنجاحه بكل الوسائل، في ظل العزوف الشديد، ليصبح ممثلا قانونيا، داخل البرلمان أو الجماعة، لمصالح المواطنين بمن فيهم ذوي المستويات التعليمية العليا و رجال الأعمال ... ثم يكون على ذاك الممثل التشريع و التصويت على قضايا تمس مستقبل البلاد برمتها و ذلك باسمهم، أليس في العملية تنقيص من قدر الناخبين و اختلال خطير يمس مستقبل أمة بأكملها و يحط من قدر المسؤولية الملقاة على المنتخب؟ . أما كان من الأجدر التنصيص على شروط دنيا و جب أن تتوفر في المرشح لأي منصب حتى يعي حجم المسؤولية و جديتها، على اعتبار أن مجتمعنا، على خلاف الدول الأخرى التي تطبق نفس مبدأ الديمقراطية في هذا الشأن، لا يزال يعاني الأمية و الجهل و الفساد الأخلاقي، فلا يجب أن تطبق بذلك الديمقراطية بشكل أعمى و دون شروط، و إلا فسنقتل مبدأ الحكامة الجيدة، و سنبقى نعاني الإختلالات على كل المستويات، و لا ننسى أن هذا السكوت يشجع الأمية ضمنيا.
في الجهة المقابلة، لم يعد المواطن يطالب مرشحه فقط بقضاء بعض مصالحه العادية، كالأوراق الإدارية و التراخيص ... لأنها حق له بحكم القانون و إنما يصبو إلى مصالح عامة و مستقبلية كالتخطيط الاستراتيجي و النمو في جميع الميادين، و الرفع من مستوى الرفاهية و الازدهار و محاربة الظواهر التي غدت تعيق كل تطور و تشوه سمعة البلاد و تعيق شراكتها مع باقي الدول بما فيها الرشوة و المحسوبية و الزبونية و الفساد الانتخابي ذاته. المواطن أيضا مطالب بلعب دوره في محاربة هذه الاختلالات و ذلك بالتصدي للممارسات التي تشوش على السير العادي و الديمقراطي للأمور، بما في ذلك ما أوردناه إضافة إلى ضرورة تحسين مستواه المعرفي و الفكري و عدم التماهي مع السلوكيات السلبية التي تطبع المشهد السياسي و ضرورة التحلي بالمسؤولية أيضا في النهوض بواقعه.
يجب على المشرع التدخل لرفع جودة "الممارس للسياسة" حتى يرقى إلى مرتبة السياسي، و تكوينه و تحفيزه على المواطنة. كما يجب إعادة تقنين تأسيس الأحزاب السياسية بشكل يضمن الجودة أكثر من الكمية و العدد ووضع حد أدنى لنجاعة عملها، فماذا يعني أن يبقى حزب لم ينجح في تقديم أي إضافة أو حتى الحصول على مقعد انتخابي واحد لسنوات يحسب في لائحة الأحزاب و يستفيد من دعم الدولة؟، إضافة إلى استحسان وضع معايير (ولم لا مباريات لأن المنتخب بمثابة موظف بالتعاقد ) للمتقدم إلى الانتخابات بمختلف أشكالها و مستوياتها و منع الجمع بين مختلف التمثيليات دون أن ننسى ربط المسؤولية بالمحاسبة، و ربما تطال المحاسبة أيضا الوعود المقدمة في الحملات الانتخابية و مدى تحقيقها أو القدرة على ذلك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.