كشفت المندوبية السامية للتخطيط أخيرا، عن نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى الذي جرى سنة 2014، وفي المرسوم المنشور بالجريدة الرسمية والوثيقة المنشورة على الموقع الرسمي للمندوبية تم الكشف عن المعطيات المرتبطة بوضعيات اللغات، سواء على مستوى القراءة والكتابة، وعلى مستوى التحدث باللغات المحلية. لتحليل المعطيات الإحصائية الجديدة التي كشفت عنها المندوبية السامية للإحصاء، خاصة فيما يتعلق بوضعية اللغات، لا بد من التأكيد على التوضيحات الآتية: تدخل العملية الإحصائية ضمن مجالات التعداد والتقدير العددي، تعتمد طرق علمية لكن غير دقيقة في منهاجها ونتائجها، ومنها الاعتماد على عينة الإحصاء التمثيلية لمجموعة كبيرة تبقى رغم كل شروط الانتقاء غير متجانسة، وتقنيات المقابلة وملء الاستمارة التي استعملت في الإحصاء العام للسكان والسكنى بالمغرب، والتي تخضع بدورها لمجموعة من المتغيرات والمؤثرات الذاتية والموضوعية، سواء التي تخص المستجوب أو الباحث الإحصائي أو أسئلة وصياغة وظروف أللاستبيان، مما يضفي على نتائجها طابعا غير دقيق. فإذا توقفنا مثلا عند استمارة الإحصاء العام الذي نحن بصدد تحليل نتائجه، نجد بأن السؤال الأول المرتبط بالمحور اللغوي تم بالصيغة الآتية: * حدد رمز اللغات الثلاث المقروءة والمكتوبة: - عربية - أمازيغية (تيفيناغ) - فرنسية - إنجليزية - إسبانية - لغات أخرى تذكر فيما يتعلق بالقراءة والكتابة، نعلم بأن بداية إدماج اللغة الأمازيغية في منظومة التربية والتكوين لم يتم سوى قبل بضع سنوات وبشكل محدود وبوثيرة متراجعة، مما لن تكون له نتائج مهمة على مستوى تعلم كتابة وقراءة اللغة الأمازيغية وبحرف تفيناغ بالنسبة لسكان المغرب المتعلمين ذوي عشر سنوات فما فوق الذين ارتكزت عليهم نتائج الإحصاء، وهذا ما قد يفسر نسبة 2,8 في المائة يقرؤون ويكتبون بالأمازيغية التي وردت في نتائج الإحصاء، فيما 99,4 في المائة يقرؤون ويكتبون بالعربية، و66 في المائة بالفرنسية. لكن فيما يتعلق بنسبة المتحدثين بالأمازيغية من مجموع سكان المغرب، التي حددتها نتائج الإحصاء في 26,7 في المائة ( تشلحيت 15 في المائة، تريفيت 7,6 في المائة، تمزيغت الوسط 4,1 في المائة)، فهي تطرح عدة أسئلة وتتطلب توضيح ما يلي: السؤال الذي اعتمدته استمارة الإحصاء في استجلاء هذه المعطى تم في محور اللغات المحلية وجاء على الصيغة الآتية: *حدد رمز لغتين على الأكثر من اللغات المستعملة: - لا شيء - الدارجة المغربية - تشلحيت - تمزيغت - تريفيت - الحسانية فالسؤال المطروح في الاستمارة لا يستبين إن كان المستجوب يتحدث اللغة المحلية وإن كان ناطقا بها، بل إن كان يستعملها، وهناك فرق كبير من الصياغتين والاستبيانين. فسؤال الاستعمال يبقى غامضا ولا يتضمن توضيح حول المقصود بالاستعمال ومجاله، هل المقصود مثلا، فضاء البيوت أو الشارع أو في مجالات العمل...؟ فيمكن أن يكون المستجوب أي المواطن ناطقا بإحدى فروع اللغة الأمازيغية، لكن يستعملها مع أفراد الأسرة وداخل البيت، ولا يستعملها في حياته العملية وفي الشارع وفي علاقاته الاجتماعية العامة، حيث تبقى الدارجة لغة التواصل الأكثر استعمالا، خاصة في المدن وحتى بعض المجالات القروية ذات ساكنة أمازيغية. وعلى مستوى الجهات الترابية، تأتي جهة سوس ماسة في مقدمة الجهات التي تتضمن نسبة كبيرة من المتحدثين بالأمازيغية، وهي الجهة الوحيدة التي يفوق فيها عدد المتحدثين بالأمازيغية عدد المتحدثين بالدارجة حيث تبلغ هذه النسبة 70,2 في المائة بالنسبة لتشلحيت و65,6 في المائة بالنسبة للدارجة. كما تضم الجهة الشرقية أيضا نسبة 38,4 في المائة من المتحدثين بتريفيت، وجهة درعة تفيلالت نسبة 48,8 في المائة من المتحدثين بأمازيعية الوسط. لكن يبقى السؤال الكبير مطروحا حول نسبة استعمال اللغة الأمازيغية بجهات أخرى تضم مدن كبرى ومناطق قروية شاسعة تعرف كثافة سكانية كبيرة ذات أصول أمازيغية، خاصة جهة الدارالبيضاء ب 6,7 في المائة بالنسبة لتشلحيت و0,7 بالنسبة لتمزيغت الوسط، وجهة مراكش أسفي ب 27,6 في المائة من مستعملي تشلحيت، وجهة بني ملالخنيفرة بنسبة 29,9 في المائة من مستعملي تمزيغت الوسط. فهل يتعلق الأمر بالظروف المحيطة بالإحصاء وتعبئة استمارة الاستبيان، كغموض المقصود بسؤال الاستعمال كما وضحنا ذلك أعلاه، وتمثلات المستجوبين والإحساس بدونية استعمال اللغة الأمازيغية كما يحصل في المدن الكبرى، أم أن هذه النتائج تؤكد اتساع ظاهرة "التدريج" على حساب استعمال اللغة الأمازيغية في صفوف السكان ذوي الأصول الأمازيغية، سواء في المدن أو في الأوساط شبه قروية؟ فنسبة 26,7 في المائة التي تضمنتها نتائج الإحصاء تهم نسبة مستعملي اللغة الأمازيغية وليس نسبة المتحدثين والناطقين بها التي يمكن أن تكون أكبر من ذلك بكثير. وبما أن عدد سكان المغرب يبلغ حسب الإحصاء حوالي 33 مليون و349 ألف نسمة، فنتائج الإحصاء تؤكد أن حوالي 10 مليون مغربي ومغربية يستعلون اللغة الأمازيغية، مما يعتبر معطى إحصائيا بالغ الأهمية في سن السياسة اللغوية والثقافية والتدابير المؤسساتية وتوفير الخدمات في المجالات والمرافق العمومية بهذه اللغة. ويبقى السؤال الغائب في استمارة الإحصاء ونتائجه هو: كم عدد سكان المغرب الذين يتحدثون اللغة العربية ويستعملونها، وكذا الفرنسية؟ أي نسبة مجمل سكان المغرب الذين يمتلكون اللغة العربية واللغة الفرنسية قراءة وكتابة، ويستعملونها داخل البيوت وفي حياتهم اليومية أو مقرات عملهم؟ من المعلوم أن النتائج المرتبطة بوضعيات اللغات في إحصاء السكان بالدول الديمقراطية والمتقدمة توظف في إطار مقاربات سوسيو اقتصادية وتنموية فاعلة تروم تطوير السياسات الترابية واللغوية والثقافية قصد تطوير دينامية المجالات الجهوية والوطنية. وبالنسبة لبلادنا، فالنتائج والمعطيات المرتبطة بوضعية اللغات التي أدرجت بينها الفروع الثلاث لللغة الأمازيغية، وتلك المتعلقة باللغات المقروءة والمكتوبة وبينها الأمازيغية بحرف تيفيناغ يمكن أن توظف لاستجلاء معطيات هامة في التخطيط الإيجابي للمستقبل، ووضع سياسة لغوية وثقافية تترجم الوضعية الدستورية الجديدة للأمازيغية باعتبارها لغة رسمية للدولة. ومن ثم، فعلى الدولة والحكومة وبقية الفرقاء السياسيين أن يختاروا بكل وضوح توظيف آلية الإحصاء ونتائجه وموقع الأمازيغية فيها، التوظيف الديمقراطي والحكامتي المسؤول الذي يرصد المعطيات بشكل علمي وموضوعي، ويعتمدها بشكل نزيه في التخطيط وتدارك الأخطاء وتطوير السياسات والخدمات العمومية والبنيات الضرورية وصيانة كرامة المواطنين، بدل السعي إلى تبرير الأوضاع القائمة وإجراءات الإقصاء والهيمنة، والاستمرار في هدر الإمكان والزمن المغربيين.