مستشارو الملك يجتمعون بزعماء الأحزاب لمناقشة تحيين مبادرة الحكم الذاتي    أخنوش يستعرض أمام البرلمان الطفرة المهمة في البنية التحتية الجامعية في الصحراء المغربية    زيارة وزير الخارجية السنغالي للمغرب تفتح آفاقاً جديدة للشراكة الثنائية    مئات المغاربة يجوبون شوارع باريس احتفاء بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء المظفرة    أخنوش: الحكومة تواصل تنزيل المشروع الاستراتيجي ميناء الداخلة الأطلسي حيث بلغت نسبة تقدم الأشغال به 42 في المائة    إطلاق سراح الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي وإخضاعه للمراقبة القضائية    المعارضة تقدم عشرات التعديلات على مشروع قانون المالية والأغلبية تكتفي ب23 تعديلا    تداولات بورصة البيضاء تنتهي "سلبية"    رسميا.. منتخب المغرب للناشئين يبلغ دور ال32 من كأس العالم    ندوة حول «التراث المادي واللامادي المغربي الأندلسي في تطوان»    أخنوش: "بفضل جلالة الملك قضية الصحراء خرجت من مرحلة الجمود إلى دينامية التدبير"    كرة أمم إفريقيا 2025.. لمسة مغربية خالصة    مصرع شخص جراء حادثة سير بين طنجة وتطوان    أمن طنجة يُحقق في قضية دفن رضيع قرب مجمع سكني    نادية فتاح العلوي وزيرة الاقتصاد والمالية تترأس تنصيب عامل إقليم الجديدة    "حماية المستهلك" تطالب بضمان حقوق المرضى وشفافية سوق الأدوية    المنتخب المغربي لأقل من 17 سنة يضمن التأهل إلى الدور الموالي بالمونديال    انطلاق عملية بيع تذاكر مباراة المنتخب الوطني أمام أوغندا بملعب طنجة الكبير    المجلس الأعلى للسلطة القضائية اتخذ سنة 2024 إجراءات مؤسسية هامة لتعزيز قدرته على تتبع الأداء (تقرير)    لجنة الإشراف على عمليات انتخاب أعضاء المجلس الإداري للمكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة تحدد تاريخ ومراكز التصويت    "الإسلام وما بعد الحداثة.. تفكيك القطيعة واستئناف البناء" إصدار جديد للمفكر محمد بشاري    تقرير: احتجاجات "جيل زد" لا تهدد الاستقرار السياسي ومشاريع المونديال قد تشكل خطرا على المالية العامة    صحة غزة: ارتفاع حصيلة شهداء الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة إلى 69 ألفا و179    تدهور خطير يهدد التعليم الجامعي بورزازات والجمعية المغربية لحقوق الإنسان تدق ناقوس الخطر    ليلى علوي تخطف الأنظار بالقفطان المغربي في المهرجان الدولي للمؤلف بالرباط    باريس.. قاعة "الأولمبيا" تحتضن أمسية فنية بهيجة احتفاء بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    ألمانيا تطالب الجزائر بالعفو عن صنصال    82 فيلما من 31 دولة في الدورة ال22 لمهرجان مراكش الدولي للفيلم    200 قتيل بمواجهات دامية في نيجيريا    رئيس الوزراء الاسباني يعبر عن "دهشته" من مذكرات الملك خوان كارلوس وينصح بعدم قراءتها    قتيل بغارة إسرائيلية في جنوب لبنان    مكتب التكوين المهني يرد بقوة على السكوري ويحمله مسؤولية تأخر المنح    الحكومة تعلن من الرشيدية عن إطلاق نظام الدعم الخاص بالمقاولات الصغيرة جداً والصغرى والمتوسطة    الإمارات ترجّح عدم المشاركة في القوة الدولية لحفظ الاستقرار في غزة    برشلونة يهزم سيلتا فيغو برباعية ويقلص فارق النقاط مع الريال في الدوري الإسباني    إصابة حكيمي تتحول إلى مفاجأة اقتصادية لباريس سان جيرمان    اتهامات بالتزوير وخيانة الأمانة في مشروع طبي معروض لترخيص وزارة الصحة    توقيف مروج للمخدرات بتارودانت    الركراكي يستدعي أيت بودلال لتعزيز صفوف الأسود استعدادا لوديتي الموزمبيق وأوغندا..    الدكيك: المنتخب المغربي لكرة القدم داخل القاعة أدار أطوار المباراة أمام المنتخب السعودي على النحو المناسب    لفتيت: لا توجد اختلالات تشوب توزيع الدقيق المدعم في زاكورة والعملية تتم تحت إشراف لجان محلية    العالم يترقب "كوب 30" في البرازيل.. هل تنجح القدرة البشرية في إنقاذ الكوكب؟    كيوسك الإثنين | المغرب يجذب 42.5 مليار درهم استثمارا أجنبيا مباشرا في 9 أشهر    ساعة من ماركة باتيك فيليب تباع لقاء 17,6 مليون دولار    دراسة تُفنّد الربط بين "الباراسيتامول" أثناء الحمل والتوحد واضطرابات الانتباه    حسناء أبوزيد تكتب: قضية الصحراء وفكرة بناء بيئة الحل من الداخل    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بين ليلة وضحاها.. المغرب يوجه لأعدائه الضربة القاضية بلغة السلام    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار هادئ مع الأستاذ أحمد عصيد حول مقاله عن الأستاذ مصطفى بن حمزة
نشر في هسبريس يوم 07 - 03 - 2016

صدر للأستاذ أحمد عصيد مقال في حق الأستاذ العلامة الدكتور مصطفى بن حمزة، اتهمه فيه بأنه قال في شريط: "الأمازيغية لغة الشيخات"، ونعته لذلك بأوصاف شنيعة، وسنسوق كلامه كما هو منشور، حتى لا يقول: قد قوّلناه ما لم يقل، ثم نعقب عليه لإظهار عواره، وهلهلة نسجه، وضعف دلالته، وسوء مضمونه، لأنه انطلق من ظن كاذب، ورأي غير محقق. وهذا كلامه بلفظه.
1- قال - عما نسبه للأستاذ الدكتور مصطفى بن حمزة -: "كلام غريب ولا يليق بعقلاء، ورأي شاذ يمكن أن ينسب إلى السفهاء ولا يمكن أن ينسب إلى علماء أو عقلاء"
2- وقال: "ما يبدو أنه صدر عن مصطفى بنحمزة، إن صحت نسبته إليه، فهو يجعل الرجل خارج الإسلام، وأيضا خارج التوافق الوطني والسياسة الرسمية"، لأن "موقف الدولة هو ترسيم الأمازيغية والنهوض بها".
3- وقال: "كلام يمكن أن يحسب على العنصرية لأنه يذكي الصراع العرقي أو الإثني داخل المجتمع، ويمكن أن يؤدي إلى إشاعة الكراهية بين المواطنين المغاربة، وهو ما تفاديناه على مدى نصف قرن"،
4- وقال: (أدعو) الأمازيغيين ألا يعطوا أية أهمية لهذا الرأي وأن يعتبروه خطأ لشخص أساء التقدير وليس له من العلم والمعرفة ما يكفي لمعرفة قيمة لغة وطنية".
5- وقال: كلام بن حمزة، هذا "خارج حتى عن التنظيم السياسي المقرب منه، سواء تعلق الأمر بالعدالة والتنمية، أو التوحيد والإصلاح، اللذين لم يسبق أن صدر عنهما موقف من هذا النوع".
6- وقال: كلام بن حمزة، "خارج العلم لأنه تحدث خارج علم اللسانيات والأنتربولوجيا والعلوم الإنسانية".
7- وقال: "الأمازيغية، وطوال السنوات الماضية، كانت موضوع نقاش "نيّر وعقلاني" أدى إلى ترسيمها والاعتراف بها، وجعل منها ورشا ثقافيا وهوياتيا ولغويا كبيرا أعطته الدولة اهتماما واضحا، سواء في سياستها أو حتى في ميزانيتها".
8- وقال: "الظرفية الحالية تعرف استعداد الحكومة لوضع القانون التنظيمي الخاص بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، ما يقتضي، أن ينخرط الجميع في هذا الورش، معتبرا أن "بنحمزة غير منخرط بما يكفي في عصره ليدرك أهمية العمل الذي ينجز".
هذه ثماني فقرات، هي مرتكز رده، والجواب عنها سيكون فقرة فقرة، مرتبة، على النحو الآتي:
الفقرة الأولى: يقول تعالى: "يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم"
إذا كان هذا الذي نسبه أحمد عصيد للأستاذ الدكتور مصطفى بن حمزة، غريبا، فلم صدقه إن كان عاقلا؟ لأن العقلاء لا يصدقون الغرائب؛ لأن أغلبها كذب، وقديما قال العلماءُ العربُ والأمازيغ جميعا: " شرُّ العلم الغريب" فإذا كان الغريب الداخل في جنس العلم شرا، لما فيه من غلبة الكذب، فما ذا يقال في كلام الناس المنقول من هنا وهناك، فهو أولى بأن يكون كذبا، فيلزم الاحتياط منه، وعدم نسبته لمن نسب إليه إلا بعد التأكد، ثم بعد التحقق لا بد من أخذه بسياقه، وفي إطاره الزماني الذي قيل فيه، فسياقُه يفسر مقصود صاحبه، وعزلُه عن سياقه، يقلب فهمه رأسا على عقب، ويُنسَب بذلك لصاحبه ما لا يقصد ولا يخطر على باله. هكذا يفعل فريق العقلاء الذين يحترمون عقولهم وقرّاءهم، وكانت لهم نية صادقة في فهم الأغراض المقصود ة من الكلام، وأما الفريقُ الذي يكون غرضُه التشويه، فإنه يدخل في عداد من قال: "فويل للمصلين" فسكت ولم يكمل الآية، فأوهم بذلك خلاف المراد، وكلام أحمد عصيد من هذه الطينة الثانية.
ثم إن كان هذا الكلام لا يليق بالعقلاء أن يقولوه، فهل أحمد عصيد رد عليه بكلام العقلاء، ذوي الأناة والرزانة، أنا لا أحجو ذلك، فكلُّ من قرأ كلامه بلا خلفية، سيتضح له أنه يقطر سما زعافا على الأستاذ الدكتور مصطفى بن حمزة، لا لشيء إلا للمخالفة في المشرب الذي جسده الله تعالى في قوله: "وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد". ثم إذا لم يكن الأستاذ مصطفى بن حمزة وأمثالُه من العقلاء، فمن ياترى يكون عاقلا، أهم المتهوكون؟ أم الشوفانيون الذين لا يرون إلا بنظارة غامقة؟ إن هذا لزمنٌ عجاب، زمن يُزنّ فيه العقلاء بعدم العقل، وتضفى فيه ألقاب العقل والتعقل والعقلانية على من لا عقل لهم، ولا غرو أنه في زمان البؤس والقحط العقليين، تقلب الحقائق، ويسمع الناس فيه ما لم يكونوا يعرفون، كما قال دعبل الخزاعي:
لَعمْرُ أبيك ما نُسِب المُعَلَّى **** إلى كرَم وفي الدنيا كري
ولكنّ البلاد إذا اقشَعرّتْ **** وصوَّح نبْتُها رُعِي الهشيم
الفقرة الثانية: هذه الفقرة، فيها تناقض صريح مع ما في الفقرة الأولى، ففي الأولى جزم أحمد عصيد بأن مانسبه للدكتور مصطفى بن حمزة قد تيقن أنه قاله، ولذا هاجمه بكلام لا يليق بمثقف فكيف بعاقل، وفي هذه يشكك في قوله ذلك بقوله: "إن صحت نسبته إليه"، فهل نصدق كلامه الأول، أو الثاني؟ فإن كان الأول حقا، فلما ذا نقضه بالشك فيه، وإن كان باطلا فلما ذا أطلق للسانه العنان، ورمى بريئا، واتهم من لا جناية له، ونسي قوله تعالى: " ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا" ولا يمكن للمتمعّن أن يفسر هجومَه إلا بنية مبيَّتة، وسبق إصرار، سواء قال الدكتور مصطفى بن حمزة ذلك أو لم يقله، لأن غرضه النيلُ منه لأسباب معلومة.
ثم إن الحكم عليه بأنه خارج الإسلام، هو كلام خطير جدا، يدل صراحة أن أحمد عصيد لا يزن ما يقول، ومثلُ هذا الحكم لو صدر من الأستاذ مصطفى بن حمزة، لأقام به أحمد عصيد الدنيا ولم يقعدها، ولملأ به الجرائد والصحف، المحلية والدولية، ولما توانى في وصفه بكل نقيصة، ولكن الأستاذ مصطفى بن حمزة، لم يبل بهذا؛ لأنه يعلم أنه حكم صادر عن غير أهله، وعمن لا يعرف ما يقول، ولا يَزن كلامه، ولا يعقل لسانه، ولا يفقه مآلات الأمور. فإن كان هناك دعوة للكراهية، والإقصاء، فهذا الكلام يصدق عليه ذلك بكل المقاييس،
الفقرة الثالثة: هذه الفقرة، يصدق عليها المثل العربي المشهور: "رمتني بدائها وانسلت" لأن الذي يتحلى بالعنصرية ويذكي الصراع العرقي أو الإثني داخل المجتمع، ويؤدي كلامه إلى إشاعة الكراهية بين المواطنين المغاربة، لابد من بيان من هو؟ أهو الأستاذ مصطفى بن حمزة، أم أحمد عصيد، فإن كان هو الأستاذ مصطفى بن حمزة، فأين كلامه في هذا الموضوع تاما غير مبتور، ليوضع في مقابلة كلام أحمد عصيد هذا ، حتى يعرف المواطن مَن العنصري، ومن الإثني الداعي للكراهة؟، فأحمدُ عصيد، يحاكم غائبا، ويصدر عليه أحكاما جاهزة في غيابه، فهل هذا هو الإنصاف، وهل هذه هي العدالة التي لا يتوانى عصيد في كل مناسبة وبلامنا سبة أن يدّعي رفع شعارها، إنّ كلامه هذا -بامتياز- هو الذي يصدق عليه الدعوةُ للعنصرية، والكراهية، وشق الصف، وأما الأستاذُ مصطفى بن حمزة، فأبعدُ ما يكون من هذه الأوصاف، لأنه ينطلق من قوله تعالى: "إن أكرمكم عند الله أتقاكم" و من قوله صلى الله عليه وسلم: " لا فضل لعربي على عجمي، ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى" فهذا هو المعيار الذي ينطلق منه الأستاذ مصطفى بن حمزة، وهو معيار سماوي، لا معيار أرضي يصاب بشطحات الأنانية، كمعايير المفلسين عامة، وقد دعا الأستاذ مصطفى بن حمزة، ويدعو إلى المحبة، ولَمّ الصف منذ نعومة أظفاره، ولكن بلا راية مرفوعة لجهة معينة، ولا استدعاء الكاميرات لتنقل ما يدعو إليه عبر الأثير، إيماناً منه بأن كلمة الحق يرعاها الله، وينميها، ويباركها، كالغيث ينزل على أرض هامدة خامدة فإذا هي اهتزت وربت، ومَن قويت صلته بالله، أغنته عن المظاهر الجوفاء، والخرجات غير المحسوبة، والاصطفاف أمام الاستوديوهات لتخرج له صورة تبين عظمته الموهومة.
وأولُ شرط من شروط العلم الصحيح الذي يعدّ الأستاذ مصطفى بن حمزة من أهله، التخلي عن المظاهر الفارغة، والتواضع لله، والعمل للدين والوطن في صمت، وهذا ما عرف به منذ سنين.
الفقرة الرابعة: دعوة أحمد عصيد الأمازيغيين أن لا ينصتوا لكلام الأستاذ مصطفى بن حمزة، هو من التشبع بما لم يعط؛ لأنه أراد بها أن يوهمنا أن الأمازيغيين ينصتون له، ويهتبلون بكلامه، والواقعُ خلاف ذلك، فأنا واحد من الأمازيغيين الذي ينحدر أجداده من القطر السوسي، وأعرف كثيرا من رجالات سوس، وعلمائها، وكبرائها، وذوي الرأي والحل والعقد فيه، ولا أعرف أحدا منهم يحتفي بكلام أحمد عصيد، أو يلقي له بالا، وإنما الذي أعرفه عنهم، وسمعته منهم - مع كثرة ما تحدثنا معهم في هذا الموضوع - أنهم لا يتنكرون للغتهم الأمازيغية، كما لا يتنكرون للغتهم العربية، ولدينهم الإسلامي، ويصرحون بأنهما لغتان تتكاملان عندهما، وبهما معا انصهرت شخصيتهم، فأعطت معدنا طيبا يُخِرج نباته بإذن ر به، والدليلُ على ذ لك أن علماء سوس، ألّفوا كثيرا من الكتب في العلوم الإسلامية بلهجتهم السوسية، وكتبوها بالحرف العربي، وهذا المزجُ عندهم مقصود وذو دلالة، فهل يستطيع أحمد عصيد أن ينكره؟ ثم هل استفتى الأمازيع في هذا، أو عمل لهم استمارة ، فاستنتج منها أنهم وكّلوه للتكلم باسمهم، فإن كان ذلك، فهاتوا برهانكم إن كنتم صادقين.
و يا سبحان الله، فإذا كان الأستاذ مصطفى بن حمزة، "ليس له من العلم والمعرفة ما يكفي لمعرفة قيمة لغة وطنية" – وهو أستاذ الأستاذين في العلوم الإنسانية - فمن يعرف قيمة اللغات إذن؟ ومن يقدر على تحليل مضامينها، وتوجيه إشكالاتها؟ فلعل أحمد عصيد يريد أن ينفرد بهذه المزية لنفسه؛ لحاجة في نفس يعقوب، ونحنُ الأمازيغيين، نقول له: كلا، فالأستاذ ابن حمزة مِن أكثر الناس معرفةً بقيمة اللغات، سواء كانت وطنية أو دولية؛ لأنها ينظر إليها من منطلق عقدي، وأنها من آيات الله الكبرى الدالة على وحدانيته، كما قال تعالى "ومن آياته خلقُ السماوات والأرض واختلافُ ألسنتكم وألوانكم" فيسستحيل في حق عالم من كبار العلماء كالأستاذ مصطفى بن حمزة أن يتنكر لهذه الحقيقة العقدية التي لا تقبل الجدل، ولا تطفو للسطح لتناقش من جديد، فإذا لم يعرف هو ومن على شاكلته قيمةَ اللغة، فمن يعرفها؟. واسمع يا أخي أحمد عصيد مثلا أمازيغيا أقوله لك باللسان الأمازيغي، وهو: ((واحْماد، تْرِيتْ أَوالْ إمْقورْنْ، سْتَرْكْمِينْ إِقُورْنْ)
الفقرة الخامسة: إذا كان هذا الكلام الذي نسبه أحمد حصيد للأستاذ مصطفى بن حمزة، لم يصدر مثله عن العدالة والتنمية، أو التوحيد والإصلاح، التنظيم السياسي المقرب منه - فكيف نسبه هو إليه، فإذا كان الفريقان يصدران معا من مرجعية واحدة، وهي الإسلام، فما يجري على النظير يجري على نظيره، فكيف أعطى هو للنظير حكما مخالفا لحكم نظيره، فهذا غير مقبول لاعقلا، ولا واقعا، وإذا قال هذا مجاملة للعدالة والتنمية، فنحن نعرف أنه من أكثر الناس كرها لهم؛ لاختلاف المرجعية، فكيف يتقرب إليهم بهذا الإنصاف الغريب.
الفقرة السادسة: إذا كان كلام الأستاذ مصطفى بن حمزة، خارج العلم، فما هو الكلام الداخل في العلم؟ أهو كلام أحمد عصيد، الذي يهرف بما لا يعرف، وما أبعدَ ما يقوله ويكتبه عن ضوابط علم اللسانيات، والأنتربولوجيا والعلوم الإنسانية، وأيضا فهذه المصطلحات، رفعها شعارا، فأين رصيدها من العمل والممارسة الميدانية، لكن الكلام سهل، والبناء صعب.
الفقرة السابعة: ما جدوى هذه الفقرة وما فائدتها؟ فهل كان أحد من المغاربة يجهل أن هذه اللغة مهمة، وأن الدولة مهتمة بها، أظن حتى من لا يقرأ ولا يكتب يعرف هذا ويفهمه، فلا فائدة في الإخبار به، فهو كلام غير مفيد، لأنه لم يضف جديدا. لكن القائل، لعله أراد أن يصل به إلى أن ما نسبه للأستاذ مصطفي بحمزة، غيرُ نير ولا عقلاني، وأنه خارج عن إجماع المغاربة، فإن أراد هذا، فلا يضير الأستاذ مصطفى بن حمزة بشيء، لأن مواقفه وتاريخه في النضال العلمي، والميداني، ناطق حي، وشاهد مصدق، وقديما قال المتنبي:
وليس يصح في الأذهان شيء ****إذا احتاج النهار إلى دليل
وقال الأعشى:
كناطحٍ صخرةً يوما ليَفلِقَها **** بقَرْنه وأوهَى قَرنَه الوَعِل
الفقرة الثامنة: إذا كان الأستاذ مصطفى بنحمزة غير منخرط بما يكفي في عصره ليدرك أهمية العمل الذي ينجز في تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، فمن المنخرطُ فيه إذن، فإذا استُبعِد هو وأمثاله من الصادقين، فما ذا بقي، لكن الأستاذ مصطفى بنحمزة، لم ينخرط فعلا في هذا المشروع بالرؤية التي يراها به أحمد عصيد، وهي الرؤية الانحيازية، الأحادية، التي لا ترى غيرها، وذنبُ الأستاذ مصطفى بن حمزة عنده أنه يدعو إلى الانسجام التام بين جميع مكونات المجتمع، من أشخاص ولغات، وعادات وعبادات، وفضائل وأخلاق؛ لأنها لا تتناقض فيما بينها، ولأنها هي التي وحدت المغاربة في الماضي، وتوحدهم الآن، وفي المستقبل، و تدرأ عنهم الفتن التي يمكن أن تهددهم من القرباء أو البعداء، وتَلُمّ صفهم في مواجهة الأخطار الحقيقية، لا المتوهمة، وتجعلهم مواطنين سواسية في الحقوق والواجبات، فالوطنُ يتسع للجميع، و كلُّ واحد حر في آرائه وأفكاره وفيما يعتقد، بشرط أن لا ينحاز ضد غيره، فهذا ما يعمل إليه الأستاذ مصطفى بن حمزة، ويدعو إليه، ويسهم فيه عمليا بشكل كبير، وهو على هذه الشاكلة منذ عقود قبل أن يستيقظ الغافلون، ومن شك في هذا فليقرأ كتبه، وينصت لدروسه ومحاضراته في هذه المدد كلها، فهي خير شاهد على حاله وقيله وفعاله.
وبعد هذا، أ قول لأحمد عصيد: إن أفدح الظلم، ظلم ذوي القربى، فالظلم الخارجي يمكن للإنسان أن يتحمله، لأنه ليس بغريب ممن صدر عنه، لكن الظلم الذي لا يطاق، هو ظلم من يشاركك في الوطن، واللغة، والعادات، والمصير المشترك، وإن من أعظم المزالق التي تهدم ولا تبني، وتبعد ولا تقرب، اتهامُ العلماء، والفضلاء، والنصحاء، وخاصة إذا صدر الاتهام ممن ينسب للثقافة، ومع ذلك فأصحابُ العزائم والهمم العالية، يقولون للمخالف: تعالَ معنا إلى كلمة سواء، وإلى المشاركة في بناء الوطن وتطويره بلا إقصاء لمكون على حساب الآخر، لأن المقاصد الكبرى لا تتحقق إلا بذلك، وإذا لم نتفق في الوسائل، فعلى الأقل أن يكون بيننا الاحترام، وأن يعمل كلٌّ على شاكلته، وسنلتقي في نهاية الطريق، والتاريخ سيحكم للمحسن و على المسيئ، وعند السكرات تتجلى الحقائق، حينما يقال لكل واحد: "فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد" فالمهمّ العمل الصالح الذي ينفع الوطن وأبناءه، "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.