وزير الداخلية: لن يكون ريع مجاني في لوائح الشباب المستقلين والتمويل له شروط صارمة    أزيد من 83.5 مليار درهم مداخيل جمركية في 10 أشهر    مونديال لأقل من 17 سنة.. المنتخب المغربي يخوض حصة تدريبية جديدة استعدادًا لمواجهة أمريكا    تبون يوافق على الإفراج عن صنصال    مجلس النواب يعقد جلسات عمومية يومي الخميس والجمعة للدراسة والتصويت على مشروع قانون المالية لسنة 2026    رئيس برشلونة يقفل الباب أمام ميسي    أمطار رعدية وثلوج ورياح قوية مرتقبة بعدة مناطق بالمملكة غداً الخميس    رياح قوية وزخات رعدية مرتقبة بعدد من مناطق المملكة    الاسبانيّ-الكطلانيّ إدوَاردُو ميندُوثا يحصد جائزة"أميرة أستورياس"    مسارات متقاطعة يوحدها حلم الكتابة    في معرض يعتبر ذاكرة بصرية لتاريخ الجائزة : كتاب مغاربة يؤكدون حضورهم في المشهد الثقافي العربي    على هامش فوزه بجائزة سلطان العويس الثقافية في صنف النقد .. الناقد المغربي حميد لحميداني: الأدب جزء من أحلام اليقظة نعزز به وجودنا    من المقاربة التشاركية إلى استرداد الأنفاس الوطنية: نحو سيادة منفتحة وتكامل مغاربي مسؤول    أمينوكس يستعد لإطلاق ألبومه الجديد "AURA "    وزير الفلاحة يدشن مشروع غرس الصبار بجماعة بولعوان بإقليم الجديدة    عمالة المضيق الفنيدق تطلق الرؤية التنموية الجديدة. و اجتماع مرتيل يجسد الإنتقال إلى "المقاربة المندمجة"    "الكان" .. "دانون" تطلق الجائزة الذهبية    مصرع 42 مهاجرا قبالة سواحل ليبيا    منظمة حقوقية: مشروع قانون المالية لا يعالج إشكالية البطالة ومعيقات الولوج للخدمات الأساسية مستمرة    ترامب يطلب رسميا من الرئيس الإسرائيلي العفو عن نتنياهو    أربعة منتخبات إفريقية تتصارع في الرباط على بطاقة المونديال الأخيرة    مؤسسة منتدى أصيلة تفوز بجائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والاداب في مجال المؤسسات الثقافية الخاصة    فاجعة.. مصرع أسرة بأكملها غرقا داخل حوض لتجميع مياه السقي بخريبكة    لجنة المالية في مجلس النواب تصادق على الجزء الأول من مشروع قانون المالية لسنة 2026    استبعاد يامال من قائمة المنتخب الإسباني    اختلاس أموال عمومية يورط 17 شخصا من بينهم موظفون عموميون    مباريات الدور ال32 ب"مونديال" الناشئين في قطر    وكالة الطاقة الدولية تتوقع استقرارا محتملا في الطلب على النفط "بحدود 2030"    مستشارو جاللة الملك يجتمعون بزعماء األحزاب الوطنية في شأن تحيين وتفصيل مبادرة الحكم الذاتي في األقاليم الجنوبية    السعودية تحدد مواعيد نهائية لتعاقدات الحج ولا تأشيرات بعد شوال وبطاقة "نسك" شرط لدخول الحرم    "الماط" يستغل تعثر شباب المحمدية أمام اتحاد أبي الجعد ويزاحمه في الصدارة    حجز آلاف الأقراص المهلوسة في سلا    تيزنيت: نقابة مفتشي التعليم تشيد بالأدوار المحورية التي تضطلع بها هيئة التفتيش و ترفض محاولات طمس الهوية المهنية للهيئة وتقزيم أدوارها ( بيان )    إسرائيل تفتح معبر زيكيم شمال غزة    تقرير دولي: تقدم مغربي في مكافحة الجريمة المنظمة وغسل الأموال    إسبانيا تقلد عبد اللطيف حموشي بأرفع وسام اعترافًا بدور المغرب في مكافحة الإرهاب والتعاون الأمني    فيدرالية اليسار الديمقراطي تؤكد تمسكها بالإصلاحات الديمقراطية وترفض العودة إلى الوراء في ملف الحكم الذاتي    ارتفاع أسعار الذهب في الأسواق العالمية    الأمم المتحدة: الطلب على التكييف سيتضاعف 3 مرات بحلول 2050    الغابون تحكم غيابيا على زوجة الرئيس المعزول علي بونغو وابنه بالسجن بتهم الاختلاس    ليلة الذبح العظيم..    انطلاق أشغال تهيئة غابة لاميدا بمرتيل ، للحفاظ علي المتنفس الوحيد بالمدينة    تنصيب عبد العزيز زروالي عاملا على إقليم سيدي قاسم في حفل رسمي    المعهد الملكي الإسباني: المغرب يحسم معركة الصحراء سياسياً ودبلوماسيا    "جيروزاليم بوست": الاعتراف الأممي بسيادة المغرب على الصحراء يُضعِف الجزائر ويعزّز مصالح إسرائيل في المنطقة    برادة يدعو الآباء والأمهات إلى مساندة المؤسسات التعليمية بالمواكبة المنزلية    الركراكي يرفع إيقاع "أسود الأطلس"    دعم المقاولات الصغرى بالمغرب .. "الباطرونا" تواكب والأبناك تقدم التمويل    "رقصة السالسا الجالسة": الحركة المعجزة التي تساعد في تخفيف آلام الظهر    المشي اليومي يساعد على مقاومة الزهايمر (دراسة)    خمسة آلاف خطوة في اليوم تقلل تغيرات المخ بسبب الزهايمر    دراسة تُفنّد الربط بين "الباراسيتامول" أثناء الحمل والتوحد واضطرابات الانتباه    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كرة القدم: الأفيون الحقيقي
نشر في هسبريس يوم 10 - 04 - 2016

تُمارس كرة القدم سحرا غريبا على عينة خاصة من الناس، "يُفطرون" بالكرة ويتغذون ويتعشون بها، وبأخبار لاعبي الكرة، يعرفون أسماء زوجاتهم و خليلاتهم ، ومقاييس الأحذية التي يلبسون، و يتنبؤون بالنتائج و يضعون الخطط و يستبدلون لاعبا بلاعب ، ويعرفون من التقنيات و يرسمون من السيناريوهات أكثر مما يعرف المدرب نفسه، و لو استشارهم هذا الأخير لمدّوه بالسر العجيب و المفتاح الرهيب ليحرز الكؤوس الذهبية والنحاسية و حتى الصدئ منها، ولو سألتهم عن اسم بطل واحد من أبطال التحرير والمقاومة بالمغرب لانعقدت ألسنتهم و تعطلت أدمغتهم.
يستوطن هذا النوع من الكائنات الكروية المقاهي قبل البدء بساعات، و يحجزون المقاعد الأمامية لصق الشاشة، و ينقسمون قبائل وعشائر و يتلونون ألوانا، ويعلنون انتماءهم إلى رهوط أخرى تبعد عنهم ألاف الأميال.
رهوط في الجانب الآخر من الأرض ، لا يعرفوننا، ولم يسمعوا عنا، و لا يعرفون شيئا عن مقاهينا التي نعكف على تجهيزها بأعتى الشاشات و أكبرها حجما، والتي يظلون مرابطين أمامها يدعون لهؤلاء " النجوم" و يصفقون لهم. رهوط لا يعلمون عن الرجل الذي يعيش بيننا، والذي بات كمدا و حرم عائلته الصغيرة الكلام و الطعام ، لأن فريقه ( يعتقد الرجل أنه فريقه) خسر المباراة.
وعند كل هبة ، يصيحون صيحة تُسمع في أرجاء المدينة كلها، و يكاد الزجاج ينكسر لفرط شدتها، من فرط التماهي بهذا الآخر البعيد، يرى بعضهم الدنيا وقد تلونت بلون الفريق الذي يعشقون، يشِمون حياتهم و سواعدهم بشعار هذا الآخر، وينشئون له معابد في المنازل، يتعبدون فيها ، و قد علّقوا تمائمه وصور رهبانه على الحيطان...
حتى إن البعض ليحزن و يكاد يموت كمدا، و يعلنه يوم حداد علة نفسه و على أهله، بمجرد أن يخسر الفريق الذي يهيم به ، و لو استُبيح الدين و العرض أو الأمة ينصرف لا مباليا غافلا كأن الأمر لا يعنيه ، ينتصر لانتصار فريقه و ينهزم لانهزامه لا غير.
عندما تخرج جحافل التابعين و المتعاطفين و المتعصبين إلى شوارع المدينة، تجرف وراءها كل شيء، و كأنها الجراد الأزرق، يصيّرون الدنيا وراءهم يبابا محروقة، يقتلعون كل ما تطالهم أيديهم و معاولهم و أظافرهم.
عندما يحدث ذلك ( وغالبا ما يحدث) فأين هي الرياضة في كل هذا ! أين الروح التي يسمونها بالرياضية، أين فضيلة الاعتراف بقوة المنافِس و الاعتراف له بالفوز والبراعة! أين متعة الفرجة ! و أين "التجربة الجمالية" التي ينبغي لكل لاعب عاقل أن يقدمها لجمهوره العاقل، باعتبار ميدان المنافسة مجالا لإنتاج الجمال و المتعة.
لا يمكن لحب الوطن و الرغبة في إلحاق الأذى به أن يجتمعا، لا يمكن للفرد أن يحب فريقه الوطني أو المحلي وهو يعيث فسادا في ممتلكات هذا الوطن أو الفريق، لا ينبغي له ذلك وهو يدمر ملاعبه و حافلاته التي هي ملك لهذا الوطن، و لا يجوز للفرد العاقل أن يدعي الحب و الموالاة وهو يشعل فتيل الحرب و الفتنة على المدرجات، و يفقأ العيون التي كانت قبل قليل تتابع المباراة معافاة سليمة، لا يمكن للإنسان أن يحب و يدمر في الآن نفسه.
لا يُسمح له بذلك كله ، مهما تكن نتيجة "الموقعة" أو المباراة، فبعض الحماس الزائد عن حده ، قليله صادق و أغلبه مزيف مزور ، يغطي عن سادية حقيقية تلحق الأذى بأرواح الناس و ممتلكاتهم، كما تغطي عن استلاب خطير حد التماهي بالآخر( أجنبيا كان أو محليا).
وعي مقلوب مخدّر، يحول هؤلاء الناس إلى عبيد يؤثثون فضاء الشركات العالمية الكبرى من مشهِرين و ماركات تجارية تبيع التذاكر كما تبيع الناس و اللاعبين، مقابل ملايير معدودة، ولوثة الكرة مرض اجتاح العقول الفارغة فملأها خدرا و استلابا .)في واحدة من نهايات كأس العالم ، اجتاحت الجماهير منتشية بالفوز أرضية الملعب، و نزلوا لطما وتقبيلا للاعبين يتخطفونهم ، ونزعوا عنهم قمصانهم و سريّلاتهم بل حتى جواربهم ، يتمسحون بها و "يتبركون" بها و تركوا ملك الكرة " بيلي" عاريا إلا من تبانه).
إن كرة القدم(خاصة) تُمثل واحدة من آثار انتقال بني البشر من حالة الطبيعة إلى حالة الثقافة، انتقال من المرحلة التي كانت الرماح و السيوف تفصل بين الانسان و"أخيه" الإنسان، إلى المرحلة التي أصبحت القوانين المقترضة تُسيّج هذه العلاقة .
و المتأمل الفطن يرى الأمر أكبر من مجرد لعبة للترفيه و التسلية و جمع المال، بل هي نزال حقيقي عند البعض، تُجيّش له القبائل و الأتباع و تُعقد له الأحلاف و تُضرب له المواثيق ومؤتمرات الليل و النهار، لمواجهة خصم آخر ينبغي صرعه و إلحاق الهزيمة به و بأهله و تمريغ كرامتهم في وحل الملعب و ترابه.
فحتى على صعيد اللغة لم يعد الأمر متعلقا "باستعارات نحيا بها" بل هي كلمات حقيقية لنِزال حقيقي، أغلب كلماته مأخوذة من قاموس الحروب و المعارك ( النزال و المواجهة والهجوم والجناح الأيمن و مميمنة الجيش و ميسرته و قلب الهجوم و الكَتيبة....)و غيرها من الكلمات الهجينة الدخيلة ( التيفو،الألتراس، الكابو....)، و عوض أن تنتشر بين ثنايا المجتمع طوائف للعلم وأخرى للفنون و ألوان الآداب ، تفشت في دروبنا فرق أشبه بالكتائب، تعد العدة لليوم المنشود، وهي منهمكة في إعداد ألواح و رسومات لا طائل منها، و يرددون شعارات مزمجرة تخيف الكبير قبل الصغير.
الرياضة أخلاق سامية و بنية من بنى المجتمع العليا و تسابق نحو بناء مجد الوطن دونما استلاب أو تزييف، والتسابق في الرياضة قرين التسابق في الآداب و العلوم و الفن وإشهاد العالم أننا أمة تعيش بعقل سليم داخل جسم سليم.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.