قبل سنة 2011 كانَ عدد أعضاء مجلس النواب المغربي في حدود 325 عضوا، وبتعديل الدستور والمصادقة على القانون التنظيمي الجديد لمجلس النواب ارتفعَ عدد "ممثلي الأمّة" في الغرفة الأولى بالبرلمان بعدَ الانتخابات التشريعية التي جرتْ في السنة نفسها بسبعين عضوا، ليصير عدد الأعضاء 395. لكنّ اللافت للانتباه هو أنَّ البرلمان المغربي، وإنْ كانَ يضمّ مئات الأعضاء (515 عضوا في الغرفتين)، إلا أنَّ النواب والمستشارين لا يحضرون بكثافة إلا يوم افتتاح الدورة التشريعية من طرف الملك في الجمعة الثاني من أكتوبر من كلّ سنة، فيما تغيب نسبة كبيرة منهم طيلة السنة التشريعية، رغم كلّ "الإغراءات" المقدّمة لهم. الفعّالية أهمّ من الكَمّ حينَ تمّ إعلان رفْع عدد أعضاء مجلس النواب انبرى عدد من المغاربة إلى انتقاد المبادرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، معتبرين أنَّ تجويد عمل البرلمان لا يمرّ بالضرورة عبر زيادة أعضائه، ومنْهم من ذهب إلى اعتبار إضافة عشرات المقاعد البرلمانية "هدرا للمال العام"؛ فهل يحتاج المغربُ إلى 515 برلمانيا لتمثيل الشعب في البرلمان بغرفتيه؟ "المسألة لا ترتبط بالعدد أو الكَمّ وإنما بالفعالية أو النتيجة"، يردّ إسماعيل شرقي، الباحث في القانون الدستوري وعلم السياسة بجامعة محمد الخامس بالرباط، موضحا أنّ "وجود هذا العدد من مُمَثلي الشعب أو أقلَّ لن يزيد أو ينقص من فعالية المؤسسة التشريعية في ظل ضعف الأحزاب السياسية وعدم استقلاليتها وعدم استقلالية النخب البرلمانية وضعف تكوينها وعدم إلمامها بأهمية وسُموِّ الوظيفة التمثيلية، وكذا نقص درايتها بالعمل البرلماني المَبني على ممارسة السلطة التشريعية والتصويت على القوانين، ومراقبة العمل الحكومي، وتقييم السياسات العمومية". وبالمقارنة مع عدد من الدول الغربية المتقدمة، اعتمادا على عدد السكان، فإنّ المغرب يتوّفر على عدد من البرلمانيين أكثر مما تتوفر عليه بعض هذه الدول، ففي الولاياتالمتحدةالأمريكية، وعدد سكانها 303 ملايين نسمة، لا يتعدّى عدد أعضاء الكونغرس 435 عضوا، في حين يصل عدد السناتورات (أعضاء مجلس الشيوخ) إلى 100، أيْ بمعدّل برلمانيّ واحد لكل 566 355 نسمة. وفي ألمانيا يصل عدد أعضاء مجلس النواب، المعروف ب"البوندستاغ"، إلى 631 عضوا، إضافة إلى 69 عضوا في المجلس الاتحادي، أي بمعدّل برلمانيّ واحد لكل 172 117 نسمة؛ أما في إسبانيا فيصل عدد أعضاء مجلس النواب (الكورتيس) إلى 350 عضوا، ويبلغ عدد أعضاء الغرفة الثانية 277 عضوا، أي بمعدّل برلماني واحد لكل 857 75 مواطن، بينما المعدّل في المغرب برلماني واحد لكل 019 66 مواطنا. ويرى إسماعيل شرقي أنّ عدد أعضاء البرلمان المغربي بغرفتيْه، والبالغ عددهم 515 نائبا ومستشارا، "ليس بالعدد الكبير" إذا ما قُورن مع عددهم في الأنظمة البرلمانية المقارَنة، معتبرا أنَّ عدد المقاعد البرلمانية المتبارى عليها في المغرب "ظل مرتبطا بطبيعة الصراع بين الملكية والأحزاب السياسية"، مضيفا: "ظلت المؤسسة الملكية حريصة على أن تحول دون انبثاق مؤسسة برلمانية قوية تكون سلطة مضادة تنازعها الشرعية التمثيلية". "في المقابل، ظلت الأحزاب السياسية خلال تقديم مذكرات الإصلاحات الدستورية في الشق المتعلق بالبرلمان محكومة بهاجس الحفاظ على تمثيلية كبرى داخل المجلسين، من خلال محاولة الحصول على أكبر عدد من المقاعد، وهو ما خلق ريعا سياسيا وجشعا غطى على الدور الذي يجب أن تلعبه الأحزاب السياسية في الأنظمة البرلمانية الديمقراطية"، يوضح شرقي. محاولة لاحتواء الشباب عدد المقاعد البرلمانية ليس مرتبطا فقط بالتوازنات الداخلية، حسب الباحث ذاته في القانون الدستوري وعلم السياسة، بل له ارتباط بالترويج لصورة المملكة في الخارج، مستحضرا في هذا السياق رفع عدد أعضاء مجلس النواب من 325 خلال دستور 1996 إلى 395 في دستور 2011، وكانت المقاعد التسعون المُضافة كلها مخصصة للائحة الوطنية للنساء والشباب. ويشرح شرقي أنّ الهدف الأكبر من هذه العملية، التي كانت ثمرة المطالب الحقوقية للرفع من تمثيلية بعض الفئات المجتمعية داخل المجالس المنتخبة، "هو الترويج لصورة المغرب دوليا، كوْنه يدفع في اتجاه إدماج المرأة في الحياة السياسية وإشراكها في تدبير الشأن العام شأنها في ذلك شأن الرجل"، أما في ما يتعلق بالمقاعد المخصصة للشباب فيعتبرها شرفي "محاولة لاحتواء الشباب، خصوصا بعد ظهورهم كقوة فاعلة خارج المؤسسات السياسية التقليدية خلال الحَراك المغربي سنة 2011". وعَرفَ عدد أعضاء مجلس النواب في المغرب تطورا مضطردا من حيث الكمّ منذ الاستقلال إلى الآن، حيث انتقل من 144 عضوا في ظل دستور سنة 1962، مرورا ب244 خلال دستور 1970، و264 خلال دستوري 1972 و1992، ثم 325 مع دستور 1996، إلى 395 في ظل دستور 2011. أزمةُ مسؤولية لا يَنظرُ كثير من المغاربة بعيْن الرضا إلى عمل البرلمانيين المغاربة، بلْ إنهم غالبا ما يسخرون منهم على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ باتَت الغُرفة الأولى تُسمّى من طرف البعض ب"مجلس النوام". ويتعرّض النواب لانتقادات لاذعة، على الخصوص، لغيابهم المتكرر عن الحضور إلى البرلمان، حتّى أثناء الجلسات المخصصة للقوانين الكبرى، وهو ما يطرح سؤال الجدوى من عملهم. مشروع قانون إصلاح نظام التقاعد الخاصّ بموظفي القطاع العام، مثلا، والذي أثار نقاشات صاخبة، واحتجاجات من طرف النقابات العمّالية، لمْ يتعدَّ عدد المستشارين الذين حضروا الاجتماعَ الذي عرض فيه وزيرا الوظيفة العمومية والميزانية في لجنة المالية والتخطيط بمجلس المستشارين منتصف شهر يونيو الماضي، ثلاثة مستشارين فقط، وهو ما وصفته نقابة الاتحاد المغربي للشغل في بلاغ لها ب"المهزلة". وفي تحليله ل"ظاهرة" غياب البرلمانيين المغاربة عن جلسات البرلمان وكذا اجتماعات لجانه، يرى إسماعيل شرقي أنَّ ثمّة أسبابا عدّة، أوّلها ما يسمّيه "أزمة مسؤولية" لدى أغلب النواب البرلمانيين، موضحا أن "النائب البرلماني المغربي لم يستوعب حتى الآن معنى مسؤولية التمثيل المستمدة من الأمَّة حسب منطوق الفصل 60 من دستور 2011". وكانت رئاستا مجلسي النواب والمستشارين خصصت "تحفيزات" ل"ممثلي الأمة" من بطائق البنزين وتذاكر الطائرة والقطارات وحجوزات الفنادق، قصْد "تشجيعهم" على الحضور إلى البرلمان، كما أنها لجأت إلى التهديد بالاقتطاع من الأجرة الشهرية للمتغيّبين منهم، وتلاوة أسمائهم خلال الجلسة العامة، لكنّ سياسة "العصا والجزرة" هذه لمْ تُفْض إلى أيّ نتيجة. ويعود الأمر، حسب شرقي، بالدرجة الأولى إلى طبيعة التمثلات التي يحملها الجميع عن البرلمان، "باعتبار أنّ الوصول إليه يكون بهدف الحصول على الامتيازات وقضاء المصالح الشخصية والتمتع بالحصانة ضد المتابعات القضائية"، مضيفا أن "الوصول إلى البرلمان ليس مرتبطا بالحصيلة البرلمانية للنائب وحجم ظهوره الإعلامي ومدى الاستماتة في دفاعه عن مصالح من انتدبوه، وإنما مرتبط بحجم المال السياسي المستعمل أثناء الحملات الانتخابية". أمّا العاملُ الثاني، فيُسمّيه الباحث في القانون الدستوري وعلم السياسة "الحضور السلبي"، ويتجلّى في "ضعف المستوى التعليمي لأغلب النواب البرلمانيين وعدم درايتهم بالعمل البرلماني، وضعف اطّلاعهم على المنظومة القانونية والطابع المعقد لبعض القوانين التقنية التي تفترض دراية عالية ومعرفة مسبقة من طرف النائب البرلماني"، موضحا أنّ هذه العواملَ كلّها "تجعل النائب البرلماني يشعر بالإحراج أثناء المناقشة، نظرا لصعوبة متابعة النقاش واستحالة تقديم مقترحات، وبالتالي يفضل اختيار الغياب على حضوره السلبي دون فائدة"، على حد قوله.