في أول يوم من أيامي القلقة بأسفي بعد غياب، تلقيت هذه الهدية (الصورة)، وردتين ورديتا اللون. الورود من هدايا العشاق، أولئك العشاق المنتمين إلى زمن ذهب دون عودة أو تحول إلى زمن آخر : زمن لم يعد للعشاق فيه ولا للورود وعبيرها مكان. الهدية غير متوقعة...الهدية ليست هدية عشق ولكنه هو العشق بعينه: عشق الذات لذاتها. الهدية آتية من شخص كان غالبا ما يجوب الشوارع الرئيسية لمدينة آسفي، ممسكا غالبا بيد ابنه ذي السنوات الثلاث أو الأربع وحاملا في يده الأخرى وردة واحدة يداري بها تسوله لقمة العيش...لبشاشته ونباهته (كان متحدثا فذا ولو أنه أحيانا لا يسيطر على ما يتفوه به من كلام، لا سيما عندما لا يحدث أحدا مباشرة). كنت أمده أحيانا ببعض المال وأحيانا أخرى أعتذر، مفسرا أن الظرف غير مناسب. لمحت طلعته هذا اليوم بعد أن فات زمن العشاق وانتهى، وعلى غير العادة يحمل أكثر من وردة واحدة، بل باقات من الورود من وردتين...جاء قاصدا زبناء المقهى على غير العادة، وعلى غير عادتي لم أواصل النظر إليه وتمنيت لو يتركني وشأني، يتركني لمرارة قهوتي ولمرارة الزمن الردئ، تمنيت أن يكون الزمن كفيلا بأن ينسيه الصدف السابقة وألا يتعرف علي... لكنه مر من جانب طاولتي ومن دون أن ينبس ببنت شفة ترك عليها باقته... قلت في نفسي سأظل مطأطأ الرأس عند عودته لاستعادتهما كما باقي المتسولين... لكنه تركها ورحل... تركها نعم ورحل وانتبهت حينها أنه لم يترك غيرها على طاولة أخرى غير طاولتي....رحل ولم يعد...رحل تاركا وردتين أو جرحين...جرح لوم النفس على غياب التفاعل المعهود وجرح تجاهل البشر لغيره.