مقتل موظفين بالسفارة الإسرائيلية في إطلاق نار أمام المتحف اليهودي بواشنطن    العثور على رضيع حديث الولادة داخل علبة كرتونية بطنجة    أيام الأبواب المفتوحة للأمن الوطني بالجديدة تحقق رقماً قياسياً يفوق 2.4 مليون زائر    الحسيمة تحتضن المؤتمر الدولي JIAMA'25 حول الذكاء الاصطناعي والرياضيات التطبيقية    كرة القدم والاستثمار .. المغرب يسرع الخطى نحو كأس إفريقيا والمونديال    استهداف قوات الاحتلال الاسرائيلي للسفير المغربي بفلسطين يثير موجة من التنديد    مدرب نهضة الزمامرة: الزعيم استحق التأهل إلى ربع نهائي كأس العرش    الوكيل العام الجديد للملك لدى محكمة النقض يؤكد التزامه باستقلال القضاء وحماية الحقوق والحريات في كلمة تنصيبه الرسمية    مصرع سائق دراجة هوائية دهساً تحت عجلات شاحنة بطنجة (فيديو)    مستشفى عسكري ميداني يقدم خدمات في إطار مناورات "الأسد الإفريقي"    المصالح الأمنية المغربية عززت قدراتها في مواجهة المخاطر المرتبطة باستضافة التظاهرات الرياضية الكبرى    توتنهام يتوج بلقب الدوري الأوروبي    "غوشن باور" تبدأ "خلال أيام" إنشاء أول مصنع بطاريات ضخم للسيارات الكهربائية بالمغرب    وسط صمت رسمي مغربي.. إدانات دولية واسعة بعد استهداف وفد دبلوماسي بنيران إسرائيلية    المجلس الإداري للوكالة الحضرية لطنجة يصادق على ميزانية 2025 وتوقيع اتفاقية شراكة مع هيئة المهندسين المعماريين    رسميا.. برشلونة يعلن تجديد عقد فليك حتى 2027    الوالي التازي: المواطن البسيط أول ضحايا جشع بعض الفاعلين العقاريين    أمن البيضاء يطيح بعصابة متخصصة في سرقة السيارات    بلاوي يتسلم مهامه رئيساً للنيابة العامة ويتعهد باستقلال القضاء بصرامة وتجرد    فضيحة.. أشغال بناء عشوائية بمؤسسة عمومية في قلب الحي الإداري بطنجة    أغلبهم قاصرين.. ألمانيا تفكك خلية إرهابية متطرفة    الحسيمة.. الفلاحة التضامنية تعيد الحياة لسلسلة الصبار بعد جائحة الحشرة القرمزية    ماركا: الوداد المغربي يسعى لضم كريستيانو رونالدو    عمالة الدريوش تُخلد الذكرى العشرين لإطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية    يومية "لو باريزيان" الفرنسية: أشرف حكيمي.. "رياضي استثنائي"    الخدمة العسكرية 2025.. تعبئة مجموعة من الوسائل التكنولوجية لمساعدة الأشخاص الذين تعذر عليهم ملء استمارة الإحصاء بوسائلهم الخاصة (مسؤول)    اكتشاف أثري يظهر التقارب الحضاري بين طنجة ومناطق إسبانية وبرتغالية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    مجلس المنافسة: الترخيص لمؤسسات الأداء والشركات الفرعية للبنوك بالعمل ابتداء من 1 ماي 2025    المبعوث الخاص للاتحاد الأوربي إلى الخليج يشيد بدور المغرب في تعزيز حل الدولتين    الفنانة سمرا تصدر "محلاها ليلة".. مزيج إسباني عربي بإيقاعات عصرية    نادي "صرخة للفنون" يتألق ويمثل المديرية الإقليمية بالعرائش في المهرجان الجهوي لمؤسسات الريادة    التشكيلي بن يسف يتألق في اشبيلية    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها بأداء سلبي    إيداع رئيس جماعة بني ملال السابق سجن "عكاشة" رفقة مقاول ومهندس    الرجاء يعلن عن لقاء تواصلي مع المنخرطين بخصوص الشركة الرياضية للنادي    وزارة التربية الوطنية تُكوِّن أطرها لتدريس "الهيب هوب" و"البريكينغ" في المدارس    تتويج المواهب الشابة في الدورة الثالثة لمهرجان الفيلم المغربي القصير بالجوال    الغابون تختار ملاعب المغرب استعدادا لكأس إفريقيا والمونديال    ولد الرشيد: التعاون الإفريقي أولوية    وزير الصحة المغربي يجري مباحثات ثنائية مع المدير العام لمنظمة الصحة العالمية    باحثون بريطانيون يطورون تقنية جديدة تسرع تشخيص أورام الدماغ    بوريطة من الرباط: كفى من المتاجرة بالقضية الفلسطينية وحل الدولتين خيار واقعي ومسؤول    لإيقاف السرطان.. التشريح المرضي وطب الأشعة الرقمي أسلحة مدمرة للخلايا الخبيثة    طنجة تحتفي بالثقافات في أولى دورات مهرجان الضفاف الثلاث    البرازيل في ورطة صحية تدفع المغرب لتعليق واردات الدجاج    في مجاز الغيم: رحلة عبر مسجد طارق بن زياد    المغرب يمنح أول ترخيص لشركة خاصة بخدمات الطاقة    "سي.إن.إن": معلومات أمريكية تشير إلى أن إسرائيل تجهز لضرب منشآت نووية إيرانية    الذهب يصعد إلى أعلى مستوى له خلال أسبوع مع تراجع الدولار    الكونفدرالية الديمقراطية للشغل تجدد دعوتها لإحياء "سامير" وتحذر من خطر وطني بسبب تعطيل المصفاة    المغاربة... أخلاق تُروى وجذور تضرب في عمق التاريخ    وفد من مركز الذاكرة المشتركة يزور الشيخة الشاعرة والمفكرة سعاد الصباح    تلك الرائحة    موريتانيا تقضي نهائيا على مرض الرمد الحبيبي    هذا المساء في برنامج "مدارات" : لمحات عن علماء وأدباء وصلحاء منطقة دكالة    من المغرب.. مغادرة أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة"    رحيل الرجولة في زمنٍ قد يكون لها معنى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هكذا حدث "الطلاق" بين مسلمي ويهود تطوان أواخر القرن ال19
نشر في هسبريس يوم 06 - 11 - 2016

يهود تطوان: مساهمة في التأريخ
وأنا أتصفح موقع هسبريس كعادتي كل صباح، أثار انتباهي موضوع تغطية للقاء نظمته الجمعية المغربية للبحث في التاريخ بالرباط حول "تدبير المغاربة للاختلاف.. اليهود المغاربة والمسلمون كنموذج"، للباحث عمر لمغيبشي ومن تغطية محمد الراجي. ولأنني كنت من الباحثين الأوائل الذين ساهموا في هذا النقاش، وربما الفوج الأول أواسط الثمانينات الذي تناول هذا المبحث تحت إشراف الأستاذ محمد كنبيب، بدا لي أمرا إيجابيا المساهمة في هذا النقاش؛ وذلك للإدلاء ببعض الملاحظات:
إن اليهود أقلية دينية استقرت بتطوان منذ إصدار القانون الاسباني القاضي بطردهم سنة 1492 من اسبانيا، الشيء الذي يؤكد هذا المعطى التاريخي هو تصريح صامويل زيوميسطاو، هو شخصية يهودية تقليدية بتطوان، حين قال: "اليهود إما ليس لهم أي موطن أو لهم موطنان؛ ذلك الذي يقيمون به حاليا، أي المغرب، وموطنهم التقليدي وهو اسبانيا".
إن يهود تطوان باعتبارهم جزءا من يهود المغرب لم يشكلوا أبدا استثناءا خارج القاعدة؛ ذلك أن القانون المحدد لوضعيتهم هو الشريعة الإسلامية التي كانت تعاملهم كأهل ذمة. هاته الوضعية التي كثيرا ما اتخذها بعض المؤرخين اليهود، مثل اندري شوراكي، كورقة لها فعاليتها القصوى على مستوى الترويج للأيديولوجية الصهيونية، وبالتالي كانوا يبالغون في رسم صورة اليهودي المغربي بشكل كاريكاتوري ومشوه مستغلين أيضا بعض المفاهيم التي لها وقع خاص في وعي الرأي العام الغربي كمفهوم "حقوق الانسان" وما جاء به من بنود.
وبالتالي، فإن هاته الكتابات لم تكن لها خلفية علمية تسعى إلى موقعة يهود المغرب في إطارهم التاريخي وداخل علاقاتهم الاجتماعية مع المسلمين باعتبارها علاقة تعايش وتلاحم في غالبها، بل حاولت جادة استغلال عنصر التأويل والانتقاء في قراءتها لهذا التاريخ من أجل استراتيجية واعية؛ أي تبرير احتلال فلسطين، مستعملة في ذلك قاموسا له بريقه الخاص، كالقمع والظلم والتعسف والاحتقار والهمجية والاستغلال... الخ، مع طمس قاموس التعايش والتساكن.
ونحن إذ نقول هذا لا ننكر أن يهود تطوان كانوا يعاملون كأهل ذمة، وهي وضعية قديمة في التقليد الإسلامي، ولكن لا يجب أن نطمس أيضا أنهم عوملوا كأهل كتاب بما يتطلبه ذلك من تسامح وما يتطلبه من رعاية سلطانية تجاه هذا الجزء من الرعية، والأمثلة على ذلك كثيرة، وهي عبارة عن رسائل سلطانية أرخ لها محمد داوود لا يسمح المقام بإيرادها هنا نظرا لضيق المساحة.
إن علاقة اليهود بالمخزن كانت علاقة تعايش واحترام ديني بالرغم من وضعيتهم كأهل ذمة التي اعتبرها البعض صيغة من صيغ القمع المقنن. انظر كتاب: Sarah Leibovisci- "Cronique des juifs de Tetuan 1859-1896".
في ما يتعلق بعلاقة اليهود بالمسلمين، فقد كانت علاقة تعايش وإن كانوا يقيمون بملاح خاص بهم سمي بالجذيرية، وهو ملاح شيد بين سنة 1805 و1807، وقبل إقامتهم بهاته الأحياء كانوا يعيشون في أهم الأحياء السكنية بالمدينة بجوار المسلمين، ولا نعرف سبب تحويل إقامتهم إلى ملاح خاص بهم، وما إن كان الغرض من ذلك راجعا إلى رغبة المخزن في حمايتهم من الغارات أثناء حرب تطوان، كما يؤكد ذلك "لتمان" وبعض الروايات. وبعد إعلان الحرب وهزيمة الجيش المغربي، تقدم أهل تطوان من المسلمين بطلب لدى المولى العباس للإذن لهم بالهجرة من المدينة خوفا على عرضهم.
يجب التنبيه إلى أن هاته العملية؛ أي عملية خروج اليهود من تطوان، عرفت هجوما عليهم من طرف القبائل المجاورة التي انتهزت ظروف الاضطراب، فقامت بنهب الدور والدكاكين وتقاتلت فيما بينها على الأمتعة، فهلك الكثير منها. إن مثل هاته الحوادث كان لها وقع عميق في ذاكرة يهود تطوان إلى درجة أن العروي اعتبرها عنصرا بارزا ساهم في عملية الطلاق بين الجاليتين، واعتبرها كذلك من ضمن الأسباب التي خلقت حركة نشيطة في كل من فرنسا وانجلترا من أجل الحرية والمساواة ليهود المغرب.
أما اليهود الذين ظلوا تحت الاحتلال، فقد رأوا في الاسبان شكلا من أشكال التحرير والانقاذ وحاميا لهم من عصابات "المتوحشين"؛ لهذا خضعوا له وتعاملوا معه معاملة جيدة، الشيء الذي أتاح لهم الاغتناء بوسائل غير مشروعة، كالسرقة والمتاجرة في البضائع المسروقة، لأن البلاد فرغت من المسلمين ولم تبق التجارة إلا لليهود، في حين امتهنت النساء اليهوديات، في أغلبهن، الدعارة.
كخلاصة وباختصار شديد، يمكن القول إنه إذا كان اليهود المغاربة بتطوان قد عرفوا اندماجا واضحا في المجتمع المغربي وعناقا تاريخيا مع المغربي المسلم رغم اختلاف الديانتين ورغم وضعيتهم كأهل ذمة، فإن الاحتلال جاء ليحول هذا العناق والتعايش إلى طلاق تدريجي سيعرف أوجه في أواخر القرن التاسع عشر ومع الحمايات.
لكننا لا نعرف هل ترجع بذور هذا الطلاق إلى أحداث تطوان، كما أكد ذلك العروي، أم إلى سبب آخر أوسع وأكثر تعقيدا من هذا، وهو عامل الانفتاح الذي ابتدأ مع حركة المساندة التي ظهرت في الغرب، خاصة بأوروبا؟ هذا السند الذي تجسد في البداية في أشخاص من ذوي النفوذ المادي، مثل روتشيلد، الذين كان لهم تأثيرهم الفعال حتى على بعض الحكومات الأوروبية التي كان لها وزنها وثقلها آنذاك، كبريطانيا. الأمر الذي جعلها تتدخل لدى الحكومة المغربية بشأن اليهود بصفة عامة، ويهود تطوان بصفة خاصة.
هذا علاوة على الدور الكبير الذي تمثل في خلق الرابطة الاسرائيلية العالمية في باريس في ماي 1860، التي فتحت أول مدرسة في المغرب بتطوان سنة 1862. هاته الرابطة لم تستطع، رغم المشروع الثقيل الذي انطلقت به إلى حدود 1912، أن تحقق استراتيجيتها كاملة، لكن يجب الإقرار بأنها ساهمت في فرنسة نخبة يهودية جديدة، تلك النخبة التي تلقت تعليمها باللغة الفرنسية، وانفتحت بالتالي على الثقافات الأوروبية وطورت معرفتها بالعالم الخارجي.
هكذا نجد أنفسنا امام قاعدة يهودية لازالت متمسكة بلغتها، الحيكيتية لغة اليهود بتطوان، وتقاليدها وديانتها ونخبة مفرنسة اصبحت مرتبطة باوروبا ، بفرنسا بالخصوص الشيء الذي كان لابد أن يخلق تفككا في صفوف اليهود المغاربة. لقد شكلت هاته النخبة سندا وركيزة، من بين عناصر أخرى طبعا، التي اعتمد عليها الاستعمار الفرنسي لدخول المغرب تحت غطاء طلب اليهود المغاربة للحماية الفرنسية قصد حمايتهم وضمان حريتهم.
* أستاذ السوسيولوجيا بجامعة اكسترامادورا باسبانيا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.