غانا تدعم الحكم الذاتي... وتعلن اتفاقًا مع الرباط لإلغاء التأشيرات وتعزيز الشراكة    المغرب يعزز مكافحة الجرائم السيبرانية    مناظرة وطنية للاقتصاد التضامني    تداولات "البورصة" تنتهي بالارتفاع    بريطانيا تحذر إسرائيل من عقوبات    هبوط اضطراري لطائرة بألمانيا بسبب مطبات هوائية وإصابة تسعة ركاب    تجدد الاحتجاجات للجمعة ال79 نصرة لغزة ودعوات للمشاركة في مبادرة "عيدنا فلسطيني"    سلامي يؤهل الأردن إلى المونديال    "فيفا" يثمن مونديال الفتيات بالمغرب    الرجاء يعلن ضم النيجيري أوركوما    عملية "مرحبا 2025": 520 رحلة بحرية و500 ألف مسافر كل أسبوع بين المغرب وأوروبا    سعاد صابر تحظى بتعاطف المغاربة    أكلو : مهرجان بوجلود يعود في دورته الخامسة لخلق الفرجة بساحة أسايس بأفود نتكيضا .. أزياء تنكرية وعروض احتفالية    الحجاج يودعون "عرفات" متوجهين إلى مشعر مزدلفة    يوميات حاج (7): النفرة إلى مزدلفة.. حيث يسكن الليل وتتكلم القلوب    تجار الأزمات.. جزارون يرفعون أسعار اللحوم الحمراء ل150 درهماً للكيلوغرام    طنجة المتوسط يزيح موانئ أوروبا من الصدارة ويصعد إلى المركز الثالث عالميا    أمير عبدو مدربًا جديدًا لحسنية أكادير            توقيف أزيد من 100 شخص متورط في الغش خلال امتحانات الباكالوريا 2025    موجة حر تضرب أقاليم مغربية خلال العيد .. و"الأرصاد" تفسر تقلبات الطقس    ساحل المضيق-الفنيدق يستعد للصيف    الناطق باسم الحكومة يستعرض جديد الاستعمال المؤمن لشهادة الباكالوريا    احتجاجات تصعيدية لموظفي التعليم العالي رفضًا لتعطيل النظام الأساسي واستشراء الفساد    إغلاق رحبات الماشية يربك الجزارين    رصد حالات إجهاد حراري بين الحجاج    مجلس الحكومة يتابع عرضا حول معطيات ومستجدات امتحانات البكالوريا    مجلس الحكومة يصادق على تعيينات جديدة في مناصب عليا    الدبلوماسية الجزائرية في مأزق التضليل: صفعة رواندية تكشف هشاشة النظام العسكري    نشرة برتقالية تحذر من موجة حر تصل إلى 43 درجة يومي السبت والأحد    بنوك المغرب… 9 يونيو يوم عطلة استثنائية بمناسبة عيد الأضحى    معرض للفن التشكيلي والمنتجات المجالية بمولاي ادريس زرهون    مهرجان كازا ميوزيك يتافس بقوة موازين .. والجسمي يتألق في سماء الدار البيضاء    كرواتيا.. المغرب يفتتح شهر السينما والثقافة العربية بمدينة كارلوفاتس    أسماء لمنور تفوز بجائزة أفضل مطربة عربية في DAF BAMA بألمانيا    أي مغرب استعاد المغاربة؟    ماهي أسباب إعفاء الكاتب العام لوزارة النقل من طرف الوزير قيوح؟    قرية طنجة الرياضية.. منشأة متكاملة تعزز البنية التحتية وتستعد لموعد كأس إفريقيا    دونالد ترامب يوقع قرارا يمنع دخول رعايا 12 دولة لأمريكا    مهرجان كناوة 2025 بالصويرة .. تلاق عالمي بين الإيقاعات والروح    توقعات إيجابية لقطاع البناء بالمغرب في الفصل الثاني من سنة 2025    دياز يؤكد غيابه عن مباراتي تونس والبنين ويعرب عن سعادته بتواجده مع اللاعبين رغم الإصابة    غضب في مجلس الأمن بعد فيتو أمريكي ضد مشروع قرار لوقف النار في غزة    لقجع يزور معسكر الوداد الرياضي بمركز محمد السادس استعدادا لمونديال الأندية    يوميات حاج (6): الوقوف في عرفة .. لحظة كونية تتوق إليها الأرواح    أكثر من 1.6 مليون مسلم يتوافدون على عرفات لأداء ركن الحج الأعظم    قتل الكلاب والقطط الضالة بالرصاص والتسميم يخضع وزير الداخلية للمساءلة البرلمانية    الهلال السعودي يعلن تعاقده مع المدرب الإيطالي إنزاغي بعد رحيله عن إنتر ميلان    سلطات الحسيمة تواصل حملات تحرير الملك العمومي بأهم شوارع المدينة    المغرب يسرّع تعميم محطات شحن السيارات الكهربائية استعداداً لكأس العالم 2030    في يوم عرفات.. ضيوف الرحمن يتوافدون لأداء الركن الأعظم بخشوع وإيمان    بداية عهد جديد في تدبير حقوق المؤلف.. مجلس إداري بتمثيلية فنية ومهنية لأول مرة    مؤتمر علمي بالدوحة لاستنطاق الإعلام العالمي حول حرب غزة    ضوء النهار يعزز المناعة.. دراسة تكشف سر النشاط الصباحي للخلايا الدفاعية    دراسة: الإفراط في الأطعمة المصنعة قد يسرّع أعراض باركنسون    "الخرف الحيواني" يصيب الكلاب والقطط مع التقدم في العمر    الناظور.. نفاد حقنة تحمي الرضع من أمراض الرئة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"تقارير مُخبر" تضع الأصبع على جرح "العنف الجامعي" بالمغرب
نشر في هسبريس يوم 14 - 12 - 2016

يبدو الكتاب من خلال التصفح الخارجي مغريا بالقراءة، خاصة أن العنوان يحيل مباشرة إلى المخبرين الذين يتعقبون المناضلين ويحررون عنهم التقارير في التنظيمات السياسية والنقابية والفصائل الطلابية؛ إلا أن عوالمه المحبوكة بفنية عالية تنقل القارئ إلى فضاءَات رحيبة، وتعود بذاكرتنا إلى أيام الجامعة والشباب.
لست ناقدا أدبيا متخصصا، إلا أنني قارئ يختار ما يقرأ بعناية، ويحاول أن ينتج من خلال القراءة ما يمكن أن يفيد غيره من المهتمين. منذ قراءتي الأولى لرواية "تقارير مخبر" لميمون أم العيد، في يونيو 2016، في 208 صفحات من الحجم المتوسط، عن دار توسنا للنشر، اجتاحتني رغبة الكتابة عن هذه الرواية التي أتمنى أن يطلع عليها الطلبة وعموم القراء، لأنها قد تساعدهم على فهم أمور كثيرة.. وإن كانت هذه ليست مهمة الأدب، لكنها على الأقل ستوسع لديهم دائرة الالتباس وتحارب عندهم الكثير من اليقينيات كما تفعل الكثير من الأعمال الأدبية.
وثائق سرية عن الفصائل الطلابية
بأسلوب مشوق، يوضح الراوي منذ بداية الرواية إلى الصفحة 38 كيفية حصوله على وثائق سرية تتحدث عن شهيد تم اغتياله في الساحة الجامعية، تقارير كتبت بأسلوب روائي بديع، تصف عوالم الطلبة والمناضلين من خلال "قتيل حصل على لقب شهيد بإجماع كل الفصائل".
صدفة قادت الراوي ليلتقي بضابط مخابرات سخرته إدارته ليحرر التقارير عن الطلبة، فقدم له ملفا يضم 160 صفحة مكتوبة بخط اليد، تصف الحرم الجامعي وكافة المتدخلين في الحلقيات الطلابية، وتقدم معلومات عن بعض ضحايا العنف الجامعي في السنوات الأخيرة؛ ففكر في تقديم تلك الوثائق للسلطات الأمنية، بدل نشرها، إلا أن استمتاعه بقراءتها، وإحساسه بأن المخبر لم يكن شخصا عاديا يكتب تقارير رتيبة، جعله يجمعها وينشرها في قالب روائي كما كانت رغبة المخبر الذي انتحر لأسباب سوف تتوضح في نهاية الرواية.
الشّهيد الذي تفرق دمه بين الفصائل
يُعد بطل الرواية "الشهيد عبد النبي عتيريسة" شخصية غامضة، فكل فصيل يعتبره من رجاله المناضلين، ويقدمه في مجلته الحائطية، وفي وثائقه بأنه شهيده. بدءًا ب"حركة الأمازيغ الأحرار"؛ ف"فصيل اليساريين التقدميين"، ثم "فصيل الإسلاميين"، وصولا إلى "فصيل الإسلاميين المجددين"... كل فصيل في الرواية يقدم سيرة ذاتية مغايرة للشخص نفسه؛ يضفي عليها ما يجعل الأتباع يثقون باعتناق الشهيد لمذاهب الفصيل ولأفكاره. هناك بعض الاختلافات في تسمية الرجل، إلا أن السير تتقاطع في نقاط عديدة، وهو ما لمح إليه الراوي في الصفحة 55 بأن "هذه التيارات تتحدث عن الشخص نفسه، ورغبتها في التفرد جعلتها تسبغ عليه لمستها الخاصة".
الرواية بين التخيل والواقع
قد يجد قارئ رواية "تقارير مخبر" أحداثا واقعية، خاصة إذا خبر الحياة الجامعية؛ ذلك أن الكاتب أقحم في روايته مجموعة من الأحداث التي وقعت بالفعل، مع تغيير بعض السياقات والتوسع في أحداثها وتخيل أحداث أخرى. ونجد بعض الأحداث المتقاربة مع شخصيات بصمت النضال الجامعي، يكون الكاتب استلهم منها بعض الأحداث التي تضمنتها روايته.
هذا، دون إغفال الجوانب المتقاربة بين فصائل الإسلاميين على مستوى الرواية والوقائع، إذ نجد معطيات قريبة من فصيل العدل والإحسان وفصيل "الحاص" الذي يتزعمه الشيخ زياد. هذا الأخير في مكانته على مستوى الرواية شبيه إلى حد كبير بالشيخ عبد السلام ياسين في الواقع، من حيث القداسة وقيمته بين مريديه، إلى جانب اعتماد تنظيمه "الوشاج"، الذي يطابقه "الرباط" لدى "العدل والإحسان"؛ وهو الأمر نفسه بالنسبة ل"حركة الأمازيغ الأحرار" و"فصيل اليساريين"، وغير ذلك مما جاء في الرواية.
حادثة المؤخرة
من سخرية الكاتب في رواية "تقارير مخبر" نجد فصلا يتحدث عن حرب بيطلابية، نتجت عنها اعتقالات بالجملة، وعقوبات تراوحت بين شهر وخمسة عشرة سنة.. أسر دمرت، وأمهات عانين لسنوات مع اعتقال أبنائهن، وهشمت سيارات الدولة، وانقطع الطلبة عن الدراسة لشهور، ليتضح للمخبر الذي كان يعد التقارير عن تلك الأحداث، والسبب في كل ذلك لم يكن ملفا مطلبيا كبيرا، بل خلاف بسيط بين مناضلة وصديقها في ليلة جنسية، لتتطور الأمور إلى هجران، وانتقام بربط علاقة مع مناضل من فصيل آخر، ثم تبدأ الحروب ومعارك إعادة الاعتبار.
انقطع الطلبة عن الدراسة، وكسرت الأرجل والرؤوس وسجن الشبان دون أي سبب واضح.. سمى فصيل تلك المعركة بمعركة "الكرامة"، وسماها الفصيل الآخر "معركة النصر"؛ وسماها رجال الأمن في سجلاتهم "حادثة المؤخرة".
المظلومية والحاجة إلى شهيد
تتحدث الفصول الأخيرة من الرواية عن طالب يدعى وديع خيار، وهو الطالب رقم 8 حسب الرواية الذي يلقى حتفه في الصراعات الطلابية الإيديولوجية. وخلال فصل كامل توضح الرواية كيف استغل فصيل موت شاب ليسجل النقط على الخصوم، من خلال الرسائل القوية التي بعتها للدولة، رغم أن الطالب المتوفى، الذي كان يدرس بسنته الأخيرة، قتل على أيد لصوص دخل معهم في مواجهة مفتوحة بعدما أرادوا أن يسلبوه ماله، إذ ألصق الوفاة بالمنافسين، وأعلن الحرب على الفصائل المناوئة.
الشهادة بين الحقيقة والادعاء
لا يمكن أن تحضر حلقية طلابية مهما كان الفصيل الذي يسيرها دون أن تستمع لفظة شهيد ألف مرة، وهي كلمة تقرن بأي اسم، سواء كان يستحقها أو لا. ودون أن يتساءل الطلبة عن حقيقة بعض السير التي يتم نسبها لمجموعة من الأشخاص، يتم ترديد مجموعة من الأسماء مقرونة بلقب شهيد، لرغبة الفصائل في استمالة الأتباع بادعاء المظلومية؛ فالفصيل الذي يضم أكبر عدد من "البكائين" بتعبير الرواية هو الفصيل الذي لديه أكبر عدد من الشهداء ولو تلفيقا.
إن رواية "تقارير مخبر" للروائي والصحافي ميمون أم العيد تخلق لدى قارئها شعورا غريبا، ولا ينصح بقراءتها، خاصة للذين يعتبرون بعض "الحقائق" كمُسَلمات نضالية لا تقبل التشكيك.. إنها باختصار دعوة لتقبل الآخر المختلف عنا، حتى وإن كان ما نعتقده مناف تماما لما نعتبره الحقيقة المطلقة، التي لا أحد يملكها.
يُذكر أن "تقارير مُخبر" هي الكتاب الرابع للكاتب والصحافي ميمون أم العيد، بعد كل من "يوميات أستاذ خصوصي" سنة 2012، "أوراق بوكافر السرية" 2014، و"شهيد على قيد الحياة" الصادر سنة 2015.
*أستاذ بثانوية أبي العباس السبتي. مراكش


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.