ربع نهائي كأس أمم إفريقيا لأقل من 20 سنة.. الناخب الوطني: طموح أشبال الأطلس "الذهاب إلى أبعد نقطة ممكنة"    برشلونة يقترب من حسم لقب الدوري بفوز مثير 4-3 على ريال مدريد    تاراغونا- كتالونيا مهرجان المغرب جسر لتعزيز الروابط الثقافية بين المملكتين بحضور السفيرة السيدة كريمة بنيعيش    الوساطة السعودية تنجح في وقف التصعيد الباكستاني الهندي    إحالة أربعة أشخاص على النيابة العامة لتورطهم في سرقة باستعمال دراجة نارية بالدار البيضاء    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    سبتة.. إحباط محاولة تهريب أزيد من 11 ألف قرص مهلوس نحو المغرب    الوكالة الفرنسية للتنمية تعتزم تمويل استثمارات بقيمة 150 مليون أورو في الأقاليم الجنوبية    "فاموس تطوان والفوز بداية البقاء".. البرلماني الطوب يدعم المغرب التطواني قبل مواجهة السوالم    برقية تهنئة من أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس إلى قداسة البابا ليو الرابع عشر بمناسبة انتخابه لاعتلاء الكرسي البابوي    وزير الخارجية الفرنسي: العلاقات مع الجزائر "مجمدة تماما" بعد تبادل طرد الموظفين    خطأ غامض يُفعّل زلاجات طائرة لارام.. وتكلفة إعادتها لوضعها الطبيعي قد تتجاوز 30 مليون سنتيم    شجرة الأركان في يومها العالمي رمز للهوية والصمود والتحدي الأمازيغي المغربي .    جمعية الشعلة تنظم ورشات تفاعلية للاستعداد للامتحانات    البابا ليون الرابع عشر يحث على وقف الحرب في غزة ويدعو إلى "سلام عادل ودائم" بأوكرانيا    المحامي أشكور يعانق السياسة مجددا من بوابة حزب الاستقلال ويخلط الأوراق الانتخابية بمرتيل    مراكش تحتضن أول مؤتمر وطني للحوامض بالمغرب من 13 إلى 15 ماي 2025    نجم هوليوود غاري دوردان يقع في حب المغرب خلال تصوير فيلمه الجديد    الحزب الشعبي في مليلية يهاجم مشروع محطة تحلية المياه في المغرب للتستر على فشله    مشروع النفق البحري بين المغرب وإسبانيا يعود إلى الواجهة بميزانية أقل    سعر الدرهم يرتفع أمام الأورو والدولار.. واحتياطيات المغرب تقفز إلى أزيد من 400 مليار درهم    انهيار "عمارة فاس".. مطالب برلمانية لوزير الداخلية بإحصائيات وإجراءات عاجلة بشأن المباني الآيلة للسقوط    إسرائيل تستعيد رفات جندي من سوريا    شراكات استراتيجية مغربية صينية لتعزيز التعاون الصناعي والمالي    الصحراء المغربية تلهم مصممي "أسبوع القفطان 2025" في نسخته الفضية    "سكرات" تتوّج بالجائزة الكبرى في المهرجان الوطني لجائزة محمد الجم لمسرح الشباب    ميسي يتلقى أسوأ هزيمة له في مسيرته الأميركية    رفع تسعيرة استغلال الملك العام من 280 إلى 2400 درهم للمتر يغضب المقاهي ويدفعها للإضراب    موعد الحسم.. هذا توقيت مباراة المغرب وسيراليون في ربع نهائي كأس إفريقيا    شاهد.. سائحات يطلبن من لامين يامال أن يلتقط لهن صورة دون أن يعرفن من يكون    "الاتحاد" يتمسك بتلاوة ملتمس الرقابة لسحب الثقة من الحكومة    مزور: الكفاءات المغربية عماد السيادة الصناعية ومستقبل واعد للصناعة الوطنية    بوتين يقترح إجراء محادثات مباشرة مع أوكرانيا في إسطنبول انطلاقا من 15 ماي    الصحراء المغربية.. الوكالة الفرنسية للتنمية تعتزم تمويل استثمارات بقيمة 150 مليون أورو    تحريك السراب بأيادي بعض العرب    القاهرة.. تتويج المغرب بلقب "أفضل بلد في إفريقا" في كرة المضرب للسنة السابعة على التوالي    غ.زة تعيش الأمل والفلسطينيون يحبسون أنفاسهم    سلا تحتضن الدورة الأولى من مهرجان فن الشارع " حيطان"    زلزال بقوة 4,7 درجات يضرب جنوب البيرو    في بهاء الوطن… الأمن يزهر    موريتانيا ترغب في الاستفادة من تجربة المغرب في التكوين المهني (وزير)    بعد فراره لساعات.. سائق سيارة نقل العمال المتسبب في مقتل سيدة مسنة يسلم نفسه لأمن طنجة    الأشبال: الهدف التأهل إلى المونديال    جناح الصناعة التقليدية المغربية يفوز بجائزة أفضل رواق في معرض باريس    الأسهم تحفز تداولات بورصة البيضاء    البيضاء تحدد مواعيد استثنائية للمجازر الكبرى بالتزامن مع عيد الأضحى    الموت يفجع الفنان المغربي رشيد الوالي    مهرجان مغربي يضيء سماء طاراغونا بمناسبة مرور 15 سنة على تأسيس قنصلية المملكة    بينالي البندقية.. جلالة الملك بوأ الثقافة والفنون المكانة التي تليق بهما في مغرب حديث (مهدي قطبي)    إنذار صحي في الأندلس بسبب بوحمرون.. وحالات واردة من المغرب تثير القلق    عامل إقليم الدريوش يترأس حفل توديع حجاج وحاجات الإقليم الميامين    لقاح ثوري للأنفلونزا من علماء الصين: حماية شاملة بدون إبر    الصين توقف استيراد الدواجن من المغرب بعد رصد تفشي مرض نيوكاسل    لهذا السبب .. الأقراص الفوّارة غير مناسبة لمرضى ارتفاع ضغط الدم    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخليقة في الاحتفال برأس السنة الميلادية بين صلات الوصل ومحطات الفصل
نشر في هسبريس يوم 30 - 12 - 2016

الأعوام تمر، والشهور تترى، والأيام تتوالى، والساعات تتبع واحدتها الأخرى، والخليقة كلها في ذلك كله؛ منها ما هو سالك الطريق الصحيح بخطى ثابتة، ومنها ما هو في غفلة ساه نتيجة رؤية خافتة ، بعيدا عن طريق الجادة والصواب في ظلمات حالكة.
وها نحن نرى اليوم أن رأس السنة الميلادية قد أقبل علينا بصخابته وتطلعاته؛ إذ يكثر حوله القيل والقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال، وعدم مراعاة المآل، فينقسم الناس في ذلك بين محتفل سكران، وآخر يقظان، وثالث تحت وطأة الفقر جيعان، والرابع يقصفه الظلم تحت وطأة النيران، ...
وبهذه المناسبة؛ سأكتب على غير مما يكتب؛ ويكتب دائما، سأحاول أن أتناول هذه المناسبة من وجهة نظر مختلفة، وبأسلوب مختلف، بين ميزان الشرع الحنيف، وتطلعات العقل المنيف، محاولا في ذلك الجمع بين المتفق بين بني البشر، ومدركا المختلف في ذلك، حتى يعم الإنصاف ويقل الخلاف.
النظر الأول: في إدراك صلات الوصل بين الخليقة؛ أو المشترك الجمعي...
إن الإنسانية كلها منذ آدم إلى قيام الساعة تجمعها روابط عديدة من حيث الأصل والانتماء والخطاب، لكن البشر منهم من اختار البقاء على أصل الضلال الجاهلي، ومنهم من اختار اتباع طريق الحق المحمدي.
غير أن ما يجمع هذه البشرية –إن هي استجابت للرسالة السماوية الخاتمة– أكثر مما يفرقها، لذا سيكون خطابنا على المنوال التالي في إدراك المشترك الجمعي بين بني البشر:
أولا: وحدة الخالق؛
إن الخليقة مهما تفرقت وابتعدت عن بعضها البعض وتغايرت وتغيرت تصرفاتها؛ إلا أنها في النهاية تدخل تحت رحمة إله واحد لا شريك له لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله؛ ذلك أن العبودية لله لا تنحصر فقط في الإرادة الاختيارية، ... بل تطال حتى الإرادة الاضطرارية؛ لأن هناك من هو عبد لله عن طريق الاختيار؛ أي هو الذي اختار طريق الحق والهدى والرشاد، ... وهناك من هو عبد لله اضطرارا باعتبار أن الله خالقه ورازقه ومدبر أمره رغم أنفه؛... يقول الشاطبي رحمة الله عليه:« المقصد الشرعي من وضع الشريعة إخراج المكلف عن داعية هواه، حتى يكون عبدا لله اختيارا، كما هو عبد لله اضطرارا»1.
إلا أن الوساوس الشيطانية واتباع هوى النفس والشهوات؛ جعلت الكثير من الخلائق ينساقون وراء التفكير الخطأ والطريقة الخطأ، مع أن المبدأ الذي ينبغي أن نجتمع عليه جميعا هو المتجلي في قول الحق سبحانه:﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ﴾ [النحل، 56]، المتمثل في عبادة الله وحده دون تعداد الآلهة ودون ترداد السذاجات.
والنبي صلى الله عليه وسلم في عمله على تحقيق هدا المبدإ؛ ظل يدعوا الناس إلى طريق الحق سرا وعلانية لمدة ثلاث وعشرين سنة بين مكة والمدينة، ثلاث عشرة سنة منها في ترسيخ المبدأ العقدي المشترك قائلا:( يا أيها الناس قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا.)2؛ ليحرر الناس بهذا من عبادة العباد والأصنام، إلى عبادة رب العباد، وليخرجهم من ظلمات الجهل والكفر، إلى نور التوحيد وعز الإسلام، وليهديهم إلى صراط مستقيم؛ صراط الله الذي له مافي السماوات والأرض، وواجهه في ذلك صعوبات وعراقيل وإيذاء من طرف المشركين في سبيل تبليغ هذه الدعوة.
ورغم أن البشر ينكر وجود الله ويبتعد عن عبادته، إلا أن الله يبقى إلها وربا له مهما حاول الابتعاد، لأنه خالقه ورازقه ومدبر أمره، إلا أن مصيره سيختلف عن مصير العابدين الزاهدين.
والحق سبحانه يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ﴾ [الانفطار6-7-8].
ثانيا: النفس واحدة من أب واحد؛
إذا كان انتماء الإنسانية كلها إلى نفس واحدة آدمية، فتلك النفس أصلها من طين؛ ذلك أنه إذا كان آدم عليه السلام أبا للبشرية جميعها، وحواء أما لها كلها؛ فإن هذا المخلوق يبقى منتميا إلى جهة واحدة لا ثانية لها ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ﴾ [المؤمنون، 12-14 ]، هذا باعتبار أصل الإنسان الأول الذي هو آدم، ومن آدم –النفس الإنسانية الأولى- تسلسل جميع الخلائق؛ ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً﴾ [النساء،1 ]. ويقول الحق سبحانه﴿َيا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة، 21]
ثالثا: المبعوث ختاما واحد، والرسالة واحدة؛
بعث الله النبي محمدا صلى الله عليه وسلم إلى خلق الله كلهم عربا وعجما، إنسا وجنا ... إذ رسالته عمت كل الخلائق منذ بعثته إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، والآيات كثيرة تؤكد هذا المعنى، يقول الحق سبحانه:﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾[الأنبياء، 107]، ويقول عز من قائل:﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾[سبأ،28]،
ولا يفهم من هذا أن الرسالة المحمدية للإنس فقط، بل طالت حتى الجن: ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [الأحقاف، 29-32].
وقوله سبحانه:﴿ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا﴾[الجن، 1-2].
الرسل واحد ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ [الأحزاب، 40].
والرسالة واحدة إذ الخطاب القرآني يدل على أن البشر كلهم من أصل واحد لا يتفاضلون إلا بالتقوى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾[الحجرات، 13] وغيرها من الآيات الكثيرة التي تدل على أن الخطاب مشترك بين بني البشر.
رابعا: مصير العودة إلى الله واحد؛
رغم اختلاف العباد جميعهم في معتقداتهم وتصوراتهم؛ إلا أن عودتهم إلى الإله الواحد محسوم في أمرها ومحتوم في شأنها؛ فلو كانت الخلائق تدوم؛ لدام الأنبياء ولبَقُوا أحياء إلى قيام الساعة، لكن الفناء مرتبط بانتهاء صلاحية الإنسان ووجوده وعودته إلى الخالق الحق الذي لا يظلم مثقال ذرة ﴿إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى﴾ [العلق، 8] وحال لسان الكافر غدا يوم القيامة يقول: ﴿ ربِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [المؤمنون، 100]
غير أن المصير الأخروي المرتبط بالخلود مختلف تمام الاختلاف؛ فالمؤمنون مصيرهم الجنة، والكافرون مصيرهم النار والعياذ بالله.
النظر الثاني: في بيان محطات الفصل بين الخليقة...
ورغم كل هذه الصلات المشتركة بين الخليقة؛ إلا أنه لا ينتفي أن تكون هناك محطات للفصل، وعليها المعول في التمييز بين بعضها البعض، وصاحبها هو المختار لها دون إكراه ولا إلزام.
إذ المطلوب الأساس من جميع الخليقة تحقيقه قول الحق جل في علاه: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران، 85]، دون هذا لا يعذر أحد من الخليقة لبلوغ الرسالة المحمدية له.
لكن إذا كانوا يعبدون إلها غير الإله الواحد، ويتبعون تشريعات غير شريعته، ويؤمنون بعيسى أو موسى ... غير محمد، وينكرون البعث والجزاء ...فإننا بالتأكيد نفارقهم ونخالفهم؛ لأننا نؤمن بالله ربا، وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا ورسولا. ونتبع سنته صلى الله عليه وسلم باعتباره مبلغا وخاتما ... شبرا بشبر وذراعا بذراع: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾[سورة يوسف، 108].
كما أننا نؤمن بالأنبياء السابقين كلهم من آدم عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم ولا حرج عندنا في ذلك.
فالمسلمون لهم دينهم ولهم دولهم ولهم أوطانهم، كذلك الآخرون لهم مثل ما للمسلمين؛ ذلك أن هذا التصور يقتضي عقلا أن يحترم كل أحد من الفريقين ما للآخر، في ظل الاحترام التام للقواعد التي قد تَمَس بأي من هذه الكرامة أو تلك، أو بهذه المقدسات أو تلك، لكنهم خالفوا ورفضوا واعتدوا على الإسلام ورسوله ومقدساته سبابا وشتما وطعنا والواقع خير دليل على ذلك.
ونحن بإزاء هذا كله - مع كامل الأسف الشديد- نجد أن بعضا من المسلمين يحتفلون برأس السنة الميلادية على طريقة الكفرة، من شرب للخمور وتضييع للأموال وتبذير للمأكولات... هنا يجب أن نقول قولة الحق حتى يعلى بها شأن الإسلام؛ الدين الحق الذي ندين به لله ونشعر به في وحدة أمتنا الجليلة.
إن الاحتفال القلبي الإيماني بالنسبة للمسلمين؛ لا يجب أن يرتبط فقط برأس السنة الميلادية؛ لأن هذا اللون من الاحتفال ينتهي بانتهاء وقته وزمانه، في يوم ونصفه على الأكثر، بل يجب أن يكونوا دائما محتفلين عقائديا وأخلاقيا وسبوكيا؛... ذلك أن فرحة المسلم في عبادة ربه لا يجب أن تكون محدودة بوقت، لأنه يعبد الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما، هذا فيما يخص مستوى الاحتفال القلبي.
أما على مستوى الاحتفال العملي الواقعي الذي تتخلله الفرحة والسرور من نوع آخر؛ فقد شرع الله لنا في ذلك ما نحتفل به أيضا نحن المسلمين وذلك في أيام العيدين؛ فعن أنس رضي الله عنه قال: « قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ: " إِنَّ اللهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَوْمَ النَّحْرِ»3.
فهنا يحتفل المسلمون، ولا يحتفل الكافرون، فاقتضى الأمر أن نتميز عنهم وأن لا نحتفل بما يحتفلون به بطريقتهم المشينة.
والحديث النبوي الشريف يدل بمنطوقه على أنه لا يوجد في نظام المسلمين عيد ثالث يفرحون به؛ لذا وجب ابتعادهم عن الاحتفال برأس السنة الميلادية؛ لأنه لم يشرع لهم الاحتفال فيها، وإلا عادوا إلى صنيع الجاهلية الشوهاء، واتبعوا الطريقة غير المستقيمة.
ولابن القيم رحمة الله عليه كلام نفيس في النهي عن تهنئة الكفار بشعائرهم؛ حيث يقول:« وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد، ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثما عند الله وأشد مقتا من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه.
وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنأ عبدا بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه »4.
إذ الأمر يقتضي أننا إن هنأناهم بذلك وكأننا نقرهم على ذلك من وجهة نظر مسلمة وهذا خطأ في التصور والتزيل وفهم شرع الله بطرق غير صحيحة ووضع المسلمين في طريق التضليل؛ ذلك أن الإسلام لا ينبغي أن يقحم في مثل هذه المواقف بما ليس فيه وما ليس منه؛ لأنه حق من عند الحق.
والإمام بن كثير رحمة الله عليه أورد كلاما قيما في كتابه ''البداية والنهاية'' في معرض حديثه عن قصة ''الملكين التائبين'' حيث يقول:« فليس للمسلم أن يتشبه بهم؛ لا في عباداتهم ولا مواسمهم ولا في أعيادهم؛ لأن الله تعالى شرف هذه الأمة بخاتم الأنبياء الذي شرع له الدين العظيم القويم الشامل الكامل الذي لو كان موسى بن عمران الذي أنزلت عليه التوراة، وعيسى ابن مريم الذي أنزل عليه الإنجيل حيين، لم يكن لهما شرع متبع، بل لو كانا موجودين بل وكل الأنبياء لما ساغ لواحد منهم أن يكون على غير هذه الشريعة المطهرة المشرفة المكرمة المعظمة.
فإذا كان الله تعالى قد من علينا، بأن جعلنا من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم فكيف يليق بنا أن نتشبه بقوم، {قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل} [المائدة: 77] قد بدلوا دينهم وحرفوه وأولوه حتى صار كأنه غير ما شرع لهم أولا، ثم هو بعد ذلك كله منسوخ والتمسك بالمنسوخ حرام لا يقبل الله منه قليلا ولا كثيرا ولا فرق بينه وبين الذي لم يشرع بالكلية والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم »5
والواجب على المسلمين إزاء ذلك كله أن يقوموا بمهمة الدعوة إلى الله، والبليغ عن رسوله، وأن لا يتقاعسوا عن ذلك بل تنفيذه من أوجب الواجبات، وآكد المؤكدات، بطرق تليق بمقام هذا الذين العظيم وتجليه في أبهى صوره ومستوياته ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [النحل، 125]
هوامش:
1- الموافقات للإمام الشاطبي، تحقيق: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، دار ابن عفان، ط: 1، 1417ه/ 1997م، ج:2، ص:289
2ا-لسير والمغازي لابن إسحاق المدني، تحقيق: سهيل زكار، دار الفكر – بيروت الطبعة: الأولى 1398ه /1978م، ص:231
3- مسند الإمام أحمد من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، (ت: 241ه)، تحقيق: شعيب الأرنؤوط - عادل مرشد، وآخرون، مؤسسة الرسالة، ط: 1، 1421 ه - 2001 م، ج:19، ص:65.
4- أحكام أهل الذمة لابن القيم الجوزية، تحقيق: يوسف بن أحمد البكري وشاكر بن توفيق العاروري، دار: رمادى للنشر – الدمام، ط: 1، 1418 - 1997
5- البداية والنهاية لابن كثير (ت 774)، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، دار هجر، ط: الأولى ، 1418 ه - 1997 م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.