حماة المال العام: "حفظ طلبات التبليغ عن الجرائم من شأنه أن يوفر الحصانة لمتهمين متورطين في مخالفات جنائية خطيرة"    المنسق الوطني للجنة الوطنية لطلبة الطب ل"رسالة24″: لم نتلق أي دعوة رسمية من رئيس الحكومة بعد …    إسبانيا.. إحصاء أزيد من 21 مليون عامل ما يعد رقما قياسيا    الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل عسكري رابع بقصف "كرم أبو سالم" من طرف كتائب القسام    مبادرة سفراء الجزيرة .. مرعي: جئنا للمغرب لنتعافى من الجراح    المغرب يحتضن الدورة 16 للبطولة الإفريقية للدراجات الجبلية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    حضور متميز للسينما المغربية في مهرجان طريفة- طنجة للسينما الإفريقية    منيب: المجال الفلاحي بالمغرب بحاجة لمراجعة شاملة ودعم "الكسابة" الكبار غير مقبول    متجاوزا الصين واليابان.. المغرب يصبح المورد الرئيسي للاتحاد الأوروبي في قطاع السيارات    المغرب يفتتح خط طيران جديد مع جزر الكناري خلال موسم الصيف    ‮«‬حلف ‬شمال ‬إفريقيا‮»‬ ‬بديلا ‬للاتحاد ‬المغاربي    إضراب لثلاثة أيام يشل حركة المحاكم في مختلف المدن    بعشرات الصواريخ.. حزب الله يستهدف قاعدة إسرائيلية في الجولان    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    وفاة مدرب الأرجنتين السابق لويس مينوتي بطل مونديال 1978    الدوري الإسباني .. النصيري يواصل تألقه    أسعار النفط العالمية تعود إلى الارتفاع    هزة أرضية تهز منطقة في شمال المملكة    تفاصيل جديدة حول عملية نقل "درب عمر" إلى مديونة    الذهب يصعد وسط توترات الشرق الأوسط وآمال خفض الفائدة في أمريكا    الدورة الأولى من مهرجان مشرع بلقصيري للسينما    مهرجان الجونة السينمائي يفتح باب التسجيل للدورة السابعة من "منصة الجونة السينمائية"    "الثّلث الخالي" في القاعات السينمائية المغربية إبتداء من 15 ماي الجاري    دراسة: السجائر الإلكترونية قد تسبب ضررا في نمو الدماغ    فيدرالية ارباب المقاهي تنفي الاتفاق على زيادة اثمان المشروبات وتشكو ارتفاع الأسعار    عادل تاعرابت كان غايسلخ كاكا: غوت عليا وشنقت عليه    وزير الدفاع الإسرائيلي لنتنياهو: حنا للي مسؤولين على إعادة الأسرى والمقترح المصري مزيان    الموت يغيّب الشاعر محمد حنكور "الهواري" أيقونة الشعر الأمازيغي.. هذه قصة حياته وموعد الجنازة    المشاهد الجنسية في أفلام هوليوود تراجعات بنسبة 40% وها علاش    بعد الاتفاق الاجتماعي.. مطالب بالزيادة في معاشات المتقاعدين    بطولة اسبانيا: بيتيس يعزز حظوظه بالمشاركة القارية    يجب على الإسرائيليين إغراق الشوارع لمنع عملية رفح – هآرتس    يهم نهضة بركان.. الزمالك المصري ينهزم قبل مباراة نهائي كأس "الكاف"    الاتحاد السعودي يعاقب عبد الرزاق حمد الله    طلبة الطب في مسيرة وطنية اليوم بالرباط ردا على إغلاق وزير التعليم العالي باب الحوار    هذا ما قررته المحكمة في قضية كريمة غيث    عنف المستوطنين يضيق الخناق على الفلسطينيين في الضفة الغربية، و دول غربية تتصدى بالعقوبات    باحثة: الضحك يقدر يكون وسيلة واعرة لعلاج الناس    عندها الزهر لي كيهرس الحجر.. مرا ربحات 2 مرات فالقمر فقل من 3 شهر    دعوة من بيت الذاكرة لترسيخ التنوع الثقافي من أجل إشاعة قيم السلام    الإنتحار أزمة نفسية أم تنموية    دراسة مواقف وسلوكيات الشعوب الأوروبية تجاه اللاجئين المسلمين التجريد الصارخ من الإنسانية    الأرشيف المستدام    العفو الملكي    رأي حداثي في تيار الحداثة    سيدات مجد طنجة لكرة السلة يتأهلن لنهائي كأس العرش.. وإقصاء مخيب لسيدات اتحاد طنجة    اعتصامات طلاب أمريكا...جيل أمريكي جديد مساند لفلسطين    دراسة حديثة تحذر المراهقين من تأثير السجائر الإلكترونية على أدمغتهم    السفه العقدي بين البواعث النفسية والمؤثرات الشيطانية    "فنون شعبية على ضفاف درعة".. وثائقي يسلط الضوء على التحولات التي شهدتها فنون زاكورة (فيديو)    فيلم "من عبدول إلى ليلى" يفوز بالجائزة الكبرى لمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    جواد مبروكي: الحمل والدور الحاسم للأب    منظمة تدعو لفتح تحقيق في مصرع عامل بمعمل تصبير السمك بآسفي    الأمثال العامية بتطوان... (589)    الأمثال العامية بتطوان... (588)    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"ميكانيكا الكمّ" .. علم مبهر يسبر أغوار العالم الميكروسكوبي
نشر في هسبريس يوم 16 - 01 - 2017

حينما نفكر في الأمر... نحن كائنات حية تحس تفكر، تدرك، تعيش، وتموت... عندما نتعمق قليلا، نحن أعضاء، أعين، فم، قلب، ودماغ... كل له وظيفة لنحيا... وعند رؤيتنا للأمر بمجهر إلكتروني، يتضح أننا نتكون بالكامل من خلايا صغيرة تقوم كل بوظيفتها؛ لكن هل نستطيع أن نتعمق أكثر؟ نعم، بفضل التجارب العلمية والعقول الرياضية والفيزيائية، نعرف اليوم أننا نتكون من جسيمات لا أحد رآها اليوم أو قبله. والغرابة هي أنها الجسيمات نفسها التي تكون كل شيء من حولنا، والغريب أكثر هو أن بعض سلوك هذه الجسيمات لا يتقبله حدسنا أو قد يكون خارج إدراكنا.
تحظى ميكانيكا الكم، ذلك العلم الذي يدرس سلوك الجسيمات دون الذرية، باهتمام كبير حتى في الأوساط غير المختصة. ويرجع ذلك في الغالب إلى الغموض المثير الذي كشفت عنه التجارب العلمية التي كان الهدف منها كشف أسرار العالم الميكروسكوبي. وقد تمكن العلماء، في النصف الأول من القرن العشرين، من وضع صيغ رياضية تصف سلوك تلك الجسيمات التي تكوِّن العالم.
لكن سرعان ما طفح للسطح خلاف بين أشهر الأسماء حول التفسير الفيزيائي لتلك المعادلات الرياضية، فانقسم المجتمع العلمي آنذاك إلى فريقين: الأول كان على رأسه نيلز بور، الفيزيائي الدانمركي الحائز على جائزة نوبل، والذي يؤيد تقبل قوانين ميكانيكا الكم كما هي؛ وفريق ثان بقيادة العالم المشهور آلبرت آينشتاين، الذي يرى أن هذه النظرية ما زالت غير مكتملة.
آينشتاين ومفارقة EPR
يرتبط اسم آينشتاين، في الغال، بنظريته التاريخية "النسبية"؛ لكن في الحقيقة لهذا العالم إسهامات ثورية في مجالات أخرى، فدون الحديث عن إحدى مقالاته لسنة 1905 التي تعدّ من المقالات المؤسسة لميكانيك الكم والتي فسر فيها انبعاث الإلكترونات من المادة عند تعريضها للضوء أو ما يطلق عليه "التأثير الكهروضوئي" (Effet photoélectrique) والتي كوفئ عليها بجائزة نوبل، فإن آينشتاين كان اسما بارزا في بناء النظرية الكمية، إذ بعد انتهائه من بناء نظريته "النسبية العامة" تفرغ للبحث في ميكانيكا الكم.
في سنة 1935، نشر آينشتاين مع زميلين له بودولسكي وروزن مقالا يعدّ من أشهر المقالات، قدموا فيه تجربة فكرية تحمل الأحرف الأولى من أسمائهم -EPR- . وكان الهدف من هذه التجربة الفكرية إثبات أن ميكانيكا الكم، كما طرحها علماء "مدرسة كوبنهاغن"، غير مكتملة؛ فقد كان آينشتاين من أشد المعارضين لتفسير نيلز بور وهايزنبرغ وآخرين للمعادلات الرياضية التي تصف سلوك الجسيمات ما دون الذرية والمشهور ب"تفسير كوبنهاغن".
كانت نتائج كل التجارب تتوافق مع تفسير التيار الفكري المؤسس "لمدرسة كوبنهاغن"؛ وهو ما جعل أغلب المجتمع العلمي يتقبله آنذاك، بالرغم من مخالفة هذا التفسير للحدس البشري ولمبدأ الحتمية في بعض الأحيان. ذلك التفسير الذي يرى حقيقة العالم دون الذري حقيقة إحصائية وليست حقيقة مؤكدة، والذي ينفي وجود ظاهرة حقيقية ما لم تتم مراقبتها، فمثلا فعل القياس -المراقبة- هو الذي يدفع الإلكترون إلى أن يأخذ موضعا معينا، أي أنه قبل القياس لم يكن يوجد في أي موضع؛ بل أكثر من ذلك، فالحقيقة المادية - حسب تفسير كوبنهاغن- تتعلق في جزء منها بطريقة المراقبة.
لم يتقبل آينشتاين هذه الرؤية الغريبة للطبيعة، فقد كان يؤمن بأن الحقيقة موجودة؛ حتى لو لم نكن نراقبها. ويرى أن الفيزيائي يجب عليه أن يسّلم بأنه يدرس العالم الموجود سلفا، سواء كان بصدد مراقبه أو لم يكن.
وضع آينشتاين السؤال: "هل يمكن اعتبار الوصف الكمي للحقيقة الفيزيائية كاملا ؟"، محاولا أن يثبت وجود متغيرات خفية تحول دون فهم لتلك الحقيقة، فانطلق من مبدأين فيزيائيين: الأول هو مبدأ "المحلية" (Principe de localité) الذي ينصّ على أن جسمين تفصل بينهما مسافة لا يمكن أن يؤثران في بعضهما لحظيا دون وسيط وأن أي تأثير لا يمكن أن يكون أسرع من سرعة الضوء، فحسب "نظرية النسبية" لا يوجد شيء يسير أسرع من سرع الضوء، والمبدأ الثاني هو "مبدأ اللايقين " (Principe d'indétermination) إحدى ركائز "تفسير كوبنهاغن" الذي يؤكد استحالة معرفة موضع وكمية حركة جسيم دون ذري بدقة في الوقت نفسه.
كان هدف التجربة الفكرية EPR هو الوصول إلى استنتاج أن تفسير نيلز بور ومؤيديه غير مكتمل أو أنه لا يتوافق مع مبدأ المحلية الذي لا يختلف العلماء آنذاك على صحته.
لتبسيط الأمر، فالفكرة كانت اقتراح طريقة تمكن بشكل دقيق وفي الوقت نفسه من قياس كمية حركة وموضع جسيمين ينطلقان من مصدر واحد مبتعدين عن بعضهما البعض؛ وذلك بحساب خصائص جسيم بقياس خصائص الجسيم الآخر. وهذا مناف لمبدأ اللايقين، وبالتالي مخالف لما يؤمن به مؤيدو تفسير كوبنهاغن، والذين كان ردهم على الفكرة أن تلك الخصائص ليس لها وجود أصلا قبل قياسها.
تنبأ آينشتاين بأنه في حالة كانت ميكانيكا الكم صحيحة، فلابد أن يكون الجسيمان يؤثران في بعضهما البعض لحظيا، مهما تكن المسافة الفاصلة بينهما، وهذا يعارض مبدأ المحلية. ولهذا، لم يتقبل آينشتاين هذا التأثير، وسماه ب"التأثير الشبحي عن بعد".
متراجحات بيل
استحالة القيام بالتجربة الفكرية -EPR- في ذلك الوقت حال دون ترجيح أية كفة، وجعل السجال يتحول من علمي إلى فلسفي. ومن ثم، انطلق العلماء في مسار تطبيق ميكانيكا الكم، في شتى المشاريع النافعة للإنسان، وأداروا ظهرهم عن سؤال الحقيقة الفيزيائية في معادلاتها، وبدأ السجال يختفي شيئا فشيئا...
توفي آينشتاين سنة 1955، والتحق به نيلز بور سنة 1962؛ لكن بعد سنتين فقط من وفاة بور، ظهرت ورقة بحثية لعالم إيرلندي يدعى جون ستيوارت بيل سلط فيها الضوء على "المتغيرات الخفية المحلية" وكيف سيظهر لنا العالم لو كانت موجودة. من هذا المنظور، أسس ما يعرف اليوم ب"متراجحات بيل" (Inégalités de Bell) والتي كانت إشارة إلى إمكانية حسم النقاش بالتجربة العلمية؛ فإن كانت نتائج التجربة متوافقة مع متراجحات بيل، فإن آينشتاين على حق وإن ناقضتها فنيلز بور ومدرسة كوبنهاغن هم من على صواب.
سنة 1972 تم القيام بأول تجربة في الاتجاه نفسه كانت نتائجها تناقض متراجحات بيل؛ لكن مشكل الدقة في تلك التجربة، التي أنجزها الأمريكي جون كلوزر، جعل مؤيدي نظرية المتغيرات الخفية لا يقتنعون بها وبالتالي لم تحسم الموضوع.
وبين عامي 1980 و1982، استطاع الفيزيائي الفرنسي آلان أسبي أن يجيب بالتجربة العلمية الدقيقة عن مفارقة -EPR- باستخدام أزواج من الفوتونات، والنتائج كانت في صف نيلز بور.. "في التجارب الثلاث، النتائج تتوافق تماما مع توقعات ميكانيكا الكم، وتناقض بكل وضوح متراجحات بيل آلان أسبي".
معادلات ميكانيكا الكم سلّطت الضوء على ظواهر غريبة يصعب تصديقها، فما سماه آينشتاين "التأثير الشبحي عن بعد" هو ظاهرة حقيقية، حيث إنه عندما يكون جسيمان في حالة تشابك كمي فإن مراقبة أحدهما تؤثر لحظيا على حالة الجسيم الآخر؛ حتى ولو كانت تفصل بينهما سنوات ضوئية.
قد يعتقد البعض أن هذه الظاهرة تناقض نظرية "النسبية" بما أن الجسيمين يؤثران في بعضهما آنيا، أي أن الإشارة تنتقل بينهما بسرعة تفوق سرعة الضوء؛ ولكن هذا غير صحيح، فظاهرة التشابك الكمي (Intrication quantique) لا تناقض نظرية النسبية، ولا يمكن استعمالها لتوصيل إشارة بسرعة تفوق سرعة الضوء، ولا يتم اعتبار الجسيمين المتشابكين كنظم مستقلة ومهما كانت المسافة الفاصلة بنيهما يظلان يعتبران نظاما واحدا و"مبدأ المحلية" يصبح غير مؤكد عندما يتعلق الأمر بميكانيكا الكم.
خاتمة
اليوم، يستخدم مفهوم التشابك الكمي وميكانيكا الكم بشكل عام في الأبحاث الجارية من أجل تطوير تكنولوجيات قد تغير مسار حياتنا وتشكل قفزة كبيرة إلى عالم آخر، كالتشفير الكمي، والانتقال الآني الكمي، ومعالجات تستخدم الخصائص الكمية للجسيمات دون الذرية ستمّكن يوما ما من إنتاج حواسيب خارقة.
بعيدا عن ميكانيكا الكم وبلغة "النسبية العامة"، فالسنة هي رحلة نستقل فيها كوكب الأرض ليسافر بنا عبر نسيج الزمكان بسرعة 30 كيلومترا في الثانية تقريبا لدورة كاملة حول الشمس، إذن فكل سنةٍ رحلة... وبمناسبة حلول السنة الأمازيغية الجديدة، أتمنى رحلة سعيدة لكل المغاربة.
*متخصص في هندسة الأنظمة المعلوماتية
https://web.facebook.com/redwane.irkettou


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.