عرف إقليمسطات ونواحي برشيد، خلال الأسبوعين الفارطين وبداية الأسبوع الحالي، ارتفاعا ملحوظا في حالات الانتحار أو محاولاته؛ إذ سجل في ظرف أسبوعين ما مجموعه 12 حالة، أنقذت منها حالة واحدة لشاب من حي ميمونة بسطات في حين عرف الأسبوع الجاري ثلاث محاولات من امرأتين ورجل بسطات جرى إنقاذهم جميعا، بعدما أقدمت امرأتان على رمي نفسيهما من ارتفاعات شاهقة، فيما ابتلع رجل كمية كبيرة من الأقراص الطبية في محاولة لوضع حد لحياته. تختلف الطرق والموت واحد حالات الانتحار ومحاولاته، التي بلغت 15 حالة في ظرف ثلاثة أسابيع، توزعت بين إقليميسطاتوبرشيد، وشملت مختلف الأعمار والأجناس، نفذها الضحايا بطرق مختلفة، واحتلّت طريقة تناول سم القوارض المرتبة الأولى، متبوعة بشنق النفس، ثم الارتماء من الأعلى أو أمام القطار، وتأتي طريقة استعمال أدوات حادة في المرتبة الأخيرة، وانحصرت أعمار الضحايا بين 12 و70 سنة، منهم قاصرات وقاصرون وربات بيوت وأجراء وموظفون عموميون. تداخلت أسباب الانتحار في الحالات المسجلة؛ فمنها الاجتماعي والاقتصادي والمرضي والأخلاقي أو الخوف من الفضيحة، وتسارعت وتيرتها؛ فلا تكاد مستعجلات سطات تنتهي من إسعاف شخص أقدم على الانتحار، أو تحرير وثيقة وضع المعني بالأمر في قسم الإنعاش، أو توجيهه أحيانا إلى مدينة الدارالبيضاء بسبب خطورة حالته الصحية، أو معاينة جثة والإذن بوضعها بقسم الأموات، حتى يتناهى إلى علمها قدوم حالة أو حالات أخرى، "هاد شي ولَّى بزّاف وعاد كيخلع سوا في العروبية أو المدينة"، يقول أحد سائقي سيارة إسعاف. إجراءات طبية وقضائية مصادر طبية وقضائية أفادت، في تصريحات متطابقة لهسبريس، بأن حالات الانتحار أو محاولاته تتطلب إجراءات طبية وأبحاثا قضائية ضرورية؛ إذ يجري نقل الشخص الذي يكون لازال حيا إلى المستشفى من أجل إسعافه، ويشرف الطبيب المداوم وطاقمه على غسل معدة الضحية ومده بالأوكسجين وبعض الحقن المناسبة ويبقى تحت المراقبة، أو يمكن إدخاله قسم الإنعاش حسب وضعه الصحّي. أما بخصوص الذين وافتهم المنية، فإنهم يوجّهون إلى قسم الأموات من أجل التشريح الأحادي بسطات، أو الثلاثي بمشرحة الرحمة بالدارالبيضاء، لتحديد الأسباب الحقيقية للوفاة، ومعرفة ما إذا كان الأمر يتعلق بعملية انتحار أو جريمة قتل مدبّرة ومحاولة تمويه الضابطة القضائية من قبل الفاعل أو الفاعلين، لفائدة البحث تنفيذا لتعليمات النيابة العامة، وتنتهي القضية بتحديد الأسباب التي قد تكون اجتماعية أو اقتصادية، كعدم حصول المعني بالأمر على حق من حقوقه أو لأسباب صحّية كإصابته بمرض عقلي؛ بحيث يتطلّب الأمر استثمار الأسباب والنتائج التي تتوصل إليها الضابطة القضائية من أجل إيجاد الحلول. ناقوس الخطر حسن الإدريسي، رئيس فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بسطات، قال في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية: "إن الحق في الحياة حق مقدس مكفول بمقتضى جميع المواثيق الدولية، وكذا الديانات السماوية"، موضحا أن حالات الانتحار أو محاولاته أصبحت ظاهرة بمدينتي سطاتوبرشيد، وهي تمسّ حق الحياة في الصميم. ودق ممثل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بسطات ناقوس الخطر، مطالبا المسؤولين بالاهتمام بالصحة النفسية مهما كانت الأسباب، مشيرا إلى أن العوامل والأسباب التي تؤدي إلى ظاهرة الانتحار كثيرة؛ منها ما هو نفسي، أو ما هو مرتبط بالضغوطات المهنية، أو بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين، كحقي الشغل والصحة وغيرهما، وتشديد المراقبة على أماكن بيع المواد السامّة، خاصة للقاصرين أو المرضى. ونبّه المتحدث الجهات المعنية إلى ضرورة الحدّ من هذه الجرائم التي ترتكب في حق النفس، وناشد في الوقت نفسه جميع المتدخلين من أجل التوعية والتحسيس وتوفير مؤسسات الطب النفسي، وطالب باستثمار البحث الضروري الذي تقوم بها الضابطة القضائية موازاة مع كل حالة انتحار أو محاولته لمعرفة الأسباب الحقيقية، مشدّدا على ضرورة زيارة لجنة مركزية مختلطة من جميع المتدخلين إلى مدينة سطات في إطار مقاربة تكاملية لتحليل الظاهرة وإيجاد الحلول المناسبة ضمانا لكرامة المواطن. الطب يطمئن اعتبر الدكتور رابح نجاري، متخصص في الطب النفسي بأحد المستشفيات العمومية للطب النفسي بجهة الدارالبيضاءسطات، في تصريح لهسبريس، أن عملية الانتحار أو محاولة وضع حد للحياة هي الحالة الوحيدة التي تؤدي فيها الأمراض العقلية والنفسية إلى الموت، باعتبار أن المرضى العقليين لا يصارعون الموت كما هو الشأن بالنسبة للأمراض الأخرى كالسرطان أو غيره. وردّ الدكتور نجاري حالات الانتحار إلى "دخول المريض في الاكتئاب الحاد أو العميق، المعروف بالسوداوية والمشهور في التصنيف الدولي للأمراض، خاصة النفسية، بأنه اضطراب المزاج ثنائي القطب، سواء قطب الاكتئاب الحاد أو العميق". ويرى المختص في الطب النفسي أن أسباب الانتحار متعددة، وأكد على العامل الوراثي الذي يلعب فيها دورا كبيرا، موضّحا أن "حالات الاكتئاب بصفة عامة تكون نتيجة عوامل متعددة كالمشاكل الدنيوية، الاجتماعية منها والمادية، كعجز المعني بالأمر عن إيجاد الحلول فتسدّ في وجهه الآفاق؛ بحيث يصبح المريض لا يرى مخرجا لحاله إلا عن طريق وضع حدّ لحياته". وحول ظهور أعراض وعلامات الأمراض النفسية والعقلية، التي تكون مساعدة على التدخل الاستباقي قبل إقدام الشخص المريض على الانتحار، قال نجاري إن الأمراض العقلية والنفسية التي تلفت الانتباه وتمكّن من التدخل الاستباقي بتوجيه المريض إلى الطبيب النفساني، سواء من قبل أهل المريض أو السلطات المعنية من قضاء وضابطة قضائية، "هي الأمراض المزعجة التي تكون مصحوبة بالفوضى أو العدوانية أو الهذيان". وأوضح أن المصابين بالاكتئاب لا تظهر عليهم هذه العلامات، بل بالعكس يدخلون في الانطواء والعزلة، وكثرة الصمت وقلة الكلام، ويصبح المريض "مادام لم يزعج المجتمع يعتقد الناس أنه سويّ وظريف، والله يعمّرها دار"، في حين إن الحقيقة تكمن في "تخطيط المريض المكتئب والمنطوي على نفسه لمشروعه بوضع حد لحياته، وغالبا ما ينجح في ذلك، عكس الشخص الذي يقوم بمحاولة الانتحار من أجل إثارة الانتباه أو جلب العطف من أجل الوصول إلى منفعة معيّنة فنادرا ما يوفّق في محاولته". وحول مدى فعالية الدواء والتدخّل الطبي للعلاج والحد من ظاهرة الانتحار، طمأن الدكتور رابح نجّاري المرضى وذويهم بأن العلاج الذي أثبت نجاعته هو "مضادات الاكتئاب المقرونة بمضادات القلق والتوتر أو المهدئات والمسكّنات، وأحيانا قد تكون مصحوبة بالمنوّمات إذا كان المريض يعاني الأرق"، مؤكدا أن الأدوية متوفرة بكثرة وتنوّع، داعيا المهتمين إلى نصيحة المرضى بالتوجه إلى الطبيب، الذي يمكنه إقناع المريض بالاستمرار في الحياة بالدعم النفسي الملازم للدواء مع الدّعم الاجتماعي. الشرع يحرّم أحمد عبد الحميد، عضو المجلس العلمي بسطات خطيب جمعة بالمدينة نفسها، قال، في تصريح لهسبريس، إن "الله سبحانه وتعالى بعث للإنسان الرسل مبشّرين ومنذرين ووضع شريعة محكمة تضمن السعادة في الدنيا والآخرة، كما تضمن الحقوق التي يحفظ بها الإنسان آدميته وكرامته، وفي طليعتها حق الحياة، الذي لا يجوز لأحد أن ينتهك حرمته". وحول الحكم الشرعي للانتحار، قال عضو المجلس العلمي بسطات إنه "محرّم شرعا مهما كانت الدوافع والمبرّرات"، مستشهدا بقوله تعالى: "ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما"، الآية 29 من سورة النساء، معتبرا الانتحار "بلية من بلايا العصر التي استفحلت في الآونة الأخيرة، وأصبحت تقضّ مضجع الباحثين، باعتبارها تصرّفا سلبيا بكل المقاييس، ينافي القيم الإيجابية التي دعا إليها الإسلام"، موضّحا أن "الانتحار لا يصدر إلا عن نفس مريضة بعيدة عن فعل الصالحات، غارقة في إتيان المنكرات يائسة ممّا عند خالقها من الخيرات". وحول مصير الشخص المنتحر وحكم الصلاة عليه، أوضح عضو المجلس العلمي أن "وصف الإسلام باق له فلا نرميه بالكفر، ولا نجزم بدخوله النّار"، مستدلا على ذلك بقوله عزّ وجلّ: "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء"، الآية 48 من سورة النساء، مردفا أن المنتحر تجري عليه أحكام المسلمين؛ حيث يغسّل ويكفّن ويصلّى عليه، ويدفن في مقابر المسلمين ويترحّم عليه ويدعى له.