يسجل قطاع العقار في مدينة طنجة توسعا مقلقا في نشاط وسطاء غير معتمدين، يعملون خارج الاطر القانونية، مستفيدين من فراغ تشريعي واضح، وضعف الرقابة على الاعلانات العقارية، خاصة في الفضاء الرقمي. ويشتغل هؤلاء الوسطاء عبر قنوات متنوعة، منها مجموعات التواصل الاجتماعي، ومواقع الإعلانات العقارية، وبعض المكاتب غير المسجلة. وغالبا ما يعرضون خدماتهم دون صفة قانونية واضحة، مستهدفين مشترين يبحثون عن عروض سريعة او منخفضة السعر، خاصة في الضواحي والمناطق التي تشهد توسعا عمرانيا غير منظم. تشير بيانات منشورة على منصات متخصصة الى ان اكثر من 100 وسيط يدرجون انفسهم في دلائل رقمية مثل "تيليكونتاكت"، "ماروكانوار"، و"ساروتي". وتظهر بعض الوكالات وهي تدير اكثر من 100 اعلان نشط، في وقت لا تعرض فيه معلومات قانونية واضحة مثل رقم السجل التجاري او الرخصة المهنية. ويكشف رصد غير رسمي للمنصات الرقمية ان جزءا من هذه الاعلانات يتضمن عروضا غير مكتملة، او مكررة، او باسعار تقل باكثر من 15 في المئة عن المتوسط المحلي، وهي مؤشرات تستغل عادة لجذب المشترين بسرعة، دون ضمانات موثقة. تنص مدونة الالتزامات والعقود، وفق التعديل الوارد في القانون رقم 107.12 المنظم لبيع العقار في طور الانجاز، على منع اي دفعة مالية قبل توقيع عقد تمهيدي موثق. كما تشترط المادة 618.5 من القانون نفسه الا يتم اي تعاقد قبل انجاز الاساسات، بينما تنص المادة 618.9 على الزامية تقديم كفالة مالية تضمن استرجاع المبالغ المدفوعة في حال عدم اتمام المشروع. ورغم هذه المقتضيات، تظهر اعلانات عقارية في طنجة تتحدث عن عروض حجز اولي او دفع عربون فور المعاينة، دون اي احالة الى ضمانات قانونية او توضيح للوضعية العقارية للمشروع. ويسجل في المقابل ضعف تطبيق الاجراءات الزجرية المنصوص عليها في القانون رقم 66.12 المتعلق بمراقبة وزجر المخالفات في التعمير والبناء. وينص هذا النص على امكانيات الهدم، الحجز، والغرامة في حال ثبوت البناء غير المرخص او التسويق لعقار مخالف لقوانين التعمير. وتشير معطيات "بنك المغرب" الى ان مدينة طنجة سجلت خلال الربع الثاني من سنة 2025 تراجعا في حجم المعاملات العقارية بنسبة 19 في المئة، وتراجعا في اسعار الاراضي بنسبة 2.3 في المئة، مقابل استقرار نسبي في اسعار الشقق. ويرى مهنيون ان هذا التراجع في الطلب ساهم في توسيع هامش المناورة لدى بعض الوسطاء غير الرسميين، الذين يلجؤون الى اساليب غير شفافة لتصريف المنتجات العقارية، خاصة تلك التي تواجه صعوبات تسويقية في القنوات القانونية. ويرصد كذلك ارتفاع في استهداف الجالية المغربية المقيمة بالخارج، من خلال عروض ترسل عبر تطبيقات التواصل، دون مستندات رسمية. وتشير تقارير الى ان بعض الضحايا جرى استدراجهم عبر صور لعقارات في طنجة، قبل ان يتبين ان المشروع غير مرخص او غير موجود. وتسجل حالات لوسطاء يشتغلون من المقاهي او عبر الهاتف فقط، دون وجود فعلي لمقر مهني. كما ترصد اعلانات ورقية على الجدران تحمل فقط عبارة "شقة للبيع" مرفقة برقم هاتف، دون تحديد اي صفة مهنية او عنوان واضح. وفي سياق متصل، وفرت "الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية" منذ سنة 2024 خدمات رقمية موجهة للموثقين، تتيح الاطلاع الالكتروني على وثائق التسجيل والملكية. كما اطلقت خدمة "محافظتي" لمتابعة اي تغييرات تطرأ على الرسوم العقارية. وتزامن ذلك مع تعزيز المنصات العمومية لتدبير الشكايات، سواء عبر البوابة الوطنية "شيكاية.ما"، او المنصة الرقمية التابعة ل"رئاسة النيابة العامة"، التي تسمح بتوثيق التظلمات الكترونيا. ويسجل ايضا غياب سجل وطني علني خاص بالوسطاء العقاريين المعتمدين، وهو ما يعتبره عدد من المتدخلين ثغرة هيكلية تسمح بتوسيع نشاط السماسرة غير المهنيين، خاصة في ظل تجميد مشروع القانون رقم 36.17 الخاص بتقنين المهنة. وفي ظل غياب اطار قانوني واضح، تبقى مسؤولية التحقق من هوية الوسيط العقاري، وصحة الوثائق، وحالة العقار القانونية، ملقاة على عاتق المشتري. ويرى مراقبون ان اخراج قانون منظم للمهنة، وربطه بانشاء سجل وطني للوسطاء، سيساعد في تقليص هذه الظاهرة، وضمان سلامة المعاملات العقارية في مدن تعرف دينامية عمرانية مستمرة مثل طنجة.