على بُعد 35 كيلو مترا جنوب شرق العاصمة الرباط، ينتصب فوق سفح جبلي بمنطقة كريفلة بناء تاريخي أصابه صدأ النسيان وبات "معلمة مغبونة" في نظر زواره والمتطوعين القائمين على رعايته والباحثين المهتمين بالتراث المعماري للمملكة؛ فلا وزارة الثقافة أو وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بادرت منذ عهود إلى محاولة بسيطة لترميم هذه المعلمة أو إعادة الاعتبار إليها كجزء بارز من التراث المغربي العميق، كما تسعى إلى تحقيق مثل هذه الأعمال عديد من دول العالم.. هنا، ضريح عبد الله بن ياسين، مؤسس الدولة المرابطية. الحديقة الخلفية للعاصمة بمشقة عالية في بلوغ هدفنا، تدور بنا السيارة في منعرجات خطيرة بعد الخروج من الرباط مرورا على شارع محمد السادس أو "طريق زعير" كما يسميها العديدون، حيث تغيب علامات التشوير الطرقي أو تظهر في بعض المرات في حالة من الاهتراء.. وحدها علامة واحدة صغيرة الحجم كتب عليها في مناسبتين اتجاه ضريح عبد الله بن ياسين، حيث أسر لنا أحد أبناء المنطقة أن تلك العلامة تم تنصيبها في الآونة الأخيرة لاقتراب تنظيم فعالية ثقافية في المنطقة. بعد نصف ساعة من السير على متن السيارة، التي تطل بك نوافذها أثناء الطريق المنعرج على مساحات خضراء شاسعة من السهول والهضاب في منطقة زعير، يمكن أن نسميها بالحديقة الخلفية للعاصمة للرباط؛ وهي الطريق التي تمر بك أيضا على شبه قصور ومحميات حيوانية وطبيعية تعود ملكيتها لأمراء ورجال أعمال من دول الخليج وليبيا؛ نصل إلى قمة شامخة ينتصب عليها مسجد شبه مهجور لم يكتمل بناؤه بجانبه ضريح بال لرجل درست سيرته مرارا في مقررات التاريخ بالتعليم المغربي، إنه عبد الله بن ياسين المرابطي الجزولي. ضريح يعاني الخذلان داخل الضريح الذي يئن من وطأة الزمان وخذلان المسؤولين على حفظ الذاكرة والتراث في البلاد، يرتفع القبر الذي يضم رفات بن ياسين بسنتيمترات قليلة، وهو الذي قتل عام 451 هجرية إثر معركة قادها ضد قبائل برغواطة بمبرر ديني وسياسي يقول رواة التاريخ إنه تمثل في "الجهاد وإدخالهم إلى الدين الإسلامي الصحيح".. فوق القبر، مجسم خشبي وضعت عليه أثواب خضراء منها ما كتبت عليه "آية الكرسي" تيمنا بالقرآن. وراء القبر، علقت رخامة متوسطة الحجم نقشت عليها عبارات تختصر سيرة بن ياسين بخط عربي عريق صعب على القراءة، ومن بين ما ضمته عبارات: "هذا ضريح الفقيه الصالح والعالم الناصح مولانا عبد الله بن ياسين الجزولي.. توفي رحمه الله شهيدا في معركة برغواطة عام 451.. كان شديد الورع في المأكل والمشرب.. كان يعيش من لحوم الصيد، وكان لا يأكل شيئا من لحوم صنهاجة؛ لأن فيها شبهة". إشراف دون مقابل عند مخرج الضريح على بعد متر من يمين بابه الخشبي، يوجد قبر لعالم من المدينةالمنورة بالسعودية، يقول الشاب محمد الهادي، المشرف على الضريح بشكل تطوعي ودون أيّ مقابل، إنه دفن بناء على وصيته؛ فيما توجد وراء الضريح بناية متداعية الجدران لمسجد مهجور، تقول حكايات أهل المنطقة إن بعض رواده قاموا مند عقود بتدميره بداعي إعادة بنائه "قبل أن يصل إلى المسامع استيلاؤهم على كنز كان مدفونا تحته.. أما جثة بن ياسين فلم تتعرض للنبش". الهادي، وهو شاب نشأ بقرب الضريح في منزل معزول وقال في لقاء جمعه بهسبريس إنه ورث الإشراف على قبر عبد الله بن ياسين والفضاء المجاور له أبا عن جد، يورد كيف أن منطقة زعير "تفتخر بهذه المعلمة التي طالها النسيان.. بالرغم من ذلك فهي قبلة لعديد من زوار مناطق مغربية مختلفة"؛ لكنه سرعان ما انخرط في بث شكوى المكان: "ضريح بن ياسين يحتاج إلى طريق معبدة؛ فالطريق الحالية تبقى غير صالحة بتاتا لاستيعاب زوار الفضاء". مشكل الماء يبقى أبرز ما يثير حنق ومعاناة زوار الضريح ومن يعيش بجانبه، حسب الشاب الحاصل على إجازة في الحقوق وماستر في الدراسات الإسلامية، مضيفا بقوله: "الماء هنا غير موجود، نضطر لاستقدامه على بُعد كيلومترات.. ونضطر بإمكاناتنا البسيطة إلى مساعدة الزوار ومدهم بالماء بالمجان حتى يعيشوا في أجواء سعيدة"، يقول محمد الهادي. "نتمنى التفاتة كبيرة لهذا المكان.. وأعتقد أن الأمر لن يكون صعبا، ما دام أن صاحب الجلالة قد بعث برسالة توجيهات سامية من أجل إيلاء العناية والاهتمام الكامل بالأضرحة وقبور الأولياء الصالحين كواجهة تاريخية للمغرب، عبر الترميم وإعادة البناء، لتكون هذه الفضاءات وجهة سياحية بامتياز"، يورد سمحمد. تاريخ منسي يعرف عبد الله بن ياسين الجزولي، وفق روايات التاريخ المختلفة والتي لم تنقل تاريخ ولادته في منطقة سوس بل تاريخ وفاته عام 1059م، بأنه "داعية وعالم دين مالكي سني"، وينعت بكونه من "زعماء الإصلاح الإسلامي" في عصره حتى لقب بمهدي الدولة المرابطية، وفضلا عن اعتباره من أسس هذه الإمبراطورية المغربية الممتدة؛ فيعود إليه الفضل، وفق المصادر ذاتها، في تجديد الإسلام بالقارة الإفريقية وخاض لأجل ذلك حروبا ومعارك دامية. بوعبيد التركي، الباحث في التاريخ والتراث وابن منطقة زعير، قال لهسبريس إن بن ياسين "خاض حروبا كثيرة مع القبائل المتشتتة في القرنين الثالث والرابع الهجريين في المغرب.. أبرزها معركته ضد قبائل برغواطة، التي تعتنق مذاهب الشيعة والخوارج، حيث استشهد فيها عام 451 هجرية. ودفن في هذا المكان بالمنطقة التابعة لقبيلة ولاد كثير من قبائل منطقة زعير". ويرى التركي أن الضريح، الذي بني على قبر بن ياسين، "لا يليق بشخصيته وقيمته التاريخية؛ فالفضاء يضم رفات داعية كبير ومجاهد إسلامي من قيمة الإمام عبد الله بن ياسين الجزولي، فالمقام لا يناسب صاحبه بتاتا"، حيث يرصد الباحث بدوره أن الضريح في حالة غير تامة البناء "الطريق التي تؤدي إليه جد صعبة والماء غير متوفر للحياة"، ليطالب المسؤولين والجهات المعنية "بالتفاتة للضريح الذي يتردد عليه الناس كثيرا؛ فالمنطقة ستكون فضاء مهما للجذب السياحي إذا أوليت لها العناية الكافية".