بايتاس: "النفَس الاجتماعي" خيار استراتيجي.. و580 ألف "كسّاب" توصّلوا بالدعم    بنعليلو يقارب الفساد بالقطاع الخاص    تداولات بورصة البيضاء تنتهي خضراء    "أرسل صوراً لك ولطفلك، اجعلني أبتسم".. رسائل تكشف علاقة ودية جمعت توم براك وإبستين    إطلاق بوابة «ولوج الملعب» لتقديم معلومات آنية بشأن ملعب طنجة الكبير    عرشان يتعهد بتطوير الكرة الحديدية    هلال: حل قضية الصحراء لن يكون إلا وفق شروط المغرب.. ولا مبادرات بديلة على طاولة الأمم المتحدة غير الحكم الذاتي    الاتحاد الأوروبي يستعد لإعادة التفاوض حول اتفاق الصيد البحري مع المغرب بعد قرار مجلس الأمن الداعم للحكم الذاتي    بنك المغرب: تحسن في النشاط الصناعي خلال شتنبر الماضي    المصادقة على تعيينات جديدة في مناصب عليا    بوعلام صنصال.. انتصار الكلمة على استبداد النظام الجزائري    شراكة المغرب والأكاديمية العربية تروم تعزيز البحث العلمي في النقل البحري    المركز المغربي للتقييم والبحث التربوي يوضح موقفه من اتهامات مركز التوجيه والتخطيط ويطالب بفتح تحقيق في شبهات فساد    الاتحاد الجزائري يتحرك لضم إيثان مبابي…    الفريق الاستقلالي بمجلس النواب يشيد بالقرار الأممي حول الصحراء ويؤكد دعمه لقانون المالية 2026    على هامش تتويجه بجائزة سلطان العويس الثقافية 2025 الشاعر العراقي حميد سعيد ل «الملحق الثقافي»: التجريب في قصيدتي لم يكن طارئاً أو على هامشها    قصيدتان    سِيرَة الْعُبُور    محكمة ألمانية تنصف غازي أمام ماينز    سقطة طبّوخ المدوّية    المسلم والإسلامي..    سدس عشر نهائي مونديال قطر لأقل من 17 سنة.."أشبال الأطلس" يرغبون في الزئير بقوة أمام المنتخب الأمريكي    "فيفا" يكشف حكام مبارتي "الأسود"    اختبار مزدوج يحسم جاهزية "أسود الأطلس" لنهائيات كأس إفريقيا على أرض الوطن    تساقطات مطرية تنعش السدود والمزروعات والجديدة وآسفي تتصدران بأعلى المعدلات    الترجمة الفلسفية وفلسفة الترجمة - مقاربة استراتيجية    امطار متفرقة مرتقبة بمنطقة الريف    نجاح واسع لحملة الكشف المبكر عن داء السكري بالعرائش    الوكيل العام يكشف خيوط "شبكة إسكوبار الصحراء" ويلتمس إدانة المتهمين    ثَلَاثَةُ أَطْيَافٍ مِنْ آسِفِي: إِدْمُون، سَلُومُون، أَسِيدُون    وزير الداخلية يدافع عن تجريم نشر إشاعات تشككك في نزاهة الانتخابات.. لا نستهدف تكميم الأفواه    تقرير رسمي يسجل تنامي الجريمة في المغرب على مرّ السنوات وجرائم الرشوة تضاعفت 9 مرات    المغرب يستأنف الرحلات الجوية مع إسرائيل اليوم الخميس    وزير خارجية مالي: سيطرة المتشددين على باماكو أمر مستبعد    موريتانيا تُحرج البوليساريو وترفض الانجرار وراء أوهام الانفصال    قمة المناخ 30.. البرازيل تقرر تمديد المحادثات بشأن قضايا خلافية شائكة    مجلس ‬المنافسة ‬ومندوبية ‬التخطيط ‬يستعدان ‬لوضع ‬النقط ‬على ‬الحروف الكشف ‬عن ‬جشع ‬الوسطاء ‬والمضاربات ‬غير ‬المشروعة    المنتخب الوطني يجري آخر حصة تدريبية بمركب محمد السادس قبل التوجه إلى طنجة    تراجع أسعار النفط لليوم الثاني على التوالي    إسرائيل تشن غارات في جنوب لبنان    الكونغرس يقرّ إنهاء الإغلاق الحكومي    بالصور .. باحثون يكتشفون سحلية مفترسة عاشت قبل 240 مليون عام    المديرية الإقليمية للشركة الجهوية متعددة الخدمات ابن مسيك سيدي عثمان مولاي رشيد سباتة .. تدخلات متواصلة لصيانة و تنظيف شبكة التطهير السائل    كيوسك الخميس | المغرب يضاعف إنتاج محطات تحلية المياه عشر مرات    افتتاح مركز دار المقاول بمدينة الرشيدية    دراسة: لا صلة بين تناول الباراسيتامول خلال الحمل وإصابة الطفل بالتوحد    انبعاثات الوقود الأحفوري العالمية ستسجل رقما قياسيا جديدا في 2025    برنامج طموح يزود الشباب بالمهارات التقنية في مجال الطاقة المستدامة    تعاون أمني مغربي–إسباني يُفكك شبكة لتهريب المخدرات بطائرات مسيرة    مرض السل تسبب بوفاة أزيد من مليون شخص العام الماضي وفقا لمنظمة الصحة العالمية    توقيع اتفاقية شراكة بالرباط للنهوض بالثقافة الرقمية والألعاب الإلكترونية    ليلة الذبح العظيم..    المشي اليومي يساعد على مقاومة الزهايمر (دراسة)    خمسة آلاف خطوة في اليوم تقلل تغيرات المخ بسبب الزهايمر    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تعويم الدرهم المغربي .. إضرار بالاقتصاد واغتناء فاحش للأفراد
نشر في هسبريس يوم 24 - 06 - 2017

مرة أخرى نجد أنفسنا أمام قرار تعويم سعر صرف الدرهم لم يحظ بنقاش عمومي كاف؛ حيث بقي حبيس اجتماعات منغلقة ومقتصرة على ثلاث مؤسسات فقط هي: صندوق النقد الدولي وبنك المغرب ووزارة الاقتصاد والمالية. وإلى حدود الساعة لا نتوفر على أي تقييم لتداعيات هذا القرار على اقتصادنا، كما هو الشأن بالنسبة إلى قرار المغادرة الطوعية على التقاعد سنة 2005 الذي مني بالفشل باعتراف الجميع.
ومن حسن الحظ أن المرحلة المقبلة في تحرير سعر الصرف ستقتصر، كما ورد على لسان والي بنك المغرب، على توسيع هامش تغيير السعر وتحديد حد أقصى وحد أدنى للتغير، كما اقترحناه في مقال سابق للجريدة. لكن ما نخشاه هو أن يخطط بنك المغرب بمنطق ما يسمى "تقنية اللص الصيني"، التي تعني سرقة الشيء على فترات وليس مرة واحدة لتفادي إثارة انتباه الناس.
فبغض النضر عن هذه الاعتبارات كلها، نؤكد أن موضوع تعويم سعر صرف الدرهم بالضبط لا يقبل بتاتا أي مجازفة؛ بحيث إن أي تسرع في وتيرة التحرير والمرور إلى مراحل متقدمة سيؤدي إلى الاخلال بالعقد الاجتماعي الذي يربط المغاربة بالدولة وإلى مزيد من الاحتجاجات جراء ارتفاع الأسعار وتفشي البطالة والمضاربة على العمولات وارتفاع أسعار الفائدة بسبب خصاص في تمويل الاقتصاد وانعكاساته على الاستثمار الخاص. وضع اجتماعي أظن أننا في غنى عنه، خصوصا في الظروف الحالية.
ففي حالة التعويم النهائي وفي حالة انهيار سعر الدرهم وعدم قدرة بلادنا على انقاذ قيمته بتوفير مخزون كاف ومريح، يجب أن يتجاوز 24 شهرا من الواردات بالعملة الصعبة، وفي حالة عدم وفاء صندوق النقد الدولي بالتزاماته تجاه المغرب، فإن اقتصادنا سيتعرض بدون شك لكارثة اقتصادية واجتماعية. آنذاك لن يبقى في المغرب إلا المغاربة.
المحور الأول: الأرباح المالية الضخمة التي سيجنيها المضاربون المغاربة أو الاجانب
إن لتحرير أو تعويم سعر صرف الدرهم آثارا على المدى القصير جدا يمتد على أسبوع أو اثنين؛ إذ إننا سنلاحظ في الأسبوع الحالي تهافت المضاربين الأغنياء على شراء العملات الأجنبية، خصوصا الدولار واليورو، من الأبناك أو من السوق السوداء مقابل الدرهم، نظرا لتوقعهم المنطقي بانخفاض ولو طفيف من قيمة الدرهم ما بعد عيد الفطر. الأسبوع المقبل سيعاود المضاربون الذين اشتروا العملات الأجنبية بيعها مرة ثانية مقابل الدرهم، مما سيمكنهم من اغتناء بالدراهم في ظرف وجيز وبدون تعب.
ولتثبيت الأفكار، فمثلا إذا قدم فرد على شراء اليورو بمبلغ مليوني درهم سيحصل على 183.5 ألف يورو بسعر 10.9 دراهم لكل يورو واحد. وعند انخفاض قيمة الدرهم ب 10 بالمائة، مثلا، سيبيع هذا المبلغ الأخير باليورو مقابل الدرهم بسعر جديد هو 11.99 درهما لكل يورو واحد. هكذا سيحقق الفرد ربحا صافيا مبلغه 200 ألف درهم في أسبوع أو أسبوعين من العمل. فحجم الأرباح سيكون مرتفعا جدا إذا تعلق الأمر بملايير الدراهم المستعملة. فإذا ما تأكد المضارب، أكان مغربيا أو أجنبيا، من انهيار مرتقب في سعر صرف الدرهم، فان فرصة الاغتناء لا تقاوم.
للتذكير، فإن هذا النوع من المضاربة في سوق العمولات هو الذي أضر خصوصا بالاقتصاد التايلاندي. فالمضاربة من شأنها تعميق انهيار قيمة الدرهم؛ لأن المضاربين لما يقبلون على شراء اليورو أو الدولار فهم يعرضون الدرهم ويساهمون بهذا الشكل دون الاحساس في انهيار قيمته مرة أخرى. من الرابح إذن؟ إنه الفرد. أما الخاسر فهو الاقتصاد الوطني.
إن الذين يدعمون التعويم النهائي هدفهم هو الاغتناء بأي ثمن ضاربين عرض الحائط القواعد الاقتصادية السليمة؛ لأن المضاربة ستكون هي القاعدة مستقبلا أمام عدم قدرة بنك المغرب أو مؤسسات الحكامة على التصدي لها. ولعل خير دليل على ذلك أن بنك المغرب انهزم أمام لوبي الأبناك في تخفيض أسعار الفائدة المرجعية، بينما انهزمت وزارة الحكامة والشؤون العامة في كسر شوكة لوبي موزعي المواد البترولية التي بقيت أثمانها مرتفعة رغم انخفاض أسعار البترول في السوق الدولية. ومن جهة أخرى، فإن احتياطي ستة أشهر من العملة الصعبة كواردات يعتبر عتبة غير مريحة في ظل اقتصاد يعيش فوق طاقته الانتاجية والتمويلية؛ لأن تنافسيته وانتاجيته ضعيفتان.
المحور الثاني: تداعيات بالجملة على الاقتصاد الوطني
رغم تمكين قرار تعويم سعر الدرهم من استقلالية السياسة النقدية في المغرب، إلا أن هناك حالتين قصويين بشأن تغير قيمة الدرهم إذا حدثتا ستخلقان إشكالا اقتصاديا كبيرا. الحالة الأولى المحتملة جدا هي انهيار قيمة الدرهم بالمقارنة مع اليورو والدولار بشكل متوازن مع محددات اقتصاده كما يترقبه المضاربون حاليا. وفي هذه الحالة تكون الانعكاسات سلبية جدا؛ حيث سترتفع قيمة الدين الخارجي بالعملة الأجنبية وقيمة الواردات بالدرهم. مما سيؤدي إلى تضخم مستورد وغلاء المعيشة من جهة، وسيضعف تنافسية صادراتنا؛ لأنها تستعمل المواد المستوردة كمواد وسيطة، من جهة أخرى، وهو القطاع المعول عليه من أجل جلب العملة الصعبة.
وأمام الاستنفاد التدريجي لمخزون العملة الأجنبية الضرورية من أجل دعم قيمة الدرهم، ستتقلص الكتلة النقدية وستنخفض السيولة البنكية وسترتفع أسعار الفائدة وستتقلص القروض البنكية ثم الاستثمارات الخاصة الكفيلة بخلق مناصب الشغل. ففي الاقتصاد، من أجل خلق المقاولات وخلق مناصب شغل جديدة يجب توفر الرأسمال وفكر المبادرة الحرة. لكن في الدول السائرة في طريق النمو، فبدون تعليم جيد لن تتأتى المبادرة الحرة، وبدون القروض البنكية لن يتأتى الرأسمال.
وتجدر الاشارة إلى أن سياسات سعر مخفضة لقيمة الدرهم في المغرب لم ولن تكون ناجحة نظرا لضعف مرونة العرض التصديري رغم المخططات الفلاحية والصناعية ورغم تخفيض أثمنة الصادرات؛ لأن شركاءنا لا يستوردون من المغرب إلا كميات محددة سلفا بعض النظر عن تخفيض الأثمنة. الشيء نفسه ينطبق على الواردات التي تصبح باهظة الثمن للكمية المستوردة نفسها، خصوصا المواد الطاقية والتجهيزات الأساسية.
لهذا نؤكد على ضرورة توفر مخزون جد مهم من العملة الصعبة، يتحتم حسب تقديرنا أن يتجاوز السنتين من الواردات، متجاوزا العتبة التي حددها صندوق النقد الدولي، من أجل تمكين الفاعلين في السوق من طلب الدراهم وعرض العملات الأجنبية.
أما الكارثة العظمى فهي أنه في حالة تعذر دعم قيمة الدرهم في السوق بهذه الطريقة نظرا لنفاد المخزون، ستجد الدولة نفسها مرغمة على طلب اللجوء إلى مخطط الإنقاذ الذي يقترحه صندوق النقد الدولي؛ لأنه مصر على استخلاص ديونه قبل التعافي أو بعد التعافي. للإشارة فقط، وإن كان لزاما على الدول المنخرطة في صندوق النقد الدولي أن تنفذ توصياته بموجب المادة الرابعة، فإن دولا كالولايات المتحدة الامريكية ودولا أخرى متقدمة تتجاهل بتاتا هذه التوصيات.
أما في الحالة القصوى الثانية، وهي مستبعدة، والتي تتعلق بالارتفاع في سعر صرف الدرهم الاسمي بشكل كبير من جراء تدفق قوي لاستثمارات خارجية مباشرة أو تحويلات السياحة أو انتعاش غير متوقع في أثمنة الفوسفاط في السوق الدولية أو دخول عائدات مكثفة إثر بيع الفاعلين الخواص للقنب الهندي، ففي هذه الحالة سيسهل على بنك المغرب إنتاج الدرهم، ووضعه عند طلب الأبناك سيمكن من تخفيض قيمته في السوق.
ومن جهة أخرى، ومع ازدواجية بنية الاقتصاد المغربي المكونة من قطاعات ريعية وتصديرية، ستتحول هذه الموارد إلى القطاعات الريعية والمحمية التي تنتج السلع غير القابلة للتداول، كقطاع العقار والخدمات، مقارنة مع القطاعات التصديرية، وسترفع من سعر صرف الدرهم الحقيقي.
*أستاذ التعليم العالي بجامعة محمد الخامس بالرباط


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.