بعد مرور خمسين عاما على إلقاء الرئيس الفرنسي الراحل شارل دوغول خطابه الشهير من شرفة مبنى مجلس مدينة مونتريال محييا "كيبيك حرة"، يبدو انفصال مقاطعة كيبيك عن كندا بعيدا عن متناول الحركة التي تطالب بسيادتها. وساعدت عبارة "فيف لو كيبيك ليبر" (عاشت كيبيك حرة) التي نطق بها دوغول في نهاية خطاب مرتجل أمام آلاف من المؤيدين، خلال زيارته الرسمية إلى كندا بمناسبة معرض "مونتريال إكسبو 67 العالمي"، والذكرى المئوية لكونفيدرالية كندا، على إثارة أحداث لا تزال يتردد صداها في السياسة الكندية. وقال برنار سان لوران، وهو مذيع معروف في كيبيك، ومحلل سياسي، إن الخطاب الذي ألقي في 24 يوليوز 1967، وتداعياته السياسية، وضع حركة الاستقلال الصغيرة في كيبيك فى دائرة الضوء العالمية، وأضفى عليها قدرا من المصداقية سواء في الداخل أو في الخارج. وأضاف سان لوران لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ): "لا شك أنه في ذاك الوقت، تم اعتبار أن الخطاب يعطي حركة سيادة كيبيك مشروعية لم تكن لها من قبل". واعتبر أن هذا كان أحد الأسباب التي دفعت حكومة "ليستر بي بيرسون" إلى الرد بقوة بالغة، وتوضيح أن دوغول -76 عاما وقتها- لم يعد موضع ترحيب في كندا. وقال بول هاينبيكر، سفير كندا السابق لدى منظمة الأممالمتحدة، الذي كان دبلوماسيا كنديا شابا في العام 1967، إن كلمات دوغول تسببت في فتور علاقات فرنسا مع كندا لسنوات. وأضاف هاينبيكر لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) "اعتبرت كندا هذه الكلمة تدخلا خطيرا من رجل عجوز لا يستطيع أن يميز بين البريطانيين والكنديين، وخاصة الكنديين من أصول إنجليزية". وأثار خطاب دوغول المشاعر والشعور المرير بالخيانة بين الكنديين، وخاصة أولئك الذين قاتلوا أو فقدوا أفراد عائلاتهم خلال حربين عالميتين في فرنسا. وحسب فيري دي كيرشوف، وهو دبلوماسي سابق آخر رفيع المستوى عمل في الدائرة الفرنسية بوزارة الخارجية الكندية في ذلك الوقت، فقد استمرت المرارة حتى بعد وفاة دوغول في عام 1970. وقال كيرشوف إن رسالة رئيس الوزراء الكندي التي أعرب فيها عن تعازيه في وفاة دوغول لفرنسا تمت كتابتها بعد عدة مسودات. وأضاف: "أستطيع أن أخبركم بأن المسودة التى وضعتها تم رفضها باعتبارها مفرطة في السخاء". وأوضح سان لوران أنه في وقت خطاب دوغول كانت حركة كيبيك الانفصالية تتألف من فرعين رئيسيين: أحدهما يؤمن بتحقيق الانفصال من خلال الوسائل الثورية، بما في ذلك الإرهاب، والآخر ينشد طريقا ديمقراطيا وسلميا إلى الاستقلال. في عام 1968، تحت قيادة الزعيم القومي ذي الشخصية الجذابة المؤثرة، رينيه ليفيك، اندمجت عناصر من الحركة الانفصالية السلمية وشكلت معا "حزب كيبيكوا" (بي كيو)، الحزب السياسي المطالب بالسيادة الرائد في كيبيك. وفي عام 1976 تمكن ليفيك من الفوز بولايته الأولى وتشكيل حكومة انتهى بها المطاف إلى تبديل حال المقاطعة الناطقة بالفرنسية وقيادتها إلى محاولتها الأولى للانفصال عن كندا. وقال سان لوران إن النتيجة الواضحة لاستفتاء أجري عام 1980 كشفت عن رفض 60 في المئة من المشاركين فيه للانفصال. كان حزب كيبيكوا (أبناء كيبيك) أكثر نجاحا بكثير في إجراء إصلاحات للمحافظة على اللغة والثقافة الفرنسيتين في المقاطعة، إلى حد كبير من خلال اعتماد القوانين التي عززت دور الفرنسية كلغة رسمية في كيبيك. ولكن المواجهة مع الحكومة الاتحادية احتدت عندما رفضت كيبيك في عام 1982التوقيع على الدستور الكندي. وحتى اليوم لا تزال هي المقاطعة الوحيدة التي لا تلتزم رسميا بدستور البلاد. وقد أدى الإحباط في كيبيك بسبب محادثات الدستور الفاشلة، والجدال الوطني المؤلم حول الاعتراف الرسمي بالوضع المتميز للمقاطعة، إلى انتصار آخر لحزب كيبيكوا وإجراء استفتاء ثان في عام 1995. كان القوميون من أبناء كيبيك قريبين من الفوز في ذلك الوقت، ولكن بعد حملة عاطفية ومثيرة للجدل، تمكن الجانب الرافض للانفصال من تحقيق انتصار بفارق ضيق بأغلبية 58ر50 في المئة فقط. وانخفض التأييد لحركة سيادة كيبيك بعد ذلك، ويعود ذلك جزئيا إلى تغير التركيبة السكانية بل وللمفارقة يعود إلى حد ما للنجاح الذي حققه حزب كيبيكوا في حماية اللغة الفرنسية. ولفت سان لوران إلى أن السياسات اللغوية لحزب كيبيكوا، التي تتطلب من بين أمور أخرى أن يرسل جميع المهاجرين بالمقاطعة أطفالهم إلى مدارس فرنسية، أدت إلى تآكل الدعم للانفصال، عن طريق ذهاب القلق على مستقبل اللغة والثقافة الفرنسيتين في المقاطعة، وهو الأمر الذي كان أحد الدوافع الرئيسية للمشاعر القومية. وبينما لا يزال حوالى ثلث أبناء كيبيك يؤيدون السيادة بقوة، قال سان لوران إنه من غير المرجح أن يحشدوا ما يكفي من الدعم من بقية السكان للانفصال. وتابع سان لوران قائلا "اذا لم يكن هناك دافع، ولا حدث رمزي قوي بما فيه الكفاية لتغيير الديناميكية الجارية حاليا، ولحشد أبناء كيبيك، سيكون من الصعب جدا تصور كيف سيحقق ذلك أي نوع من النجاح".