أعادت حادثة ولاد زيان بالدارالبيضاء، التي وقعت الجمعة الماضية، سؤال العنصرية تجاه المهاجرين من دول جنوب الصحراء إلى الواجهة، كما أثارت من جديد إشكالية اندماج هؤلاء المهاجرين في المجتمع المغربي، بعد اعتماد المملكة منذ سنوات لسياسة جديدة للهجرة واللجوء. يأتي هذا في وقت بات فيه عدد كبير من المهاجرين من دول جنوب الصحراء يؤجلون أو يتخلون بشكل جدي عن حُلم الوصول إلى القارة الأوروبية، فباتوا يبحثون عن حياة ممكن في مدن المغرب، خصوصاً في الرباطوالدارالبيضاء وفاس وطنجة. واختار أغلب هؤلاء المهاجرين تقاسم الأرصفة مع المغاربة لبيع ما يمكن بيعه للحصول على لقمة عيش، فيما فضل آخرون التسول في الطرقات للحصول على دراهم معدودة لقضاء يومهم، ونسبة أخرى اقتحمت أوراش العمل وشمرت عن سواعدها للاشتغال. وقد أعادت أحداث العنف، الذي رافقت واقعة ولاد زيان بالدارالبيضاء وإشعال النار، إلى الواجهة موجة عنصرية وكراهية من لدن بعض المغاربة، الذين وجدوا في الحادثة فرصة لشن حملة ضد المهاجرين، عبر تعليقات على صفحاتهم في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك تطالب بترحيلهم. البعض اختار أن يدافع عن المهاجرين، بغض النظر عن الأسباب التي كانت وراء حادث ولاد زيان، حيث قال شاب وهو من المدافعين عن حقوق المهاجرين على فيسبوك: "لكل من يسب المهاجرين من دول جنوب الصحراء تذكر أن لديك جالية مغربية كبيرة منتشرة في دول العالم". فيما أثار آخرون إشكالية اندماج المهاجرين في المجتمع المغربي، وضرورة إيلاء السلطات الأهمية الواجبة لهذه الفئة التي تعد بالآلاف، ومنها نسبة كبيرة حصلت في إطار التسوية على بطائق إقامة قانونية على التراب المغربي. بالنسبة إلى صبري الحو، المحامي والخبير في مجال الهجرة، فإن حادثة ولاد زيان لا تدل على "عنصرية المغاربة بقدر ما هي نتيجة لسياسة أخطأت التقدير باختزال الإدماج في التسوية الإدارية، في حين أن الإدماج سياسة يجب أن تتعبأ لها جميع القطاعات بتوفير الحقوق والحريات بمجملها". وأضاف الحو، في حديث لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "أحداث العنف التي عرفتها الدارالبيضاء الجمعة الماضية تعكس بجلاء واقعا حقيقيا، وهو أن المغرب بلد جديد بالنسبة إلى حالة استقبال هؤلاء المهاجرين بعدما كان بلد مصدر وعبور نحو أوروبا". وأوضح الحو أن هذه الحالة الجديدة للمغرب "لن تمر بشكل سلس، لعدة اعتبارات؛ أبرزها أن السلطات اختلط لديها مفهوم الاندماج باختزاله في تسوية الوضعية الإدارية للمهاجرين، والحال أن الحصول على التسوية القانونية هو بوابة فقط من أجل الاستفادة من كافة الحقوق على غرار جميع المواطنين المغاربة". وحالة المغرب، حسب الحو، هو أن "ينعم المهاجر بكافة الحقوق في دولة ذات إمكانات متواضعة ومواطنوها يعيشون أزمة توفر على كافة الحقوق"، مشدداً على أن للاندماج مدخلين أساسيين وهما: التعليم والشغل. وقال المحامي صبري الحو إن عدم وجود فرصة تُساعد المهاجرين على التوفر على مقر إيواء وشغل لا يمكن إلا أن تفرز حوادث ومواجهات كتلك التي كانت محطة ولاد زيان بالدارالبيضاء مسرحاً لها. ومن جانبه، يرى هشام الراشيدي، عضو المجموعة المناهضة للعنصرية والمدافعة عن حقوق الأجانب والمهاجرين المعروفة اختصاراً بGADEM، أن حادثة ولاد زيان بالدارالبيضاء لا ترتبط بمشكل اندماج. وأضاف الراشيدي، في حديث لهسبريس، أن المهاجرين من دول جنوب الصحراء الذين كانوا مقيمين قرب محطة ولاد زيان لم يختاروا ذلك بل تم ترحيلهم من الحدود مع إسبانيا وتوزيعهم على مجموعة من المدن. وقال إن هؤلاء المهاجرين لم يختاروا المكوث في ذلك المكان، بل كانوا يرغبون في الوصول إلى الاتحاد الأوروبي، وأضاف قائلاً: "الله يكون في عون هؤلاء المهاجرين، وفي عون المغاربة القاطنين قرب محطة ولاد زيان". وأوضح الراشيدي أن هناك مجموعة من المهاجرين يرغبون في المكوث بالمغرب بالحصول على بطاقة الإقامة، فيما آخرون لم يرغبوا في ذلك، وهؤلاء منهم كانوا في محطة ولاد زيان بالدارالبيضاء. وأشار المتحدث إلى أن هؤلاء المهاجرين الذين كانوا قرب محطة ولاد زيان، وفي مدن أخرى مثل تيزنيت وفاس وآسفي والرباط، هم "ضحايا الترحيل الإجباري من الحدود مع أوروبا.. وأمام هذا الوضع تجد الدولة المغربية نفسها أمام اختيارات صعبة؛ منها توفير الظروف بالتسوية الإدارية، ومن ناحية أخرى هي مجبرة في إطار اتفاقيات مع أوروبا لمنع وصول المهاجرين غير الشرعيين إليها". ولفت الفاعل الحقوقي في مجال الهجرة إلى أن "الدول الأوروبية لا تساعد المغرب ليتم إرجاع المهاجرين إلى أوطانهم، وبالتالي نجد الدولة والمواطنين والمهاجرين ضحايا في هذا الوضع، فيما يرتاح الاتحاد الأوروبي من تراجع موجة الهجرة غير الشرعية". يشار إلى المغرب سبق أن أطلق، في دجنبر من العام الماضي، المرحلة الثانية لمعالجة طلبات التسوية القانونية للمهاجرين في إطار السياسة الجديدة للهجرة واللجوء، بعدما قام بتسوية أوضاع 23 ألف مهاجر في عام 2014، أغلبهم من دول إفريقيا جنوب الصحراء، إضافة إلى بعض الآخرين المنحدرين من سوريا.