جلالة الملك جعل من حماية حقوق الإنسان "مرتكزا لمجتمع عصري وعادل وينعم بالطمأنينة"    "البام" يدافع في البرلمان عن "تراكمات جيدة" للحكومات السابقة رغم انتقادات أخنوش لحصيلة "البيجيدي"    الإضراب يصيب مستشفيات المملكة بالشلل.. والنقابات تستعد لتصعيد أكبر    الأغلبية البرلمانية تنعت حكومة أخنوش ب"الصمود" وتنوّه بمنجزات نصف الولاية    منظمة العمل تشيد بالحماية الاجتماعية    الزمالك يعترض على حكام مباراتهم أمام نهضة بركان    أمن مراكش يضبط كمية من المخدرات على متن حافلة مسافرين    ارتفاع حصيلة وفيات التسمم الغذائي بمراكش    الفيلم الأمازيغي "قارب الحب" يحصد جائزتين بمهرجان الدراما بمكناس    المدير العام لمنظمة العمل الدولية يبرز الإرادة السياسية "البناءة" للمغرب للنهوض بالدولة الاجتماعية    "إذا هوجمت رفح، لن يكون لدى نتنياهو ما يقدمه في إدارته للحرب" – الإندبندنت    المؤرخ برنارد لوغان يكتب: عندما كانت تلمسان مغربية    الذكرى 21 لميلاد مولاي الحسن.. مسار أصغر ولي عهد في العالم من المدرسة المولوية إلى الأنشطة الملكية    دالاس.. تسليط الضوء على مؤهلات المغرب، القطب الاستراتيجي للاستثمار في إفريقيا    في كلمة مثيرة للجدل.. الرميلي تدافع عن موظفة رفض امهيدية تزكيتها    إيقاف سائق "تريبورتور" متهور عرّض حياة الناس للخطر بالبيضاء    رغم تراجع ظاهرة إل"نينيو".. تسجيل درجات حرارة قياسية حول العالم في أبريل الماضي    زمن الجراح.. من الريف السامق إلى الحوز الباسق    زياش يقرر رسميا البقاء في نادي غلطة سراي التركي    أسترازينيكا تعلن سحب لقاح كورونا من الأسواق    جلالة الملك يستقبل الأمير تركي بن محمد بن فهد بن عبد العزيز آل سعود مبعوث خادم الحرمين الشريفين حاملا رسالة لجلالته    اكتشاف مقبرة جماعية ثالثة وانتشال 49 جثة من مجمع الشفاء في غزة    حقيقة انفصال صفاء حبيركو عن زوجها    1.5 مليون شاب مغربي لا يعملون ولا يدرسون.. الشامي: رقم مقلق    المغرب يزيد من طاقة إيواء السجون ب 5212 سريرا في إطار أنسنة ظروف الاعتقال    منصة "إفريقيا 50" تشيد بالتزام المغرب تحت قيادة الملك محمد السادس لفائدة التنمية بإفريقيا    الرياض توافق على مذكرة تفاهم مع الرباط    بورصة البيضاء تستهل التداول بأداء إيجابي    برنامج متنوع للنيابة العامة بمعرض الكتاب    توقيع اتفاق تعاون بين الإيسيسكو وليبيا في المجالات التربوية    الحرارة تتجاوز المعدل الموسمي بالمغرب    محاضر جرائم الأموال تؤرق مسؤولين ومنتخبين بتطوان    طنجة.. ربيع جاكاراندا للمسرح المتوسطي يحتفي بتنوع الثقافات    الرباط: يوم تواصلي تحسيسي لفائدة مرضى التهاب المفاصل الروماتويدي    السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية    وسط استمرار القلق من الآثار الجانبية للقاح «أسترازينيكا»..    السعودية تفرض عقوبات على مخالفي أنظمة وتعليمات الحج    سلا تشهد ولادة عصبة جهوية للألعاب الإلكترونية    لوحة الجمال والعار    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    ياسمين عبد العزيز تصدم الجميع بحديثها عن طليقها أحمد العوضي (فيديو)    تشكل موردا ماليا ل 13 مليون فرد وتشغل 40% من اليد العاملة.. الفلاحة في المغرب أمام تحديات كبيرة    2026 هو موعد تشغيل محطة تحلية المياه بالدارالبيضاء    مشاركة البطل الطنجاوي نزار بليل في بطولة العالم للقوة البدنية بهيوستن الأمريكية    الركراكي مدربا جديدا لسريع واد زم    منتخب الصغار يواجه كرواتيا وإنجلترا وأمريكا    بعد ضجة آثاره المميتة.. "أسترازينيكا" تعلن سحب لقاح كورونا من الأسواق    سحب لقاح "أسترازينيكا" من جميع أنحاء العالم    بطولة انجلترا: ثياغو سيلفا ينضم إلى نادي بداياته فلومينينسي في نهاية الموسم    "من المهم أن تفهم أن آخر شيء أريد فعله هو وضعك في السجن"    نور الدين مفتاح يكتب: ثورة الجامعات    بطولة انجلترا: رفض استئناف نوتنغهام بشأن عقوبة خصم 4 نقاط من رصيده    وقفة تضامن في الرباط تحذر من إبادة إسرائيلية جديدة متربصة بمدينة رفح    وفد من حركة "حماس" في "القاهرة"    غلاء دواء سرطان الثدي يجر "السخط" على الحكومة    وزارة الداخلية السعودية تعلن تطبيق عقوبة مخالفة أنظمة وتعليمات الحج    الدورة الثانية عشر لعملية تأطير الحجاج بإقليم الناظور    الأمثال العامية بتطوان... (591)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القضاء بين ترسيخ الاستقلالية وإمكانيات التغول
نشر في هسبريس يوم 01 - 12 - 2017

في إطار انشغالات قطاع العدل بتحديث المنظومة القانونية ووضع آليات مهيكلة للعمل القضائي ببلادنا، يأتي مرسوم القانون رقم 38.15 بشأن التنظيم القضائي المعروض على أنظار السلطة التشريعية، مكرسا لمجموعة مبادئ هامة تضمنها ميثاق إصلاح منظومة العدالة، منها؛ استقلالية القضاء ووحدته وتخصصه، والحكامة القضائية، والنجاعة القضائية، والعمل التشاركي في صناعة عدالة تشرف بلدنا ضمن حظيرة البلدان المتقدمة.
وإذا كان المشروع قد وفق في رسم مقاربة جديرة بالتقدير لاستقلالية سلطة القضاء، فهل حالفه نفس التوفيق في كبح جماحها عن إمكانيات التغول؟.
إن التساؤل عن هوية كتابة الضبط داخل نص المشروع، يحيل على الاقتناع بأن شكل ممارستها ما يزال تقليديا متسما بالضبابية والتشظي؛ ذلك أن الأعراف الإدارية تقضي بأن كتابة الضبط في أي مرفق كان، تخضع للجهة الإدارية التي تتبع لها تعيينا وتوجيها ومراقبة وتأديبا، وتعمل تحت إشرافها وسلطتها لأنها جزء منها، مما يعني أن كتابة الضبط بالمحكمة جزء من السلطة التنفيذية التي يمثلها وزير العدل، فكيف يتصور عملها تحت إشراف السلطة المباشر لرئيس المحكمة، وهو يمثل السلطة القضائية؟، هل كتابة الضبط تمثل كائنا إداريا مستعارا؟، أو لقيطا يترنح بين سلطتين؟.
فقد لوحظ أن كتابة الضبط ما تزال تئن تحت وطأة منطقين متجاذبين عجز المشروع رقم 38.15 عن تحديد موقفه منهما؛
منطق حداثي راديكالي، يستلهم نداء حقوقيا يصر على منحها الشخصية الاعتبارية العامة كاملة وفق مقتضيات قوانين بلادنا الموضوعية والإجرائية، ويتشبث بضرورة إيلاء منصب الكاتب العام للمحكمة- المحدث-، صلاحيات موسعة في تدبير شأنها الإداري، دون وصاية أو تشكيك في كفاءته المهنية، وبذلك نشعره بالحرية والمسؤولية في اتخاذ قرارات تهم شروط السير العادي للمرفق العمومي، ونكرس في وجدانه صفته التمثيلية للإدارة المركزية التي يستمد منها عناصر قوته وثقته بنفسه.
وبين منطق ستاتيكي محافظ، يرهبه التجديد الجانح لإظهار المحاكم بمظهر الإدارة المواطنة الحداثية، إن هذا المنطق يخرج المسؤول القضائي من دائرة البحث عن تجويد الأحكام، والإبداع فيها، وتنزيل التمثلات الذهنية حول مفهوم العدل والإنصاف، من واقعها الفلسفي المجرد إلى واقعنا الملموس، وهي وظيفة لا تجاوزها وظيفة في السمو والنبل والشرف والمهابة- إن هكذا منطق يخرج القاضي من محراب التأمل إلى التخندق في تدبير شأن إداري خالص، لا لشيء إلا بوازع الخوف من كتابة ضبط يراها ما تزال غير راشدة، وإن كان بها رجال ونسوة، وغير عالمة، وإن كان بها حملة شواهد عليا ودكاترة متخصصون في العلوم القانونية والاقتصادية والتسيير الإداري، وليس لهذا الخوف إلا تبرير سيكولوجي واحد؛ تفسره لذة السلطة والهيمنة والجموح إلى التحكم الذي قد يخرج السلطة القضائية عن استقلاليتها، فالادعاء بأن المحكمة لا يمكن أن تسير بثلاثة رؤوس؛ حق أريد به باطل، ولو أن المشروع الجديد للتنظيم القضائي كان وفيا لنسقه الداخلي في تبني مبادئ استقلالية القضاء ووحدته وتخصصه، ووحدة كتابة الضبط، والحكامة والنجاعة القضائيتين- لو كان الأمر كذالك، لالتزم الوضوح في إسناد المسؤوليات وتوزيعها وفق ما تقضيه طبيعتها التخصصية، ووضع المسؤوليات في مواقعها لبيان أوجه العلاقة بين الجهاز الإداري داخل المحكمة الذي تضطلع بمهامه كتابة الضبط، وبين الجهاز القضائي الذي يضطلع بمهمة النطق بالعدل بين الناس.
وإذا كانت كتابة الضبط من أقرب مساعدي القضاء إلى القضاء، وهي التي ينزل عليها ثقل العملية الإنتاجية في صناعة الأحكام بعد إبداعها قضائيا، فلماذا تقصى من عضوية مكتب المحكمة ومن اللجن المشاركة في مناقشة مشكلات أفقية قد تعترض سير المحكمة العادي؟، وهل تكفي عضوية ومناقشة الكاتب العام للمحكمة لحل مشكلات من منطلق اختصاصه العمودي الناطق باسم الإدارة المركزية؟، مع ملاحظة أن المشروع أعلن صراحة عن حضور هيئة المحامين بهذه اللجن؟، ومع العلم أن الاحتكاك المباشر والمستمر لهذه الهيئة بكتابة الضبط، قد تترتب عليه مواقف شخصية أو مزاجية، تنعكس سلبا في رأي الهيئة حول السير العادي للمحكمة، مما يجعل كتابة الضبط متهما مقصيا من اجتماعات التعبير عن وجهة نظره، في مناقشة قضايا وهموم تتصل بنشاطه اليومي خدمة للصالح العام؟،
إن التعميم الوارد في المادة 18 بشأن إمكانية إحداث لجن أخرى مع هيئات أخرى، ينم عن عدم الاعتراف بدور كتابة الضبط كفاعل حقيقي، رهن نفسه وفاء لخدمة العدالة من داخل دواليبها التي ليست دائما بمنأى عن العتمات والمواجهات اليومية، والتي قد تصل درجة الابتذال مع عموم المتقاضين وباقي الهيئات الأخرى المساعدة للقضاء، خاصة وأن هذه الهيئات لا تتردد غالبا في كيل الاتهامات، وصناعة أقفاص وهمية لكتابة الضبط، تقدحها بالتقاعس عن تلبية حاجاتها، من أجل مصلحة قد تكون فيها المصلحة العامة على هامش النقاش.
*منتدب قضائي من الدرجة الأولى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.