كانت تربية الحسن الثاني وتنشئته متميزة حيث خاطبه محمد الخامس في عيد ميلاده بمناسبة بلوغه السابعة والعشرين بوصية خالدة، غلب عليها طابع الحكمة والموعظة من أب ومربٍّ إلى ولي عهده وملك مغرب المستقبل، قائلا: "لقد اخترت لك من الأسماء الحسن لأربط بين حاضر البلاد وماضيها... فلم تكد تطل على السادسة من عمرك حتى قدمتك للمعلم ليلقنك آيات القرآن، وليغرس في قلبك الطاهر الفتي حب الدين وعز العروبة والإسلام، ولما ترعرعت يا بني اخترت بقاءك تحت سماء المغرب ليتم تكوينك الثقافي في بيئة مغربية، فبنيت لك مدرسة خارج القصر ليتربى فيك الاعتماد على النفس، فحرمتك من مجاملة الخادمات، وحنان المربيات، حتى تزدهر شخصيتك، وتصبح عصاميا بارزا، قبل أن تكون أميرا، ثم أحطتك برفاق من مختلف طبقات الشعب لأنني كنت أريد أن أعدك إعدادا منتزعا من بيئة بلادك، فكنت أحرس أن يعاملك رفقاؤك كباقي إخوانك التلاميذ، تقارعهم الحجة بالحجة، فلا يخضعون لك إلا بقدر ما تبديه من تفوق ومعرفة، وهذا ما كنت أرجوه من المدرسة المولوية، انعزال عن القصر، واعتماد على النفس، وخوض معترك الحياة، لقد سهرت يا بني على بناء المدرسة وبرامج التعليم، وكنت المفتش فيها والمراقب، وكنت أفاجئكم في الدروس وأحيانا بالليل... كما كنت أراقب دفاتر واجباتك، فأجازيك إذا تفوقت، وأعقابك إذا أقصرت... لقد كنت صارما مع الأساتذة، وكنت ألح عليهم أن يعودوك الطاعة والامتثال... وكان غرضي أن تتعلم الطاعة لتعرف في يوم من الأيام كيف تملي أوامرك، لأن من تعلم الطاعة جيدا أملاها جيدا. يا بني: لقد كنت مدققا وملحا في أن يسود النظام حياتك، كما كنت حريصا على أن أنسيك جو الملك والإمارة... يا بني: لقد حرصت أن أجمع لك بين أطراف المجد وأن أمكنك من فضيلة القديم والحديث، فأبيت إلا أن يكون تعليمك مزدوجا... لتعود قادرا على معرفة ما يجري حولك في العالم، وتصبح رجل القرن العشرين... يا بني: احرص على التناسق في ثقافتك لأني أعلم أن مشكلة العصر هي التشبث بالقديم وحده أو الافتتان بالجديد وحده، وكنت أجعل من مدرستك مخبرا لخلق هذا التناسق بين القديم والجديد. يا بني: لم أعتن بتثقيفك فحسب، بل كنت أدربك على تعاليم الإسلام واحترام أوامره وإقامة شعائره، كما كنت ألقنك كيف يجب أن تعامل أباك وإخوتك وشعبك والناس أجمعين. يا بني: إن والدك يؤمن بأن قيادة الأمم وتسيير الدول فن قائم بذاته، فلا يكفي فيه التعليم والتربية وحدهما بل لا بد من تكوين عملي يومي مباشر... يا بني: لم تكن غاية والدك... إلا إعدادك الإعداد الصحيح، وقد شاءت عناية الله، يا ولدي أن تنجح في جميع مراحل حياتك... يا بني: إن مهمتك خطيرة فيجب عليك أن تزداد من العلم والمعرفة، يجب أن تدرس الأفراد أن تعرف الشخصيات. يا بني: أقم الصلاة، وامر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور". *أستاذ علم السياسة والقانون الدستوري بكلية الحقوق – جامعة الحسن الأول بسطات