ملتقى وطني للعدول يرصد مخاطر بنود كشروع القانون الجديد على مهنة التوثيق العدلي اجتمع عدول المغرب بمدينة فاس، في محطة نضالية حضورية غير مسبوقة، معلنين رفضهم القاطع لمشروع القانون رقم 16.22 المنظم لمهنة التوثيق العدلي، ومطالبين بسحبه الفوري من المسار التشريعي، باعتباره مشروعًا تشريعيًا مرفوضًا شكلاً ومضمونًا، ويمثل اعتداءً صريحًا على استقلال المهنة، ومسًّا مباشرًا بالأمن التعاقدي للمواطنين، ونسفًا لمكتسبات تاريخية راكمها العدول عبر عقود من الممارسة والمسؤولية.
وجاء هذا التصعيد الاحتجاجي المنظم عقب تنظيم ندوة علمية وطنية احتضنها المركب الاجتماعي للمحامين بمدينة فاس، حيث قدّم أساتذة جامعيون وخبراء قانونيون ومهنيون عدليون قراءات قانونية ومهنية دقيقة في مضامين مشروع القانون 16.22، كشفت، بالأدلة والحجج، حجم الاختلالات والتراجعات التي يتضمنها النص المقترح، قبل أن يتحول اللقاء إلى موقف جماعي صريح يعبّر عن غضب مهني واسع ورفض شامل للمشروع.
وأكد العدول المجتمعون أن مشروع القانون 16.22 لا يشكل إصلاحًا تشريعيًا، بل يمثل انتكاسة خطيرة وتراجعًا غير مبرر عن مبادئ الاستقلالية والحياد التي تقوم عليها مهنة التوثيق العدلي، مشددين على أن النص الحالي يفرغ الوثيقة العدلية من قيمتها القانونية والضامنة، ويحوّل العدل من فاعل مستقل في تحقيق الأمن التعاقدي إلى مجرد منفذ لإجراءات مقيدة، بما يضرب جوهر المهنة ويمس الثقة العامة في مؤسسة العدول.
وسجّل البلاغ بلهجة احتجاجية قوية غياب أي مقاربة تشاركية حقيقية في إعداد المشروع، واعتبر أن تجاهل رأي الجسم العدلي ومؤسساته التمثيلية، وعدم الالتزام بمخرجات الحوار السابق مع وزارة العدل، يشكل خرقًا واضحًا لمبادئ الحكامة الجيدة وروح الدستور، ويؤكد أن المشروع صيغ بمنطق الإقصاء وفرض الأمر الواقع، لا بمنطق الشراكة والإصلاح.
وحذّر عدول المغرب من أن تمرير المشروع بصيغته الحالية سيؤدي إلى إرباك عميق لمنظومة التوثيق العدلي، وإضعاف الثقة في الوثيقة العدلية، وخلق حالة من عدم اليقين القانوني، ستكون لها انعكاسات مباشرة على مناخ الاستثمار والاستقرار التعاقدي، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى قوانين تعزز الأمن القانوني لا إلى نصوص تزرع الشك والارتباك.
وفي سياق عرض المطالب، شدد العدول على أن المطلب المركزي والأساسي يتمثل في السحب الفوري والشامل لمشروع القانون 16.22، ووقف كل المساطر التشريعية المرتبطة به، وفتح ورش إصلاح تشريعي حقيقي وجاد، ينطلق من احترام إرادة العدول، ويقوم على مقاربة تشاركية فعلية، لا صورية، تُشرك المهنيين في صياغة مستقبل مهنتهم.
وطالب المحتجون بضرورة إعادة صياغة أي مشروع قانون منظم للمهنة بما يضمن:
* الاستقلالية الكاملة للعدل، باعتبارها حجر الزاوية في تحقيق الأمن التعاقدي. * حماية قانونية ومهنية حقيقية لممارسي المهنة. * تعزيز القوة الثبوتية والرسمية للوثيقة العدلية بدل إضعافها. * تحديث اختصاصات العدل بما يواكب التحولات الاقتصادية والرقمية والتنموية التي يعرفها المغرب. * توفير الضمانات الاجتماعية والمهنية، وعلى رأسها حق الإيداع، كشرط أساسي لممارسة مهنية مستقرة ومسؤولة. كما أكد العدول أن أي إصلاح تشريعي لا يمكن أن يتم خارج التوجيهات الملكية السامية في مجال إصلاح منظومة العدالة، ولا بمعزل عن مقتضيات الدستور والمعايير الدولية للأمن القانوني، محملين الجهة الوصية كامل المسؤولية السياسية والمؤسساتية عن أي احتقان مهني أو اضطراب قد ينجم عن الإصرار على تمرير مشروع مرفوض مهنيًا.
ودعا البلاغ المؤسسة التشريعية إلى تحمل مسؤوليتها الدستورية والتاريخية في حماية التوازنات المهنية، وعدم الانخراط في تمرير نصوص تشريعية تمس الثقة في العدالة وتضرب استقرار المعاملات، مؤكدين أن مهنة التوثيق العدلي ليست حلقة ضعيفة يمكن التجاوز عنها، بل ركيزة أساسية في منظومة العدالة.
وفي ختام هذا اللقاء الاحتجاجي، أعلن عدول المغرب، من قلب مدينة فاس، استعدادهم لخوض كافة الأشكال النضالية المشروعة، وفق ما يتيحه القانون، دفاعًا عن كرامة المهنة، وعن استقلاليتها، وعن حق المواطنين في وثيقة عدلية قوية، آمنة، وضامنة للحقوق، مجددين موقفهم الحاسم:
لا لمشروع القانون 16.22، نعم لإصلاح تشريعي عادل، تشاركي، ومنصف يحترم العدول ويحمي الأمن التعاقدي للمغاربة.