أكّد المعطي العويبي، أستاذ مادة الرياضيات بثانوية الإمام مالك الإعدادية بخريبكة، المتابع بتهمتي الضرب والجرح والقذف في حق إحدى تلميذاته، والذي ظهر في شريط نُشر على نطاق واسع على "الفيسبوك"، وهو يعنفها، أنه لم يعتقد يوما أنه بعد 37 سنة من التدريس سيصل إلى ما وصل إليه في الأيام القليلة الماضية، مضيفا أنه عاش تجربة فريدة من نوعها في السجن، وتكلّلت بجلسة محاكمته أخذت طابع التكريم لكل رجال التعليم. وبالعودة إلى السياق الذي أتت فيه واقعة الضرب والسب الموثّقة في 13 ثانية بالصوت والصورة، أوضح المعطي العويبي أن "الأمر يتعلق بحصص للدعم التربوي كان يقدّمها للتلاميذ في إطار الاستعداد لفرض محروس، وفي الوقت ذاته كانت فرصة لتهيئة المتعلمين وإعدادهم للامتحانات المقبلة، لكن الحصة كُتب لها أن تتوقف ثلاث مرات بسبب مقذوفات كانت ترمى في اتجاهي كلما التفت نحو السبورة لكتابة معطى دراسي أو شرح معلومة رياضياتية". وأضاف، في لقاء مع جريدة هسبريس الإلكترونية، أنه حاول تنبيه التلاميذ، وحثّهم على الانضباط وتقويم سلوكهم، وعدم إرباك السير العادي لعملية المراجعة، إلا أن رميه بورقة، ثم قطعة طباشير، دفعه إلى الالتفات نحو السبورة، ثم نحو التلاميذ بسرعة، وهي اللحظة التي لمح فيها تلميذة ترميه بغلاف قلم حبر جاف، مما أفقده السيطرة على أعصابه، وهرع نحوها لضربها وسبّها، قبل أن يُكمل الجميع الحصة بشكل عادي. وتابع قائلا: "بعد الحادث، بلغني من التلميذة نفسها أن أحد زملائها وثّق بالصوت والصورة لحظات الضرب والسب، وقد حضر والدها وعقدنا لقاء في إدارة المؤسسة تم إثره عقد صلح بيننا، بحكم أن المعنّفة لم تصب بأي أذى جسدي، وبالتالي اطمأن الجميع واستأنفت التلميذة دراستها بشكل عادي، إلى أن نُشر الشريط في "الفيسبوك"، وصرت حينها في وضعية يُرثى لها رفقة زوجتي وبناتي، إلى درجة أنني أصبحت تائها ولا أعرف ما الذي عليّ فعله". ويضيف "لزمت منزلي، وعند حوالي الساعة الثامنة من صباح يوم الأحد، أبلغتني زوجتي أن شخصين على الباب يودّان الحديث إليّ. ظننت في البداية أنهما رجلا تعليم، قبل أن أكتشف بأن الأمر يتعلق برجُلي شرطة حضرا من أجل نقلي إلى مخفر الشرطة، والاستماع إليّ بخصوص الشريط المنشور على الأنترنيت، ومساعدتهم في الوصول إلى التلميذة المعنية بالموضوع، وهي العملية التي انتهت بتحرير محضر قانوني حول القضية، بالاستماع إلى الأطراف المعنية بالشريط". ويتابع الأستاذ سرد ما وقع قائلا: "بعدما تعذّر إيجاد حل للقضية في مرحلة التقديم على النيابة العامة، أمر نائب الوكيل بوضعي رهن الاعتقال الاحتياطي بالسجن المحلي لخريبكة، عشت داخله تجربة قصيرة، لكن فريدة من نوعها، حيث اكتشفت بأن قيمة رجل التعليم مصانة مهما حدث، نظرا لحسن التعامل الذي حظيت به من طرف الجميع، بدءا بمدير المؤسسة السجنية، مرورا بالموظفين، وانتهاء بجميع نزلاء السجن المحلي، حيث وضعني الجميع في عيونهم وفوق رؤوسهم احتراما لي ولرجال التعليم. وإلى غاية الليلة التي سبقت يوم انعقاد أول جلسة محاكمة، يضيف العويبي، "أخبرني أخي بأن والد التلميذة لا يزال مصرا على المتابعة القضائية، فتوقّعت حدوث الأسوإ، لكن مع طلوع شمس اليوم الموعود، أبلغني المحامي المكلف بالدفاع عنّي بأنه يتوفر على تنازل مكتوب من والد التلميذة، فتحوّلت جلسة المحاكمة إلى مناسبة عظيمة لتكريم جميع رجال التعليم من طرف رجال القضاء". وأضاف "ما شهدته قاعة المحكمة يُعتبر إنصافا حقيقيا لي وللتلميذة على حدّ سواء". وعن مرحلة ما بعد الصلح والتنازل عن المتابعة القضائية، أوضح العويبي أن "مياه العلاقة بيني وبين التلميذة عادت إلى مجراها الطبيعي، ولم يعد بيني وبينها أي مشكل أو خلاف أو تقاضٍ، بعدما اعترف كل منا بخطئه، وعبّر كل منا عن تسامحه ورغبته في تجاوز الأمر". أما على المستوى القضائي، يضيف المتحدث، فلا تزال أمامي جلسة خلال الأسبوع الأول من الشهر القادم، لكن المهم في الأمر هو وضعيتي المهنية والإدارية، حيث لم أتوصل بأي قرار رسمي إلى حدود الساعة، باستثناء عملية التوقيف الاحترازي عن العمل". وأوضح المعطي العويبي، الذي قضى 37 سنة في مهنة التدريس، أنه يتمنى من المسؤولين بوزارة التربية الوطنية أن يأخذوا مسيرته المهنية بعين الاعتبار، لكي لا تتضرّر وضعيته الإدارية والمهنية، باعتباره أستاذا مارس مهنته بتفانٍ وإخلاص جدّية و"نيّة"، ولم يعتقد يوما أنه سيعيش الموقف الذي عاشه في الآونة الأخيرة. وفي رسالة موجهة إلى أفراد الأسرة التعليمية، قال "أستاذ خريبكة": "تلامذتنا أبناء لنا مهما حصل بيننا وبينهم، وكيفما كان حالهم وأحوالهم. في المقابل، أطلب من التلاميذ الحرص على التحصيل العلمي داخل الفصول الدراسية، والانضباط داخل الأقسام، حتى يوفروا للأستاذ الظروف الملائمة لأداء مهامه، ويستفيدوا من علمه، ويبلغوا المستويات التي يأملها فيهم آباؤهم وأمهاتهم"، خاتما تصريحه بالتأكيد على أن "القسم فضاء للمعرفة، وليس مكانا للعب أو استفزاز الأساتذة إلى أن يخرجوا عن جادة صوابهم".