الكاف يعلن عن شراكات بث أوروبية قياسية لكأس أمم إفريقيا    توقيف الأستاذة نزهة مجدي بمدينة أولاد تايمة لتنفيذ حكم حبسي مرتبط باحتجاجات "الأساتذة المتعاقدين"    موجة البرد : مؤسسة محمد الخامس للتضامن تطلق عملية إنسانية للأسرة بالحوز    أسماء لمنور تضيء نهائي كأس العرب بأداء النشيد الوطني المغربي    العاصمة الألمانية تسجل أول إصابة بجدري القردة    كالحوت لا يجتمعون إلا في طاجين !        مندوبية التخطيط: انخفاض التضخم بنسبة 0,3 بالمائة خلال نونبر الماضي    الشرطة الأمريكية تعثر على جثة المشتبه به في تنفيذ عملية إطلاق النار بجامعة براون    البورصة تبدأ التداولات على وقع الأخضر    ميناء الحسيمة : انخفاض كمية مفرغات الصيد البحري    "فيفا" يعلن تقاسم السعودية والإمارات المركز الثالث في كأس العرب    حمد الله: "الانتقادات زادتني إصرارا على التألق.. والله جلبني لهذه الكأس في سن ال35 ليعوضني عن السنين العجاف مع المنتخب"    رئاسة النيابة العامة تؤكد إلزامية إخضاع الأشخاص الموقوفين لفحص طبي تعزيزا للحقوق والحريات (بلاغ)    تقرير: المغرب من أكثر الدول المستفيدة من برنامج المعدات العسكرية الأمريكية الفائضة    رئاسة النيابة العامة تقرر إلزامية الفحص الطبي للموقوفين تعزيزا للحقوق والحريات    "الصحة العالمية": أكثر من ألف مريض توفوا وهم ينتظرون إجلاءهم من غزة منذ منتصف 2024    زلزال بقوة 5.7 درجات يضرب أفغانستان    نقابة المكتب الوطني للمطارات تضع خارطة طريق "لإقلاع اجتماعي" يواكب التحولات الهيكلية للمؤسسة    "الكان" يربك حسابات الأندية الأوروبية    جلالة الملك يهنئ أعضاء المنتخب الوطني المغربي الفائز ببطولة كأس العرب    ملك الأردن يقرر منح الجنسية للمدرب جمال السلامي وهذا الأخير يؤكد استمراره مع "النشامى"    انخفاض الذهب والفضة بعد بيانات التضخم في الولايات المتحدة    حمداوي: انخراط الدولة المغربية في مسار التطبيع يسير ضد "التاريخ" و"منطق الأشياء"    استمرار تراجع أسعار النفط للأسبوع الثاني على التوالي    كيوسك الجمعة | ودائع الأسر المغربية تتجاوز 959 مليار درهم    ترامب يوقف برنامج قرعة "غرين كارد" للمهاجرين    الرباط تحتضن مقر الأمانة الدائمة للشبكة الإفريقية للوقاية من التعذيب    نادي الإعلام والدراسات السياسية بكلية الحقوق المحمدية : ندوة علمية لمناقشة الواقع الإعلامي المغربي    هياكل علمية جديدة بأكاديمية المملكة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    المحافظة العقارية ترفع رقم المعاملات    إدارة ترامب تعلّق قرعة "غرين كارد"    فرض رسوم التسجيل في سلك الدكتوراه يثير جدلاً دستورياً وقانونياً داخل البرلمان    انخفاض جديد في أسعار الغازوال والبنزين بمحطات الوقود    طقس الجمعة.. أجواء باردة نسبيا وصقيع بالمرتفعات    البرلماني رفيق بناصر يسائل وزير الصحة حول العرض الصحي بمدينة أزمور والجماعات المجاورة    شبهة تضارب مصالح تُقصي إناث اتحاد طنجة لكرة اليد من قاعات التدريب    الحكومة تُغامر بالحق في الصحة: إصلاح بلا تقييم ولا حوار للمجموعات الصحية الترابية    معدل ملء حقينة السدود يناهز 33٪    الدولة الاجتماعية والحكومة المغربية، أي تنزيل ؟    أسفي بين الفاجعة وحق المدينة في جبر الضرر الجماعي    من هم "الحشاشون" وما صحة الروايات التاريخية عنهم؟    السعودية تمنع التصوير داخل الحرمين خلال الحج    المهندس المعماري يوسف دنيال: شاب يسكنه شغف المعمار .. الحرص على ربط التراث بالابتكار    منظمة الصحة العالمية تدق ناقوس انتشار سريع لسلالة جديدة من الإنفلونزا    7 طرق كي لا يتحوّل تدريس الأطفال إلى حرب يومية    سلالة إنفلونزا جديدة تجتاح نصف الكرة الشمالي... ومنظمة الصحة العالمية تطلق ناقوس الخطر    متحف اللوفر يفتح أبوابه جزئيا رغم تصويت موظفيه على تمديد الإضراب    خبراء التربية يناقشون في الرباط قضايا الخطاب وعلاقته باللسانيات والعلوم المعرفية    غوغل تطور أداة البحث العميق في مساعدها الذكي جيميناي    الموت يفجع أمينوكس في جدته    مركز وطني للدفاع يواجه "الدرونات" في ألمانيا    الرباط تحتضن مهرجان "أقدم قفطان" .. مسار زي مغربي عابر للأجيال    التحكم في السكر يقلل خطر الوفاة القلبية    استمرار إغلاق مسجد الحسن الثاني بالجديدة بقرار من المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية وسط دعوات الساكنة عامل الإقليم للتدخل    سوريا الكبرى أم إسرائيل الكبرى؟    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



واقع البؤس والقهر يؤجل أحلام ساكنة تيفلت في العيش الكريم
نشر في هسبريس يوم 10 - 08 - 2018

على بُعد 56 كيلومتر من مدينة الرباط، تقع مدينة تيفلت، "قرية" في السابق، ومنطقة فلاحية بامتياز، عَرفت ملامح التمدّن اليوم، لتصيرَ من أهم المراكز الحضرية لإقليم الخميسات، إذ لا تفصل بينهما سوى 25 كيلومتر.
تيفلت أو "وادي النخلات"، كما كانت تسمى في السابق، لما كان يعبُرها وادٌ صغير، لتُسمى بإسم "تيفلفلت"، الذي يعود لمبادرة رجل عادَ من مناسك الحج، ثم زرع بذرة فلفل على ضفة الوادي، فأينعت غلة وفيرة، ولتسهيل نطق اسم المدينة، وقع الاختيار، في ما بعد، على اسم "تيفلت".
في مدخل المدينة، الواقعة بين الرباط وفاس، وتحت درجة حرارة بلغت 40 درجة، من فصل غشت الحار، عقاربُ الساعة تشيرُ إلى الواحدة بعد الزوال، حركة طفيفة للسكان، لا شيء يُزاحمُ مدخل تيفلت، غير حركة السيارات القادمة أو المتوجهة إلى الرباط.
عدسة كاميرا هسبريس رصدت رذاذ ماء يتطاير في سماء تيفلت، لتكتشفَ، بعد الاقتراب، تجمّع مجموعة من الأطفال والشباب حول مدار المدينة، يسبحون في ثلاث من نافورته، ويتراشقون بالماء، ليبددوا حرّ الجو، بعدما لفحت أشعة الشمس وجوههم الصغيرة. تساءلنا حولَ سبب سباحة الأطفال في مكان، غير صالح لذلك، خاصة أن الأمر يتعلق بمدار المدينة، الشيء الذي قد يُعرِّض حياتهم للخطر، لقربهم من الشارع الرئيسي، هدفنا من السؤال كان هو التحقق من فرضية غياب مسابح بلدية بالمدينة، وهو السؤال الذي، دفعنا لمعاينة الساكنة، ورصدِ معيشهم اليومي بتيفلت، بدء بالنقل، والخدمات الصحية، والأنشطة الثقافية، والسكن.
آهاتُ الساكنة
أكثر ما يؤرق ساكنة أي مدينة بالمغرب، هو قلة المواصلات، أو تأخرها، غير أنه في "تيفلت"، وبالضبط في المحطة الطرقية الخاصة بالمدينة، كل حافلات النقل متوفرة، سواء سيارات الأجرة، أو "الطاكسيات" الكبيرة، التي تُقل إلى المدن المجاورة، أو الحافلات، التي يظل وقتها رهين باستيفاء العدد الكامل للركاب، لتنطلق الرحلة.
محطة طرقية بمساحة صغيرة، تَعكس العدد القليل للساكنة، الذي يبلغ 87 ألف نسمة، محطة يؤثثها بائعوا المأكولات السريعة أكثر من الحافلات وسائقيها، يتواجد بباحتها عدد كبير من الرجال والنساء الذين يُرتبون عرباتهم في المكان، لمباشرة بيع مأكولات جاهزة، يحتاج إليها المسافرون.
بالقرب من حافلة متوجهة إلى الخميسات، تجلس السيدة فاطمة، امرأة مسنة، تبيع فاكهة التين الهندي، تجمع دريهمات، بعد استكمال بيع عدد حبات التين التي أحضرتها بالرغم من الحرارة المفرطة، التي تُواجهها بدعوة المسافرين لأكل الفاكهة.
فاطمة، لم يُعقها مرضها، ولا العملية الجراحية التي أجرتها، أخيرا، تأتي كل يوم لتشتغل من أجل بناتها الخمس، لتُوفر لهن القوت اليومي، وهي التي تشتكي من غلاء المعيشة بتيفلت، وغلاء الأسعار، علاوة عن عدم توفير وسائل نقل مدرسية تُقل بناتها اللواتي يدرسن، من مقر سكناهن الذي يبعد عن تيفلت بأربعة كيلومترات.
تقول فاطمة، بنبرة هادئة، يلفها القهر، في تصريح لهسبريس "طرف ديال الخبز مساهلش هنايا ف تيفلت، كلشي كيجي يخدم على ولادو، عيينا ولكن معندنا منديرو"، لتُقاطعها سيدة تُقاسمها نفس العمر المتقدم، ونفس تضاريس الوجه، التي تخفي وراءها ملامح البؤس والقهر، بالقول"أنا يوميا كنفيق مع 4 د صباح، باش نجي نبيع الحرشة هنايا ف المحطة، مكنستافدو من والو، مشاريع دعم الفقراء والمعوزين مكنستفدوش منها".
وفي نفس المكان، الذي تشتغلُ فيه السيدتان، يجلسُ سبعيني، خطفَ الزمان بصره، ولم يعد يرَ إلا بقلبه، يتحسرُ على بيعه للتبغ، قائلا " 17 عام وأنا هنا، كنبيع الكارو ومحاملش راسي، ولكن الغالب الله، الله يسمح لينا، كلشي غالي الماء والضو، الفاتورة غاليا علينا بزاف، والمدينة صعيبة، وجهدنا ضعيف".
بنبرة يائسة من مكابدة صعوبات الحياة، يختمُ الرجل تصريحه، ليتجمهرَ حولنا بقية المسافرين، لتتحول لحظة الحوار مع الرجل، إلى لحظة تكاد تشبه وقفة احتجاجية، تعالت معها أصوات الناس، يشتكون صعوبة المعيشة بتيفلت، والبطالة، والخدمات المزرية، بما فيها الصحية، إذ قال أحد المسافرين "المستشفى لا يلبي احتياجات المدينة، وليس هناك أدوية، والنساء الحوامل يتم إرسالُهن إلى الرباط، من أجل الولادة".
ولم يكف المتحدثون عن سرد معاناتهم بالمدينة، إذ توقفت سيدة عند الخدمات الإدارية، التي وصفَتها ب"البطيئة" والمرتبطة ب"المحسوبية والزبونية".
"شبح" البطالة
مقاهي تيفلت ممتلئة عن آخرها، بين مقهى ومقهى آخر، يوجد مقهى، وكل كراسيه شاغرة برجال المدينة، هذه الملاحظة التي تثير الداخل إلى المدينة، مع تسجيل غياب شركات ومعامل صناعية ومراكز ترفيهية للأطفال وملاعب القرب.
"القهاوي عامرين، كل واحد يشكي على الآخر"، هذا ما قاله لنا أحد المارة، وهو يتأسف، على مدينته، التي تغيب فيها كل سبل العمل لطرد "شبح البطالة" الذي يتربص بحاملي الشهادات العليا؛ فشبابُ المدينة لا يجدون أين يعملون، لغياب شركات ومعامل بالمنطقة وضعف الخدمات، وهو ما يَعتبرونه "ضررا على منطقة تيفلت وإقليم الخميسات".
وتظل الفلاحة المعيشية المورد الاقتصادي الوحيد للمدينة، بفضل المناخ الذي يساعد على زيادة الإنتاجية والمردودية، إذ أن تيفلت تعرف، بشكل سنوي، هطول الأمطار الذي يُنعش نشاط الفلاح الزراعي، فتُمكنه من توفير الكلأ للماشية مما يخفف الضغط عليه من أجل شراء الأعلاف والتبن.
غير أن هذا النشاط الاقتصادي الذي تعرفه تيفلت، لا يُعتبر كافيا لامتصاص البطالة التي تنخر أوساط الشباب، ما يفتح الباب أمام البعض منهم لمزاولةِ مهن حرة، ومنها مهنة "الفراشة"، التي يقتاتون منها، ما يجعل إمكانية بيع وترويج المخدرات واردة، حسب أحد سكان المنطقة.
ويعيبُ سكان المنطقة عدم اكتراث المسؤولين، المُشرفين على التدبير المحلي لتيفلت، لمآلِ المدينة؛ من أجل إنقاذها من "الأفول الاقتصادي" الذي تعيشه، غير أن رئيس المجلس البلدي لتيفلت، عبد الصمد عرشان، كان في وقت سابق، قد أكد على أن الوضع الاقتصادي بالمدينة "لا يخالفُ ما هو عليه بالمغرب"، مشيرا إلى أن الاستثمار والإنعاش الاقتصادي يفرضُ تهيئ البنيات التحتية الأساسية.
وأردفَ عرشان، أن المجلس البلدي ساهم في بلورة مشروع "عين الجوهرة"، باعتباره مركبا صناعيا، سيغير وجهَ المدينة إلى الأحسن، لتواكب حاجيات الساكنة من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
عمل ثقافي "ضعيف"
يُشكل الجانب الثقافي للمدينة، جزءا من التنمية المحلية، من خلال تنظيم التظاهرات الثقافية، ودعم الكفاءات والمواهب الفنية، وتشجيعها على الإبداع والتميز.
وقد كانت تيفلت، على موعد مع النسخة الأولى للمهرجان الثقافي والرياضي والفني لمدينة تيفلت، احتفالا بعيد العرش، إذ كان مناسبة لعرض منتوجات الصناعة التقليدية للمنطقة، وعرض لوحات تشكيلية أعدها فنانون محليون ووطنيون، إلى جانب أمسيات شعرية ألقيت خلالها قصائد شعرية وزجلية.
وكانت التظاهرة مناسبة لسبر أغوار إرث منطقة "زمور" و"تيفلت" خاصة، لاستحضار إرث الماضي وأوراش الحاضر، من خلال ندوات ثقافية، ومناسبة كذلك لإحياء الأغنية الأمازيغية، مع سفراءها، أمثال ميمون أورحو، ونور الدين أورحو، وبوعزة العربي، ومحمد سلواح.
وفي هذا الصدد، قال ادريس عامري، فاعل جمعوي بتيفلت، إن "المهرجان الأخير كان مناسبة من أجل إحياء أمسيات الزجل والشعر، إلى جانب معارض الفن التشكيلي، وتقديم مواهب مدينة تيفلت".
وأضاف عامري، في تصريح لهسبريس "جمعيات المجتمع المدني تُواكب عمل تأطير الشباب ذكورا وإناثا في المجال الثقافي للرقي بمواهبهم، ولكن هناك نقص، يجب استقطاب عدد كبير من المواهب في الزجل والقصة والمسرح".
وبالرغم من هذه المبادرات، يسجل الكثير من الفاعلون بالمدينة، ضعف اشتغال الجمعيات على الجانب الثقافي والرياضي من أجل دمج الشباب، ومكافحة الإدمان في صفوفهم، واكتشاف مواهبهم ودعمها.
مستشفى "القرب"
توجّهنا نحو مستشفى القرب بتيفلت، لنرصد حالته، وترصدَ كاميرا هسبريس حالة المرضى المُتوافدين عليه، غير أن التوقيت، الذي كان يُقارب الثالثة زوالا، بالإضافة إلى الحرارة المرتفعة، حالَ دون توافد أي مريض، باستثناء الممرضين وبعض التقنين بالمستشفى وعاملي النظافة.
أسِرّة قاعة العلاجات وقاعة الملاحظة فارغتين من أي مريض، صمتٌ مطبق يعم بهوَ المستشفى، ليكشف عن ما وراء الصورة المبهمة، حديثنا إلى بعض المسؤولين الإداريين والمستخدمين الذين التقينا بهم، وأكدوا لنا على جملة من المشاكل التي يتخبط فيها المستشفى.
طه تعديس، رئيس قطب الشؤون الإدارية بمستشفى القرب بتيفلت، قال إن " المستشفى يعاني من مجموعة من المشاكل، على رأسها قلة الموارد البشرية، وبعدما غادرَ مجموعة من الأطباء والأطر الإدارية، أصبحنا نعيش مأزقا في قلة الموارد في جميع الأقسام ومصالح المستشفى".
وأضاف تعديس، في تصريح لهسبريس " يعاني قسم المستعجلات من قلة الأطر الطبية، ولدنيا عدد لا بأس به من الأطر الشبه طبية الذين نحاول تجنيدهم لسد الخصاص من أجل تلبية احتياجات ساكنة تيفلت"
قسمُ الولادة بمستشفى القرب بتيفلت، يعاني هو الآخر من قلة الموارد البشرية، خاصة غياب الطبيب المدعوم، الذي يشكل، حسب تعديس، مشكلا كبيرا في السير العادي لعمل المستشفى، بالإضافة إلى أن عدد القابلات لا يُلبي حاجيات النساء الحوامل.
من جهته، وصفَ محمد الحسيني، رئيس الفرع المحلي للجمعية المغربية للدفاع عن كرامة المواطن بتيفلت، الواقع الذي يعرفه المستشفى بالكارثي والمُزري، باعتبار أن "الساكنة كانت تطمح ليكون مستشفى إقليمي، وليس محلي، لأنه عندما كان محلي، كان يعرفُ ظروفا قاهرة، ونحن كمجتمع مدني نطالب بلائحة الأطباء الرسمين الذين لم يلتحقوا بعد".
وأضاف الحسيني، في تصريح لهسبريس "الساكنة تتساءل كيف تحول المستشفى من محلي إلى مستشفى قرب، لأنه عندما نقول قرب، نتكلم عن تحديد الاختصاصات، كيف يعقل أن 100 ألف نسمة إلى جانب كل الجماعات المحيطة بالمدينة، التي تبلغ30 ألف نسمة، كلها تصب في هذا المستشفى".
غياب طبيب مداوم بقسم الولادة، واكتفاء المستشفى فقط بمتدربين، ألقى بالمسؤولية الكاملة على طبيبة وحيدة، نادية، تتكلف بالتشخيص الكامل للمرضى، وبقسم المستعجلات.
احتقان داخل المستشفى
ومنذ يوليوز الماضي، اشتد احتقان داخل المستشفى بين بعض أطر وموظفي المستشفى ورئيسة قطب العلاجات التمريضية، حول ما عُرف ب"إفشاء أسرار مهنية لجهة خارجية عن المستشفى"، بعد بث فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، الشيء الذي دفع الأطر التمريضية إلى توقيع عريضتين استنكاريتين، قبل إرسالها إلى المدير الجهوي للصحة.
مصدرٌ من داخل المستشفى، أكد، في تصريح لهسبريس أن المكتب الإقليمي للجامعة الوطنية للصحة بالخميسات، طالبَ بإعفاء رئيسة قطب العلاجات التمريضية، خاصة بعد "تشكيل وزيارة لجنة تقصي البحث والتقصي الإقليمية لمستشفى القرب بتيفلت"، مشددا على أن سبب المطالبة بإعفاء المسؤولة يعود ل"تواطؤ وتخابرها مع جهات خارجية لإشاعة الحقد والتفرقة بين أطر وموظفي المستشفى، خاصة على مستوى قسم الولادة، لما يعرفهُ من حساسية وأهمية استثنائية".
"بيوت القزدير" تُعري تيفلت
بينَ المشاريع التنموية والشعارات الفضفاضة والواقع الذي يعيشه سكان تيفلت، تنجلي الحقيقة، التي عرتها أحياء الصفيح، في وقت يؤكد فيه المجلس البلدي للمدينة تظافر جهوده من أجل القضاء على دور الصفيح، أو "برارك" الدواوير.
ورغم خطاب الملك الذي أكد، في كثير من المناسبات، على الحاجة المُلحة للقضاء على السكن غير اللائق والتعمير العشوائي، بالانكباب على إعداد مشاريع وطنية ومنها مشروع "مدن بدون صفيح"، الذي أعُلن عنه سنة 2004، أي بعد 14 سنة، لم يتحقق، إلى غاية اليوم.
خلف القصر البلدي لمدينة تيفلت، بالضبط بحي "الرشاد"، يوجد دوار "الشعبة الحرشة"، الذي يخفي من وراءه بيوتا من "قزدير"، تلفها الصدأ، وبيوتا أخرى من قصب، وخشب اكتوى واسودّ بفعل درجة الحرارة المرتفعة، بيوتٌ غارقة في ملامح "العنف البصري"، تُحيطها الأشواك والأحجار والحديد، غارقة في مجاري مياه الصرف الصحي، إذ تعم في المكان روائح كريهة، تكاد تخنق الأنفاس.
في بيت صغير، مبني بالقصب، كأنه بهو خاص للضيوف، يجلس رجل متقدم في السن، يمنح لعينيه لحظة تأمل، يسترق بهما النظر بعيدا، يخفي من وراءه حياة صعبة لا تطاق، ليتحدث إلينا، بصوت متشنج "منذ 34 سنة ونحن هنا، لم نعد نطيق العيش هنا، حتى أولادنا يهربون ويرفضون البقاء في هذا المكان".
ويحكي الرجل، معاناة أسرته مع الماء، الذي يبحثون عنه، بعد قطع كيلومترات بشكل يومي، قائلا "كنتعذبو كل يوم، معذبين ف الشتاء والصيف، بغينا غير البلان باش نبنيو ونبدلو السكن"، هذا بالرغم من الميزانية التي رَصَدها صندوق التجهيز الجماعي لمحاربة دور الصفيح.
"فيلا العابدي رقم 100"، هو اسم "براكة" في دوار حي الرشاد، وهو بيت شابة طالبة، تدرس بمدينة الرباط، سئمت الحياة داخل "البراكة"، ولم تعد تطيق المكوث في نفس المكان، لأنها "تخجل دعوة صديقاتها من أجل التحضير والدراسة"، بالإضافة إلى مخاطر العيش، التي تتسببُ في اشتعال الحريق بسبب خيوط الكهرباء.
وتعاني ساكنة دوار حي الرشاد في صمت، منتظرين تدخل المسؤولين، الذين "لا يطرقون أبوابهم إلا عند اقتراب الانتخابات، ليقدموا لهم أوهام الوعود المؤجلة"، ليظل حلم السكان هو الحصول على رخصة البناء، للخروج من بيوتهم "القزديرية" التي تغطيها عجلات السيارات، لتمنع تسرب أشعة الشمس وأمطار الشتاء.
ويعودُ سبب تماطل حصول الساكنة على رخص للبناء، حسب فاعلي مدني بتيفلت، إلى إشكالية الشواهد الإدارية؛ التي بلغت عددا يفوق العدد المحدد، الشيء الذي حرم الكثير مِن مَن له أصل الملكية من حق الحصول عليها.
ويُحمل نفس المصدر، المسؤولية، لقسم التعمير والإسكان للمجلس البلدي الذي "همش سكان دور الصفيح، ولم يتدخل من أجل وقف كل الخروقات الإدارية، وإيقاف سماسرة العقار، الذين يتوفرون على شواهد إدارية دون حصولهم على ملكية أصلية".
ولم ينقذ مجلس مدينة تيفلت حياة الكثير من سكان دوار شعب الحرشة ودواوير أخرى مثل أرض الزيتونة ودوار ولاد كبور ودوار ولاد كزار، الذين ينتظرون حلا آجلا لا عاجلا.
*صحافية متدربة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.