مر ما يزيد على قرن من الزمن أنشئ متحف البطحاء في عمق المدينة القديمة بفاس، ومازال هذا الفضاء ذو المعمار المغربي الأندلسي شاهدا على جزء معتبر من تاريخ المغرب، إذ تضمّ أروقته عددا من المعروضات الخزفية، وآلات حربية، وأدوات للزينة وأزياء.. وغيرها. حين تلج إلى متحف البطحاء تستقبلك باحة واسعة أرضيتها مكسوّة بالزليج المزوق، وتتوسطها نافورتان رخاميتان بيضاوان، وحديقة غنّاء تضمّ عددا من الأشجار وارفة الظلال والنباتات. وفي جوانب المتحف توجد معروضات قديمة يعود تاريخ عدد منها إلى القرن الثاني عشر الميلادي. ومازالت أروقة متحف البطحاء شاهدة على تاريخ مغربي مضى، لكنه لازال حيا من خلال المنتجات التي أبدعتْها يدُ الصانع التقليدي المغربي قبل قرون من الزمن، والتي تقف صامدة خلف زجاج واجهاتِ عرْض تحرسها أعين عناصر الحراسة، الذي يراقبون الزوار من بعيد. داخل واجهات العرض توجد كثير من الأدوات التي كان المغاربة يستعملونها في القرون الماضية. ثمّة مباخرُ مصنوعة من النحاس تعود إلى القرن الثالث عشر، و"مرشَّات" من نحاس منقوش، تعود إلى الحقبة الزمنية نفسها، وسروج قديمة وخناجر وزرابي من الأطلس المتوسط، وغيرها من المعروضات. ويقع متحف البطحاء، حسب الورقة التعريفية المعلقة قرب بابه، داخل قصر شُيّد بأمر من السلطان العلوي الحسن الأول. وكان هذا القصر مُعدّا للاستقبالات الملكية ولكبار ضيوف السلطان، ويمتد على مساحة 4400 متر مربع، 60 في المائة منها تحتلها حديقة تتوسط المكان. وحسب المعطيات ذاتها فإنّ مراسيم التوقيع على معاهدة وضع المغرب تحت الحماية الفرنسية عام 1912 جرت داخل هذا القصر، الذي يقع في أقصى غرب ضفة القرويين، بالقرب من باب أبي الجنود، أو "باب بوجلود"، كما يسميه أهل فاس حاليا؛ وقد جرى بناؤه عام 1313 هجرية، الموافق ل1885 ميلادية. ويُعدّ متحف البطحاء بفاس أوّل متحفٍ في المملكة إلى جانب متحف الأوداية بالرباط، وقد جُعل متحفا بمقتضى ظهير شريف سنة 1915، كما صُنّف معلمة تاريخية وطنية بظهير شريف عام 1925. ورغم الأهمية التاريخية التي يكتسيها متحف البطحاء بفاس، فإنّه، وكغيره من المعامل التاريخية في المملكة، لا يخلو من مظاهرِ إهمال تبدو جليّة لعيون الزائرين، إذ يعلو الغبار جدران أروقة العرض، وتبدو أجزاء من أحد الممرات وقد تساقط طلاؤها، وكذلك الشأن بالنسبة للأبواب الخشبية الموجودة في فناء المعرض.