تصدّر تشغيل الشباب قائمة المطالب الأكثر أولوية عند المغاربة بنسبة تجاوزت 50 بالمائة في استطلاع رأي أجرته جريدة هسبريس الإلكترونية طيلة الشهر الماضي. وحلّ في المرتبة الثانية باستطلاع هسبريس مطلب الزيادة في الأجور، تلاه كل من مطلب الرفع من ميزانية التعليم، ودعم الفقراء، وإعادة النظر في نظام المساعدة الطبية "راميد". رشيد أوراز، باحث في المعهد المغربي لتحليل السياسات، قال إنه "لا يمكن أن ننكر أن الاقتصاد المغربي عاجز تماما عن خلق فرص للشغل"، وأضاف أن "مطلب الشغل مطلب حقيقي، والحكومة في برامجها بصفة عامة تحاول أن تضع الشغل ضمن أولوياتها لأنها تعرف أنه من بين المشاكل الكبرى التي تعاني منها البلاد". ومن بين أسباب "العجز في خلق فرص الشغل"، حسب أوراز، كون الدولة "لا يمكنها أن تُشَغِّل في القطاع العام إلى الأبد لأنه لا يمكن أن يستوعب الجميع، بينما القطاع الخاص لم يجد الظروف المناسبة ليستثمر ويُشَغِّلَ بسبب معاناته من مشاكل بنيوية كثيرة تسبّبت في عجزه عن خلق فرص للشغل؛ ما أدى إلى وجود ركود في سوق الشغل ونسب بطالة مرتفعة". وربط الباحث بالمعهد المغربي لتحليل السياسات مشكل الهجرة السرية بزيادة نسبة العاطلين عن العمل؛ "لأن نسب الحاصلين على الشواهد سنويا تزداد لكنهم لا يجدون فرصا للعمل، وغالبية من يهاجرون شباب". وترتبط أزمة التشغيل، حسب أوراز، بأسئلة أخرى؛ من قبيل أهلية من هم في حالة بطالة للعمل، ومدى تناسب تكوينهم للعمل، ومدى أهلية القطاعات الاقتصادية بالمغرب لخلق فرص شغل لهاته الكفاءات في صناعات واستثمارات في مجالات تخصصاتهم. ووصف الباحث المؤشرات ب"السلبية"، مفسرا ذلك بكون "الدولة لا يمكن لها أن تشغّل، لأن مواردها غير كافية لمحاربة الفقر كما قال وزير المالية"، ليتساءل: "كيف إذن ستكون كافية لخلق فرص شغل؟"، مضيفا أن المؤشرات بصفة عامة "توضح وجود إحباط، وهو ما يعني أن الناس لا يعرفون ماذا سيحدث غدا، ولا يثقون في الوضع الراهن، ويغيب أملهم في المستقبل. وبالتالي، ففي لحظات مثل هذه يُحْجِمُ المستثمرون وأصحاب الرساميل عن الاستثمار، ولا يغامرون، وهذا سيزيد في تكريس الوضعية الحالية وسيجعل البطالة مستمرة في الارتفاع". بدوره، يرى نجيب أقصبي، الخبير الاقتصادي المغربي، أن ما خرج به الاستطلاع أمر بَدَهي وتأكيد ل"واقع"؛ لأن "كل الأبحاث والدراسات تُبيّن أن الشغل يأتي في المرتبة الأولى". ويَرجع سبب أزمة الشغل بالمغرب، حسب أقصبي، إلى "أزمة النموذج التي جعلت الاقتصاد غير قادر على تلبية مطالب الشغل لاعتبارات متعددة، طبعا، من بينها التربية والتكوين والاقتصاد". ووضّح أقصبي أن كون الشغل يأتي على رأس قائمة المطالب "مسألة ثابتة بالمغرب منذ عشر سنوات أو 15 سنة على الأقل"، مستدلا على ذلك بمطالب التشغيل المتجددة في كل سنة حيث يتأهل "200 ألف شاب إلى سوق الشغل، في حين لا يخلق الاقتصاد سوى 20 أو 30 ألف فرصة عمل"، ثم أجمل قائلا إن "الأشياء تبدو واضحة هنا".