مقترح قانون لتعزيز مشاركة المواطنين في العملية التشريعية    الداخلية تحدد تاريخ إجراء انتخابات جزئية بدائرتي بنسليمان وسيدي سليمان    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    الذهب يستقر بعد تثبيت البنك المركزي الأمريكي لأسعار الفائدة    تراجع التضخم في كوريا إلى أقل من 3 في المائة    منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ترفع توقعاتها للنمو العالمي لعامي 2024 و2025    العربية للطيران ترفع عدد رحلاتها بين مدينتي أكادير والرباط    نادي سعودي يُغري حكيم زياش براتب ضحم لخطفه من غلطة سراي    رونالدو يقود النصر إلى نهائي كأس السعودية لمواجهة غريمه التقليدي الهلال    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس    حادثة سير تسلب حياة سيدة في مراكش    شرخ في خزانات سفينة يؤدي إلى تسرب الوقود بساحل سبتة    هل ستعود أسعار الخضر للإشتعال؟    السعودية تدعو طرفي الصراع في السودان إلى ضرورة تغليب مصلحة الشعب السوداني    دوري أبطال أوروبا (نصف النهاية/ذهاب): دورتموند يهزم باريس سان جرمان 1-0    دورة مدريد لكرة المضرب: الروسي روبليف ي قصي ألكاراس حامل اللقب    المغرب ينافس إسبانيا على التفوق الجوي.. "الميراج" في مواجهة "يوروفايتر"    غضب رسمي أردني من "اعتداء" إسرائيليين على قافلتي مساعدات إلى غزة    نائب رئيس مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية: زعماء دول عربية قالوا لي اهلكو "حماس" دمروهم لأننا سندفع الثمن    محكمة إسبانية تُدين بارون مخدرات مغربي بالسجن النافذ    ففرانسا تحكم على شيفور مغربي مهرب الحشيش فموك بغرامة قياسية فتاريخ جرائم تهريب المخدرات    دراسة: مجموع السجائر المستهلكة "يلتزم بالثبات" في إنجلترا    باحث إسرائيلي في الهولوكوست: إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية في غزة.. وهناك أدلة كافية قبل أن صدور إدانة المحكمة الدولية    الصين تعتزم إطلاق المسبار القمري "تشانغ آه-6" في 3 ماي    الصين: مصرع 36 شخصا اثر انهيار طريق سريع جنوب البلد    كولومبيا قطعات علاقاتها الدبلوماسية بإسرائيل    اتحاد جدة صيفطو كريم بنزيما لريال مدريد وها علاش    اختفاء رئيس جماعة ينتمي لحزب "الأحرار" بآسفي بعد وضع مذكرة بحث وطنية ضده بسبب "شيكات بدون رصيد"    بالفيديو.. تعطل فرامل جرافة يتسبب في اصطدام مروع بسيارة في إقليم الحسيمة    مليلية تودع "أحوري".. الصوت النضالي لحقوق الريفيين بالمدينة المحتلة    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    البيرو..إطلاق منصة لتعلم أي لغة إشارة في العالم باستخدام الذكاء الاصطناعي    الطبقة العاملة باقليم الحسيمة تخلد ذكرى فاتح ماي    تخلف ورجعية. سلطات إيران استجوبت طاقم وممثلي فيلم "حبة الكرموس المقدس" اللي غادي يشارك ف مهرجان "كان"    الصحراء المغربية .. أكاديميون إسبان يؤكدون على أهمية مخطط الحكم الذاتي    حكيمي بعد خسارة PSG مع دورتموند: لالي كان صعيب وثايقين فريوسنا غانتأهلو للفينال فالروتور    دوري الأبطال.. دورتموند يهزم باريس سان جرمان ويقطع خطوة أولى نحو النهائي    أرباب المقاهي يهاجمون مجلس المنافسة    مدينة طنجة عاصمة عالمية لموسيقى الجاز    حموشي يستقبل سفير باكستان ويناقشان تطوير التعاون الأمني بين البلدين    من طنجة.. نقابات تدعو لتحصين المكتسبات وتحقيق العدالة الاجتماعية وتحسين ظروف العمل    أسعار الذهب تتراجع إلى أدنى مستوى في 4 أسابيع    «باب الحكمة» بتطوان تصدر «حكاية مشاء» للكاتب محمد لغويبي    آثار جانبية مميتة للقاح "أسترازينيكا".. فما هي أعراض الإصابة؟    أشهر عازف كمان بالمغرب.. المايسترو أحمد هبيشة يغادر إلى دار البقاء    الإعلامي حميد سعدني يحل ضيفا على كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك    فوزي الصقلي : المغرب بلد منفتح على العالمية        وفاة بول أوستر مؤلف "ثلاثية نيويورك" عن 77 عاما    هل تستطيع فئران التجارب التلاعب بنتائج الاختبارات العلمية؟    جمعية طبية تنبه إلى التهاب قناة الأذن .. الأسباب والحلول    المنتخب المغربي يتوج بلقب البطولة العربية لكرة اليد للشباب    حارة نجيب محفوظ .. معرض أبوظبي للكتاب يحتفي ب"عميد الرواية العربية"    الأمثال العامية بتطوان... (586)    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الندوة التي نظمها الاتحاد المحلي للفدرالية الديمقراطية للشغل بفاس «التكوين المهني ومستقبل التشغيل بالمغرب»
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 08 - 11 - 2013

عبد الرحيم الرماح: المشكل لا يكمن في عدم وجود وعي بالقضايا المرتبطة بالتكوين والتشغيل ولا في غياب التشريع الملائم ولكن في غياب إرادة واستراتيجية تسندها
عبد الرحمان العمراني: التمثلات السائدة على مستوى الذهنية الجماعية
في موضوع التكوين المهني تحد من إمكانية تطوير مفاعيله على مستوى التشغيل
«التكوين المهني ومستقبل التشغيل بالمغرب»، هو موضوع الندوة التي نظمها الاتحاد المحلي للفدرالية الديمقراطية للشغل بفاس، يوم الأحد 3 نونبر 2013 بقصر المؤتمرات، أطرها إلى جانب عبد الرحيم الرماح، الكاتب المحلي للاتحاد المحلي للفدش كل من الأستاذين جمال أغماني وزير التشغيل والتكوين المهني السابق والخبير بمنظمة العمل الدولية، باعتباره يعي بعمق وبدقة قضايا التشغيل ومدى علاقتها مع قضايا التكوين المهني، وراكم تجربة غنية ورائدة في هذا المجال زادها عمقا وتأصيلا جانب المناضل السياسي القريب من هموم الطبقة العاملة، وعبد الرحمان العمراني، أستاذ الاقتصاد، الذي ساهم في مناقشة بعض الجوانب الأساسية في موضوع التشغيل وأنماط التكوين من خلال تأملاته حول المقاربات التي يتم بها النظر اليوم إلى موضوع التكوين على المستوى العالمي، والحاجة إلى تطوير نظرتنا الجماعية، نظرة كل الفرقاء الاجتماعيين إلى هذا الموضوع الحيوي.
وتدخل هذه الندوة في إطار اللقاءات الفكرية والإشعاعية حول القضايا الحيوية والاستراتيجية بالنسبة لمستقبل الشغيلة المغربية، وبالنسبة للاقتصاد الوطني، وتطوره وتنافسيته وموقعه في ظل متغيرات اقتصادية عالمية جارفة لا تترك للأقطار النامية، فرصة التقاط الأنفاس ولا الوقت الكافي للمواجهة أو التكيف.
وقد ركز عبد الرحيم الرماح، على سبيل التقديم على أربع نقط أساسية، همت مراحل موضوع التكوين المهني وسياسة التشغيل، مشيرا الى أن التكوين المهني ظل حاضرا في الاهتمامات العامة، في اهتمامات المقررين السياسيين والمخططين الاقتصاديين وخبراء التشغيل ببلادنا، وأن هناك سياسات اتخذت ومؤسسات أنشئت لهذا الغرض، انطلاقا من المجهود الأول مع بداية الاستقلال، وفي غمرة الحماس الوطني الذي رافق وضع السياسات العمومية للنهوض الاقتصادي خلال تلك الفترة، ثم مر موضوع التكوين المهني بعد ذلك بفترات مد وجزر ومع بداية احتداد مشكل البطالة، خاصة بطالة الخريجين، اهتمت الدولة بالموضوع واستحدثت لهذا الغرض المجلس الوطني للشباب والمستقبل، والذي أسندت له مهمة دراسة واقع التشغيل وتحليل ميكانيزماته، ومحاولة تقديم اقتراحات وتوجهات تسمح بخلق دينامية جديدة في مجال التشغيل والتكوين، مضيفا أنه وبعد ذلك تم إحداث الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات التي حلت مكان مكاتب التشغيل، وقد علقت أكبر الآمال على هذه المؤسسة في البداية قبل أن تظهر محدودية نتائجها لاعتبارات بنيوية، موضحا أنه كان هناك مسار وبذلت مجهودات ولكن لابد من الإشارة إلى قلة ومحدودية النقاش العام والتداول العام المستقطب لجهود كل فرقاء العملية الإنتاجية حينما يتعلق الأمر بموضوع التكوين المهني، الأمر الذي يعطي الانطباع بان التكوين المهني ليس أولوية، أو أنه عنصر تابع في تطوره لعناصر ومعطيات اقتصادية أخرى، في حين أنه في الحقيقة هو عنصر محدد اليوم للمعطيات الاقتصادية الأخرى، مطالبا بقراءة في التجربة المغربية في موضوع التكوين المهني بنفس الصورة وبنفس الوتيرة التي تقوم بها بعض الأقطار التي تعي وتفهم على ضوء التطورات أنه لا يمكن اليوم ملامسة موضوع الشغل ولا وضع سياسات التشغيل بمعزل عن سياسات التكوين المهني وإعادة التكوين المستمر، مشيرا الى أن المغرب لم يتقدم كثيرا في مطارحة أو معالجة القضايا الميدانية التي يطرحها موضوع التشغيل في علاقته بموضوع التكوين وإعادة التكوين، على أساس أن هذا الموضوع بقي سجين مجال استهلاك الخطاب السياسي، منتقدا التركيز على الفاعل العمومي وحده، الفاعل في مجال التكوين وإعادة التكوين المهني، انطلاقا من الأدوار التي يمكن أن تضطلع بها أطراف الإنتاج الأخرى وخاصة المقاولة، مبرزا الدور التحسيسي كذلك الذي يمكن أن تلعبه النقابات وكل هيئات التمثيلية للشغيلة، مطالبا بتغيير تلك النظرة الضيقة والعمل على الانفتاح على التجارب العالمية الناجحة في هذا الإطار.
وقد ذكر عبد الرحيم الرماح أن مدونة الشغل التي تحصر مسألة التشغيل والتكوين في ثلاثة آليات، وحددها في المجلس الأعلى لإنعاش التشغيل، المجالس الجهوية والإقليمية لإنعاش التشغيل ومحاربة الأمية والتكوين المستمر، موضحا أن المجلس الأعلى لإنعاش التشغيل يقوم بالتنسيق والتعاون مع جميع اللجن الوطنية والمحلية ذات العلاقة بالنمو الديمغرافي والتعليم والتكوين والتشغيل وقضايا التنمية بشكل عام، طبقا للفقرة 7 من المادة 522، مشيرا الى أنه يتبين أن مساهمات القطاعات الحكومية هي مساهمة شكلية مسطرية لدرجة يمكن معها القول بأن مساهمتها في أشغال المجلس تقتصر عمليا على تسجيل الحضور، حيث في ظل هذه الأوضاع تحاول النقابات جهد إمكانها إغناء أعمال دورة المجلس بفضل معايشتها ومواكبتها اليومية لقضية التكوين وارتباطه بالشغل والشغيلة، مستنتجا أنه وعلى ضوء هذه الوضعية، أن هذه الآلية رغم الجهود المحمودة التي تبذلها رئاسة المجلس وباقي الأطر الإدارية لا تعطي النتائج المرجوة بسبب غياب إرادة قوية لدى الحكومات المتعاقبة لتفعيل ما تنتهي إليه أشغال المجلس من توصيات وخلاصات، معلقا أن المجالس الجهوية الإقليمية لإنعاش التشغيل لم تر النور لحد الآن رغم أهميتها الكبرى خاصة بعد تزايد الاهتمام باللامركزية واللا تمركز، مشيرا الى أن المادة 23 تنص بصريح اللفظ على أنه يحق للأجراء الاستفادة من برامج محو الأمية ومن التكوين المستمر، ويحدد نص تنظيمي شروط وكيفية الاستفادة من هذا التكوين، موضحا أن المشكل لا يكمن في عدم وجود وعي بالقضايا المرتبطة بالتكوين والتشغيل ولا في غياب التشريع الملائم، ولكن في غياب إرادة واستراتيجية تسندها لتفعيل ما هو موجود من رؤى واجتهادات في هذا الباب.
وخلال عرضه أكد جمال أغماني أن موضوع التكوين والتشغيل والعمل اللائق، يشكل بالمغرب مصدر قلق للدولة وتوتر اجتماعي، وان مطلب التشغيل يتصدر مطالب الشباب، مضيفا أن الحصول على تعليم وتكوين جيد النوعية يشغل بال الأسر المغربية ويشكل أحد مصادر قلقها، مبرزا أن مفهوم الكرامة الذي جاء في دستور فاتح شتنبر 2011 مرتبط في أحد جوانبه بتوفير فرص العمل اللائقة، مؤكدا أن قياس حالة أي بلد الاقتصادية، تقاس بمعدل البطالة وكذا حالة المنظومة التعليمية والتكوينية، وأن تطور وخلق مناصب الشغل مرتبط بمستوى النمو الاقتصادي، مشيرا الى أن التنمية أصبح لها اليوم ارتباط وطيد بالعنصر البشري، موضحا أن قياس معدل البطالة بالمغرب يعتمد على تعريف منظمة العمل الدولية (معدل البطالة في العالم اليوم حوالي 6,2% وفي العالم العربي 12,2%، ما يناهز 30 مليون عاطل )، حيث ذكر الحضور، أن حجم السكان النشيطين البالغين من العمر 15 سنة فما فوق خلال سنة 2012 ناهز 11 مليون و549 ألف شخص، مبرزا أن هذه القوة الشبابية الناتجة عن التحول الديمغرافي الذي يعرفه المغرب، تشكل هبة «ديمغرافية» وتحديا في آن واحد ( اتساع الطلب على التعليم وارتفاع في حجم الوافدين على سوق الشغل).
وحول أوجه قصور المنظومة التعليمية بالمغرب، علق الوزير السابق أن المغرب يخصص اليوم ربع ميزانيته السنوية للتعليم، ورغم ذلك تواجه منظومة التعليم والتكوين عددا من المشاكل الحادة والمزمنة، همت قصورا في التغطية وفروقا بين المدن و البوادي، وفروقا بين الجنسين، إلى جانب ارتفاع في معدلات الانقطاع، ومشاكل في لغات التدريس، بالإضافة، إلى مشكلة الجودة، وعدم الملاءمة مع متغيرات وحاجيات سوق الشغل المتجددة، حيث أصبح المغرب مطالبا بوضع استراتيجية متكاملة لتطوير أدائها وحكامتها... رغم ما حققته منظومة التكوين المهني من نتائج، حيث ظلت تشتغل في غالبيتها للاستجابة لحاجيات الدولة والإدارة، مما نتج عنه ضعف في الأثر التراكمي والمردودية، وضعف اندماج الخريجين في سوق الشغل.
وعند وقوفه على بعض السمات البارزة لظاهرة البطالة بالمغرب، أشار المتحدث إلى تراجع نسبة البطالة العامة ب 4 نقط خلال العشرية الأخيرة، 13,4 % سنة 2000، مبرزا أن معدل البطالة الوطني: سنة 2012 حوالي 9,1 في المائة، مشيرا الى أن معدل البطالة بالمدن يحدد في 13,4 %، مذكرا بتطور عدد العاطلين بالمغرب خلال الثلاث سنوات الماضية، حيث بلغ عددهم سنة 2000، 1,37 مليون عاطل، وتراجع في سنة 2011، إلى 1,03 مليون عاطل، لينتقل سنة 2012، إلى 1,09 مليون عاطل، حيث يبلغ معدل بطالة الشباب البالغين من العمر ما بين 15 و 34 سنة حوالي 20 في المائة سنة 2000، قبل أن يتراجع سنة 2010 إلى 14,8 في المائة، بينما يقول المحاضر أن معدل البطالة يحدد في 18,6 في المائة في الفئة من 15 إلى 24 سنة، في حين أن معدل البطالة في صفوف حاملي الشهادات، 16,4 في المائة وبدون شهادة 4 في المائة، مسجلا تراجع في أعداد مناصب الشغل المحدثة سنة 2012، ب 127.000 منصب شغل، حيث عرف المغرب نموا اقتصاديا بمعدل 4,36 في المائة خلال الفترة الممتدة ما بين 2000 و 2004، حيث سجل أكثر 185.300 من منصب شغل خلال هذه الفترة، ليرتفع العدد إلى 155.400 منصب شغل في السنة ما بين 2005 و 2010 (معدل النمو الاقتصادي 4,55 في المائة)، مبرزا أن مساهمة القطاع غير المنظم في التشغيل تناهز 37,3 في المائة مما يحد من تطبيق قانون الشغل والتشريع الاجتماعي... وبالتالي العمل اللائق.
وفي ما يتعلق بسوق الشغل، أشار جمال أغماني إلى تراجع دور الدولة كمشغل رئيسي منذ منتصف الثمانينات، ومحدودية ملاءمة منظومة التعليم والتكوين مع الحاجيات المتجددة لسوق الشغل بالقطاع الخاص، وإلى ضعف نسبة التأطير بالمقاولات المغربية، وضعف فرص الشغل بالقطاع الخاص الموجهة لخريجي الجامعات، فالقطاع الخاص حاجياته الأساسية هي في الكفاءات المهنية، بالإضافة إلى ميول قوي للشباب حاملي الشهادات نحو العمل في القطاع العام، انطلاقا من أن صورة المقاولة غير إيجابية لدى هذه الفئة على أساس عدم الاستقرار ومحدودية فرص العمل اللائق...، وعدم ملاءمة فرص الشغل المتاحة بالقطاع الخاص في الغالب مع المحصلات التكوينية، مع تفاوت مجالي في إحداث فرص الشغل بين الجهات. ومن أهم الإصلاحات التي استهدفت منظومة التكوين وسوق الشغل والحماية الاجتماعية، ذكر منها اغماني، مدونة جديدة للشغل، ومدونة التغطية الصحية الإجبارية، إصلاح قانون الاستثمار، وإحداث الشباك الوحيد، إصلاحات همت خدمات ومنافع تدبير الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، بالإضافة إلى وضع عدة مخططات قطاعية للتنمية بتحفيزات من طرف الدولة لتشجيع الاستثمار المنتج لمناصب الشغل، ثم إحداث وكالة عمومية للوساطة في مجال التشغيل(الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات) ووضع مجموعة من التدابير الإرادية للتشغيل (إدماج، تأهيل، مقاولاتي، الاندماج المهني، التغطية الصحية)، وإقرار الميثاق الوطنية للتربية والتكوين سنة 1999، مع وضع مخطط استعجالي في قطاع التعليم وآخر في ميدان التكوين المهني سنة 2009/2012، مما سمح بالرفع من الطاقة الاستيعابية لمنظومة التكوين المهني، والاستجابة للحاجيات المستعجلة من الموارد البشرية لبعض المخططات القطاعية، من خلال إحداث معاهد تكوين متخصصة في صناعة السيارات و أجزاء الطائرات والطاقات المتجددة...)، موضحا أن نشاط الوكالة مرتبط بدينامية سوق الشغل المرتبطة بالنشاط الاقتصادي، فتراجع عروض العمل يحد من نشاط الوكالة.
وفي معرض حديثه، تطرق اغماني إلى بعض التحديات التي تعيق التشغيل، والتي حددها في التحدي الأول المرتبط بالتوجه العكسي لهرم العمر، موضحا ذلك في انخفاض  عدد الأطفال في سن التمدرس (أقل من 15 سنة) الذين لن يشكلوا سوى 25 في المائة سنة 2015، وارتفاع عدد الشباب البالغين سن النشاط والذين ستصل نسبتهم أقصاها في 2015- 2016 ( 65 في المائة)، وإلى ضغط قوي على سوق الشغل خلال الحقبة 2011-2016 مع تراجع وتيرة نمو عروض الشغل ابتداء من سنة 2016 مما سيخفف من حدة الضغط على سوق الشغل ( توقع عرض إضافي يبلغ أكثر من 111.000 نشيط سنويا في أفق 2015 و90.000 سنويا بين 2015 و2020)، ثم بالتحدي الثاني المرتبط بالملاءمة مع حاجيات سوق الشغل الجديدة والمتجددة، من خلال ضعف مردودية المنظومة التعليمية وعدم تأقلمها مع مستجدات سوق الشغل، واستمرار تدفق حملة الشواهد الجامعية الذين يجدون صعوبات في الاندماج في سوق الشغل على المدى المتوسط إضافة للرصيد الحالي، وكذا من خلال بروز مهن جديدة بالمغرب مع مخططات التنمية أفرزت تحولات تولدت عنها الحاجة للكفاءات المهنية: التقني والتقني المتخصص، التكوينات القصيرة والمتوسطة، و»انفتاح» سوق الشغل للعمالة الأجنبية (من الجنوب و من الشمال)، إلى جانب ضعف في انخراط وتشجيع الجماعات والمؤسسات المنتخبة للمبادرات الهادفة لإحداث المقاولات الصغرى.
من خلال ما سبق إبرازه، أكد جمال أغماني، انطلاقا من الشق المرتبط بالتحدي الثالث حول مواكبة الحاجيات المرتقبة من مناصب الشغل للإستراتيجيات القطاعية، أن منظومة التعليم والتكوين المهني أصبح مطلوبا منها التأقلم مع حاجيات المخططات القطاعية من الموارد البشرية والمرشح أنها ستخلق مناصب للشغل، مشيرا الى أن منظومة التكوين المهني لم تعد مسايرة للحاجيات الاقتصادية الوطنية الجديدة من الكفاءات المهنية في مجموعة من المهن الجديدة، وأن عرض التكوين المهني لا يتماشى والطلب المتزايد للشباب الراغب في ولوج مؤسسات التكوين، بالإضافة إلى ضعف انخراط المهنيين في مجال برامج ومخططات التكوين.
بينما التحدي الرابع والخامس، فقد حددهما المتحدث، في الرفع من نسبة النمو وجعل الجهات قاطرة للتنمية ولخلق فرص الشغل، موضحا أن إشكالية التشغيل ظلت دوما موضوع مبادرات للحكومة، وأن الجماعات والوحدات والترابية المحلية لم تتطور أو لم تطور نفسها لكي تصبح فاعلا حقيقيا في التنمية الاقتصادية المنتجة لمناصب للشغل إضافية، إلى جانب وجود تفاوت حاد بين الجهات في توفير فرص الشغل، وهم ما يعكس اختلالات كبرى في التنمية بين الجهات من خلال المعطيات المتوفرة.
جمال أغماني تطرق كذلك خلال عرضه الدقيق إلى مفهوم العمل اللائق الذي أطلقته منظمة العمل الدولي والذي يرتكز على مجموعة من الحقوق الأساسية التي يتعين ضمانها، والتي لخصها في الحق في أجر مناسب مقابل العمل المقدم، الحق في التغطية الصحية والحماية الاجتماعية المناسبة، والحق في توفر شروط الصحة و السلامة المهنية في أماكن العمل، ثم الحق في التنظيم النقابي؛ الحق في تمثيلية المأجورين والحوار الاجتماعي، بالإضافة إلى عدم التمييز على أساس الجنس أو العرق... وحماية المرأة والأشخاص في وضعية إعاقة، ثم الحق في التكوين المستمر، مبرزا أن التشريع الوطني أقر مجموعة من ركائز العمل اللائق من خلال تصديق المغرب على العديد من الاتفاقيات الأساسية كالاتفاقية العالمية لحقوق الإنسان وفي مجال العمل، إلى جانب دستور فاتح يوليوز 2011، ومدونتي الشغل والتغطية الصحية الأساسية.
كما علق في الأخير أن مخطط محاربة البطالة يبقى مرتبطا بتحقيق نسب تسمح بخلق مناصب شغل إضافية، إلا أنها أصبحت مرتبطة كذلك بتحسين مردودية منظومة التربية والتكوين وتألقهما مع الحاجيات، مشيرا الى أن العمل اللائق أصبح اليوم مقتضى دستوريا، مما يقتضي تكاثف جهود كل الفاعلين، من دولة وبرلمان ومركزيات النقابية ومنظمات أرباب العمل... للوصول لتوافقات عن طريق الحوار، بين أطروحة الأولوية للفعالية الاقتصادية، وأطروحة الأولوية للعنصر البشري، والتي تعطي الأولوية لتثمين العنصر البشري في التنمية.
ومن جانبه، تناول عبد الرحمان العمراني الموضوع من خلال الإشارة أولا إلى ملاحظتين منهجيتين: أولها، يقول المتحدث» أنه قليلا ما تناولنا في النقاش العام ثلاثية التنمية، الشغل، التكوين في علاقتهما المتبادلة، أي أن عادة ما نناقش أطراف هذه المعادلة بصفة منفصلة، فيبدو حينها كما لو أن التكوين المهني والتكوين المستمر، متغيران تابعان للتطور والتشغيل» ، ويؤكد الباحث أن هذا غير صحيح كما تبرز تجربة الأقطار التي حققت قفزات نوعية في مضمار التكوين بما في ذلك في العقدين الأخيرين تجربة في البلدان الصاعدة، وبخصوص الملاحظة الثانية أكد الأستاذ عبد الرحمان العمراني، «أنه قليلا ما تناولنا هذه المواضيع في ظروف هادئة، أي في غير ظروف الأزمة أو الضغط ( ضغط سياسي، ضغط اجتماعي....)، في حين أن موضوع التشغيل والتكوين، يجب أن يكون موضوعا قارا ضمن الأجندة السياسية والاهتمامات الاجتماعية لمختلف الفرقاء: حكومة، مشغلين، نقابات».
ويخلص العمراني إلى أن التفكير في هذا الموضوع تبعا لذلك، لا يعطي متسعا من العمق للتأمل في الإشكالات التي تطرحها العلاقة بين التكوين والتشغيل.
وبعد ذلك، تناول الموضوع من خلال محورين، في المحور الأول، أبرز كيف أنه على المستوى الدولي، هناك عدد من الوقائع تفرض نفسها:
أ- أمام المنافسة المحتدمة بين الاقتصاديات القطرية، فإن الفرز صار يتم أكثر فأكثر على أساس مدى قدرة الأقطار على امتلاك المهارات الفنية، فالمنافسة فعلا لا تترك للأقطار فرصة لالتقاط الأنفاس.
ب- هذا الفرز في مستويات التطور الناتجة عن امتلاك المهارات وبرامج التكوين المستمر، هو ما أفضى إلى الإقلاع الكبير لدولة الصين والأقطار الأسيوية الصاعدة، وهو ما يشكل القاعدة الأساسية للتطور المذهل للهند حاليا.
هذا الفرز ينطبق حتى على الأقطار المصنعة القديمة، فالاستثناء الألماني مثلا، هو ناجم عن القدرة على التكيف مع المتغيرات التكنولوجية بفعل برامج التكوين، التكوين المستمر للعمال في المجال الصناعي. فالتكوين المستمر هو أحد الثوابت المتفق عليها في السياسة الصناعية للبلد بغض النظر عن التغير الأغلبيات الحكومية
ج- نلاحظ اليوم نهاية ذلك التصور للمسار الدراسي CURSUS الجامد الذي لها بداية وسط ونهاية، فالتكوين هو مسلسل تراكمي مستمر ولذلك ترى الطالب في سن الستين وترى المستخدم يمر في ظرف مسار مهني طويل بين ست مراتب أو مواقع في العمل
د- من تبيعات ذلك الانتقال من معيار الترقية بالأقدمية إلى الترقية بالتكوين المستمر، والانتقال كذلك من التكوين بالتجربة إلى التكوين عبر برامج التعلم
ه- هناك اليوم بروز لمُعامل الدراسة. التكوين المهني يصل في بعض الأقطار ككوريا واليابان إلى نسبة 80 في المائة، وحينما يقع خلل في الأجهزة الإنتاجية، فإنه يتم الانتباه أساسا في الأقطار المصنعة إلى نسبة هذا المُعامل، كما برز من خلال دراسة أجريت مؤخرا ونشرتها صحيفة «النيويورك تايمز».
و- في الأقطار وفي البلدان الصاعدة، فإننا نجد أنه بمقدار أن البحث العلمي لم يعد فقط اختصاصا حصريا للحكومات ( تمويل، برامج، RD البحث/ التنمية، بل صار أيضا من اختصاص الشركات الخاصة والمشغلين الخواص، فإن التكوين المستمر، برامج وتمويلا، لم يعد اختصاصا حصريا للحكومات بل صارت تساهم فيه شركات القطاع الخاص، والمثالان الكوري والألماني يشهدان على ذلك.
والخلاصة بالنسبة لهذا المحور، أن التقلبات الظرفية للاقتصاد المعولم من جهة، والمنافسة المحتدمة من جهة ثانية، يجعلان من التكوين المهني والتكوين المستمر مفتاحا للتقدم لا فقط على صعيد التنمية بشكل عام، بل والتقدم كذلك في حسم معضلة التشغيل.
في المحور الثاني، تناول العمراني في عرضه، وجهة النظر الثقافية أي جانب الذهنية الجماعية في موضوع التكوين المهني، إذ أوضح كيف أن التكوين المهني مرتبط بتمثلين متغلغلين في أعماق اللاوعي الجماعي:
إما الفشل الدراسي في مجال التعليم، حيث يصبح التكوين المهني ملاذا لغير المتمكنين من نجاح الدراسي : تبرز ذلك المقولة الشعبية التي كنا نسمعها ونحن صغارا» إذا لم ينجح في الدراسة فليذهب إلى التكوين المهني».
وللأسف، فإنه رغم تغير المعطيات وتطور مؤسسات التكوين المهني، فإن هذه النظرة المجتمعية لا تزال سائدة في أوساط واسعة.
التمثل الثاني، يربط ما بين التكوين المهني والأعمال الصغرى ، وذلك انه ضمن هذا المستوى، فإننا نلاحظ وجود خصاص مهول في العديد من المهن، صار الأجانب حسب بعض المعطيات الإحصائية، يملأونها، والأدهى من ذلك أجانب قادمون من دول الجوار الأوربي بعد الأزمة.
والملاحظة التي تفرض نفسها أنه لما قمنا بإحصاء المشتغلين في بعض المهن (مهنة الكهربائي، رصاصون، مطالة، إصلاح الأدوات المنزلية والالكتروني،.....) لوجدنا أن الجزء الأكبر منهم يشتغلون انطلاقا من التكوين الذاتي، أي التعلم عبر الطرق التقليدية، الشبيهة بمسلسل التعلم في الصناعة التقليدية، وليس انطلاقا من مسار تكويني ساهمت فيه مؤسسة التكوين المهني أو التكوين المستمر.
ويخلص الأستاذ عبد الرحمان العمراني، بعد تقديم هذه الملاحظة السوسيولوجية حول التمثلين السائدين في موضوع التكوين المهني على مستوى الذهنية الجماعية إلى ضرورة العمل من أجل تغير هذه النظرة الثقافية، مقترحا، حملات توضيحية على جميع الأصعدة في ( المدارس، الجامعات، المؤسسات الإنتاجية، النوادي الثقافية، الجمعيات.....)، وذلك بغية تطوير النظرة إلى موضوع التكوين المهني والتكوين المستمر، وارتباطه العضوي بموضوع التنمية والتشغيل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.