مؤتمر دولي بفاس يوصي بتشجيع الأبحاث المتعلقة بترجمة اللغات المحلية    أخنوش: لا وجود لإلغاء صندوق المقاصة .. والحكومة تنفذ عملية إصلاح تدريجية    أخنوش يربط الزيادة في ثمن "البوطا" ب"نجاح نظام الدعم المباشر"    الخريطة على القميص تثير سعار الجزائر من جديد    بطولة انجلترا لكرة القدم.. مانشستر سيتي يفوز على مضيفه برايتون برباعية    أخنوش: نشتغل على 4 ملفات كبرى ونعمل على تحسين دخل المواطنين بالقطاعين العام والخاص    رئيس الحكومة يجري مباحثات مع وزير الاقتصاد والمالية والسيادة الصناعية والرقمية الفرنسي    الأمير مولاي رشيد يترأس مأدبة ملكية على شرف المشاركين بمعرض الفلاحة    3 سنوات سجنا لشقيق مسؤول بتنغير في قضية استغلال النفوذ للحصول على صفقات    المغرب يستنكر بشدة اقتحام متطرفين المسجد الأقصى    نمو حركة النقل الجوي بمطار طنجة الدولي خلال بداية سنة 2024    ''اتصالات المغرب''.. النتيجة الصافية المعدلة لحصة المجموعة وصلات 1,52 مليار درهم فالفصل اللول من 2024    بطولة مدريد لكرة المضرب.. الاسباني نادال يبلغ الدور الثاني بفوزه على الأمريكي بلانش    الدفاع المدني في غزة يكشف تفاصيل "مرعبة" عن المقابر الجماعية    الاتحاد الجزائري يرفض اللعب في المغرب في حالة ارتداء نهضة بركان لقميصه الأصلي    التحريض على الفسق يجر إعلامية مشهورة للسجن    البطولة الوطنية (الدورة ال27)..الجيش الملكي من أجل توسيع الفارق في الصدارة ونقاط ثمينة في صراع البقاء    مهنيو الإنتاج السمعي البصري يتهيؤون "بالكاد" لاستخدام الذكاء الاصطناعي    السلطات تمنح 2905 ترخيصا لزراعة القنب الهندي منذ مطلع هذا العام    بلاغ القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية    زنا المحارم... "طفلة" حامل بعد اغتصاب من طرف أبيها وخالها ضواحي الفنيدق    بعد فضائح فساد.. الحكومة الإسبانية تضع اتحاد الكرة "تحت الوصاية"    بشكل رسمي.. تشافي يواصل قيادة برشلونة    الأمثال العامية بتطوان... (582)    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولات الخميس على وقع الأخضر    تشجيعا لجهودهم.. تتويج منتجي أفضل المنتوجات المجالية بمعرض الفلاحة بمكناس    منصة "واتساب" تختبر خاصية لنقل الملفات دون الحاجة إلى اتصال بالإنترنت    نظام الضمان الاجتماعي.. راتب الشيخوخة للمؤمن لهم اللي عندهومًهاد الشروط    مضامين "التربية الجنسية" في تدريب مؤطري المخيمات تثير الجدل بالمغرب    المعارضة: تهديد سانشيز بالاستقالة "مسرحية"    القمة الإسلامية للطفولة بالمغرب: سننقل معاناة أطفال فلسطين إلى العالم    حاول الهجرة إلى إسبانيا.. أمواج البحر تلفظ جثة جديدة    اتساع التظاهرات المؤيدة للفلسطينيين إلى جامعات أمريكية جديدة    عودة أمطار الخير إلى سماء المملكة ابتداء من يوم غد    ألباريس يبرز تميز علاقات اسبانيا مع المغرب    الحكومة تراجع نسب احتساب رواتب الشيخوخة للمتقاعدين    "مروكية حارة " بالقاعات السينمائية المغربية    3 مقترحات أمام المغرب بخصوص موعد كأس إفريقيا 2025    في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشار المرض بسبب التغير المناخي    خبراء ومختصون يكشفون تفاصيل استراتيجية مواجهة المغرب للحصبة ولمنع ظهور أمراض أخرى    وفينكم يا الاسلاميين اللي طلعتو شعارات سياسية فالشارع وحرضتو المغاربة باش تحرجو الملكية بسباب التطبيع.. هاهي حماس بدات تعترف بالهزيمة وتنازلت على مبادئها: مستعدين نحطو السلاح بشرط تقبل اسرائيل بحل الدولتين    وكالة : "القط الأنمر" من الأصناف المهددة بالانقراض    "فدرالية اليسار" تنتقد "الإرهاب الفكري" المصاحب لنقاش تعديل مدونة الأسرة    منصة "تيك توك" تعلق ميزة المكافآت في تطبيقها الجديد    العلاقة ستظل "استراتيجية ومستقرة" مع المغرب بغض النظر عما تقرره محكمة العدل الأوروبية بشأن اتفاقية الصيد البحري    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    هذا الكتاب أنقذني من الموت!    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    حفل تقديم وتوقيع المجموعة القصصية "لا شيء يعجبني…" للقاصة فاطمة الزهراء المرابط بالقنيطرة    مهرجان فاس للثقافة الصوفية.. الفنان الفرنساوي باسكال سافر بالجمهور فرحلة روحية    أكاديمية المملكة تعمق البحث في تاريخ حضارة اليمن والتقاطعات مع المغرب    ماركس: قلق المعرفة يغذي الآداب المقارنة .. و"الانتظارات الإيديولوجية" خطرة    قميصُ بركان    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قانون العمّال المنزليين
نشر في هسبريس يوم 17 - 10 - 2018


مقدمة:
تعتبر فئة عاملات وعمال المنازل من الفئات التي استثنتها المادة الرابعة من مدونة الشغل من الحماية التي جاءت بها هذه الأخيرة لصالح الأجراء، حيث نصت على أنه يحدد قانون خاص شروط التشغيل والشغل المتعلقة بخدم البيوت الذين تربطهم علاقة شغل بصاحب البيت.
الأمر الذي اضطرت معه هذه الفئة إلى الانتظار فترة طويلة، انطلقت منذ دخول مدونة الشغل حيز التنفيذ بتاريخ 8 يونيو 2004، حيث بقيت هذه الفئة بدون حماية رغم هشاشة وضعها، والحيف والظلم الذي لحقها، سواء فيما يتعلق بسن التشغيل الذي كان أقل بكثير من الحد الأدنى المحدد بمقتضى المادة 143 من مدونة الشغل (15 سنة)، أو فيما يتعلق بساعات العمل التي تفوق بكثير المقرر قانونا، أو من حيث الأجر الذي يقل بشكل صارخ عن الحد الأدنى.
ظروف رغم قساوتها، اضطرت معها هذه الفئة إلى الانتظار إلى حين اعتماد منظمة العمل الدولية الاتفاقية رقم 189 المتعلقة بالعمل اللائق للعاملات والعمال المنزليين، وصدور دستور 2011 الذي نصت المادة 32 منه على ضرورة سعي الدولة لتوفير الحماية القانونية والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال بكيفية متساوية، ليصدر القانون رقم 12-19 بتاريخ 10 غشت 2016، وينشر في الجريدة الرسمية عدد 6493 بتاريخ 22 غشت 2016، ويدخل حيز التنفيذ في 2 أكتوبر 2018 .
وبالرغم من كل الملاحظات، يمكن اعتبار صدور القانون 12-19 المتعلق بتحديد شروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعاملات والعمال المنزليين، خطوة إيجابية في اتجاه إنصاف هذه الفئة من العمال، بدء من تغيير تسميتها في القانون من "خدم البيوت" إلى "العاملات والعمال المنزليين"، وانتهاء بسن مجموعة من المقتضيات القانونية التي يستفيد منها باقي العمال بمقتضى مدونة الشغل.
فهل استطاع القانون 12-19 أن يكون في مستوى انتظارات وتطلعات هذه الفئة من العمال، وفي مستوى انتظارات وتطلعات شركاء المغرب الدوليين ؟
وهل توفق المشرع المغربي في ملائمة نص هذا القانون مع اتفاقيات منظمة العمل الدولية؟
هذا ما سنحاول الإجابة عنه من خلال مبحثين، نتناول في الأول منهما نطاق تطبيق القانون وشروط تشغيل العامل المنزلي، بينما نتطرق في المبحث الثاني لالتزامات طرفي العقد وإنهاء عقد العمل.
المبحث الأول: نطاق تطبيق القانون وشروط تشغيل العامل المنزلي
المطلب الأول: نطاق تطبيق القانون
يطبق القانون رقم 12-19 حسب مقتضيات المادة الأولى منه على العاملة أو العامل المنزلي الذي يقوم بصفة دائمة واعتيادية مقابل أجر، بإنجاز أشغال مرتبطة بالبيت أو بالأسرة كما هي محددة في المادة 2 من هذا القانون، سواء عند مشغل واحد (لدى أسرة واحدة) أو أكثر (لدى عدة أسر).
بينما استثنى المشرع من الخضوع لمقتضيات هذا القانون العاملة أو العامل المنزلي الموضوع رهن إشارة المشغل من قبل مقاولة التشغيل؛ حيث يعتبر المشرع في المادة 495 من مدونة الشغل أن المشغل هو مقاولة التشغيل المؤقت، وهذا ما استقر عليه اجتهاد محكمة النقض في العديد من القرارات.
هذا المقتضى إن كان يمكن اعتباره إيجابيا بالنسبة للعامل المنزلي المؤقت فيما يتعلق بالاستفادة من المقتضيات المتعلقة بتنفيذ عقد الشغل، والتي تضمنتها مدونة الشغل من قبيل الاستفادة من الحد الأدنى للأجر، والتعويض عن الساعات الإضافية، ومن الحد الأقصى لساعات العمل، ومن إجازة الأمومة ...، إلا أنه فيما يتعلق بالآثار المترتبة عن إنهاء عقد العمل، فإن القانون 12-19 يكفل ضمانات أفضل للعامل المنزلي بالنظر إلى استحقاقه للتعويض عن إنهاء عقد الشغل المحدد في المادة 20، بينما لا يستفيد من أي تعويض في حال انتهاء مدة العقد المبرم مع شركة الوساطة في التشغيل طبقا للمقتضيات المتعلقة بمقاولات التشغيل المؤقت الواردة في المواد من 495 إلى 506 من مدونة الشغل.
كما استثنى المشرع من نطاق تطبيق هذا القانون، البوابون في البنايات المعدة للسكنى الخاضعين لظهير 8 أكتوبر 1977، وحارس البيت المرتبط بعقد شغل مع إحدى شركات الحراسة الخاضعة لمقتضيات القانون 06-27، والعمال الذين ينجزون لفائدة المشغل أشغال بصفة مؤقتة، وهذا المقتضى الأخير ينسجم مع البند (ج) من المادة 1 من اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 189، والتي نصت على أن:
"أي شخص يؤدي عملا منزليا من حين لآخر، أو على نحو متقطع فقط وليس على أساس مهني، ليس عاملا منزليا".
وقد عدد المشرع الأشغال المرتبطة بالبيت والأسرة في المادة 2 من القانون، وذكر من بينها الأعمال المتعلقة بالاعتناء بشؤون البيت، ويدخل فيها أشغال البيت من تنظيف وطبخ وكنس وترتيب ...، الاعتناء بالأطفال، الاعتناء بفرد من أفراد البيت بسب سنه أو عجزه، أو مرضه، أو كونه من الأشخاص في وضعية إعاقة، السياقة، أعمال البستنة، وحراسة البيت.
إلا أن هذا التعداد جاء على سبيل المثال لا الحصر، بدليل أن المشرع استعمل عبارة "على وجه الخصوص".
ويبدو أن المشرع اعتمد المفهوم الواسع لخدم البيوت الذي أقره الاجتهاد القضائي، حيث أدخل فيه البستاني والسائق، إذ كان يستثنيهما من حماية مدونة الشغل.
المطلب الثاني: شروط تشغيل العامل المنزلي والعقوبات الزجرية
الفقرة الأولى: شروط تشغيل العامل المنزلي
اشترط المشرع تشغيل العاملة أو العامل المنزلي بمقتضى عقد عمل مكتوب محدد أو غير محدد المدة، يعده المشغل وفق نموذج يحدد بنص تنظيمي، يوقع من قبل المشغل والعاملة أو العامل المنزلي، ويصحح إمضاءهما لدى السلطة الإدارية المختصة، ويحرر هذا العقد في ثلاثة نظائر، تسلم نسخة منه للعامل المنزلي، وتودع نسخة لدى مفتشية الشغل مقابل وصل، ويحتفظ المشغل بالنسخة الثالثة لنفسه.
ويبدو للوهلة الأولى من مطالعة المادة 3 أن المشرع خرج عن مبدأ الرضائية الذي يسم عقد الشغل كما نصت على ذلك مقتضيات المادتين 15 و18 من مدونة الشغل، واعتمد مبدأ الشكلية في إبرام عقد شغل العامل المنزلي حينما اشترط أن يرد اتفاق الطرفين في عقد مكتوب محرر وفق نموذج محدد بنص تنظيمي.
غير أنه سرعان ما تراجع المشرع عن مبدأ الشكلية حينما نص في المادة 9 من القانون رقم 19.12 على إمكانية إثبات عقد شغل العامل المنزلي بجميع وسائل الإثبات، مقرا بكيفية ضمنية إمكانية إبرام عقد الشغل بشكل شفوي، وإثباته بجميع وسائل الإثبات كشهادة الشهود والقرائن القوية المتناسقة.
وفيما يخص فترة الاختبار، فقد حددتها المادة 8 من القانون في العقود غير المحددة المدة في 15 يوما مؤدى عنها، يمكن خلالها لأي من طرفي العقد إنهاء العقد دون أي تعويض.
أما إذا كان العقد محدد المدة، فلا يمكن إخضاع العامل المنزلي لأي فترة اختبار خلاف ما نصت عليه المادة 14 من مدونة الشغل.
وبخصوص الحد الأدنى لسن التشغيل، فقد حددته المادة 6 من القانون في 18 سنة كمبدأ عام، الأمر الذي يجعلنا ننوه بهذا المقتضى الحقوقي، الذي سيقطع مع العديد من المآسي الاجتماعية الناتجة عن الاتجار في تشغيل القاصرين والقاصرات في العمل المنزلي في سن لا تتجاوز في غالب الأحيان ثماني أو عشر سنوات، إلا أننا نتحفظ على هذا السن الذي يفوق حتى الحد الأدنى الذي حددته مدونة الشغل في المادة 143 وهو 15 سنة، حيث يبقى مقتضى غير واقعي ولا يتناسب وبنية المجتمع بعقلياته وأعرافه وتقاليده، وما واقع مدونة الأسرة عنا ببعيد.
بل إن الاتفاقية الدولية المتعلقة بالحد الأدنى لسن الالتحاق بالعمل رقم 138، التي استلهم منها المشرع هذه المقتضيات، نصت في البند 4 من المادة الثانية على أنه:
"على الرغم من أحكام الفقرة 3 من هذه المادة، يجوز لأي دولة عضو لم يبلغ اقتصادها وتسهيلاتها التعليمية درجة كافية من التطور، أن تقرر في البداية حدا أدنى للسن يبلغ 14 سنة ..."
وذلك بعد أن نصت في الفقرة الثالثة على أنه:
"لا يجوز أن يكون الحد الأدنى للسن المقرر عملا بالفقرة 1 من هذه المادة أدنى من سن إنهاء الدراسة الإلزامية، ولا يجوز في أي حال أن يقل عن 15 سنة".
وحتى بعض التشريعات المقارنة نجدها اعتمدت حدا أقل مما اعتمده المشرع المغربي، كفرنسا مثلا التي حددت هذا السن في 16 سنة مع جواز قبول الأطفال ما بين 14 و16 سنة لنصف مدة عطلهم المدرسية للقيام بأعمال خفيفة، والكوديفوار التي حددته في 16 سنة مع إمكانية ممارسة العمل المنزلي في إطار التكوين ابتداء من 14 سنة، أما في الاوروغواي فقد حدد في 18 سنة مع إمكانية الترخيص الإداري ما بين 15 و18 سنة، في حين يسمح القانون الفنلندي بتشليغهم دون 15 سنة مع تحديد مدة العمل والزمن ونوع العمل.
إلا أن المشرع استثناء من هذا المبدأ العام (18 سنة كحد أدنى)، وخلال فترة انتقالية لا تتجاوز 5 سنوات من دخول القانون حيز التنفيذ، سمح بتشغيل عمال منزليين تتراوح أعمارهم بين 16 و18 سنة شريطة حصولهم على إذن مكتوب مصحح الإمضاء من أوليائهم قصد توقيع عقد الشغل.
كما يتعين على العامل المنزلي طبقا لمقتضيات المادة 5 من القانون القيام بمجموعة من الإجراءات تجاه المشغل من قبيل:
- الإدلاء للمشغل بنسخة من بطاقة التعريف الوطنية أو ما يقوم مقامها وكذا جميع البيانات، لا سيما تلك المتعلقة باسمه وعنوانه وتاريخ ومكان ازدياده وحالته العائلية، وعند الاقتضاء نسخة من الشهادات المدرسية والمهنية.
- إحاطة المشغل علما بكل تغيير يطرأ على عنوانه أو حالته العائلية.
- الإدلاء بشهادة طبية تثبت سلامته الصحية على نفقة المشغل بناء على طلب هذا الأخير.
- التصريح لدى المشغل بأي مرض مصاب به، ولا سيما إذا كان مرضا مزمنا، وبالمقابل يتعين على المشغل إخبار العامل المنزلي بأي مرض معد يعاني منه هو أو أحد أفراد أسرته.
الفقرة الثانية: العقوبات الزجرية
لم يكتف المشرع بالنص على مقتضيات آمرة في القانون رقم 12-19 المتعلق بالعمال المنزليين تلزم طرفي العقد، وإنما فرض تطبيقها عبر مؤيدات زجرية متمثلة في عقوبات يتم توقيعها على كل من خالف مقتضياته.
وفي هذا الصدد نصت مقتضيات المواد 23 و24 و25 من القانون 19-12 على مجموعة من العقوبات زجرا لمخالفات لنصوص القانون، والتي تراوحت ما بين الغرامة من 25000 درهم إلى 30000 والغرامة من 500 إلى 1200 درهم.
وتجدر الإشارة أنه من ضمن الأفعال المجرمة من قبل المشرع توسط شخص ذاتي في تشغيل عاملات أو عمال منزليين بمقابل.
وبرأينا فإن المشرع سعى من خلال هذا المقتضى إلى هيكلة قطاع الوساطة في تشغيل العمال المنزليين، من خلال إسناده إلى شركات مختصة حتى يوفر ضمانات أكبر لفائدة هذه الشريحة من المجتمع، سواء فيما يتعلق بشروط التشغيل أو فيما يتعلق بضمانات استخلاص التعويضات المستحقة عن الإنهاء غير المبرر لعقد الشغل.
وما يثير الانتباه في العقوبات الزجرية، أن المشرع اكتفى بالجزاءات المالية دون الحبسية، وهو ما يدفعنا إلى التساؤل حول مدى نجاعة هذه العقوبات في حمل المشغل على احترام مقتضيات القانون.
المبحث الثاني: التزامات طرفي العقد وإنهاء عقد العمل المنزلي
المطلب الأول: التزامات طرفي العقد
يلتزم العامل المنزلي بأداء الأشغال المرتبطة بالبيت والأسرة التي عدد المشرع بعض أنواعها في المادة 2 المذكورة أعلاه.
وفي حالة تشغيل عامل منزلي تتراوح سنه بين 16 و18 سنة، فقد نص المشرع على مقتضيات حمائية لفائدة العمال المنزليين من قبيل إلزامية فحص طبي كل ستة أشهر على نفقة المشغل، ومنع تشغيلهم ليلا أو في الأماكن المرتفعة غير الآمنة، وفي حمل الأجسام الثقيلة، وفي استعمال التجهيزات والأدوات والمواد الخطرة، وفي كل الأشغال التي تشكل خطرا بينا على صحتهم أو سلامتهم أو سلوكهم الأخلاقي، أو قد يترتب عنها ما قد يخل بالآداب العامة، وذلك عملا بمقتضيات المادة 6 من القانون.
وبذلك تبنى المشرع مقتضيات التوصية رقم 201 الملحقة باتفاقية العمل اللائق للعمال المنزليين رقم 189.
بينما نصت المادة 7 من القانون على منع تشغيل العامل المنزلي قهرا أو جبرا، وهو نفس المقتضى الذي تنص عليه المادة 10 من مدونة الشغل، وكذا المادة 3 من الاتفاقية الدولية رقم 189.
وبالنسبة لمدة العمل فقد حددتها المادة 13 من القانون في 48 ساعة في الأسبوع، يتم توزيعها على أيام الأسبوع باتفاق بين العامل المنزلي والمشغل دون تحديد سقف معين.
ويعتبر هذا المقتضى من المساوئ التي جاء بها هذا القانون، إذ يمكن أن يعمد المشغل إلى تشغيل العامل المنزلي لمدة طويلة خلال يومين أو ثلاث أيام في الأسبوع من أجل الضغط عليه قصد تقديم الاستقالة أو على الأقل مغادرة العمل تلقائيا، خلاف ما يتمتع به العامل الخاضع لمدونة الشغل في المادة 184 التي حددت سقف ساعات العمل اليومي في 10 ساعات.
وحبذا لو أن المشرع المغربي حذا حذو بعض التشريعات المقارنة التي حددت مدة العمل الأسبوعي مع تحديد سقف يومي، كفرنسا التي حددت ساعات العمل في 40 ساعة أسبوعيا بسقف 9 ساعات يوميا، والبرتغال ب 44 ساعة أسبوعيا بسقف 9 ساعات يوميا، وجنوب إفريقيا ب 45 ساعة أسبوعيا بسقف 9 ساعات يوميا، في حين تصل مدة العمل في الأورغواي إلى 44 ساعة أسبوعيا في حدود 8 ساعات يومية.
وفيما يتعلق بالأجر، فقد أوجبت المادة 19 على المشغل أداء أجر للعامل المنزلي لا يمكن أن يقل عن 60 % من الحد الأدنى للأجر المطبق في قطاعات الصناعة والتجارة والمهن الحرة، مع التنبيه أن مزايا الإطعام والسكن لا تدخل ضمن مكونات الأجر النقدي.
ولئن كان من الممكن قبول هذا المقتضى على مضض بالنسبة للعامل المنزلي المقيم مع المشغل حيث يستفيد من مزايا الإطعام والسكن، فإنه يبدو أنه مجحف بالنسبة للعامل المنزلي غير المقيم، إذ أنه يخلق نوعا من التمييز غير المبرر بينه وبين العامل الخاضع لمدونة الشغل، رغم وجودهما في نفس الوضعية القانونية، حيث يقتضي الأمر توحيد معايير التشغيل.
كما أن تحديد أجر العامل المنزلي في 60% من الحد الأدنى للأجر، يتعارض مع المادة 11 من الاتفاقية الدولية رقم 189 التي تنص على أنه:
"تتخذ كل دولة عضو تدابير تضمن أن يتمتع العمال المنزليون بتغطية الحد الأدنى للأجر".
أما العطل، فيستفيد العامل المنزلي من راحة أسبوعية لا تقل عن 24 ساعة متصلة عملا بمقتضيات المادة 14 من القانون، كما يمكن الاتفاق بين الطرفين على تأجيل الاستفادة منها مع تعويضها في أجل لا يتعدى ثلاث أشهر، في حين أنه تبلغ مدة الراحة الأسبوعية في بعض الدول كجنوب إفريقيا 36 ساعة.
وطبقا للمادة 16 من القانون يستفيد العامل المنزلي من عطلة سنوية مؤدى عنها شريطة قضائه ستة أشهر من العمل المتصل على أساس يوم ونصف عن كل شهر من العمل، كما يمكن تجزئتها أو الجمع بين أجزائهما على مدى سنتين متواليتين باتفاق بين الطرفين.
يبقى الاختلاف الوحيد عن مدونة الشغل هو أن العامل المنزلي لا يستفيد من مدة يوم ونصف إضافية كعطلة عن كل خمس سنوات من الأقدمية.
وبناء عليه فإن مدة العطلة السنوية طبقا لهذا القانون لا تتجاوز 18 يوما، خلاف بعض التشريعات المقارنة التي حددتها في 24 يوما كما هو الحال في فرنسا، بينما تمنح مرة واحدة لزوما بدولة جنوب إفريقيا كلما رغب العامل في ذلك، وتبلغ مدتها 3 أسابيع عن كل سنة عمل.
المطلب الثاني: إنهاء عقد العمل المنزلي وأثاره
لم يفرد مشرع القانون 12-19 لمسطرة إنهاء عقد العامل المنزلي إلا مادتين فقط، الأولى هي المادة 10 التي ألزم المشرع فيها المشغل، عند انتهاء عقد الشغل، تحت طائلة أداء تعويض أن يسلم الأجير شهادة شغل داخل أجل أقصاه ثمانية أيام، مع تحديد البيانات التي يجب أن تتضمنها هذه الشهادة. والثانية هي المادة 21 من القانون، التي حددت التعويض المستحق للعامل المنزلي عند فصله، شريطة قضائه ما لا يقل عن سنة متواصلة من الشغل الفعلي لدى نفس المشغل.
ويعادل هذا التعويض عن كل سنة، أو جزء من السنة من الشغل الفعلي ما يلي:
- 96 ساعة من الأجر، فيما يخص فترة الشغل الفعلي المقضية خلال الخمس سنوات الأولى.
- 144 ساعة من الأجر، فيما يخص فترة الشغل الفعلي المقضية خلال السنة السادسة إلى السنة العاشرة.
- 192 ساعة من الأجر، فيما يخص فترة الشغل الفعلي المقضية خلال السنة الحادية عشرة إلى السنة الخامسة عشرة.
- 240 ساعة من الأجر، فيما يخص فترة الشغل الفعلي المقضية خلال المدة بعد السنة الخامسة عشرة.
كما نصت المادة 20 على أن فترة الشغل الفعلي المنصوص عليها في هذه المادة تحتسب ابتداء من تاريخ دخول هذا القانون حيز التنفيذ.
إلا أن ما يمكن ملاحظته على هاتين المادتين، هو أن المشرع ألزم المشغل بتسليم شهادة العمل إلى العامل المنزلي عند انتهاء عقد الشغل، أي عند انتهاء المدة التي أبرم لأجلها بما يوحي بأنه غير ملزم بتسليمها في الحالات الأخرى لانتهاء العقد، خاصة أنه لم يتطرق لهاته الحالات، ولم ينظم المساطر التي يتعين سلوكها عند إنهاء العقد قبل انقضاء مدته، من قبل أحد طرفي العلاقة الشغلية أو كلاهما كما فصلت ذلك مدونة الشغل.
كما أن المشرع اشترط من أجل حصول العامل المنزلي على التعويض عن الفصل قضائه مدة سنة متواصلة من الشغل الفعلي لدى نفس المشغل، مما قد يشجع على تشغيل العامل المنزلي لمدة تقل عن سنة للإفلات من أداء التعويض، من طرف المشغل سيء النية، وكان أولى بالمشرع أن يعتمد مدة لا تقل عن ستة أشهر كما فعل في المادة 52 من مدونة الشغل.
ومن جهة أخرى، فإن احتساب فترة الشغل الفعلي ابتداء من تاريخ دخول هذا القانون حيز التنفيذ، من شأنه الإضرار بفئة عريضة من العمال المنزليين الذين لديهم أقدمية طويلة لدى مشغليهم قبل صدور هذا القانون.
وأخيرا فإن المادة 21 لم تحدد الأجر المعتمد في احتساب التعويض، هل يتعلق الأمر بالأجر الخام؟ أم بالأجر الصافي الذي يتقاضاه العامل المنزلي بعد الاقتطاعات الاجتماعية الضريبية إن كان لهما محل؟ وهل يمكن للقضاء أن يدخل في الأجرة المعتمدة في احتساب التعويض عن إنهاء العقد مقابل الطعام والسكن بالنسبة للعامل المنزلي المقيم مع المشغل؟.
بنظرنا فإن الأجرة المعتمدة في احتساب التعويض هي الأجرة الخام وليست الصافية، والتي يتعين أن تشمل مقابل الطعام والسكن طالما أنهما يعدان جزءا عينيا من الأجر.
خاتمة:
كانت هذه إطلالة سريعة على مقتضيات القانون 12-19 الذي يمكن اعتباره خطوة إيجابية في اتجاه تنظيم العلاقة الشغلية بين أطراف العمل المنزلي، بما يضفي نوع من الحماية على فئة هشة من فئات المجتمع ظلت لسنوات طويلة بدون حماية.
والملاحظ أن هذا القانون قد أغفل تنظيم بعض المقتضيات التي لها علاقة وثيقة بالعمل المنزلي من قبيل:
- عدم توفير الحماية عن طريق تجريم العنف الجسدي، الجنسي، النفسي والاقتصادي،...، الذي يتعرض له العامل المنزلي ونخص بالذكر هنا العامل المقيم، وذلك خلاف ما نصت عليه اتفاقية العمل اللائق للعمال المنزليين رقم 189 في مادتها الخامسة، التي ألزمت أن تتخذ كل دولة عضو تدابير تضمن أن يتمتع العمال المنزليون بحماية فعالة من جميع أشكال الإساءة والمضايقات والعنف؛
- عدم النص على استفادة العامل المنزلي من تعويضات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي خلاف ما نصت عليه المادة 14 من الاتفاقية 189؛
- عدم النص على تعويض الساعات الإضافية؛
- عدم النص على استفادة العامل من تعويضات حوادث الشغل والأمراض المهنية؛
- عدم النص على استفادة العاملة المنزلية من إجازة الأمومة، رغم النص على استفادتها من ساعات الرضاعة؛
- حرمان العامل المنزلي من الحرية النقابية خلافا لمقتضيات المادة 3 من الاتفاقية 189.
مقتضيات وغيرها تضمنتها اتفاقيات منظمة العمل الدولية، كان يجب على القانون 12-19 أن ينظمها، خاصة وأن هذا القانون لا يحيلنا على مدونة الشغل فيما يتعلق بالمقتضيات التي تم إغفالها، بدليل أن المادة 4 من هذه المدونة، التي نصت على أنه سيصدر قانون خاص ينظم شروط تشغيل خدم البيوت، لم تنص على ألا تقل الضمانات المنصوص عليها في هذا القانون كما فعل المشرع في المادة 6 من مدونة الشغل بالنسبة لباقي الفئات المستثناة من الخضوع لمقتضياتها، علاوة على أن هذا القانون هو نص خاص يعقل ويقيد النص العام ( الذي هو مدونة الشغل).
*محامية بهيئة الدارالبيضاء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.