مطار محمد الخامس الدولي: توقيف كنديين وحجز ما يزيد على 133 كيلوغراما من مخدر 'الماريخوانا'    المغرب ‬2030 ‬ فرص ‬ثمينة ‬بأعلى ‬سقف ‬ومسار ‬تنموي ‬بلا ‬حدود    بعد ‬جهة ‬الرباط- ‬سلا- ‬القنيطرة.. ‬ المغرب ‬يواصل ‬توقعاته ‬المستقبلية ‬مع ‬الكوارث ‬بتدشين ‬منصة ‬جهوية ‬بمراكش    ‬مرسوم ‬تحديد ‬أسعار ‬الأدوية ‬يواصل ‬إثارة ‬ردود ‬الفعل ‬في ‬أوساط ‬المهنيين ‬والرأي ‬العام ‬    وفق ‬تقرير ‬حديث.. ‬المغرب ‬منصة ‬إفريقية ‬واعدة ‬ووجهة ‬موثوقة ‬للمستثمرين ‬الإسبان ‬    مارسيليا يرفض عرضا "مهينا" من نادي إسباني لضم أوناحي    لجنة برلمانية تُقر تنظيما جديدا للمجلس الوطني للصحافة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    مرتيل.. انطلاق أيام القافلة الأولى للتعريف بمنطقة الأنشطة الاقتصادية بالفنيدق    ثلاث سنوات سجنا لشاب تخصص في سرقة قبعات تحمل شعار "غوتشي"    الإبادة مستمرة.. إسرائيل تقتل 37 فلسطينيا بهجمات متفرقة على غزة    الأمم المتحدة.. الجوع وسوء التغذية بلغا مستويات غير مسبوقة في غزة        رسميا.. الوداد يعلن عودة أبو الفتح بعقد يمتد لموسمين    البرلمان يصادق على المسطرة الجنائية    بورصة البيضاء تستهل التداول بارتفاع    تراجع أسعار النفط مع تزايد المخاوف بشأن الطلب على الوقود    حجيرة يدعو الشركات المغربية إلى التوسع في الأسواق العالمية والاستفادة من الفرص التجارية        92 مؤسسة للرعاية الاجتماعية للمسنين في المغرب تستقبل 7900 نزيل    لجنة التعليم والثقافة والاتصال تصوت بالأغلبية على مشروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة        منظمة الصحة العالمية تقول إن "هجوما" استهدف مقرها بوسط غزة    بطولة انجلترا: الكاميروني مبومو ينتقل لمانشستر يونايتد        عمر الهلالي: من يُسيء في أوروبا يجب أن يُرحّل… واختياري للمغرب نابع من جذوري    السكتيوي يكشف عن قائمة "الأسود المحليين" الأربعاء استعدادًا ل"شان 2025″    دعم دولي متصاعد لمغربية الصحراء ومبادرة الحكم الذاتي: توافق عالمي لإنهاء النزاع الإقليمي    مقدونيا الشمالية تشيد بالإصلاحات المغربية والمبادرات الأطلسية الملكية لتعزيز التنمية والاستقرار في إفريقيا    "اللبؤات" يختمن الإعداد لمواجهة غانا    البنك الإفريقي يدعم الفلاحة التضامنية    طاطا.. إحباط محاولة للتهريب الدولي للمخدرات وحجز 598 كيلوغراما و 500 غراما من مخدر الشيرا    إسرائيل ترفض دعوة 25 دولة لإنهاء حرب غزة.. وغوتيريش "مستاء"    غوتيريش: "آخر شرايين الحياة" لسكان قطاع غزة على شفا الانهيار    وزير الصحة: التوصل إلى صيغة توافقية لمرسوم جديد سيسمح بخفض ملموس لأسعار الأدوية    المنتخب المغربي يتوج ببطولة إفريقيا ويتأهل إلى بطولة العالم للتنس    ليلة العيطة تجمع نجوم التراث الشعبي على منصة واحدة بالعاصمة    الطالب الباحث سمير عثمان يناقش أطروحة الدكتوراه حول أثر اعتماد معايير IFRS في السياق المغربي    تنفيذ المرحلة الثالثة من حملات الإغاثة المغربية لغزة    بورصة البيضاء تنهي تداولاتها على وقع ارتفاع طفيف    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    "سوبر مان" يواصل تصدر شباك التذاكر في أمريكا الشمالية    روما الإيطالي يعلن تعاقده مع المغربي نائل العيناوي    ما حقيقة إصابة الفنانة أنغام بسرطان الثدي؟..بيان رسمي يوضّح    مجموعات تراثية في فن لوناسة تضيء سماء تارودانت    "المهرجان السوسيو ثقافي لمقريصات في دورته التاسعة..منصة لإبراز تنوع وغنى الموروث الثقافي للمنطقة "    نبيل الأيوبي يتوَّج بلقب "نجم العيطة" في أولى محطات مهرجان العيطة المرساوية بالجديدة    "يوم الصفر".. الولايات المتحدة الأمريكية تتعرض لهجوم سيبراني غير مسبوق    مصرع 18 شخصا بسبب الأمطار الغزيرة والانهيارات الأرضية        دراسة تكشف العلاقة بين سمات الشخصية والرياضة المناسبة    لماذا تختلف القدرة على تحمل الألم من شخص لآخر؟    ترامب يغيّر وصفة "مشروب القمامة" وسط تحذيرات من مخاطر "كوكاكولا"    زمن النص القرآني والخطاب النبوي    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السفير البريطاني رايلي يستكشف أغوار تاريخ "المغرب الروماني"
نشر في هسبريس يوم 30 - 10 - 2018

إنه في الواقع لشرف كبير وتجربة سريالية أن يكون المرء سفيرا. قد يستدعي الأمر في بعض الأحيان أن تستفيق وتتأكد أنها ليست أضغاث أحلام بل واقع حقيقي من فرط جمال التجربة. وقد شهدت على هذا في الشهر المنصرم أثناء زيارة لطالما كنت أتوق إليها.
جاءت السيدة ماري بيرد بمعية زوجها المثقف واللطيف أيضا، البروفيسور روبن كورماك، لزيارة المغرب. وتعتبر السيدة ماري واحدة من أفضل خبراء المملكة المتحدة (وبالتالي العالم برمته) في التاريخ الروماني. وقد أتت لتسبر أغوار الآثار الرومانية في المغرب لمعرفة ما إذا كان بوسعنا إقامة برنامج تبادل ثقافي بريطاني-مغربي قائم على تلك التجربة المشتركة. وفي سياق متصل، كانت السيدة ماري تقوم ببعض الأبحاث لبرنامج تلفزيوني مرتقب حول الطرق الرومانية-"كل الطرق تؤدي إلى روما"-لكن يبدو أن الطرق في المغرب ربما كانت على هيأة أنهار وسهول تجتاحها الفيضانات على امتداد المغرب وصولا إلى الجبال، بما يجعل المسالك العادية مستحيلة الاستخدام. وهذا وحده كفيل بجعل التاريخ الروماني للمغرب فريدا برسم المنطقة كلها.
ولكن قبل الخروج إلى الميدان، انصرفنا لزيارة متحف علم الآثار في الرباط. كنت قد بلغني أنه متحف عادٍ، لكن الواقع فند ذلك جملة وتفصيلا. إنه متحف في غاية الروعة، يزدان بتماثيل برونزية ورخامية في غاية الأناقة من مواقع رومانية من مختلف أنحاء المغرب. كانت التحفة الرئيسية برأسين برونزيين لجوبا وكاتو من وليلي، ما من شأنه أن يرفع من شأو أي معرض روماني في أي مكان في العالم.
بطبيعة الحال، كان علي مرافقة السيدة ماري لزيارة وليلي وليكسوس. إنني بالتأكيد شغوف بالآثار الرومانية، ولكن قضاء بعض الوقت بصحبة خبراء استثنائيين من طينة السيدة ماري والبروفيسور كورماك في هذه المواقع الرائعة، زعما بأداء الواجب، هو بحق امتياز كبير ومتعة حقيقية، علاوة على كونه فرصة تعلمية سانحة.
لقد كانت وليلي وماتزال كما عهدتها في منتهى الجمال. وأوصي من لم يتمكن بعد من زيارتها حتى الآن بالقيام بذلك. فعلى الرغم من أن الموقع لا يقع على قمة التل، إلا أنه يشرف على المناطق القروية المحيطة به، مع إطلالات ممتدة على امتداد السهول فوق مشاهد لم تشهد على تغيير كبير منذ أن جلس الرومان هناك في غرف الطعام الفاخرة ليحدقوا بها (وإن لم يكن الرومان متحمسين للمشاهد الخارجية، فقد كانوا يفضلون ساحاتهم وحدائقهم الداخلية). أنا شخصيا أحب التجول في المواقع الرومانية ووضع يدي على الحجارة وتخيل القصص التي يمكن أن ترويها لو أتيح لها التحدث...
تعج وليلي بالكثير من الحجارة. فقد تمكن الرومان من التشييد على أكثر من 60 هكتارا من الأراضي على مر السنين، والكثير منها لم يتم كشفه بالكامل بعد. فبات من الصعب معرفة ما هو أصلي وما تم ترميمه على مر الزمن، ولكن ما تم الكشف عنه إلى غاية الآن مثير للإعجاب بحق. فهناك المنتدى ومجمع المعبد، وقوس النصر المهيب، بالإضافة إلى منازل بقيت محفوظة على نحو جيد وأقبية وحمامات. بيد أن لب الانبهار بالنسبة لي هو الفسيفساء. لقد رأيت فسيفساء عظيمة في الأردن وسوريا، لكنها لا تضاهي بأي حال تلك الموجودة في وليلي؛ فالألوان ما زالت على حالها تسر الناظرين بتفاصيلها المثيرة للإعجاب. حسبك هذا لجعل زيارتك جديرة بالاهتمام.
انطلاقا من وليلي، توجهنا صوب مدينة مولاي إدريس التاريخية لتناول وجبة الغذاء. كنت قد سمعت الكثير عن مولاي إدريس ولم أجد الوقت الكافي لزيارة ذلك المكان. إنها جوهرة صغيرة. لم تطلها جحافل السياح على نحو كبير، فقد احتفظت بسحرها الأصلي. جدران خضراء، شوارع متعرجة. ممرات ضيقة حيث تمر الحمير فقط. لا توجد مركبات خلف أسوار المدينة. صعدنا على امتداد الأدراج المتعرجة، فوق المنحدرات الحادة، بمحاذاة المنازل المعلقة فوقنا. وصلنا أعلى المدينة حيث تقع شرفة مطلة على المشهد العام للمدينة، التي نشأت على التل فوق المسجد المخصص لمؤسس المغرب الحديث. عجبنا كيف تكاثرت هذه المنازل على التل دون أن تندفع إلى الأسفل في اتجاه فناء المسجد. إلا أن هذه المنازل على تعددها تمكنت وبطريقة ما من إيجاد مساحة لتنغرس في التلة وتتشبث بها.
قضينا الليلة في شفشاون. وحيث إنه سبق لي أن كتبت بالفعل عن تلك المدينة الزرقاء الغامضة الرائعة في مدونة سابقة، فلن أصيبكم بالضجر من التكرار ولا يسعني إلا أن أدعو من لم يزرها بعد أن يذهب إلى هذا المكان للتجول والتمتع والتيه واستحضار الأحلام. يمكن قضاء بعض الوقت في استكشاف فناء أزرق عميق واحد تلو الآخر، أو تخيل التواريخ والمكائد التي يمكن لهذه الشوارع أن تكشف عنها، مثل الأحجار الرومانية في وليلي، لو أمكنها الحديث. ومن شرفة مقهى "كلوك" الجديد، شاهدنا أفول اليوم ونحن نحتسي كوكتيلات عصير الفواكه على أنغام فرقة كناوة. كانت تلك نهاية سحرية ليوم ممتع للغاية.
في اليوم الموالي، سافرنا إلى ليكسس، الأكروبول الروماني الوحيد في المغرب. انتقلنا خارج مدينة العرائش الرائعة، مرورا بنهر اللوكوس المتعرج. عبرنا أحواض الملح التي بقيت على حالها منذ قرون ومليئة بمياه البحر التي غمرتها عند كل مد وجزر، لينتهي بنا الحال أمام المدخل المهيب للموقع.
فعلى الرغم من أن فندق ليوبيوس لم يبق على حاله كما الشأن لوليلي، إلا أنه ما يزال يستحق الزيارة. فالحي الصناعي القديم والمسرح فريدان بطريقتهما الخاصة. في مكان ما أسفل النهر المتعرج ربما انتصب هناك في وقت من الأوقات ميناء بائد–لعل التنقيب الأركيولوجي يمكن أن يميط عنه اللثام! لكن الذاكرة التي بقيت عالقة في ذهني ليست تلاوة كلمات يوليوس قيصر في المسرح المتهاوي على أهميتها، أو التجول بين أنقاض المعبد، أو التساؤل عما كان يجول بخاطر الرومان عند بناء ليكسوس، بل ذلك المشهد الاستثنائي من أعلى التل.
فبسبب التعرجات الشاهقة من التل، التي ترتفع عن مستوى سطح البحر تقريبا بشكل عمودي إلى ما يقارب 100 متر، اضطر الرومان لإحضار المياه إلى البلدة في أعلى التل عبر قناة مائية بادت منذ أمد طويل. ومن قمة التل، تقدم ليكسوس أروع إطلالة بدرجة 360 على هذا الجزء من المغرب، حيث تهيمن بشكل كامل على المنطقة المحيطة، بما في ذلك البحر والوادي وسهول الفيضان النهرية – وبالتالي بات من السهل معرفة الدواعي المغرية للرومان باستخدام الأنهار كطرق.
وذكّرني هذا المشهد والآثار الممتدة بأن الرومان لم يكونوا مجرد عابري سبيل، بل، كما كان الشأن في المملكة المتحدة على الحدود الشمالية لإمبراطوريتهم المتعثرة، عاش الرومان وازدهروا في المغرب لبضعة قرون على هذه الحدود الجنوبية. ومجددا، أدركت على التو أن ما يجمعنا أوسع وأكثر مما يفرقنا.
*السفير البريطاني بالمغرب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.