رغم الأجواء الممطرة، استقبل ضريح الشيخ الهادي بنعيسى، دفين مدينة مكناس، الآلاف من الزوار، منهم مريدو الطريقة العيساوية على الخصوص، والذين توافدوا عليه، من كل حدب وصوب، لأجل إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف، التي انطلقت أمس الثلاثاء وتواصلت اليوم الأربعاء في حضرة صاحب هذا الضريح المعروف بالشيخ الكامل. وتحمل الكثير من المريدين قطع مسافات طويلة، وآخرون تحدوا كبر سنهم أو الإعاقة أو المرض لحضور طقوس الجذبة العيساوية؛ لعل ذلك يخفف من معاناتهم الدنيوية، حاملين معهم هدايا إلى هذا الشيخ دفين قبره منذ أزيد من خمسة قرون. ويبقى كل شيء مباحا داخل ضريح الهادي بنعيسى إلا التصوير الذي يعتبره المشرفون على تنظيم المزار عدوا لدودا يمس بالمشاعر الخاصة بالمريد والزائر، إذ لا يتم التسامح إطلاقا مع استعمال آلة التصوير أو كاميرا الهاتف المحمول لتوثيق ما يجري داخل الضريح. طقوس أغرب من الخيال تحول، أمس الثلاثاء، الموافق لإحياء ذكرى عيد المولد النبوي الشريف، باب اجديد، المقابل لضريح الشيخ الكامل، إلى ساحة لالتقاء مريدي الطريقة العيساوية وزوار هذا الضريح من مختلف مناطق المغرب، قبل انطلاقهم حفاة نحو مقر الضريح، في لباس أبيض فاتح، لالتماس بركة هذا الولي الصالح وهم منغمسون في طقوس الجذبة، لا يريدون أن يستفيقوا من نشوتها. "الناس تأتي إلى ضريح الشيخ الكامل طالبة بركة هذا الولي الصالح، منهم من يطلب البنين، وآخرون يلتمسون الصحة والعافية والشفاء من أمراضهم. كما أن الفتيات يزورون الضريح طلبا للزواج"، يقول محمد بنسلام، أحد المتشبعين بالطريقة العيساوية، والذي ذكر لهسبريس أنه دأب منذ أزيد من 15 سنة على زيارة ضريح الإمام الهادي بنعيسى انطلاقا من مدينة سيدي سليمان. وما يميز طقوس هذا التقليد القديم، الذي يعيش على إيقاعه ضريح الشيخ الهادي بنعيسى، توجه الطوائف العيساوية نحو مقر ضريح الشيخ الكامل في جماعات على إيقاع "الغيطة" والطبل، وهم يرددون اسم الجلالة "الله"، ويضربون على صدورهم في انتظام، وما إن يقتربوا من الضريح حتى يطلقوا سيقانهم للريح، ويلوذون إلى داخله لينغمسوا هناك في طقوس أخرى. زوار من كل حدب وصوب رغم أن الأمطار واصلت تساقطها بمدينة مكناس يوم ذكرى عيد المولد النبوي الشريف، إلا أن ذلك لم ينقص من وهج الإقبال على ضريح الشيخ الهادي بنعيسى، حيث اضطرت عناصر الأمن والقوات المساعدة، التي أشرفت على تنظيم زيارة مقر الضريح، مرارا، كما عاينت ذلك هسبريس، إلى وقف الدخول إليه، إذ اضطر المئات من الزوار إلى الانتظار لساعات طويلة، تحت التساقطات المطرية، قبل أن يتمكنوا من تحقيق رغبتهم. ولا يقتصر الإقبال بهذه المناسبة على ضريح الشيخ الكامل من طرف ساكنة مدينة مكناس وضواحيها، بل يشكل هذا الضريح مزارا من مناطق بعيدة، كما هو الشأن بالنسبة لفرقة "الغيطة العيساوية" من دوار القلعية ضواحي طنجة، التي أكد رئيسها عبد القادر الخضراوي لهبرسيس مازحا أن فرقته تستطيع إيقاظ "لالة عيشة" من مرقدها، مضيفا: قائلا: "نحن نطرد الجن بفننا الجميل..نحن عيساوة ونستطيع إدخال محبينا في الجذبة، فترتاح نفوسهم بعد أن يستفيقوا منها". مصطفى البقالي، الذي قاطع زميله المقدم الخضراوي، أكد، من جانبه للجريدة أن فرقته تقدم بمناسبة إحياء ذكرى عيد المولد النبوي بضريح الشيخ الكامل التراث الجبلي والذكر والتراث المشيشي، مؤكدا أن الأجواء الممطرة، التي خيمت على مدينة مكناس، منعت الطوائف والفرق العيساوية من أحياء هذه المناسبة في أحسن الظروف. وفي غمرة هذه الأجواء استغل فرع مكناس للمنظمة الإفريقية لمكافحة داء السيدا التوافد الكثيف على ضريح الشيخ الكامل لتنظيم قافلة متنقلة للكشف عن الأمراض الجنسية بالمكان، وهو الكشف الذي أكد نجيب الذهبي، المسؤول عن هذه القافلة، لهسبريس، أنه يتم في سرية تامة، ويعرف إقبالا مهما من طرف الزوار. من الشيخ الكامل إلى سيدي علي بنحمدوش انطلقت، اليوم الأربعاء، الطلائع الأولى من ضريح الشيخ الكامل قاصدة ضريح سيدي علي بنحمدوش، الكائن بقرية المغاصيين ضواحي مدينة مكناس، لينطلق من هناك فصل ثان من الطقوس أكثر غرابة، خصوصا ذلك الذي يقيمه المثليون الذين يعتقدون بكونهم أبناء "لالة عيشة" التي يقولون إن قبرها متواجد قرب ضريح سيدي علي بنحمدوش. وإذا كان إحياء موسم سيدي علي بنحمدوش معروفا أكثر بتوافد المثليين وطقوس السحر والشعوذة، فإن مريدي الزاوية الحمدوشية ما فتئوا يؤكدون أن هذه الطقوس لا علاقة لها بسيدي علي بنحمدوش، معتبرين أن إحياء موسمه هو مناسبة للذكر والتقرب إلى الله. وعلمت هسبريس أن مصالح الدرك الملكي، وكما كان عليه الأمر خلال السنوات الماضية، ترابط بمداخل ضريح سيدي علي بنحمدوش بغية الحد من توافد المثليين على قرية المغاصيين لإحياء طقوسهم الخاصة التي كانت تقام في ما مضى علنا.