المصالح التجارية الجمركية بسبتة و مليلية المحتلتين في صلب مواجهة مغربية إسبانية جديدة    زلزال الحوز: القيمة الإجمالية للدعم والمساعدة تجاوزت 6.6 مليار درهم.. وأكثر من 46 ألف أسرة استكملت بناء منازلها    رفض تصفية "وكالة التنمية الاجتماعية" واتهامات بتحويلها لأداة حزبية    مندوبية التخطيط تتوقع نموا اقتصاديا في الفصل الثالث من 2025    أسعار النفط تسجل ارتفاعا طفيفا في الأسواق العالمية    إسبانيا تدعو لتعليق الشراكة "فورا" بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل    الدار البيضاء.. السكوري يدعو إلى إصلاح مدونة الشغل بما يتلاءم مع التحولات المجتمعية والاقتصادية    لقجع يكشف تفاصيل "مؤسسة المغرب 2030" استعداداً لكأس العالم    ماركا الإسبانية: سانتياغو برنابيو سيحتضن نهائي كأس العالم 2030    توقيف سارق السيارات بسلا    النيابة العامة تكشف تلاعبات صفقة النظافة وتلتمس إدانة البدراوي وكريمين    الوادي السعيد... حزينٌ على أهله!    احتجاجات آيت بوكماز تجدد المطالب برفع التهميش والإقصاء عن المناطق الجبلية    كلمة السر في فهم دورة العمران و عدوى التنمية بشرق أسيا..    باحثون بريطانيون يطورون دواء يؤخر الإصابة بداء السكري من النوع الأول    أشرف حكيمي: لم أختر الرحيل عن ريال مدريد وسعيد بثقة باريس سان جيرمان    رسميا الهلال السعودي يضم ثيو هيرنانديز    التزوير والرشوة يطيحان بموظفين بتنغير    البيضاء تحتضن انطلاقة منتدى إفريقي حول البيانات الإدارية    اتفاقية شراكة بين العيون وأكادير لتعزيز ثقافة الصورة وتثمين القيم الوطنية بمناسبة الذكرى ال50 للمسيرة الخضراء        الدار البيضاء تحتضن أول لقاء دولي مخصص لفنون الطباعة المعاصرة الناشئة    وقفة احتجاجية أمام البرلمان بالرباط تنديدا بتجاهل أوضاع المتقاعدين    توقعات أحوال الطقس ليوم الجمعة        ممرضو طاطا يحتجون ضد التهميش والإهمال الإداري    تحذير رسمي لمؤسسة إسلامية في بريطانيا بسبب مقطع يدعم حماس    "ناسا" تنشر صوراً غير مسبوقة من داخل الغلاف الجوي للشمس    روسيا تعلن تدمير 155 طائرة مسيرة        تقرير للأمم المتحدة يظهر عدم وجود "علاقات نشطة" بين الدولة السورية وتنظيم القاعدة    المغرب يعزز حضوره الدولي في مجال النقل الحديث عبر المشاركة في المؤتمر العالمي للسكك فائقة السرعة ببكين    الكاف يفتح تحقيقا بشأن انتهاكات المنتخب النسوي الجزائري ب"كان" السيدات بالمغرب    مداهمة مكاتب "نستله" بسبب تحقيقات في إنتاج المياه المعبأة    فتح الله ولعلو في حوار مع صحيفة "الشعب اليومية" الصينية: المغرب والصين يبنيان جسرًا للتنمية المشتركة    تصنيف فيفا.. المنتخب المغربي يحافظ على مركزه ال12 عالميا والأول إفريقيا    فضيحة تهز أركان حزب الأحرار بطنجة        الإنسانية تُدفن تحت ركام غزة .. 82 شهيدًا خلال 24 ساعة    نوستالجيا مغربية تعيد الروح إلى شالة في موسم جديد من الاحتفاء بالذاكرة    في ضيافة أكاديمية المملكة .. مانزاري تقرأ الأدب بالتحليل النفسي والترجمة        توزيع جوائز الدورة الرابعة للسباق الدولي للزوارق الشراعية بشاطئ الدالية    عدد المستفيدين من برنامج دعم السكن بلغ 55 ألفا و512    الحكومة تصادق على مشروع قانون لحماية الحيوانات الضالة والوقاية من أخطارها    لطيفة رأفت تحيي جولة صيفية في مختلف جهات المملكة المغربية    «إصلاحات تعليم عالٍ... أم ارتجال مؤسساتي؟»    السجال السياسي‮ ‬بين‮ ‬«يوتيوب» وخامنئي!‮‬ 2    الحكومة تصادق على قانون لحماية الحيوانات الضالة ومواجهة أخطارها    دراسة ترصد أمراض البشر منذ 37 ألف عام وأقدم طاعون في التاريخ    دراسة كندية: التمارين المائية تخفف آلام الظهر المزمنة    "غي -تا" تكشف عن ملامح عملها الفني الجديد "كروا غوج"    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المخزن في الزجل الشعبي
نشر في هسبريس يوم 27 - 01 - 2019


(1)
الزجل إبداع مغربي
تتجلى أهمية الزجل في كون إبداعا صادقا، يشكل ركنا من الإبداع الشعبي، يحكي عن اليومي والمعاناة والأفراح، هذا إلى جاني ضروب أخرى من الإبداع، قصة وشعر فصيح ونكتة وموسيقى ...، ويبقى الزجل متميزا بكونه يقوم على معجم عامي.
يمكن الجزم، أن المغاربة برعوا كثيرا في مجال النظم. ومرد هذا الأمر، في نظري، لأسباب كثيرة، منها طبيعة حياتهم، والمعاش اليومي، والمعاناة، والقهر، وتصاريف الحياة، والقحط والأمراض والأوبئة ... حيث قضوا جلها في الحروب و مقاومة الدخيل الأجنبي. ثم الاختلاط بذلك الأجنبي، خاصة القبائل العربية (بنو معقل وبنو هلال)، التي توافدت على المنطقة و استقرت بمختلف أنحاء المغرب. وقد كانت تقول شعرا عن سليقة. وهو ما عرف في شرق المغرب بظاهرة"الﯖوَالة" (عند قبائل السجع و بني ﯕيل). فتجد الرجل يرتجل شعرا زجلا، أو ما يعرف بالبدوي، وفق ظرف معين، أو لحظة يعبر فيها عن فرح أو معاناة أو مصيبة. أو هجاء و غزل. ينظمون في مختلف ضروب الشعر. والكثير من هذه القصائد كان يغنى في الأعراس و لا يزال كذلك. لكن الكثير منها ضاع و لم يتم حفظه. بسبب وفاة الشعراء الﯖوَالة أو ارتحال القبيلة أو منع أو عدم تدوينها، أو ما شابه ذلك من الظروف التي تجعل التراث الشفهي يتعرض للبتر والتحريف و الحذف، وهي ظاهرة عرفها الشعر عامة في مختلف الأزمان.
هكذا برز العديد من الشعراء جابوا البلاد و قالوا شعرا في المواسم والحلقات و عبروا عن هموم وأفراح الناس. وهذه هي أهم ميزات الشعر الشعبي الشفهي، فهو منبع للتعبير عن أحاسيس الجماعة وتدوين تاريخها المسكوت عنه. هذا هو مجال تأثير الثقافة الشعبية في الثقافة السياسية و التواصل بينهما. فالثقافة السياسية تعمل جاهدة لأجل إلغاء منافستها دون أن تتمكن من ذلك، لأنه لا يمكن سلب الشعب ذاكرته. هكذا حملت الذاكرة الجماعية العديد من القصائد يجهل أصحابها، لأنها إبداع جماعي، أو لشعراء معروفين عاشوا في عهد قريب، وتم حفظ أشعارهم عبر أغاني لا يمكن أن تنمحي أو يطالها النسيان. لقد احتفظت الذاكرة الشعبية بالكثير من الأشعار، تحكي زمن الاستعمار و القياد. وهي إما تصف المعاناة أو محاباة بعض القياد الذين سجلت الذاكرة الشعبية خيانتهم وتواطؤهم مع المستعمر. فالمغاربة لا يمكن أن ينسوا حدثا مهما كانت أهميته ومصدره، بدليل أن الناس لازالوا إلى اليوم يضربون المثل بالعديد من الحوادث كان للمخزن حضور قوي فيها.
هكذا قمت بانتقاء بعض من هذه الأشعار تهم المخزن، حصرا للموضوع. أما ترتيبها فلم يخضع لأي خلفية، سوى أنها جميعها تتحدث عن المخزن وبعض شخصياته.
بمنطقة الريف، دفعت ظروف المجاعة و اضطهاد المخزن للأهالي إلى التجنيد في صفوف الإسبان، كما هو الشأن بالنسبة للمجتمع المغربي برمته، عندما حارب العديد من المغاربة إلى جانب فرنسا، وهم يتقاضون الآن، تعويضات مالية عن السنوات التي أمضوها في "لاندوشين". ومن المغاربة من أقدم على بيع أبنائه للجنود الأمريكان عندما حلوا بالمغرب ... وغيرها من الحوادث التي تحفل بها الذاكرة الشعبية الجماعية، ويتم استحضارها، مثل الحديث عن "عام الجوع" و "الميريكان" و "ساليﯖان" و "عام البون" و"الكوليرا"...
هذه المعاناة ترجمها سكان الريف على شكل قصائد و حكايات و رسوم على الزرابي أو وشم على الجسد.
ما جاء في باب معاناة أهل الريف بين المخزن والإسبان
أثمغارث ؤ بوليس ترزا فوذ ذي تاسا
تقاز إيرني ذي العوض مبطاطا (1)
ومعنى هذين البيتين بالعربية هو: "تلك هي زوجة الجندي التي غرست ركبتيها في الحفرة تقوم بالبحث عن ثمار الدغفول بدل عوض استخراج البطاطس المفقود.
والله ماداش سمحغ أيا باب إيمندي
تميجا ينو توحرش إسحرشيث أويرن (2)
ومعناه، لن أغفر لك يا مالك الشعير لأن حنجرتي تأذت بمرارة الدغفول.
إيكعد أبوليس إيكعد إينط
ييود كيلو ندر يتشيث أوفرتو (3)
مثل هذه الأشعار كثيرة بالمنطقة، تروي معاناتهم و تحاول تبرير الانضمام للجندية الإسبانية، أي إلى صفوف العدو، ليس ضد المغرب طبعا، لأن المقاومة الريفية سوف تثبت قوتها مع الشريف أمزيان و محمد بن عبد الكريم الخطابي، وفي نفس الآن مقاومة المخزن، الذي ظلت ناره تلفح جلود المغاربة والريفيين بالخصوص. يمكن هنا استعراض بعض من هذه المواقف التي خلدتها الذاكرة الشعبية الشفهية، على شكل أشعار يتم غناؤها في مناسبات، في الغالب تكون محدودة، لأن الثقافة السياسية السائدة تحاصرها و تمنعها من العلن، ومع ذلك فهي تستمر داخل الأعراس و المواسم والأفراح، فتنتقل عبر الغناء وترتحل من مكان لآخر، وهذه ميزة كل إنتاج شعبي، فهو ينتقل بسهولة في غياب وسيلة لذلك.
ما جاء في باب المجاعة و صهد المخزن
عندما سلب الاستعمار الفرنسي مؤونة المغاربة، ليطعم جنده إبان الحرب العالمية الثانية، ولم يبد المخزن أي ردة فعل، بسبب تواطئه، قال المغاربة:
آ القوم الجايا ورانا،
لهلا يبليكم ما ابلانا.
برد القبلة و المخزن جلانا.
الخزان يخزن التبن و أما الشعير،
من بغداد جانا
ظل المغاربة يعتمدون في معاشهم على ما تجود به الأرض، فهم متعلقون بالموسم الفلاحي والتساقطات المطرية، لأن الموسم الفلاحي، من بدايته حتى جمع المحصول(نبدو)، ظل يتميز بممارسة العديد من الطقوس والعادات، التي تؤكد ذلك الارتباط القوي بالأرض، ونهاية الموسم الفلاحي هي التي تملي على المغاربة ما سوف ينجزونه من مهام تمس حياتهم اليومية، من زواج وسفر وتحسين لظروف معيشتهم. والأبيات الشعرية تصور هذا الارتباط وما كان يفعله المخزن بهم. المخزن كان يسلبهم محصول السنة من حبوب وثمار. فهم يقارنون بينه وبين برد القبلة، لأن أخشى ما يخشاه الفلاح هو "برد القبلة"، أي الرياح التي تهب من جهة القبلة، إذ تقضي على الزرع وهو لا يزال في بدايات نموه، ينضاف إلى هذا الهم، تسلط المخزن الذي يستولي على المحصول. وهو ذات السياق الذي تتناوله الأبيات التالية:
من كلام الغيوان:
المحراث والسكة يتسناو قدومك** زاغ كلامك وفضح عمولك
الزرع ف لمطامر معامن داوي** دير جهدك أخويا أو فك كبالي
من كلام لشاعر مجهول:
بلادي يا بلادي الحبيبة ** غرسونا الكاليبتوس وقطعونا الكسيبة
تبدو الكلمات بسيطة لا تحمل صورة أو بلاغة، إلا أنها تختزل شعورا وإحساسا بالقهر والظلم. هناك حب الوطن/لبلاد و ما أقدمت عليه يد المخزن من سياسة فلاحية لم تراع هموم الفلاحين وحاجياتهم، فاقتلعت أشجارهم المثمرة التي غرسوه لعقود، وقد توارثها الأحفاد عن الأجداد وقضت على ماشيتهم. هذان البيتان اللذان يتغنى بهما، يختزلان سياسة الدولة/المخزن في المجال القروي.
وهناك الأشعار التي اتخذت شكل النصيحة والوعظ والحكمة، فجاءت في صيغة أمثال و أقوال، لكنها مقفاة مثل الكلام الموزون، ويمكن تصنيفها حسب الأغراض كالتالي:
ما جاء في باب الصمت:
راح ذاك الزمان وناسو
وجا هذا الزمان بفاسو
كل من يتكلم بالحق كسروا لو راسو
الصمت كي الذهب المشجر
و الكلام كيفسد لمسايل
الصحبة إذا شفت
و إلى سولوك قول لا لا
+++++
كل مهْضار مسوس،
يجيب الهلاك لراسو،
يستاهل ضربه بموس حتى يبانوا أضراسو
خطاب الصمت هنا، و الذي سنعرض له لاحقا في الأمثال الشعبية، هو بالأساس جوهر الثقافة المخزنية التي يتم غرسها في البنية الاجتماعية المغربية، والتوكيد على ما للصمت من فضائل، بحيث أن قيمته تضاهي قيمة الذهب النفيس، أما الكلام وإن كان بالحق، فهو طريق الهلاك. من هنا ظلت الثقافة الشعبية على مستوى الإبداع الشفهي، تنتج العديد من الأشعار والأمثال والأقوال التي تذكي هذا النوع من الخطاب، الذي يعمل على جعل الفرد يبتعد عن الجهر بالحقيقة والاستفادة من التزام الصمت ضمانا لسلامته، لأن إبداء الرأي أو تحريض الآخرين عليه هو مجازفة ومعارضة للمخزن. (يتبع)
الهوامش:
1- مصطفى الغديري: الحرب الأهلية الإسبانية (19361939) من خلال الشعر الأمازيغي بالريف (مقالة في كتاب سؤال الأمازيغية: البناء، النظرية. إعداد بلقاسم جطاري. منشورات كلية الاداب و العلوم الإنسانية وجدة. رقم 39/2000ص43-63
2- نفسه.
3- نفسه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.