منذ أن بدأ حزب العدالة والتنمية الاشتغال في الحقل السياسي، وهو لا يتوان في تفويت التاريخ المشترك للأمة إلى حسابه الخاص، ولا يتورع عن خوصصة المقدس والاستحواذ عليه؛ فيتحدث عن عمر بن الخطاب وكأنه كاتب جهوي في حزبه "العتيد"، وعن أبي ذر الغفاري وكأنه مسؤول كبير في نقابته "الرائدة"، ويتحدث عن معاركه الانتخابية "الطاهرة" وكأنها جزء من الفتوحات الإسلامية؛ لذا كان من المفروض عليه أن لا يستغرب من حجم الحملة الشرسة التي يتعرض إليها، كلما انفجرت في وجهه قنابل الفضائح الأخلاقية، وكلما طفت على السطح غزواته الجنسية "المباركة"، سواء كانت على شاطئ البحر قُبيل الفجر، أو عشاء في شوارع باريس قرب "الطاحونة الحمراء"، أو في كاتدرائية "القلب المقدس" بمعية حبيب القلب، هذا في انتظار البقية. إن الاختباء وراء ما أجمع عليه المغاربة عبر قرون من الزمن، قد استفحل داؤه يوما بعد يوم، وتعاظم شأنه محطة تلو أخرى، فبات الساكت عنه كالشيطان الأخرس، خصوصا حينما صار قياديو العدالة والتنمية يتعمدون الإساءة لجلالة الملك، في قنوات إعلامية يدفع ثمن تمويلها الشعب المحب لجلالته، حيث صرح القيادي في حزب العدالة والتنمية السيد عبد العزيز العماري عمدة الدارالبيضاء، ووزير سابق، في برنامج تلفزي جوابا عن سؤال المعاش الاستثنائي لبنكيران، بأن على الشعب أن يُوَقر الملك؛ لأنه هو من أمر بهذا المعاش، بمعنى أن الشعب إذا أراد أن يلوم بنكيران، فجلالة الملك هو أولى باللوم، وهي الشماعة التي ظل جُل قياديي العدالة والتنمية يعلقون عليها نزواتهم البغيضة، ويلمعون بها خيباتهم المشينة، وصاروا يختبئون وراءها حينما أعوزتهم الحجة، واختلفت معهم الفضيلة في الميعاد. إن هذه المحاولة البئيسة، والدنيئة في نفس الوقت، في توريط المؤسسة الملكية مع الشعب، تتلاشى مثلما يتلاشى الظلام الحالك مع بزوغ نور الشمس، بمجرد أن نلقي نظرة خاطفة للسنة النبوية العطرة، والتي هي مفتاح لكل خير، ومِغلاق لكل شر، وهي مقياسٌ لكل صواب وخطأ. لقد جاء في صحيح البخاري ومسلم، عن أُمِّ سَلَمةَ رضي اللَّه عنها: أَنَّ رَسُول اللَّه قَالَ: إِنَّمَا أَنَا بشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ؛ فأَقْضِي لَهُ بِنحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بحَقِّ أَخِيهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّار. إذا كان المغاربة مجمعون على أن بنكيران؛ الذي بملايين التعويضات يوم كان رئيسا للحكومة بالكاد أصلح "الصالون والكوزينة وبيت النعاس"؛ هو شيخ البكّائين وعميد المتسولين، وزعيم المدّعين بفاقته وفقره وحاجته، وإذا كان الشعب لا يشك ولو للحظة واحدة، بأنه عليم اللسان، وبأنه ألحن بحجته من غيره، فمن البديهي أن يكون ما قُسّم له من معاش استثنائي، إنما هو قطعة من النار يجعلها في بطنه وفي بطون أبنائه.