قال أحمد الشراك، أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب ظهر المهراز بفاس، إن سلوكيات قيادات في التيارات الإسلامية "انتصرت لقيم الحداثة رغم زعم أهلها المحافظة، والتشبث بها، والانتصار لما هو ماضوي انطلاقا من قراءات خاصة". وأضاف عالم الاجتماع المغربي، في سياق حديثه أمس الأحد بقاعة ابن ميمون برواق وزارة الثقافة والاتصال بالمعرض الدولي للنشر والكتاب في دورته الخامسة والعشرين، أن "قياديين في حزب إسلامي انتصروا لقيم الحداثة، والسفور بدل الحجاب، والجنس الرضائي بعيدا عن المؤسسات"، وزاد موضّحا أن اهتمامه بهذا الأمر مردّه إلى "تكرّر هذه الأفعال في الجهازين التنفيذي والتشريعي، وفي المؤسسات الإيديولوجية، أو ما يسمى بالجناح الدعوي". ونفى الشراك الانتماء إلى الخطاب الذي يسم هذه الأفعال بالنفاق، وبيّن أن تكرر السلوكيات، بعيدا عن السجالات الإيديولوجية والإعلامية، هو ما دفعه إلى البحث فيها، مضيفا أن "جاذبية الحداثة باراديغم كوني لا يمكن الانفلات منه، وله تأثير قوي على مستوى السلوك الإنساني والقيم الجمالية والعمرانية وأنماط التحديث"، رغم الانتماء إلى قيم وسلوكيات أخرى. ويرى المتحدّث أن هذه التحولات إيجابية لا سلبية، وأنه بفعل الزمن ستتطور وتتفاعل وتدفع الكثيرين من أصحاب الخطاب الإيديولوجي والإيديو-ديني إلى إعادة النظر في مواقفهم، مذكّرا بكيفية رؤية فاعلين إسلاميين للممارسة الجنسية الرضائية من قبل كفعل "لا يمكن حتى التفكير فيه، واعتبارهم الحجاب ركنا سادسا للإسلام، ثم تراجعهم عن مواقفهم وحديثهم عن الحريات الشخصية، وتململهم إلى خطاب جديد". وعبّر الشراك عن رؤيته أن "الربيع العربي قد استوعب كل النخب ولم تستوعبه هي"، مضيفا أن "الشعوب مثلها مثل الجسد لا تنسى الأحداث التي مرت بها في زمن منظور أو زمن بعيد"، وأن سيرورة المجتمع "تتجه إلى الحداثة والتقدم دون نفي بالقوة لقيم التدين، التي هي حقوق روحية وحقوق إنسانية كونية، تكون الطامة الكبرى عند استغلالها في السياسة". ومن بين النتائج الثقافية الأساسية للربيع العربي، حسب المتحدّث، "التعرض لمجموعة من القضايا التي ظلت مسكوتا عنها ردحا من الزمن، وطرحها في النقاش العمومي رغم تنكر البعض لفعاليتها وحمل كل منها محتوى ورؤية وأطروحة، لأن المساواةَ مساواةٌ بين الجنسين وبين الناس". ما يصطلح عليه ب"الربيع العربي"، قام على قيم هي "الكرامة والعدالة والمساواة والوحدة والحريّة"، وهي قيم "كان يصدح بها الشباب وما يزالون يصدحون بها"، بحسب الأكاديمي المغربي الذي دافع عن "الاستمرارية النقدية للربيع العربي، الذي هو في شباب دائم من حيث الحركة الاحتجاجية، لا بناء الدولة". ويرى عبد الرحيم العطري، أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب فاس سايس، "أننا في حاجة إلى عيون ثلاث، عين العقل وعين العدل وعين العمل"، واصفا السياق الذي نعيش فيه اليوم ب"سياق المزيد". وقال العطري: "إننا ننتمي إلى حضارة المزيد والأجود والأعلى والأغلى ثمنا"، وإن "كل شيء يحيل إلى سياق المزيد؛ المزيد من التفكيك والسيولة، والمزيد من تفكك الرابط الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية والمؤسسات الاجتماعية، والمزيد من السخط لغياب عين العدل والعمل، والمزيد من العنف". سياق المزيد هذا، بحسب العطري، "قادنا إلى التحول إلى كائنات تقنية تريد المزيد من التقنية، وتسير في المزيد من الصراع حول السلطة والدين والثروة، وصراع من يتملك حق الكلام باسم السماء، وحول من يملك الثروة والأرض، ومن يملك المجال العام، ومن يمكنه صناعة القرار وتملّك وسائل الإكراه في المجتمع". وتحدّث الأكاديمي ذاته عن "التحوّلات منذ ثمانينات القرن الماضي وصولا إلى المغرب الراهن، ومنذ تحفيزِ التغييرِ إيديولوجيا التغيير، ومساهمته في تغيير المخيال الجماعي والمشترك الاجتماعي، وصولا إلى التغيير الديموغرافي وتغيّر السلوك الإنجابي للمغاربة، وتدخل الدولة، أي مخزنة المجتمع عند عالم الاجتماع المغربي محمد جسوس، وتنقيد العلاقات الاجتماعية حتى أفرزت النقود قيما وسلوكات معينة". وشارك العطري جمهور معرض الكتاب فرضياته حول مستقبل المغرب، من "فرضية عسر الانتقال بانفتاح المستقبل على بلوكاج ومنطق إعادة التدوير"، إلى فرضية "سيرورة المزيد من التذرير بالتحوّل إلى ذرات مختلفة والمزيد من الصراع حول القيم والدين والتقنية والمزيد من السيولة، بمفهوم زيغمونت باومان"، ففرضية "الوصول إلى مشروع مجتمعي يتأسس على تملك المجال العام وتعدد السلط بعينِ العمل والعدل عبر التنوير والتغيير في الممارسات والقناعات والمقاربات المتكلسة والتحرير"، وهو ما سيقودنا إلى "المجتمع الحداثي الديمقراطي بمساعدة المدرسة والإعلام".