ارتفاع حركة المسافرين بمطار الحسيمة بنسبة 19% خلال الأشهر الخمسة الأولى من 2025    وزيرة ثقافة فرنسا تزور جناح المغرب في مهرجان "كان" السينمائي    توقيف شخصين بفاس والبيضاء بشبهة حيازة وترويج المخدرات والمؤثرات العقلية    "حماة الوطن عيون لا تنام".. شريط فيديو يستعرض دور الأمن الوطني في حماية الوطن والمواطنين (فيديو)    تقرير رسمي.. بايدن مصاب بسرطان البروستاتا "العنيف" مع انتشار للعظام    نهائي "كان" أقل من 20 سنة.. المغرب يخسر أمام جنوب إفريقيا بهدف دون رد    جنوب إفريقيا تحرم "أشبال الأطلس" من التتويج وتخطف لقب كأس إفريقيا للشباب    إسرائيل تدعي جلب "الأرشيف السوري" لأشهر جواسيسها بدمشق    إسبانيا تدين تصاعد العدوان الإسرائيلي بغزة    اتحاد يعقوب المنصور يحقق إنجازا تاريخيا بالصعود للقسم الأول لأول مرة    ملتقى طنجة يدعو إلى فلاحة ذكية وترشيد مياه السقي بجهة الشمال    جنوب إفريقيا تنجح في هزم المغرب والفوز بكأس إفريقيا لأقل من 20 سنة    أسعار الفواكه الموسمية تلتهب في الأسواق الوطنية والناظور تسجل أرقاما قياسية    انقلاب حافلة محملة بكمية كبيرة من مخدر الشيرا (صور)    الجواز المغربي في المرتبة 67 عالميا.. وهذه قائمة الدول التي يمكن دخولها    ابتداء من 25 مليون.. فرصة ذهبية لامتلاك سكن بمواصفات عالية في الناظور    إحباط محاولات اقتحام جماعية لمدينة سبتة    أنظمة مراقبة تتعطل بمطار "أورلي"    الجيش يبصم على إنجاز في كرة اليد    عروض تفضيلية لموظفي الأمن الوطني لشراء السيارات بموجب اتفاقية جديدة مع رونو المغرب    مزراوي يكشف سر نجاحه مع مانشستر    من المغرب.. مغادرة أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة"    أخنوش يمثل أمير المؤمنين جلالة الملك في حفل التنصيب الرسمي للبابا ليو الرابع عشر    المغرب يعيد فتح سفارته في سوريا.. نظام أحمد الشرع يستعد للاعتراف بمغربية الصحراء    الوداد يرفض التعاقد مع ميندي وبيدرو في "الميركاتو" الصيفي    مع انطلاق مهامه رسميا ...بابا الفاتيكان الجديد يبدأ بانتقاد تجاوزات النظام الرأسمالي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    حموشي يوقع اتفاقية مع "رونو المغرب" لتوفير عروض تفضيلية لموظفي الأمن    في عرض افتتاحي حالم إحياء جمال الروح في لحظة واحدة    الحسيمة تحتضن مؤتمرًا دوليًا حول الذكاء الاصطناعي والرياضيات التطبيقية    المنظمة المغربية لحقوق الإنسان تنتخب مكتبها التنفيذي    بركة: الحكومة لم تحقق وعد "مليون منصب شغل" في الآجال المحددة    كلمة عبد الجبار الرشيدي رئيس المجلس الوطني لحزب الاستقلال خلال انعقاد دورته العادية الثانية    انتخاب المغرب على رأس شبكة هيئات الوقاية من الفساد    معين الشعباني:نهضة بركان قادر على خلط أوراق "سيمبا" في مباراة الإياب    مسؤول أمني: المديرية العامة للأمن الوطني تشجع على الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي لمواجهة التحديات الأمنية المتزايدة    "الزنزانة 10" تحذر من تجاهل المطالب    في سابقة خطيرة..مطالب بطرد المهاجرين القانونيين من أوروبا    الجديدة : انطلاق تصوير الفيلم الجديد ''ياقوت بين الحياة والموت'' للمخرج المصطفى بنوقاص    الهابيتوس عند بيار بورديو بين اعادة انتاج الاجتماعي ورأس المال الثقافي    رقمنة القوة: دور الشركات الكبرى في السياسة الدولية    القنصلية المغربية تقرّب خدماتها من الجالية في وسط إسبانيا    سوريا.. تشكيل هيئتين للعدالة الانتقالية والمفقودين ل"جبر الضرر الواقع على الضحايا    التوصيات الرئيسية في طب الأمراض المعدية بالمغرب كما أعدتهم الجمعية المغربية لمكافحة الأمراض المعدية    متحف أمريكي يُعيد إلى الصين كنوزاً تاريخية نادرة من عصر الممالك المتحاربة    مأساة في نيويورك بعد اصطدام سفينة مكسيكية بجسر بروكلين تُسفر عن قتلى وجرحى    زيارة إلى تمصلوحت: حيث تتجاور الأرواح الطيبة ويعانق التاريخ التسامح    من الريف إلى الصحراء .. بوصوف يواكب "تمغربيت" بالثقافة والتاريخ    تنظيم الدورة الثالثة عشرة للمهرجان الدولي "ماطا" للفروسية من 23 إلى 25 ماي الجاري    ندوة ترسي جسور الإعلام والتراث    بعد منشور "طنجة نيوز".. تدخل عاجل للسلطات بمالاباطا واحتواء مأساة أطفال الشوارع    في طنجة حلول ذكية للكلاب الضالة.. وفي الناظور الفوضى تنبح في كل مكان    وزارة الصحة تنبه لتزايد نسبة انتشار ارتفاع ضغط الدم وسط المغاربة    بوحمرون يربك إسبانيا.. والمغرب في دائرة الاتهام    رحيل الرجولة في زمنٍ قد يكون لها معنى    بمناسبة سفر أول فوج منهم إلى الديار المقدسة ..أمير المؤمنين يدعو الحجاج المغاربة إلى التحلي بقيم الإسلام المثلى    فتوى تحرم استهلاك لحم الدجاج الصيني في موريتانيا    أمير المؤمنين يوجه رسالة سامية إلى الحجاج المغاربة برسم موسم الحج لسنة 1446 ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في أعمَالُ البلطة والبلطجة..!
نشر في هسبريس يوم 11 - 03 - 2019

البلطجة، أو البلطجيّة، أو البلطاجي، هذه الكلمة أصبحت اليوم تعني الشّخص الذي يقوم بأعمال الشّغب، واستعمال القوّة والعنف والهجوم الهمجيّ غير المبرّريْن، ومن ثمّ فهو مثير للفوضى، والشّغب، والتجنّي، والاعتداء بالضّرب، والتنكيل، والتعذيب، والقتل إن اقتضى الحال ذلك.
وقد أصبح هذا المصطلح يُقال ويُعاد ويُكرّر بإمعان على وجه الخصوص بعد ما أضحىَ يُنعتُ ب "الرّبيع العربي" الذي سرعان ما أصبح في عُرْف البعض، أو غدا، أو كاد أن يغدو، خريفاً شاحباً، حزيناً، كئيباً، رديئاً، مُدلهماً، وفي بعض الأحيان مُخيّباً للآمال حيث أمسينا نرى ونسمع فيضاً هائلاً من التعاليق، والمتابعات، والتساؤلات، والمداخلات التي تُنشر في مختلف الصّحف والمجلاّت، أو على أمواج الإذاعات والتلفزيون، وعبر سائر الوسائل الإعلامية السّمعية والبصرية، ووسائل التواصل الاجتماعي من فيسبوك، وتويتر وما أشبه حوله؛ إذ يلاحظ أنّ هذا المصطلح عاد للاستعمال بقوّة وأصبح يترىَ، ويُتداوَل، ويُكرَّر بشكلٍ ملفتٍ للنظر بيننا، منذ أن استُعمل بزخمٍ كبير في مصر على إثر التحرّكات الشعبية ذات الطابع الاجتماعي والسياسي والشعبي التي انطلقت يوم 25 يناير 2011.
هذه الكلمة عادت إلى الظهور من جديد في مناطق نائية، وفى أماكن أخرى غير بعيدة عنّا. استُعمِلت عرَضاً-ويا للعُجْب-كذلك حتى في الانتخابات التشريعية التي جرت في بعض البلدان العربية ضمن تعاليق بعض السّاسة، والسياسيين، ورجال السلطة، والحكّام والعسكريين، والمدنيين، والصحافييّن، والمُعلّقين، والمُتتبّعين، الذين قاموا بتغطياتٍ متواترة للصّراعات والسّباقات والمنافسات التي كانت محتدمة، والمظاهرات التي كانت متأججة وحامية الوطيس بين مختلف الفئات السياسية والنقابية وسواها من مكوّنات المجتمعات العربية متعدّدة المشارب والمذاهب.
أحداث لعبة كرة القدم!
الصّورة الحزينة، والمُؤلمة، والمُؤسفة، والرّديئة، والكئيبة، والمقيتة لمعاني هذا المُصطلح اللّعين، عكستها تصرّفات، ومشاكسات، ومناوشات، ومشاغبات، ومناغصات، ومواجهات، وأعمال البلطلجة، والبلاطجة، والبلطاجيين رأيناها بعد مسرح السياسة في عالم الرياضة كذلك بين فرق أجنبية في مختلف البلدان الأوروبية، وأصبحنا نراها اليوم في بلداننا، ولقد عشناها بالفعل على مرارة ومضض مؤخراً في المغرب في مباراة لكرة القدم بين فريقيْ الجيش الملكي والرجاء البيضاوي، أو ما يُطلق عليه ب "مباراة الكلاسيكو" المغربية، لحساب الجولة 19 من الدوري الاحترافي.
أحداث الشغب وصلت إلى المحاكم التي كانت قد متّعت بالسّراح المؤقت جميع معتقلي جماهير مشجّعي الرجاء القاصرين، بينما تمتّ محاكمة العديد من المشجّعين الراشدين.
جدير بالذكر أن مقابلة "كلاسيكو المغرب" بين فريقي الجيش الملكي والرجاء البيضاوي اختتمت على وقع "شغب" و"بلطجة" ترتب عنها اعتقال العشرات من جماهير الفريق الزائر، وإصابات في صفوف عناصر رجال الأمن.
هذه الصورة المؤلمة شاهدناها كذلك منذ مدّة في مدينة الحسيمة بعد مباراة جرت بين فريقيْ "الوداد البيضاوي" و"شباب الرّيف" في كرة القدم كذلك، هذه اللعبة التي قد تصبح في بلادنا أو كادت أن تُصبح (لعبة كرة العدَم، أو لعبة كرة الندَم، أو لعبة كرة الألَم، أو لعبة دهس البدَن!) نظراً لِمَا أصبح ينتج عنها، وخلالها، أو قبلها، أو بعدها من حماقات هوليغانيّة، همجيّة، سوقيّة، فوضويّة، طائشة، ساقطة، مُسفّة، هابطة لا تُحمد عقباها، بعيدة كلّ البُعد عن الرّوح الرياضية السّمحاء التي تُضرب بها ولها الأمثال.
ما حدث في المقابلتين السّالفتين وسواهما من المقابلات يطرح تساؤلات ضخمة، واستفسارات ملحّة لا بدّ أن نبحث عن إجابات شافية، ضافية، وعلاجات عاجلة حاسمة وناجعة لها، لأنها شكّلت بغير قليل من الخَجَل أمراً يُندىَ له الجبين حقّاً على مرأى ومسمع من الناس، والملأ، والمواطنين، والوافدين، والزّائرين، والسيّاح الأجانب، وأمام أنظار رجال حفظ الأمن، هذه الأحداث المؤسفة وضعت أمام أنظارنا مرّةً أخرى من جديد مصطلح البلطة، والبلطجة، والبلطاجييّن على المحكّ.
قبل ذلك تساءل البعضُ في المغرب وفي باقي البلدان العربية والمغاربية التي لم يكن فيها استعمال لهذه الكلمة بالذات في كتاباتهم، أو أحاديثهم اليومية قبل أحداث مصر، تساءل كثيرون عن معناها، وعن مغزاها ومدلولها الحقيقييْن، كما تساءلوا بالمناسبة عن بعض الكلمات الدخيلة الأخرى المُستعملة في العاميّة المصرية على وجه الخصوص التي ردّدتها، واستعملتها، وتداولتها، وكرّرتها الجموعُ الغفيرة الحاشدة خلال ريّاح التغييرات التي هبّت على بعض البلدان العربية وفي طليعتها مصر، إذ إنه من المعروف ومن نافلة القول إنّ هناك بالفعل العديد من الكلمات في العامّية المصريّة التي ترجع في أثلها إلى أصول غير عربية وفي مقدّمتها كلمات تركية واردة، ووافدة، ودخيلة استقرّت في اللسان المصري الدارج، منذ الوجود العثماني في أرض الكنانة، ومن الكلمات التي أصبحت أكثر شهرةً، وحضوراً، وانتشاراً، وتكراراً منذ ذلك الحراك الشعبي التاريخي كلمة البلطجة، أو البلطاجي، أو البلطجية على وجه الخصوص!
البلطة والبلطجة
كلمة "بلطاجي" (التي كانت موضوع التساؤل أو الاستفسار) معناها في الأصل هو (حامل البلطة)، والبلطة باللغة التركية تعني أداة حادّة للقطع، والبّتر، والضّرب كان يستعملها في الأصل الحرّاس أو مَنْ يُطلق عليهم في مصر "الشاويش"، وهي كلمة تركية الأصل كذلك، ومعناها الحارس الذي عادة ما يكون في خدمة "العُمدة" أو المأمور أو الحكمدار، والذي عادة ما يَحمل على كتفه بندقية كبيرة، ويرتدي معطفاً كبيراً سميكاً وطربوشاً مميّزاً يقيانه لفحة البرد القارص في الليالي الحالكات، يُسمّي عندهم "بالبالطو"، وكلمة المانطو (الفرنسية) أو البالطو كما ترى قريبة جدّا من كلمة "البلط" ومن "البلطاجي" كذلك.
و(البلطجية) عادة ما يكونون مأجورين للقيام بمثل هذه الأعمال الشّنيعة من اعتداءات، وتجاوزات، أيّ مرتزقة بمعنى أدقّ. ويقال إنّ النظام المصري استعملهم خلال الانتفاضات التي عرفتها مصر لفضّ المظاهرات المتكرّرة، والاحتجاجات الغاضبة التي جرت خلال ربيع "الثورة" (!) وخريفها كذلك! وقد أصبحت هذه الكلمة اليوم-كما أشرنا من قبل-تعني الشّخص الذي يقوم بأعمال الشّغب، واستعمال القوّة والعنف، والهجوم الهمجيّ غير المبرّريْن، ومن ثمّ فهو مثير للفوضى، والشغب، والتجنّي، والاعتداء بالضّرب، والتنكيل، والتعذيب، والقتل إن اقتضى الحال ذلك، وهكذا.
كلمات أخرى دخيلة
بالإضافة إلى كلمة "البلطاجي" تركية الأصل التي طفت على سطح الألسن، وثبج الأحداث بإمعان في السنوات الاخيرة، هناك كلمات أخرى من هذا القبيل يتمّ استعمالها، ولَوْكُها، وتكرارها يومياً في مصر وخارجها مثل الباشا، التي تُستعمل في معنى التوقير والتفخيم، وأصل هذه الكلمة هو "باش" أي الرأس، وهو لفظ تركي شاع استعماله كلقب يُمنح لكبار الضبّاط، والقادة وعليّة الأقوام، كما قيل إنّ هذه الكلمة قد تكون تنحدر من أصل فارسي، وهي مأخوذة من كلمة "باديشاه" وتعني العامل بأمر السّلطان والتزامه الطاعة الكاملة والولاء له، كما يُقال إنّها مكوّنة من شقّين إثنين، "بادي" التي تعني السّيد و"شاه" التي تعني الحاكم، أو الملك، أو السّلطان.
وهناك كلمة الأسطى أو الأسطه، ويقال إنّها تحريف ل (أستا)، وهي فارسية دخلت اللغة التركيّة والعربيّة، وتعني الأستاذ، كما قيل إنّها تعني في أصلها الصانع الحِرَفيّ الماهر.
وقيل عن أفندي إنها كلمة تركيّة من أصل يوناني استخدمها الأتراك منذ القرن الثالث عشر الميلادي، وكانت لقباً لرئيس الكتّاب ولقاضي إسطنبول.
وكلمة البازار مُستعملة في المغرب، وفي البلدان العربية بشكل واسع، بل إنها استقرّت، وانتشرت في بعض اللغات الأوربيّة كالإسبانية، والفرنسية وسواهما، وقيل إنّها كلمة فارسية الأصل دخلت اللغة التركيّة وتعني السّوق، أو الدكّان الذي تُباع فيه المنتوجات والمصنوعات التقليدية.
وكلمة أُودَة أو أُوضَه بالضاد، هي مُصطلح ينحدر من اللغة التركيّة كذلك يعني الغرفة.
وكانت كلمة أفندي لقباً للأمراء أنجال السلاطين، كما كانت كذلك لقباً لرؤساء الطوائف الدينيّة، والضباط، والموظفين.
وهناك كلمات أخرى معروفة ومنتشرة في العامية المصرية منها أفندم، وأجزخانة (التي تعني الصيدلية). وكلمة الهانم أو " الخانُم" التي تعني المرأة المحترمة. وكلمة "أبلة" التي تعني الأخت الكبرى في البيت، و"البشباشي" وهي رتبة في الجيش المصري كان يلقّب بها الزّعيم جمال عبد الناصر رحمه الله. وكلمة "السّمكري" وهو الشّخص الذي يصلح أنابيب، ومواسير، وقنوات، وميازيب المياه.
وكلمة "جام" التي تعني الكأس أو الكُوب، ومن ثمّ يأتي المعنى المُستعمَل والمُتداوَل الذي استقرّ في اللغة العربية عندما يُقال: "صَبَّ عليه جَامَ غضبه"، أيّ دلق عليه كأسَ غضبه. وكلمة "السّفرة" (بضمّ السّين) التي تعني مائدة يؤكل عليها وهي في الأصل طعام يُتّخذ للمسافر. وكلمة الحنطور التي تعني العربة التي يجرها حصان أو حصانان. وكلمة "المِكوَجي" وهو الشّخص الذي "يكوي" الثوب أو النسيج، أو الأقمشة، أو الألبسة على اختلافها ويُصلحها (ومن ثمّ كلمة "المصلوح" المُستعملة في العاميّة المغربية) ويجعلها خالية من الانكماشات.
وكلمة "القهوجي" المستعملة كذلك في الدارجة المغربية وفي عاميّات عربيّة أخرى، وهي كلمة مركبة من "قهوة" العربية و"جي" التركية العثمانية، وعلى شاكلتها (بوسطجي، وقومسيونجي، وقانونجي، وسفرجي...وسواها). وكلمة "كباب" وهو اللحم المشوي. و"الطاولة "وهي لعبة نرد المعروفة في تركيا ومصر والعالم أجمع اليوم. وكلمة "الحلّة" التي تعني "الطنجرة" في المغرب وفي بعض البلدان العربية الأخرى، إذ حسب تفسيرهم وتبريرهم سُمّيت كذلك لأنّ الطعامَ يحلّ فيها. وكلمة "عشماوي" التي تعني من يقوم بتنفيذ حكم الإعدام. وكلمة "حكمدار" وتعني حاكم الجهة أو المنطقة أو الناحية. ناهيك عن العديد من الكلمات الوفيرة الأخرى التي لا حصر ولا حدّ لها.
هل يُصلِحُ العَطّارُ ما أفسَدَهُ الدّهرُ؟
تساءل البعض عن الدّواء الناجع لهذه الظاهرة الغريبة للقضاء على شأفة هذه الآفة المخيفة التي استشرت في مجتمعاتنا، وانتشرت بيننا انتشار النار في الهشيم، فكيف السّبيل إلى ذلك؟ وهل يُصلِحُ العَطّارُ ما أفسَدَهُ الدّهرُ؟
وهنا تمثل أمام أنظارنا هذه الكلمة التي تطرّق إليها الحديث كذلك، وهي كلمة "العطّار"، وتجدر الإشارة في هذا القبيل إلى أنّ العطّار أو عطَّار اسم معروف ومُستعمل ومُتداوَل في مختلف البلدان منذ قديم الأزمان، وهو موجود على وجه التقريب في جميع البلدان العربية، وهناك العديد من الكتّاب، والشّعراء، والشخصيات المرموقة التي تحمل هذا الاسم في لبنان والمغرب، فضلاً عن السعودية، واليمن، وتركيا، وإيران، وليبيا، وتونس والجزائر...إلخ، والعطّار في الأصل يعني-كما هو معروف: بائع العِطْر أو العطور، أو صانع العِطْر أو العطور، ونحن نشتري البُخورَ، وعَرْفَ العُود والندّ من عند العطَّار.
ومن الأمثال المعروفة المأثورة، أو الأقوال السائرة المشهورة التي تُضرب في هذا القبيل: هل يُصلح العَطَّارُ ما أفسده الدّهْرُ؟ (وهو عَجُز من بيت معروف)، يُقال فيمن يحاول إصلاحَ ما لا يُمكن إصلاحُه! فهل يمكن ردّ البلطاجي والمعتدي عن غيّهما وعن تجنّيهما وعن مروقهما؟ هيهات!
ويُطلق العطّار كذلك على بائع التَّوابِل (العطور أو العطرية)، فنحن نشتري الكمُّون، وباقي التوابل، والبهارات من عند العطّار، والعطّار جاءت في صيغة المبالغة (فعّال) ويعني كثير العطر أو العطور، وهناك بيت من الشّعر مشهور يقول:
ومَن خالط العطّارَ نال من طيبه**ومَن خالط الحدّادَ نال السّوائدا
أو:
ومَنْ خالط العطّارَ فاز بعطره**ومن خالط الفحّامَ نال سوادَه
وأنور بن سعيد العطار شاعر معروف من سوريا وُلد في دمشق عام 1908 وتوفي عام 1972. وفريد الدّين عطّار شاعر فارسي متصوّف معروف وممَّيز عاش في القرن الثاني عشر الميلادي، من أشهر أعماله "منطق الطير"، وهو كتاب ذائع الصّيت. وقد ولد العطار في مدينة نيسابور.
تَسْكُبُ دَقَائِقَ العِطْر
ويُعرف عادة باسم عطار أو كلمة عطار كذلك بائع الأدوية الشعبية، والتوابل، والعطور، ولكن ميرزا محمد يثبت بأمثلة وجدها في كتابيْ "خسرو نامه" و"أسرار نامه" أنّ هذه الكلمة لها معنى أوسع من ذلك، ويقول إنها أطلقت عليه، لأنه كان يتولى الإشراف على دكّان لبيع الأدوية‌ حيث كان يزوره المرضى، فيعرضون عليه أنفسَهم، فيصف لهم الدواء ويقوم بنفسه على تركيبه وتحضيره.
ولقد تحدّث عن نفسه في كتابيه "مصيبت نامه" و"إلهي نامه"، فذكر صراحة أنه ألفهما في صيدليته أو أجزخانته، "داروخانه" التي كان يتردّد عليها في ذلك الوقت خمسمئة من المرضى، كان يقوم على فحصهم وجسّ نبضهم.
ويقول "رضا قليخان" في كتابه "رياض العارفين" إنه تعلم الطبَّ على يديّ الشيخ مجد الدين البغدادي، وهو أحد تلاميذ الشيخ نجم الدين كبري.
و"عطر" جمع: عُطُورٌ، يَفُوحُ عِطْرٌ زَكِيٌّ مِنْ فُسْتَانِهَا، ومَا يُتَطَيَّبُ بِهِ لِحُسْنِ رَائِحَتِهِ، ويقول عبقريّ بشرِّي نابغة لبنان والعالم جبران خليل جبران: تَشْربُ قَطَرَاتِ النَّدَى وَتَسْكُبُ دَقَائِقَ العِطْرِ..!
والعِطْرُ نباتاتٌ ذات رائحة عَطِرَة، زكيّة، عبقة، فوّاحة مثل الخُزامىَ (ومن غرائب الصّدف التي واجهتنا وفاجأتنا في هذا المقام أنّ اسم مدينة الحسيمة مُشتقّ من (الخزامىَ) وهي نبتة عطرية طيّبة الرّائحة) المعروفة ب (Lavanda) التي يُستخرَجُ منها زيتُ العِطر جمع أَعطار وعُطور، والطّيب، كلُّ ما يُتَطيَّب به لِحُسْنِ رائحته يُقال: لهذه الوردة عِطرٌ فوَّاح، زجاجة عِطْرٍ، أو قارورة عطر، كما يقال في الأمثال: دقُّوا بينهم عِطْر مَنْشم: يُضرب كرمز إلى الشُّؤم والحرْبِ، ولا عِطر بعد عروس، وهوَّ تعبير عن الزُّهد بعد فقد عزيز.
وفي المغرب هناك العديد من الأصدقاء الذين يحملون هذا الاسم ومنهم شعراء، ومبدعون، وهو اسم ينحدر في الغالب من الأندلس، وهو موجود ومستعمل في البلدان المغاربية على وجه العموم، ولعلّه من الأسماء الموريسكية التي استقدمها المُهجّرون، والنازحون قهراً وقسراً وعُنوةً عن الأندلس بعد سقوط آخر معاقل الإسلام في الأندلس غرناطة عام 1492، إذن فهذا الاسم غير محصور أو مقصور على بلدٍ بعينه كما يبدو، بل إنه موجود ومنتشر في مختلف الأصقاع والبلدان.
ونختم هذا العرض بالأبيات الطريفة التي ورد فيها عَجُز البيت الشّعري الذي أصبح مثلاً مأثوراً، وقولاً سائراً مشهوراً بين الناس، قال بعضُهم:
عجوز تمنّتْ أن تكونَ فتية / وقد يبس الجنبان واحدودبَ الظهرُ
تروحُ إلى العطّار تبغي شبابَها / وهل يُصلِحُ العَطّارُ ما أفسد الدهرُ
بَنَيْتُ بها قبل المحاق بليلة / فكان محاقاً كله ذلك الشّهر
وما غرَّني إلاّ الخضاب بكفّها / وحمرةُ خدّيها وأثوابها الصّفر!
*كاتب، وباحث، ومترجم من المغرب، عضو الأكاديمية الإسبانية - الأمريكية للآداب والعلوم - بوغوطا- كولومبيا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.