"المغرب لم يمنحنا شيئا، لا يوجد أي مستقبل به، تابعت دراستي حتى السنة الثالثة إعداداي، غادرت المدرسة لظروفي العائلية واشتغلت ميكانيكيا ولكن لم يكن المال الذي أتقاضاه يكفيني، عانيت الحڭرة والمذلة فقررت الرحيل". هي كلمات لشاب من بين عشرات الشبان والقاصرين الذين يقررون كل يوم ترك البلاد والهجرة في اتجاه أوروبا غير مبالين بخطر الموت، يركبون الزوارق ويغامرون؛ إما العيش في الضفة المقابلة، أو مفارقة الحياة في الأعماق مكتفين بشرف المحاولة. هسبريس انتقلت إلى إسبانيا وهناك التقت عددا من القاصرين المغاربة الذين ركبوا البحار وتشردوا في الجارة الإيبيرية، منهم من نجح في بدء حياة جديدة بمساعدة من إحدى الجمعيات، ومنهم آخرون ما يزالون يبحثون عن موطئ قدم وتلمس بداية موفقة. رحلة الهجرة وإن اختلفت من شخص إلى آخر إلا أن ملامحها تتشابه، فجميع من التقت بهم هسبريس ركبوا البحار وصارعوا الموت، سواء لساعة أو ساعتين وأحيانا لمدة ثلاثة أيام، عانوا خلالها الأمرين ورأوا الموت بأم أعينهم. خالد (اسم مستعار)، 17 سنة، قرر الهجرة بعد أن توقفت رحلته في الدراسة في مستوى الأولى باكالوريا، يقول: "لم يستطع والدي مساعدتي على إتمام الدراسة، خرجت للعمل بالبحر ومن هناك أتتني فكرة الهجرة، كنت رفقة صديق لي نملك فْلوكَة (قارب)، بحثنا عن شابين ثانيين ساهما بالمال وخضنا رحلة الهجرة على متن القارب". ويتابع: "نحن من قمنا بالسياقة إلى أن وصلنا، اخترنا يوما كانت فيه الأجواء هادئة، انطلقت الرحلة على الساعة السادسة صباحا، عانينا لساعات طوال إلى أن وصلنا إلى بر الأمان". ويردف: "ألقت السلطات الإسبانية القبض علينا، ونظرا لكوني قاصرا قاموا بنقلي إلى مركز إيواء القاصرين، فيما تم ترحيل الباقين إلى أرض الوطن". وإن كانت رحلة خالد قد استمرت لبضع ساعات، فأحمد، (19 سنة)، مكث عرض البحر الأبيض المتوسط لثلاثة أيام طوال قبل أن يتمكن من الوصول إلى الضفة المقابلة. يقول أحمد: "من مولاي بوسلهام قدمنا إلى إسبانيا على متن زودياك"، ويضيف: "حينما أردت السفر ربطت الاتصال بشخص معروف من مدينة القنيطرة يعمل حرّاڭ، أخبرنا أن رحلة الهجرة ستتراوح مدتها ما بين يوم ونصف اليوم إلى ثلاثة أيام حسب الجو وخطورة البحر". بالصلاة على النبي عليه السلام بدأت رحلة أحمد، لكن سرعان ما ستتحول هذه العبارة إلى ترديد الشهادتين وقراءة القرآن الكريم، خوفا من أن تفارق روحه جسده. ويردف المتحدث: "بالليل اشتدت الأجواء وقمنا بتوقيف الزودياك في عرض البحر، انتابنا الخوف، منا من بدأ بتلاوة الشهادتين ومنا من شرع في قراءة القرآن الكريم، رأينا الموت بأم أعيننا، نمنا تلك الليلة وسط المياه، قبل أن نستمر في الرحلة صباحا حينما عادت البحر إلى الاستقرار". يوسف (اسم مستعار)، واحد ممن التقت بهم هسبريس بإسبانيا، يقدم بعض الأسباب التي جعلته يهاجر، قائلا: "تعرضت لاعتداء قرب منزلي ومحاولة السرقة، عانيت من تمزق في الأمعاء اضطرني إلى ملازمة المستشفى ل 16 يوما، ستة أشهر لم أغادر البيت، كنت حينها أدرس في مستوى الباكالوريا، ورغم الصعاب تمكنت من النجاح ثم اجتزت امتحان الشرطة وتم رفضي بسبب الجرح". عقب فشل محاولة الالتحاق بسلك الشرطة، قرر يوسف مغادرة البلاد، موردا أن "العمل في المغرب يتطلب الزبونية والمحسوبية". الانتقال إلى مراكز الإيواء وإن كانت رحلة البحر صعبة، فالأصعب منها هو الوصول إلى يابسة بلد لا تعرف فيه أحدا، بل ولا تملك أدنى دليل على أنك إنسان له حق من الحقوق. يقول خالد: "دخلت مركز الإيواء الموجود في مليلية عام 2017، ظللت به حوالي 11 شهرا، الظروف صعبة جدا، يوجد هناك 700 شخص، نتعرض للسرقة ونمضي اليوم في أوضاع يرثى لها، أما في الغرف، فيتشارك كل اثنين في سرير واحد". يوسف هو الآخر يسرد بعض تفاصيل مراكز إيواء القاصرين بإسبانيا، قائلا: "عند الدخول إلى المركز، تم منحنا أكلا يضعون فيه منومات لكي ننام ولا نستمر في الصراخ". ويضيف مستذكرا: "يومها نمنا جميعنا إلى أن أتوا لإيقاظنا لأخذ بصماتنا والتأكد من أننا قاصرون فعلا". جمعية تهتم باللاجئين جمعية "Voluntarios por otre Mundo"، التي يرأسها خوصي تشاميثو دي لا روبيا، تمثل نقطة ضوء بالنسبة للقاصرين بإسبانيا. يقول مندوب الجمعية بمحافظة قاديس: "الجمعية تضم عددا من المتطوعين، همنا أن نقدم المساعدة بالوسائل القليلة المتوفرة لدينا، وبعد أن يكمل القاصرون 18 سنة داخل مراكز الإيواء الخاصة بهم ويبلغون سن الرشد، نسهر على تكوينهم وتسوية وضعيتهم القانونية، وتوفير الحاجيات الأساسية لهم داخل مراكز الاستقبال". حاليا تساهم الجمعية في مساعدة حوالي 38 شابا تتراوح أعمارهم ما بين 18 و21 سنة، 80 بالمائة منهم مغاربة، والباقون من دول إفريقيا جنوب الصحراء. غياب المساعدة وفي هذا الإطار، يقول المندوب ذاته: "عقدنا لقاء مع القنصل المغربي بالمدينة لكي نقدم له مشروعنا ونطلعه على واقع هؤلاء الشباب، وكذا للنظر في إمكانية دعمنا ماليا للمساعدة في النفقات المرتفعة الخاصة بمعالجة بطائق التعريف الوطنية وجوازات السفر". ويتابع: "لم نحصل على أية مساعدة على الإطلاق، والقنصلية المغربية لا تبدي اهتماما بالموضوع". ويشيد المهاجرون المغاربة بالدور الذي تلعبه الجمعية هناك، قائلين: "يساعدوننا للحصول على عمل وأيضا على الكراء، وهنا نعيش مثل الأسرة ويتم منحنا 100 يورو كل أسبوع من أجل المعيشة".