بعد التقرير الحديث لوكالة حماية الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، الذي حذر من إمكانيات تحطيم الهجرة السرية انطلاقا من المغرب صوب إسبانيا كل الأرقم القياسية هذه السنة مع عودة الشباب المغاربة لركوب قوارب الموت في الشهور الأخير، وتحذير التقرير الأخير للمعهد الملكي الإسباني من استمرار الديناميات الاحتجاجية في ظل انسداد الآفاق بالمملكة خلال هذه السنة؛ دق تقرير مثير أصدرته منظمة الأممالمتحدة للطفولة (ليونيسف) ناقوس الخطر بخصوص الأوضاع المزرية والصعبة التي يعانيها الأطفال غير المصحوبين، الهاربين من المغرب صوب إسبانيا بحثا عن ضمان مستقبل أفضل في الفردوس الأوروبي. التقرير الذي قُدِّمَت أهم تفاصليه، يوم أول أمس الأربعاء بمدريد، حَمَلَ أرقاما مفزعة بخصوص القاصرات والقاصرين المغاربة الذين تركوا بيوتهم الأسرية وشوارع المغرب للهجرة إلى اسبانيا، سواء عبر التسلل إليها من خلال الحدود البرية مع المدينتين المحتلتين سبتة ومليلية، أو على متن قوارب الموت. أرقام مهولة التقرير الذي تتوفر “أخبار اليوم” على النسخة الكاملة منه أوضح أنه يعيش، حاليا، 13012 طفلا مهاجرا غير مصحوبين في مختلف مراكز إيواء الأطفال وشوارع وساحات الإسبانية، بما في ذلك المدنيتين المحتلتين سبتة ومليلية، مبرزا أن هذا الرقم لم يسبق له مثيل في تاريخ إسبانيا كبلد مستقبل للهجرة. وكشف أن “68 في المائة من مجموع هؤلاء القاصرين مغاربة، و8.4 في المائة من غينينا كناكري، و4.5 في المائة من مالي، و3.5 في المائة من ساحل العاج. وفي الوقت الذين كانت التقارير الأوربية والإسبانية السابقة تذكر فقط، النسبة المئوية لأعداد القاصرين المغاربة الذين هربوا من المغرب إلى إسبانيا، قدم التقرير الحالي أرقاما مفصلة، إذ أكد احتلال القاصرين المغاربة المرتبة الأولى ب8841 طفلا، متبوعين ب1066 طفلا من غينيا كوناكري، و681 طفلا من الجزائر، و580 طفلا من مالي، و1040 طفلا من الدول إفريقيا السوداء، 387 طفلا من باقي أنحاء العالم. وبخصوص جنس الأطفال المهاجرين غير المرفقين بإسبانيا، أشار التقرير إلى وجود 8470 طفلا مغربيا و371 طفلة، 984 غينيا و118 طفلة، و639 جزائريا و42 طفلة، و568 ماليا و12 طفلة، و857 إفريقيا و138 طفلة و204 ذكور و183 أنثى من باقي دول العالم. كل هذه الأرقام والإحصائيات هي نتيجة لأبحاث ميدانية أنجزها ثلة من الباحثين والخبراء في الجنوب الإسباني وسبتة ومليلية ومدريد وبرشلونة، وفي 20 مركز إيواء للأطفال المهاجرين، وبعد الاستماع إلى الأطفال والطفلات المهاجرات، وإلى العاملين في تلك المراكز، وإلى شباب مغاربة سبق ومروا من التجربة نفسها، والفاعلين السياسيين ورجال القضاء والمجتمع المدني ومحامي الشعب والوكالات التابعة للأمم المتحدة. التقرير الذي حمل عنوان: “حقوق الطفلات والأطفال المهاجرين غير المصحوبين في الحدود الجنوبية الإسبانية” أبرز أنه رغم الحالة الجيدة البادية بخصوص التعامل مع المهاجرين بإسبانيا، “غير أن الوضع يتسم بالتناقض، لأن الواقع المُعَاين على الأرضِ يظهر أن هناك مشكلات وعجزا وتناقضات تؤدي، في حالات بارزة، إلى انعدام حماية هؤلاء الأطفال والطفلات”. وحذر التقرير، كذلك، من “الوصم الاجتماعي والتجريم المتزايدين”، اللذين يتعرض لهما أطفال الشوارع المغاربة بإسبانيا؛ بل أكثر من ذلك يرى التقرير أنه في كل سنة هناك “أطفال يلقون حتفهم أو يتعرضون لحوادث أثناء محاولته تجنب السياجات والجدران والموانع الأخرى المثبتة”، بغية منعهم من دخول المدينتين المحتلتين سبتة ومليلية، مشيرا إلى أن وضع هذه الموانع يدفع الأطفال إلى ركوب قوارب الموت. ويظهر التقرير وصول 588 طفلا غير مصحوبين إلى إسبانيا سنة 2016، و2345 طفلا سنة 2017، قبل أن يتضاعف الرقم إلى 6063 طفلا سنة 2018. هؤلاء يندرجون ضمن ال64301 مهاجر سري الذين وصلوا إلى إسبانيا بحرا وبرا سنة 2018؛ بحيث وصل 54703 منهم بحرا إلى سواحل الجنوب الإسباني وجزر البليار، و1307 إلى سواحل جزر الكناري، و2549 برا إلى مدينة سبتة و7739 آخرين إلى مدينة مليلية انطلاقا من الداخل المغربي. وحذر التقرير قائلا: “إن الكثير من الأطفال وصلوا على متن قوارب الموت بعد مواجهة العديد من الصعاب على طول الرحلة، بما في ذلك التعرض لتعسف القوات الأمنية أو الجريمة المنظمة أو المجرمين العاديين. كما أن الكثير منهم عاشوا الكثير من الوقت في ظروف تتسم بالهشاشة الشديدة، كما هو الحال بالنسبة إلى الأطفال والطفلات الموجودين في المخيمات المثبتة في ضواحي الناظور بالمغرب”. واعترف التقرير بأنه لا يمكن القول إن أغلب الأطفال المهاجرين كانوا يعيشون في شوارع المغرب قبل خوض تجربة الهجرة، بل أغلبهم خرجوا من بيوتهم الأسرية؛ في هذا يقول: “وفق المعلومات المحصلة، بعض الأطفال يمكن أن يكونوا عاشوا في الشوارع في بلدهم الأصل (المغرب)، لكن في المقابل تأكد أن أغلب هؤلاء الأطفال لم يكونوا في الشارع قبل الوصول إلى إسبانيا”، هذه الخلاصة تعزز ما جاء في تقارير الاتحاد الأوروبي والتي تشير إلى تشجيع ودعم بعض الأسر المغربية لأطفالها الراغبين في الهجرة السرية. البحث عن حياة أفضل التقرير قدم بعض الشباب المغاربة الذين مروا من تجربة “المهاجر القاصر غير المصحوب” بإسبانيا، كمال هو حال المغربية نورى البالغة من العمر 19 سنة، عندما وصلت إلى إسبانيا وهي طفلة كانت دون أي مرافق. وبعد سنوات من المعاناة، تعيش اليوم حياة عادية وهادئة كأي شاب في مقتبل العمر بمدينة “قاديس”، حيث تكمل دراستها في مستوى أولى بكالوريا علمية. حالة ثانية مثيرة جسدتها الطفلة صفاء (اسم مستعار) البالغة من العمر 17 سنة، خرجت من المغرب هربا من سوء المعاملة في بيت والديها ومن زواج كان سيفرض عليها بالقوة. منذ وصلت إلى إسبانيا تحسنت أمورها، بحيث شرعت في حضور دروس تعلم اللغة الإسبانية، كما استفادت من تكوين مهني ومرحلة تدريب في إحدى الشركات. هذه الطفلة المهاجرة تهوى الطبخ وتساعد في الطبخ كلما استطاعت إلى ذلك سبيلا. إلياس، شاب مغربي، يبلغ من العمر 21 سنة، وصل إلى إسبانيا في سن ال15 سنة، حيث استفاد من التكوين في الطبخ في أكاديمية بمدينة “قاديس”؛ وهو اليوم يعمل في نهاية الأسبوع كمساعد في الطبخ. حالة أخرى يمثلها إسماعيل البالغ من العمر 17 سنة والمتحدر من مدينة الفنيدق، وصل إلى إسبانيا سنة 2014، ويعيش منذ ثلاث سنوات في مركز الإيواء. كان يعيش في الفنيدق مع والديه و5 من إخوته في المغرب، لكنه قرر الالتحاق بشقيقين له سباقاه إلى إسبانيا، حيث يعملان. ولا يقتصر الأمر على الأطفال المهاجرين المغاربة، بل حتى على الأفارقة الذين اتخذوا من المغرب محطة عبور إلى إسبانيا. يتحدر مالك البالغ من العمر 19 سنة من غينيا كوناكري، وصل إلى إسبانيا في سن ال16 سنة بعد رحلة سفر شاقة وطويلة في الصحراء من بلده، مرورا بماليوالجزائر والمغرب. يقيم مالك اليوم، بمدينة ألميريا، حيث يتابع دراسته ويشتغل في قطاع الزراعة. أما “سامبا”، فهو واحد من ال2300 طفل مهاجر وصلوا إلى إسبانيا سنة 2017 على متن قوارب الموت. عندما توفي والديه غادر المقاعد الدراسية بسبب الهشاشة الاجتماعية قبل أن يسافر إلى الجزائر والعبور صوب المغرب قبل أن يتسلل إلى سبتة. وعاد التقرير ليؤكد أنه “خلال سنة 2018 حطم أعداد المهاجرين السريين الواصلين إلى الجنوب الإسباني وسبتة ومليلية كل الارقام القياسية. كما أن إسبانيا هي أكبر بلد أوروبي وصل إليه أكبر عدد من المهاجرين عبر البحر الأبيض المتوسط. في هذا السياق، سجل القاصرون المهاجرون رقما لم يسبق له مثيل بالنسبة إلى مجموع الواصلين إلى إسبانيا، بحيث بلغ عددهم 13012 طفلا، بارتفاع قدره 103 في المائة مقارنة مع 6414 طفلا المسجلين سنة 2017، أي بارتفاع قدره 60 في المائة مقارنة مع سنة 2016 التي سجلت وصول 3997 طفلا”.