في المغرب أُطلقت عدة مشاريع ضخمة وطموحة، من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه؛ لكن جل تلك المشاريع تعثر، وأُلقيت المسؤولية بسبب ذلك التعثر على مختلف السلطات لعدم الوفاء بالالتزامات وغياب المواكبة والمحاسبة، لكن المسؤولين خرجوا سالمين وبقي المتضرر الأكبر هو المواطن. في هذه السلسلة، سنُحاول رصد بعض المشاريع التنموية الضخمة، التي أُطلقت في السنوات الأخيرة في عدد من المدن بأغلفة مالية كبيرة؛ لكنها لم تنجح. أسباب التعثر متعددة، ونتائجه وخيمة أدت إلى ما لا يخطر على بال أحد بسبب التقصير. في الحلقة الرابعة من هذه السلسلة، نسلط الضوء على مشروع اقتصادي كبير في دكالة عبدة، يتعلق الأمر بمشروع ميناء آسفي الجديد الذي بلغت استثمارات حوالي 4 مليارات درهم من الميزانية العامة للدولة، حيث أعطيت انطلاقة أشغال سنة قبل سنوات. الميناء عرف مشاكل عدة جعلت تسليمه يتأخر أكثر من مرة، هذا الأمر دفع الحكومة إلى تمديد عمل المديرية المكلفة به بوزارة التجهيز والنقل واللوجستيك والماء أشهراً أخرى أملاً في تسليمه في أكتوبر من السنة المقبلة، وقد يواجه مشاكل أخرى ويتأجل. استراتيجية 2030 تبنى المغرب قبل سنوات الإستراتيجية الوطنية للموانئ في أفق 2030 بهدف إيجاد حلول للحاجيات المعبر عنها على كافة المستويات بما فيها الوطني والجهوي والمحلي والقطاعي، واعتماد الموانئ المغربية كرافعة اقتصادية تواكب التوجه العالمي وتتحول إلى محطة أساسية من محطات الطرق السيارة البحرية. وترتكز هذه الاستراتيجية على عدة محاور، وهي البحث عن تحسين الأداء عن طريق تشجيع الابتكار، وتحسين الأداء اللوجيستيكي، والتثمين الأمثل للبنيات التحتية للموانئ، والتموقع في السياق الوطني والجهوي والدولي، والاستفادة من الدور المهيكل للموانئ. ويندرج مشروع الميناء الجديد لآسفي في إطار الاستراتيجية السالفة الذكر للمساهمة في تعزيز حصة المغرب من سوق التجارة البحرية الدولية والرحلات السياحية، إضافة إلى المساهمة في ترسيخ التوازنات الجهوية للمملكة. وتقول الحكومة إن ميناء آسفي الجديد يُعد أحد الأقطاب الستة المكونة للاستراتيجية الوطنية الكبرى، ويطمح بالأساس إلى مواكبة قطاع الطاقة والصناعة الكيميائية للجهة وإلى تطوير حركة النقل من صنف الحمولات الطاقية الكبرى والصناعة المعدنية. ويهدف المشروع أيضاً لتزويد البلاد بميناء قادر على الاستجابة، في الشطر الأول، لاحتياجات المرحلة الأولى للمحطة الحرارية المستقبلية للمكتب الوطني للماء والكهرباء من حيث حركة مرور الفحم، وتلبية احتياجات التوسع في الشطر الثاني لاستضافة سفن أخرى ناقلة للفحم وغيرها من الأنشطة، مثل المكتب الشريف للفوسفاط، خام ميناء آسفيالمدينة وغيرها من أنشطة المرور المختلفة. مكونات الميناء وأهدافه يضم المشروع منشأة الحماية، وهي عبارة عن حاجز رئيسي بطول مجموعه 2263 متراً إضافة إلى حاجز ثانوي بطول مجموعه 777 متراً، ومنشآت الحماية بطول مجموعه 350 متراً. كما يتضمن منشأة الرسو، وهي عبارة عن محطة للفحم ب -16.50 (m/Zh) و280 متر طولي، ورصيف للخدمة ب -6.00 (m/Zh) وطول 100 متر، أما الحفر والتنقيب فسيكون على 135000 متر مكعب. وقد شرع في هذا المشروع في مارس من سنة 2013 وكان مقرراً أن يُسلم في مارس من سنة 2017، ثم تأجل إلى السنة الماضية وها هو اليوم يتأجل إلى أكتوبر من السنة المقبلة، أي ثلاث سنوات على موعد التسليم، وقد يتجاوز ذلك بكثير. يتوخى من هذا الميناء حسب الحكومة المساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية لجهة مراكشآسفي، وحين أعطى اللك الملك محمد السادس انطلاقة أشغاله في شهر أبريل 2013، تم الحديث آنذاك عن مساعي لمواكبة قطاع الطاقة والصناعة الكيماوية بالجهة. وستتم هذه المواكبة عبر ثلاثة أشطر، الأول يتمثل في استيعاب رواج الفحم الخاص بالمحطة الحرارية الجديدةلآسفي بكمية سنوية تقدر ب5,3 مليون طن لانتاج 1320 ميغاوات، أما الشطر الثاني فيهدف إلى الرفع من كمية الفحم الخاص لتشغيل المحطة الحرارية لآسفي إلى 7 ملايين طن سنوياً لانتاج 2640 ميغاوات في أفق 2020، في حين يروم الشطر الثالث استيعاب رواج المجمع الشريف للفوسفاط بكمية تقدر ب15 مليون طن، وتمكين الميناء الحالي لآسفي من إعادة تهيئته بصفة تلائم الصورة العامة لهذه المدينة. 4.7 مليارات درهم عُهد للمجموعة المغربية SGTM والشركة التركية STFA ببناء هذا الميناء بعد طلب عروض شاركت فيه عدد من المجموعات الكبرى بناءً على دفتر تحملات. وفي سنة 2013 تاريخ بدء المشروع، أُحدثت مديرية مؤقتة خاصة به داخل وزارة التجهيز والنقل واللوجستيك والماء وقد بلغت تكاليف إنجاز الميناء حوالي 4700 مليون درهم وذلك بمقتضى مرسوم يحمل رقم 2.13.743 الصادر في 9 أكتوبر من سنة 2013، وكان المرسوم قد حدد موعد نهاية الأشغال في 30 يونيو 2017. ظهرت مشاكل عدة في بناء المشروع، وتقرر للمرة الأولى تمديد مفعول المرسوم السالف الذكر إلى غاية 30 يوليوز 2019 بموجب مرسوم يحمل رقم 2.17.387 الصادر في 2 غشت 2017، وخلال اجتماعها الخميس 22 غشت 2019، مددت الحكومة للمرة الثانية مفعول المرسوم الأول إلى غاية 15 أكتوبر من سنة 2020. وتقر الحكومة بمواجهة المشروع لعدة مشاكل إدارية وتقنية انعكست سلباً على السير العادي للمشروع، منها القيام ببعض الأشغال الإضافية على مستوى رصيف الفحم قصد الحد من إمكانيات انضغاط الأساسات الحاملة للسكة الخلفية للمرافع واستغلاله بالشكل الأمثل بناءً على طلب الشركة المكلفة ببناء واستغلال المحطة الحرارية SAFIIEC. كما بررت الحكومة فشلها في إخراج هذا الميناء إلى الوجود في الوقت المحدد بالقيام ببعض الأشغال الإضافية على مستوى الحاجز الرئيسي قصد تمديده لحماية الجرف المحاذي له من تأثير الأمواج، والقيام ببعض الأشغال الإضافية على مستوى رصيف الخدمات قصد استغلاله مؤقتاً من أجل تزويد المحطة الحرارية بالفحم في انتهاء الأشغال برصيف الفحم. المبرر الأخطر والذي يكشف إغفال الحكومة والشركات المكلفة بالبناء بالشروط الضرورية هو ظهور بعض التصدعات في بعض المجسمات المكونة لرصيف الفحم، وهو ما استدعى معه الأمر إيقاف أشغال الرصيف والقيام بدراسات تكميلية. كما ألقت الوزارة، التي يشرف عليها الوزير عبد القادر اعمارة، بمسؤولية تأخر مرتقب على ما يمكن أن تنتجه تقلبات البحر، وقالت إن عملية التسليم المؤقت للمشروع ستتم في غضون الأشهر الأخيرة من السنة الجارية على أن يتم التسليم النهائي بعد سنة من ذلك، أي في حدود منتصف أكتوبر العام المقبل. لجوء إلى القضاء سنة 2018، وضعت الجمعية المغربية لحماية المال العام عبر فرعها الجهوي مراكش- آسفي شكايةً لدى الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بمراكش تتحدث فيها عن اختلالات وعيوب تقنية وهندسية في ورش الميناء الجديد للمدينة. الشكاية التي تتوفر عليها هسبريس تُشير إلى أن هذا "الورش عرف توقف وانسحاب الشركات المعنية بالبناء لما ظهرت شقوق ضخمة في البنايات وفي جوانب عدة من مرافق المشروع مع تحطم قطع إسمنتية ضخمة نتيجة غش وارد في أدوات البناء". واعتبرت الجمعية أن الأمر السالف الذكر "يثبت احتمال مسؤولية الشركة المكلفة بإعداد الإسمنت المسلح وهي الشركة العامة للأشغال بالمغرب SGTM أو مسؤولية المختبر العمومي للتجارب والدراسات LPEE أو الشركة التركية STFA المشاركة في البناء". الشكاية الموجهة إلى القضاء أثارت أمر ظهور مجموعة من التشققات الكبيرة، وقالت إن هذا الأمر "أصبح يهدد المشروع بكامله وسلامة رواده من سفن وأشخاص، وهو ما يتناقض والمعايير الدولية لبناء وتجهيز الموانئ طبقاً للمدونة الدولية لأمن السفن والمرافق المينائية في العالم (isps international ship and port facility security)، كما يتناقض والاتفاقية الدولية لسلامة الأرواح في البحار". واعتبرت الشكاية أن "هناك احتمال وجود شبهة في تدبير ورش الميناء الجديد لأسفي ونهب للمال العام والغش والإفلات من العقاب وعدم ربط المسؤولية بالمحاسبة"، وبناءً على ذلك "التمست القيام بكافة الأبحاث والتحريات المفيدة والمتعلقة بالوقائع الواردة بهذه الشكاية والاستماع المعنيين من وزراء ومسؤولين ومدراء شركات"، لكن المسعى السالف الذكر لم يتحقق حيث قرر القضاء آنذاك حفظ الملف تحت ذريعة عدم إتمام الأشغال. شبهة فساد وتدبير؟ يشير البدالي صافي الدين، رئيس الفرع الجهوي بمراكشآسفي للجمعية المغربية لحماية المال العام، إلى أن اعتراف الحكومة بالفشل في إنهاء هذا المشروع في الوقت المحدد يستلزم تفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة، بدءً من الوزير الوصي إلى الشركات المكلفة بالبناء. وأضاف البدالي في حديث لهسبريس: "الميناء الجديد لن يكون جاهزاً إلا في نهاية 2020 رغم أن الخسائر لحد الساعة بلغت 500 مليون درهم، ولذلك قررنا اللجوء مرة أخرى للقضاء واتباع المساطر من أجل إعادة فتح الملف، خاصة وأنه تبث بالملموس وجود شُبهة فساد ونهب للمال العام بالنسبة لهذا المشروع". وأوضح البدالي أن "المواد المُكونة للأحجار الإسمنتية غير متكاملة وهو ما نتج عنه شقوق عدة، كما تبين أيضاً أن المد البحري يهدد العمال المشتغلين في ورش الميناء، وسبق أن توفي حوالي 10 عمال خلال السنوات الماضية". ويؤكد الحقوقي أن الأمر "لا يتعلق بمشاكل تقنية محضة كما تروج لذلك الحكومة، بل هناك غش، لأنه ميناء بحجم بميزانية 4 مليارات درهم ودشنه الملك قبل سنوات وسيكون قطباً استراتيجياً بالنسبة للمغرب ويحصل فيه مثل التلاعبات؟". يثير المتحدث أموراً كثيرة رافقت هذا المشروع الضخم، فقد أورد في تصريحاته لهسبريس أن جمعيته طالبت القضاء "بالبحث والتقصي حول الأموال المرصودة لهذا المشروع ومراجعة شروط الصفقات ودفتر التحملات الأول والأخير بعدما تم تغييره". وأكد قائلاً: "الحكومة لا تريد أن تكشف سبب هذا الفشل، ونحن نقول إن سببه هو سوء التدبير وفساد في الصفقات والأموال بسبب التواطؤ"، ورجح أن الخسائر المالية ستتزايد بسبب الأشغال الترقيعية المستمرة.