بدأ السيد شكيب بنموسى رئيس لجنة النموذج التنموي لقاءاته بالأحزاب والنقابات للإنصات لمقترحاتها حول النموذج التنموي الجديد. وقد جاءت هذه المشاورات متزامنة مع نشر الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان، وثائق تعرض وجهة نظرها ومقترحاتها في الموضوع. لا أعتقد أن يكون هدف السيد بنموسى من هذه المشاورات جمع مقترحات الفاعلين في المجتمع المغربي وتلخيصها في تقرير يكون بمثابة خارطة طريق للمهمة التي هو مكلف بها، وذلك لسببين: الأول: يتجلى في كون أوراق بعض الأحزاب حول موضوع النموذج التنموي هي أقرب لبرنامج حزبي انتخابي وبعيدة عن منظور النموذج التنموي. النقابات هي الأخرى عرضت مقترحات هي مطالب نقابية ليس إلا. الثاني: يتجلى في كون الهدف من إنشاء هذه اللجنة هو أكبر من أن يكون تقريرا يجمع مقترحات الفرقاء السياسيين والاجتماعيين. فهدف اللجنة هو الإجابة عن القصور الذي شاب النموذج الأول وكيفية معالجة الاختلالات التي تعرفها التنمية في بلادنا سواء في جانبها الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي أو الثقافي. وهذا ما تطرق إليه الخطاب الملكي الذي حدد أهداف هذه اللجنة في عمل تقييمي واستباقي واستشرافي، للتوجه بكل ثقة نحو المستقبل كما جاء في الخطاب الملكي. لذلك نقول إن هدف السيد بنموسى من لقائه مع الفرقاء السياسيين والاجتماعيين هو بشكل أساسي لخلق نقاش عمومي حول الموضوع بهدف التعبئة الاجتماعية لكل طاقات البلاد. هذه التعبئة هي عامل أساسي في نجاح أي نموذج تنموي لأن التنمية تنطلق من الإنسان لتصل إلى الإنسان. كثرة الاقتراحات والدراسات والأوراق التي تتطرق للنموذج التنموي، والتي تتكاثر يوما بعد يوم في وقتنا الراهن، خلقت حالة من التشويش وسوء الفهم لدى عموم المواطنين، حتى بدأ هذا الأخير يطرح سؤال: ما هو النموذج التنموي وما الهدف منه؟ ليس المطلوب قراءة مئات الصفحات لمعرفة المقصود من النموذج التنموي، فهذا الأمر موكول للخبراء والمهتمين والباحثين. ولذلك سنلخص، بكل تبسيط وشمولية، هذا الأخير في ثلاث جمل: -1- خلق الثروة -2- التوزيع العادل للثروة -3- صيانة قيم وكرامة الإنسان ومن أجل تحقيق نموذج تنموي ناجح، يجب توفر الإرادة السياسية الصادقة والحكامة الجيدة القائمة على أساس ربط المسؤولية بالمحاسبة. وما دون ذلك، فلا يعدو أن يكون تحاليل وتفاصيل تصب كلها في الجمل الثلاثة السالفة الذكر. فعلى سبيل المثال معضلة التشغيل مرتبطة بخلق الثروة التي من شأنها الزيادة في الناتج الداخلي الخام وبالتالي تحقيق نسبة نمو تفوق 7% لامتصاص الطلب المتزايد على سوق الشغل. معضلة الفقر وضعف القدرة الشرائية هي متعلقة بالتوزيع العادل للثروة، توزيع يُعطي لكلٍّ حقه من العائد التنموي عبر سياسة حكومية اجتماعية وقانون ضريبي يأخذ من أصحاب الثروات ويرفق بذوي الدخل المحدود. وحتى مقترحات الأحزاب التي تربط بين التنمية والمحافظة على أخلاق المجتمع وتلك التي تُطالب بالحداثة في التنمية، هي كلها مفاهيم مرتبطة بصيانة القيم وكرامة الإنسان سواء من وجهة المحافظين أو الحداثيين. تبقى في الأخير الإشارة إلى أن لجنة النموذج التنموي مُطالبة، بعد التشخيص، بابتكار الميكانزمات التي ستجعل المغرب يُحقق الطفرة التنموية المنشودة. *باحث في التنمية وتكنولوجيا المعلومات والاتصال