اليابان تؤكد موقفها الثابت بعدم الاعتراف ب"البوليساريو" خلال قمة تيكاد-9    أزيد من 44 ألف مخالفة سير الأسبوع الماضي ضخت في صندوق الدولة أزيد من 8 ملايين درهم    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الأحمر    محامي عائلة "محمد إينو" يعلن عن تطورات جديدة في ملف "القتل العمد ضد مجهول"    برلمانيات ضحايا صفحات تروج للراغبات في الزواج    "البريمرليغ" يقترب من رقم قياسي جديد في سوق الانتقالات الصيفية    تراجع أسعار النفط        عودة ظاهرة سرقة الدراجات المائية واستعمالها في الهجرة السرية        10 أعمال من المغرب ضمن قائمة ال9 لأفضل الأعمال في مختلف فئات جائزة كتارا للرواية العربية    مهرجان سينما الشاطئ يحط الرحال بأكادير    الأمن يضع يوقف أما وابنتها قامتا بالنصب والاستيلاء على أزيد من 180 مليون    توقيف أول المشتبه فيهم وتحديد آخرين في قضية اغتصاب طفل من طرف أكثر من 10 أشخاص    بعد زيادتين متتاليتين.. انخفاض محدود في سعر الغازوال    فخر بذكرى ثورة الملك والشعب..بهجة فائقة بمناسبة عيد الشباب    الأمم المتحدة.. 383 قتيلا من عمال الإغاثة في 2024 نصفهم تقريبا في غزة    واشنطن تستهدف طلابا مؤيدين لفلسطين.. إلغاء أكثر من 6 آلاف تأشيرة دراسية    الغلوسي: "تواطؤ داخل البرلمان يهدد استقلال القضاء ويؤسس لدولة داخل دولة"    20 غشت.. ذكرى ثورة الملك والشعب    الألماني هانزي فليك يضغط على إدارة برشلونة لتسجيل مارتن    رسميا.. الرجاء الرياضي يرفع عقوبة المنع ويطوي صفحة النزاعات    "البيجيدي" يرفض تهميش السياسيين والمنتخبين في إعداد الجيل الجديد من برامج التنمية ويدعو لاحترام الدستور    الغلوسي: إعادة الثقة للمؤسسات تتطلب مواجهة حازمة للفساد والرشوة ونهب المال العام        الأسعار ترتفع ب0,5% في يوليوز مقارنة بالسنة الماضية    صيادلة المغرب يحتجون بحمل الشارات السوداء ويهددون بالتصعيد ضد الوزارة (فيديو)    ارتفاع طفيف للدولار أمام العملات الرئيسية    توقعات أحوال الطقس لليوم الثلاثاء    المغرب يسجل درجة حرارة قياسية بمدينة العيون    تربية الأحياء المائية.. الوكالة الوطنية تنطلق في مراجعة المخططات الجهوية    مبادرة ملكية جديدة: المغرب يرسل 100 طن من المساعدات الإنسانية إلى غزة    ماكرون يحذر: بوتين "غول ومفترس"    روبوتات دردشة تقدم محتويات جنسية لأطفال تقلق حكومة البرازيل    دراسة: المعمرون فوق المئة أقل عرضة للإصابة بالأمراض المتعددة    البرغوثي المحرر من السجن في فلسطين ينضم إلى أزلام المطبعين مع الانحلال في المغرب    بطولة انجلترا: الاسكتلندي بن دوك ينتقل من ليفربول لبورنموث    أفغانستان.. زلزال بقوة 5,1 درجات يضرب منطقة هندوكوش    خبيرة أمريكية تكشف مدة النوم الضرورية للأطفال للتركيز والتفوق    "غوغل" تضيف تحديثات إلى تطبيق الترجمة    إسبانيا.. توقيف عنصرين موالين ل"داعش" بالتعاون مع المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني    مهرجان "أصوات نسائية" يختتم مرحلته الأولى وسط أجواء احتفالية    سعد لمجرد يعود لمعانقة الجماهير المغربية عبر منصة مهرجان القنيطرة في سهرة استثنائية    المغرب.. حين تُحلّق الطائرات محمّلة بالحياة نحو غزة    البكوري ينقذ المغرب التطواني بدعم مالي جديد تبلغ قيمته حوالي مليار سنتيم    مؤسسة المهرجان المتوسطي للثقافة الأمازيغية بطنجة تنعي الروائي الكبير صنع الله إبراهيم    نجم المنتخب الوطني يلتحق رسميا بالدوري السعودي    مهرجان الشواطئ يواصل جولته ويشعل مرتيل والناظور والسعيدية    إنجاز طبي.. خلايا بنكرياسية تُنتج الأنسولين لمريض السكري    دراسة علمية تكشف وجود علاقة بين المعدة والصحة النفسية    دراسة: حماية الحاجز الدموي الدماغي قد تحد من التدهور الإدراكي لدى المسنين    الهزيمة أمام خورفكان تنهي مسيرة الحسين عموتة مع الجزيرة    الصحافة من بوابة الثقافة في ذكرى رحيل غلاب    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"بانوراما يافطات" تراود البصر في صخب فاس
نشر في هسبريس يوم 24 - 02 - 2020

لا يسطع ليل المدينة بأعمدة الإنارة العمومية وحدها، بل بالواجهات المضيئة للمحلات التجارية والمقاهي والشركات. علامات وأسماء تخطب ود الزبون، وتصنع هوية لمنتجات وخدمات، تعيش معها وتكبر وتسافر... وتموت في كنفها.
رياح العولمة تجعل الشوارع الكبرى مصفا للعلامات المحلية والعالمية في الإلكترونيات والبنوك والتأمينات والموضة والسيارات والاتصالات. تغدو هذه الدوال في ذهنية الفرد معادلا لمنسوب جودة معينة وبريستيج مصنف في ميزان الذوق. هي الخط الأول لمعركة البقاء في سباق السوق.
في فاس، تنزل عواصم ومدن أوروبا ضيفة على واجهات المقاهي التي تنبض بالحركة نهارا ومساء، كفضاء اجتماعي بامتياز. يضرب الخلان مواعيدهم في باريس، أمستردام، قرطبة، ميلانو... لعل الخلفية الاجتماعية تفسر هذا الإنزال. فاس والمناطق المحيطة بها منشأ رئيس لهجرة الجيل الأول والثاني، والعائدون منهم بعد اغتراب... قد يفضل إيداع مدخراته في مشروع يحقق ضمانات نجاح ميسر، فيطيب له أن يخلد مقامه البعيد اسما يصاحب مورد معاشه في أرض العودة. يحضر الشرق أيضا بمقاهٍ تيمنت بأسطنبول وطرابلس ودبي وأسوان.
في زاويته الثابتة، يمازح مالك المطعم حفيدته الصغيرة.. يناديها "ندى".. هو الاسم المعلق على اللوحة المطرزة بحروف مشكلة. كثيرون مثله يفضلون تكريم أحبائهم أو تخليد شجرة العائلة في موقع يتطلع إليه العابر ذهابا وإيابا. والحال أن بعض الأسماء تجاوزت نطاقها العائلي لتصبح عنوان جودة بل علامة مسجلة لها سلطتها الرمزية. "بن الشريف"، العائلة الفاسية العريقة التي ظلت رائدة في استيراد وصناعة الأقمشة الفاخرة منذ القرن التاسع عشر، يتناسل لقبها في محلات عبر أنحاء المغرب وخارجه، مؤرخا لقصة نجاح وتميز متواصلين. لا يمكن لفنون الدعاية الحديثة أن تقنع مسيري هذا المشروع بتغيير اسم أصبح عملة في السوق. الاسم العائلي يحافظ على ثقله في الحرف والصناعات التقليدية المتوارثة. تصبح السلالة الممتدة قرينة مصداقية وإتقان. ذلك شأن محلات المجوهرات المتراصة عبر ملاح المدينة العتيقة.
عطاء الله، خيرات بلادي، البركة... إحالات ترتبط بمحلات تقديم الأطعمة، خصوصا الشعبية منها. أسماء تستدعي العمق الروحي في علاقة المغاربة بالطعام بوصفه فضلا إلهيا ونعمة ثمينة تصان وتحمد.
وقد تأتي الأسماء سليلة خصوصيات المهنة نفسها. فيضفي المرء على محل الخياطة شهادة "الإتقان" و"المقص الذهبي"، وتدبج بوابة الوكالة العقارية ب"الصدق" في قطاع رأسماله الثقة التي تنغصها حكايات النصب والتدليس التي تتناقلها الألسن، وتحمل المكتبة شعلة "النور" وترفع مدرسة خصوصية علم "المعرفة" أو تداعب حلم الآباء بأبناء على خطى "ألفرد نوبل"، بينما تكتفي مشاريع أخرى بالانتماء إلى المكان حاملة اسم الحي، الشارع، الساحة، وقد توثق صلة بمسقط الرأس في "عقاقير سوس" أو "عجلات مرزوكة" أو "تمور تافيلالت".
أول الطريق إلى قلب الزبون وعقله اسم يصنع الإبهار، ويسكن في ركن ما من الذاكرة. هكذا يخمن البعض ممن يستوردون أعلاما من وراء البحار. فضل صاحب البتزيريا أن يحلق بفانتازم الجائع إلى مهد الوجبة، في إيطاليا، ومضى آخر إلى تتبيل الشاوارما بليالي "الشام". معالم فاس التي كانت تتسيد واجهات المحلات انحسرت. لم يبق إلا القليل من "القرويين" و "مولاي إدريس" بينما تكاد تصبح الفرنسية "موضة قديمة" أمام لغة العولمة الكاسحة التي تملي معايير الرقي والانتماء إلى المستقبل. لأنها فسيحة وأنيقة، فإن المالك فضّل أن يصنفها "بالاس"، هي نفسها الفضاء الذي كان يمكن تسميته مقهى أو قاعة شاي. على نهجه سار أصحاب "الشوب" و "الفاست فود" و"الفاشن" و"المايك آب"، و"التوب ستايل".
تغير وجه المدينة، على الأقل. لم يكن الاسم التجاري سنة جارية في السوق. لطالما حدد البقال والميكانيكي والخياط موقعهم المهني بهوياتهم الشخصية، بأمكنة تواجدهم. يرشد السائلون بالإشارة والمسافة حتى بلوغ المقصد، هناك عند الزاوية، في نهاية الشارع، على اليمين مباشرة.... وكثير منهم لا يخلي لتحولات الزمن فرصة تغيير نمط معاشه. يفك هذا الشيخ الذي يصلح أواني النحاس زكروم الباب بصريره الذي يعود بالذاكرة إلى الوراء. ينزوي في ركنه ويعلق رزقه على من خبرهم من زبائن أوفياء لا تغويهم طرائق العرض والترويج الجديدة. هوس التسويق والدعاية لا يتعايش مع ثقافة الكفاف.
ولا يخل سوق الأسماء من مفارقات. يحدث أن يغير المحل جلده. كان مكتبة خطت على لافتتها "رياض الفكر"، وطالتها عوارض الإفلاس، فآل المكان إلى جزارة لا يهتم صاحبها بتخويلها اسما يدل عليه. والنتيجة أن اللحم يقطع ويقد والذباب يحتفي بولائم الدم، تحت اليافطة ذاتها: "رياض الفكر".
إن هي إلا أسماء.. لكن حمولتها الرمزية وأهميتها في سوق الإنتاج والمنافسة قائمة. هي المصاحب الصوتي والبصري للسلعة والخدمة المعروضة. عتبة نحو الاكتشاف، ولو أنها أبعد من حسم نجاح منتج لا يربح إلا بجودة يختبرها الزمن.
*و.م.ع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.