لليوم الثالث .. "منع استباقي" ومطاردات تبصم احتجاجات شبابية وسط الرباط    الدار البيضاء: إيقاف شخص ينشر صور وفيديوهات للاحتجاجات ببعض الدول الأجنبية ويدمجها مع مظاهر للإحتجاج داخل التراب الوطني    نتنياهو: إسرائيل ستتولى الأمن بغزة    قطر تأمل نهاية الحرب في غزة    مباراة المغرب والبحرين.. بيع أزيد من 42 ألف تذكرة إلى غاية السادسة مساء    مولاي الحسن يفتتح معرض الفرس    الحوز .. ارتفاع ب6 في المائة في عدد ليالي المبيت السياحية عند متم يوليوز الماضي (مرصد)    لليوم الثالث.. منع الاحتجاجات وتوقيف العشرات من الشباب ومدن جديدة تنضم لحركة "جيل زد"    تأجيل مباراة فالنسيا وريال أوفييدو بسبب سوء الأحوال الجوية    ناشط مغربي ب"أسطول الصمود": ننتظر الوصول إلى غزة بفارغ الصبر    احتجاجات "جيل زد".. نحو 40 شابا رهن الحراسة النظرية بالرباط والدار البيضاء في انتظار قرار النيابة العامة    الحسيمة.. شاب يفارق الحياة في ظروف غامضة قرب حانة "كانتينا"    توقيف شقيق بارون "دولي" للمخدرات بطنجة    جبهة القوى الديمقراطية تدعو إلى مناظرة وطنية شاملة حول قطاع الصحة    بورصة البيضاء تُغلق على أداء سلبي    الركراكي يلتقي بالصحافيين في سلا    صحافة الشيلي: فوز المغرب على إسبانيا يفجر أولى مفاجآت "مونديال U20"    أمطار رعدية قوية مرتقبة في المغرب    النصب بالعملات الرقمية يوقف شابيْن    دي كابريو يتصدر شباك السينما بأمريكا الشمالية    الصندوق المغربي للتقاعد يعلن صرف معاشات المتقاعدين الجدد التابعين لقطاع التربية والتعليم    القانون 272 يدفع المصابين بألأمراض المزمنة إلى الهشاشة الاجتماعية    علماء روس يبتكرون أدوية "ذكية" يتحول شكلها داخل الجسم    الخارجية الأمريكية تبرز مؤهلات المغرب ك'قطب استراتيجي' للأعمال والصناعة    برامج شيقة تمزج بين الإبداع والتجديد في الموسم التلفزي الجديد لقناة الأولى        فرع أولاد صالح بإقليم النواصر يُشعِل شعلة العمل الحزبي الحداثي    فتح باب الاعتمادات الصحافية لمباراة المنتخب الوطني أمام البحرين    عام أخير لحكومة "أخنوش".. تحديات وتطلعات وأجندة انتخابية (تحليل)        نشرة إنذارية: زخات رعدية محليا قوية مصحوبة بتساقط للبرد مرتقبة اليوم الاثنين بعدد من مناطق المملكة    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان تستنكر منع احتجاجات "جيل Z" وتدعو إلى حوار جاد مع الشباب    وجدة تحتفي بالسينما المغاربية والدولية في الدورة 14 للمهرجان الدولي المغاربي للفيلم    المعهد المتخصص في الفندقة و السياحة بالحوزية ضمن المتوجين في الدورة 11 للمعرض الدولي ''كريماي'' للضيافة وفنون الطبخ    كأس العالم تحت 20 سنة.. المنتخب المغربي يتصدر المجموعة بعد تعادل البرازيل والمكسيك    باريس سان جيرمان: ديمبلي يسافر إلى قطر لاستكمال تعافيه    بنسعيد: الراحل سعيد الجديدي أغنى المكتبة الوطنية بإنتاجات أدبية وصحفية قيمة    الباييس: إسبانيا فرضت رقابة على القواعد الأمريكية على أرضها لمنع نقل شحنات أسلحة إلى إسرائيل            الذهب يتجاوز عتبة 3800 دولار للأوقية وسط تزايد توقعات خفض الفائدة    "طريقة الكنغر" تعزز نمو أدمغة الأطفال المبتسرين    البرلمان البرتغالي يناقش مقترح الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء        اقتراع سوريا يستبعد "مؤيدي الأسد"    تراجع طفيف لأثمان الإنتاج الصناعي    الصين تهدف تحقيق نمو يزيد عن 5 في المائة في صناعة البتروكيماويات خلال 2025-2026    محمدي يجمع الرواية والسيرة والمخطوط في "رحلة الحج على خطى الجد"    عرض "نشرب إذن" ينافس في بغداد    التضليل الإلكتروني بمؤامرة جزائرية لخلط الأوراق: مشاهد قديمة تُقدَّم كأحداث راهنة بالمغرب    دراسة: الموسيقيون يتحملون الألم بشكل أفضل من غيرهم            بوريطة: تخليد ذكرى 15 قرنا على ميلاد الرسول الأكرم في العالم الإسلامي له وقع خاص بالنسبة للمملكة المغربية        الجدل حول الإرث في المغرب: بين مطالب المجتمع المدني بالمساواة وتمسك المؤسسة الدينية ب"الثوابت"    الرسالة الملكية في المولد النبوي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التراث الفقهي البائد لمناهضة حقوق المغربيات
نشر في هسبريس يوم 10 - 03 - 2020

تخوض النساء المغربيات نضالاتهن من أجل الكرامة والمساواة والمواطنة الكاملة منذ عقود في بيئة اجتماعية تطغى فيها الأعراف الاجتماعية والفتاوى الفقهية التي يوظفها التيار المحافظ وكذا التيار الإسلامي ضد مطالب النساء وحقوقهن. فمنذ الاستقلال تبلورت لدى جمعية "أخوات الصفا" مطالب جد متقدمة قياسا إلى السياق الاجتماعي والسياسي حينها.
إلا أن التيار المحافظ سيتقوى بالأعراف الاجتماعية والفتاوى الفقهية لمواجهة تلك المطالب ومناهضتها .فجاءت مدونة الأحوال الشخصية محبطة لآمال النساء المغربيات التواقات إلى الحرية والكرامة والمساواة، ومكرِّسة للاستغلال البشع للنساء ومشرعنة لاستعبادهن عبر بنود لا تراعي الجوانب السمحة في الدين الإسلامي التي تحث على تكريم النساء وضمان مساواتهن في الحقوق السياسية والمدنية، وعلى رأسها "حق الولاية" الذي جعله القرآن الكريم مشاعا بين الذكور والإناث في الآية الكريمة (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)؛ بينما الفقهاء جعلوا هذا الحق مقتصرا على جنس الذكور. فعلى مدى 14 قرنا ونيف والفقهاء يرددون أن الإسلام كرّم المرأة وأن الرسول(ص) أوصى بتكريمها، لكن مجموع فتاواهم، وخاصة في الأحوال الشخصية، أوغلت في إهانتهن وتجريدهن، ليس فقط من الكرامة والحقوق، بل من الآدمية حتى.
كيف سمح الفقهاء لأنفسهم وضع مدونة الأحوال الشخصية بها تشريعات تعطي كامل الحق للزوج أن يطلّق الزوجة غيابيا ودون علم منها؟ وكيف طاوعهم إيمانُهم أن يشرّعوا إرغام الزوجة على الرجوع "لبيت الطاعة" باستعمال كل وسائل الإكراه بما فيها الضابطة القضائية حيث يأتي الزوج مرفوقا برجال الشرطة أو الدرك ومعه حكم قضائي يشرعن اقتحام منزل أسرة الزوجة وإخراجها بالقوة لترافقهم كرها إلى "بيت الطاعة" وإن رفضت سحلوها كما تُسحَل السبايا؟ نفس الفقهاء أسقطوا النفقة على الزوجة الناشز في شرعنة مقيتة للاغتصاب الزوجي بعد أن أبانت فتوى ترهيب الزوجات بكون الملائكة تلعنهن طيلة مدة النشوز عن محدوديتها. لا عذر يغفر لهؤلاء الفقهاء فتاواهم الإجرامية في حق النساء طيلة 14 عشر قرنا. تلك الفتاوى التي حوّلت النساء من حرائر إلى سبايا وإماء في ملكية الأزواج بمجرد الإشهاد على الزواج أو تحرير العقد. ومتى أرادت الزوجة إنهاء العلاقة الزوجية وضعوا لها الشروط التعجيزية التي تجردها من حريتها وكرامتها وتحولها إلى جارية أو سبية مطالَبة بأن تفدي نفسها مقابل طلاقها وفق ما تنص عليه المواد المتعلقة "الخلع" والتي تشترط "إرضاء" الزوج والاستجابة لكافة شروطه.
أليست عبودية هذه؟ ألم يحوّل الفقهاء عقد الزواج إلى عقد نخاسة وسبي وعبودية؟ ربما فقهاء العصور السابقة لا عهد لهم بمنظومة حقوق الإنسان فانتصروا للأعراف الاجتماعية التي أفتى من سبقهم من الفقهاء بمراعاتها في التشريع للأحوال الشخصية.
وبذلك لم تعد النصوص الدينية الثابتة مصدرا للتشريع الذي يكرّم المرأة ويصون كرامتها، وإنما صارت الأعراف الاجتماعية هي معيار ومصدر التشريع الفقهي والقضائي. لكن ما لا يمكن تقبلّه هو موقف تيار الإسلام السياسي من المطالب النسائية بمواءمة التشريعات الوطنية مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق النساء. فرغم كون فقهاء هذا التيار يعيشون عصر الأجيال المتتالية لحقوق الإنسان، فإنهم يناهضون المطالب الحقوقية للنساء باسم الشريعة والأعراف الاجتماعية.
هكذا تصدى هذا التيار بفقهائه لمبادرة اتحاد العمل النسائي سنة 1992 المتمثلة في وضع عريضة مليون توقيع لتعديل مدونة الأحوال الشخصية، بفتاوى التكفير ومنها فتوى الحبيب التجكاني التي كفّر فيها واضعي العريضة وموقّعيها. استجاب حينها الملك الراحل الحسن الثاني وقرر إدخال تعديلات جزئية على المدونة، ورغم بساطتها كان قرار التعديل في حد ذاته مهما لأنه أسقط القداسة عن المدونة فصارت نصا قانونيا كباقي النصوص يخضع للمراجعة والتعديل. طبعا لم يستفد التيار إياه من أخطائه فعاودها بأشد من سابقاتها حين قدمت حكومة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية. لم يتردد التيار في توظيف كل أسلحته الدينية والسياسية للتصدي للخطة ولكل حقوق النساء التي جاءت به.
انتصر الملك محمد السادس للمشروع ولمطالب الحركة النسائية فصدرت مدونة الأسرة التي قطعت مع نصوص الاستعباد والنخاسة وضمنت للمرأة كيانها وإنسانيتها وحريتها في إنهاء علاقة الزواج متى اقتنعت أنها تسلبها حقوقها وتمس بكرامتها (التطليق للشقاق).
ورغم استفادة عضوات من التيار إياه من نصوص المدونة رغم كونهن ناهضنها بشدة، لازال حزب البيجيدي وحركته الدعوية يصر على مناهضة مطلب منع وتجريم تزويج القاصرات مستندا على فتاوى فقهية تشرعن الاستغلال الجنسي للإناث، كما ناهض مطالب الحركة النسائية بعدم إسقاط المتابعة القضائية ضد مرتكبي جرائم الاغتصاب رغم تنازل الضحايا وأسَرهن بمبرر الأعراف والثقافة الاجتماعية.
هكذا يتضح أن التيار المحافظ والأصولي يوظف التراث الفقهي الذي يفصلنا عن ظروف إنتاجه الاجتماعية والسياسية والتاريخية قرونا عديدة وكأن المجتمعات ثابتة لا تتغير. وبهذا يجعلون الفقه الإسلامي عقيما وعاجزا عن الانفتاح على متغيرات الواقع الاجتماعي وحركيته، ومن ثم يوظفونه سلاحا لمواجهة مطالب النساء في الحرية والمساواة والكرامة. ولولا الحركات النسائية الوطنية والعالمية ونضالاتها من أجل حقوق النساء لما تمكنت النساء في المجتمعات العربية والإسلامية من انتزاع جزء مهم من حقوقهن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.