أخنوش: الموقف بشأن الصحراء حازم    الشبيبة الاتحادية تختتم ملتقاها الجهوي بطنجة: حوارات معمّقة حول التحديات الرقمية والوحدة الترابية وقضايا الوطن والشباب    زلزال قوي وموجتا تسونامي باليابان    أخنوش لصحيفة إسبانية: 4 سنوات من الأوراش المتواصلة لترسيخ الدولة الاجتماعية وتحصين المسار الاقتصادي    طنجة .. النيابة العامة تعيد التحقيق في فيديو قديم يهدد ناصر الزفزافي    كأس العرب .. تشكيلة المنتخب المغربي الرديف أمام السعودية    الدورة الرابعة لمهرجان مكناس للمسرح : مكناس خشبة لمسارح العالم    سطات.. انطلاق فعاليات الدورة 18 للملتقى الوطني للفنون التشكيلية «نوافذ»    الأميرة للا أسماء تدشن مركزا جديدا للأطفال الصم وضعاف السمع بمكناس    لقجع: منظومة حساب مؤشر الدعم تحتاج التحيين.. "التعبئة" تقصي مواطنين    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأخضر    لقجع يختار وهبي مدربا للأولمبي    التجربة المغربية في كرة القدم نموذج يكرس الدور الاستراتيجي للمنظومة الرياضية في التنمية السوسيو-اقتصادية (لقجع)    بنعلي: قطاع المعادن بالمغرب يوفر أكثر من 40 ألف فرصة شغل مباشرة    مسن يُنهي حياة شقيقه بسبب قطعة أرض بضواحي تطوان    زعفران تالوين .. الذهب الأحمر ذو المنافع المتعددة    "الكاف" ولجنة التنظيم المحلية يكشفان عن "أسد" التميمة الرسمية لكأس أمم إفريقيا (المغرب 2025)        مجلس المنافسة يداهم مقرات خمس شركات للأعلاف والمرصد المغربي لحماية المستهلك يثمّن الخطوة    بإذن من أمير المؤمنين.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته الخريفية العادية    مطالب بالتحقيق العاجل حول أجهزة "FreeStyle Libre 3" بعد تقارير دولية عن عيوب مصنعية    مندوبية التخطيط : ارتفاع ملحوظ للناتج الداخلي الإجمالي وتوزيع الدخل في المملكة    سليلة تارجيست سهام حبان تنال الدكتوراه في القانون بميزة "مشرف جدا" مع توصية بالنشر    الاتحاد الأوروبي يصادق على إجراءات تهدف إلى تشديد سياسة الهجرة    كان 2025 .. الموزمبيق تكشف عن قائمة لاعبيها ال 25    رسميًا.. الشروع في اعتماد البطاقة الوطنية لتبليغ المتقاضين بالإجراءات القضائية    أسطول جديد لكسر حصار غزة يبدأ الإبحار في أبريل 2026        مخالفة "أغنية فيروز" بتازة تشعل الجدل... مرصد المستهلك يندد والمكتب المغربي لحقوق المؤلف يوضح    منظمة التعاون الإسلامي تراهن على "الوعي الثقافي" لتحقيق التنمية البشرية    الفائض التجاري للصين تجاوز تريليون دولار في العام 2025    المغرب لن يكون كما نحب    مولودية وجدة يحسم الديربي لصالحه ويعزز موقعه في الصدارة    مغربيان ضمن المتوجين في النسخة العاشرة من مسابقة (أقرأ)    غضب وانقسام داخل ريال مدريد بعد الهزيمة... وتصريح يكشف تفاصيل صادمة من غرفة الملابس    ضمنها المغرب.. تقرير يكشف تعرض شمال إفريقيا لاحترار غير مسبوق    عزوف الشباب عن العمل يدفع لندن لإلغاء إعانات البطالة    توقعات أحوال الطقس لليوم الاثنين    علاج تجريبي يزفّ بشرى لمرضى سرطان الدم        اغتيال "شاهد" بجنوب إفريقيا يحيي السجال حول مسألة حماية المبلغين    النفط يصل إلى أعلى مستوى في أسبوعين مدعوما بتوقعات خفض الفائدة الأمريكية    ساركوزي يكشف: الملك محمد السادس أول من اتصل بي بعد الحكم علي بالسجن.. كان متأثّراً وصوته يرتجف من الصدمة    كاتبة إيطالية تعرّض لحادثٍ مروّع أثناء زيارتها إلى مراكش تنشر شهادتها عن تجربة إنسانية غير متوقعة    كيوسك الاثنين | الاجتماع المغربي – الإسباني يؤكد انتعاشا اقتصاديا            اجتماع ثلاثي بين الولايات المتحدة وإسرائيل وقطر في نيويورك    المغرب ضد السعودية.. نهائي قبل الأوان في سباق الصدارة    ثورة في عالم الطب .. علاج جديد يقضي على سرطان الدم تمامًا    إعلان الحرب ضد التفاهة لتصحيح صورتنا الاجتماعية    تتالي الصفعات لنظام الكابرانات!    فيلم "سماء بلا أرض" يفوز بالجائزة الكبرى لمهرجان مراكش الدولي للفيلم    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    الأوقاف تكشف عن آجال التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    موسم حج 1448ه... تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الرحمن اليوسفي الرّجل الذي قبّلَ الملكُ رأسَه
نشر في هسبريس يوم 29 - 05 - 2020

برحيل الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي صبيحة الجمعة 29 ماي2020، يكون المغرب قد فقد أحد رجالاته الذين قلّما يجود الزمان بأمثالهم، فقد كرّس حياته لخدمة الإنسانية والوطن، كما يظهر في اختياراته المهنية ومساراته في الحياة، فالرّجل بدأ حياته المهنية محامياً قبل أن ينخرط في العمل الجمعوي ثم النضالي والسياسي، والكفاح من أجل مغرب أجمل وأفضل، ومن أجل مجتمع أسعد وأطيب، وأكثر تماسكاً ووحدة.
أسهمت البيئة الاجتماعية في شمال المغرب في تكوين الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي على المعالي ومكارم الأخلاق وخصال التضحية والنبل والوفاء والإيثار، فقد ولد في طنجة عام 1924، فكان للبيئة المحلية أثر واضح في شخصيته القيادية، واستطاع أن يبقى في منأى عن الشبهات، وهذا نادراً ما يحظى به السياسي، لأن تضارب المصالح والمكاسب السياسية والاقتصادية يخلق الأعداء ويصنع المحاربين وتجار الأزمات الذين يصطادون في الماء العكر، لكن الشخصية الهادئة لهذا الرّجل جعلته يمتصّ كل الصدمات ويواجه أعتى العواصف ويخرج سالماً، دون أن يؤذي أحداً أو يثير الفتن أو يشوّه الحقائق وينشر المغالطات ويوهم الناس بالتغيير، لقد كان حكيماً في أقواله، يختار ألفاظه بعناية بالغة، ويضبط حركاته وانفعالاته، الشيء الذي جعل منه رجلا نموذجياً يحظى بإعجاب ملك المغرب جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه، ثم ثقة ومحبة أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله، كما اتسمت شخصيته بالجرأة واللباقة في الآن ذاته، فكتب مذكراته دون أي خوف أو حساسية ما، وكان دقيقاً في أقواله وملاحظاته، ليؤدي رسالته في الحياة، وينسحب بهدوء كما عاش بهدوء، فيخلّد التاريخ ذكره بمسك الختام، وبمعاني المحبة والوفاء، ولا ينسى العالَمُ، صورته وهو في المستشفى وقد زاره جلالة الملك محمد السادس نصره وأيده، وفي مشهد إنسانية يدل على عَظمة ملك، وعظمة سياسي، نادراً ما تلتقي لترسم صورة جميلة من الوفاء والاعتراف والمحبة المتبادلة، لتعطي درساً بليغاً للإنسانية.
ولأن عالم السياسة محفوف بالمخاطر والأزمات، فقد تعرَّض الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي للاعتقال والسّجن والنفي، مع ما يترتب عن ذلك من معاناة وألم، له ولأسرته وللمحيطين به، ومع ذلك لم يؤثر فيه الأذى الذي أصيب به في بعض الفترات من مساره النضالي والسياسي، فينتقم أو يسيء للآخرين، وإنما نظر بعين أخرى، ولعل ذلك بسبب إيمانه بما يفعل، ويقينه في أهمية ما يبذل ويقدّم، وتشبته بالمبادئ والقيم، فما كان لله دام واتصل وما كان لأجل مكاسب فانية انقطع وزال وتوقّف، والتاريخ يسجل دائما صمود الأوفياء لمبادئهم والرواد في مجالهم، الذين ينفعون أوطانهم ومجتمعاتهم، دون انتظار أي جزاء أو اعتراف أو تقدير أو منصب أو جاه أو مكسب، إنهم يؤدّون رسالتهم بأمانة وإتقان وإحسان، ثم ينسحبون بهدوء، تاركين التاريخ يسجل مفاخرهم، فالذاكرة الإنسانية لا تنسى أبطالها أبداً.
وإنَّ من نِعم الله الكبرى على مغربنا العزيز، هذا التلاحم الوطني والإجماع على صلحاء الأمة وخيارها، ويمثل أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله، قدوة الأمة ونبراسها المضيء في السير قدماً نحو التغيير الهادئ والنمو المستمر والتقدم المتواصل، ولذلك كان مشهد زيارة جلالته لهذا السياسي والمناضل الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي، أثراً عميقاً في نفوس العالَم، وليس المغاربة فحسب؛ بكل معاني الرحمة والإنسانية في أجمل صورها الخالدة، والتي لا تتكرّر إلا في بلد مثل المغرب، برجاله ونسائه وكل مكوناته الحية والصالحة، ذلك لمن أراد من السياسيين اليوم أن يأخذ الدروس والعبر، طالما هناك فرصة للتصحيح والتدارك والعمل من أجل الوطن والإنسان.
إن الحديث عن مناقب الرّجل ومحاسِنه ومواقِفه ومبادَراته وسِمات شخصيته، يحتاج إلى صفحات تمنح الرّجل حقه، وتعطي للناشئة من الجيل الحالي والأجيال القادمة القدوة الحسنة، والسيرة المثلى الطيبة، لرجلٍ أخلص لدينه وملكه ووطنه، ولم يكن من أهل الجري وراء المناصب والمكاسب، ولذلك أحبّه ملكُ المغاربة فقبّلَ رأسه، معبّراً عن عميق الاحترام والتقدير، وعن معاني الرحمة التي تطبع شخصية ملك مُحِبّ لشعبه، فكان حقّاً رجلاً بأمّة.
وإن جولةً سريعة في مواقع التواصل الاجتماعي هذا اليوم الجمعة 20 ماي 2020، بعدما انتشر خبر وفاة الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي، تكشف عن حجم المحبة والتقدير الذي يكّنه المغاربة لهذا الرّجل، فقد تنوّعت التعليقات والتعبير عن المشاعر، بين تلك التي تشهد للرجل بالاستقامة والنزاهة، أو تلك التي تستحضر مواقفه ومبادراته، أو تلك التي تتحدّث عن شخصيته القيادة ونبل عطائه، أو تلك التي تدعو له بالرحمة والمغفرة والسلام والسكينة، بعدما عاش دهراً طويلاً، إذ ناهز 96 عاماً، لا شك أنه قضاها في العمل المستمر، والتفكير الدائم في قضايا الوطن، وكيف السبيل للرقي بهذه السفينة.
ومن الشهادات التي نستحضرها في هذا السياق، وأختم بها هذا المقال، لأنها شهادة جامعة مانعة، ما كتبه عميد كلية الآداب بتطوان الدكتور مصطفى الغاشي، في صفحته في الفيس، يقول: "عن سن تناهز 96 سنة قضاها كلها في الكفاح من أجل وطنه ومستقبل أبناء المغرب. عاش شجاعا صادقا وفيا لمبادئه مخلصا لقناعاته الوطنية والإنسانية، نظيف اليدين. لم تكن له مطامع في الدنيا رغم الفرص الكثيرة. لم يكن منافقا ولا انتهازيا. لم يكن ناكرا للجميل أو عديم الأخلاق كما هو حال الكثير ممن ينتسبون كذبا للسياسة. رحمك الله أيها الرجل الكبير وغفر لك وجعل قبرك روضة من رياض الجنة، وأدخلك الجنة مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا. عزاؤنا واحد فيك و لا نقول إلا ما يرضي الله . انا لله وانا اليه راجعون. الفاتحة ترحما عليه."
* رئيس المركز المغربي للاستثمار الثقافي – مساق-
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.