"خاوة خاوة.. بلا عداوة" أغنية تجسد نداء الأخوة المغربية الجزائرية في ذكرى المسيرة الخضراء أعلنت شركة موغادور ميوزيك ديجيتال المغربية عن قرب إصدار الأغنية الجديدة "خاوة خاوة.. بلا عداوة"، بمشاركة نخبة من الفنانين المغاربة والجزائريين، في عمل فني مشتر    دراسة حديثة: الاحتباس الحراري يؤثر في توزيع الأمطار والثلوج    ارتفاع أسعار النفط بعد التوصل إلى إطار عمل لاتفاق تجاري بين الولايات المتحدة والصين    سورج: يامال تأثر بصافرات الاستهجان.. والخسارة في الكلاسيكو لا تدعو للقلق    إعطاء انطلاقة 49 مركزا صحيا جديدا على مستوى 9 جهات    المغرب ضمن المتوجين بجائزة مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية في دورتها الرابعة لعام 2025    بورصة البيضاء تبدأ التداول بأداء إيجابي    تصاعد الشكاوى من عنصرية المرضى والزملاء ضد الممرضين في بريطانيا    هامبورغ تتصدر مجددا قائمة الولايات الأكثر سعادة في ألمانيا    ترامب يرغب في لقاء كيم جونغ أون    روسيا تعلن اعتراض 193 مسيرة أوكرانية    شكاية ضد توكل كرمان بتهمة التحريض    إسماعيل باعوف ضمن القائمة الأولية لمنتخب المغرب لأول مرة    الأمين العام للأمم المتحدة يدين انتهاكات حقوق الإنسان في مخيمات تندوف    النفط يرتفع بعد توصل أمريكا والصين إلى إطار عمل لاتفاق تجاري    الانتخابات الرئاسية في كوت ديفوار .. تقدم الرئيس المنتهية ولايته الحسن واتارا    كيوسك الإثنين | إصلاحات جديدة لتعزيز الشفافية وتحصين العمليات الانتخابية    دونالد ترامب يبدأ زيارة رسمية لليابان    الصين: ارتفاع أرباح الشركات الصناعية الكبرى بنسبة 3,2 بالمائة عند متم شتنبر    عصبة الأبطال الافريقية (ذهاب الدور التمهيدي الثاني) .. نهضة بركان يتعادل مع مضيفه الأهلي طرابلس (1-1)    إجهاض محاولة تهريب أقراص مخدرة    الريال يهزم برشلونة في "الكلاسيكو"    توقيف مواطن فرنسي من أصول جزائرية بمطار محمد الخامس مبحوث عنه من السلطات الفرنسية    العداء المغربي المحجوب الدازا يتوج بلقب النسخة ال16 من الماراطون الدولي للدار البيضاء    أغنى رجل في إفريقيا سيجعل مصفاته في نيجيريا "الأكبر في العالم"    الأمين العام الأممي يدين انتهاكات حقوق الإنسان في مخيمات تندوف    "البحر البعيد" لسعيد حميش يتوج بالجائزة الكبرى للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة    المؤتمر الوطني الثاني عشر للاتحاد الاشتراكي – قراءة مؤسساتية ودستورية (2025)    نقل مصابين بتسمم جماعي الى المستشفى الإقليمي بأيت يوسف وعلي    طنجة: المغاربة يتصدرون منصة التتويج في النسخة الثالثة من بطولة "كوبا ديل إستريتشو"    حزب العمال الكردستاني يعلن سحب جميع قواته من تركيا إلى شمال العراق    بعد تداول صور لأشغال قرب موقع أثري ضواحي گلميم.. المجلس الوطني يؤكد أن الموقع سليم ويدعو لحمايته    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    سفينتان نرويجيتان ترسوان بميناء آسفي لدعم أبحاث المحيطات وحماية الأنظمة الإيكولوجية    نسبة ملء السدود المغربية تتراجع إلى أقل من 32% وفق البيانات الرسمية    حفل الحراقية يختم مهرجان الصوفية    الملك: تعاون المغرب والنمسا إيجابي    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أوناحي يواصل التألق في الليغا ويؤكد أحقيته بمكان أساسي في جيرونا    رياضة الكارتينغ.. المنتخب المغربي يفوز في الدوحة بلقب بطولة كأس الأمم لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا    ترامب يرفع الرسوم الجمركية على السلع الكندية    "مايكروسوفت" تطلق إصدارا جديدا من المتصفح "إيدج" المدعوم بالذكاء الاصطناعي    المغرب يطلق "ثورة" في النقل الحضري: برنامج ضخم ب 11 مليار درهم لتحديث أسطول الحافلات    طقس الأحد: برودة بالأطلس والريف وحرارة مرتفعة بجنوب المملكة    زلزال بقوة 5,5 درجة يضرب شمال شرق الصين    إرسموكن :لقاء يحتفي بالذكرى ال50 ل"ملحمة 1975″ و محاكاة رمزية لها بحضور شاحنة "berliet" ( صور + فيديو )    الرقمنة أنشودة المستقبل الذكي    افتتاح متميز لمعرض الفنان المنصوري الادريسي برواق باب الرواح    إسبانيا.. العثور على لوحة لبيكاسو اختفت أثناء نقلها إلى معرض    المهرجان الوطني للفيلم بطنجة يعالج الاغتراب والحب والبحث عن الخلاص    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    المجلس العلمي الأعلى يضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    طب العيون ينبه إلى "تشخيص الحول"    علماء يصلون إلى حمض أميني مسبب للاكتئاب    أونسا: استعمال "مضافات الجبن" سليم    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"فرصة ثانية في طنجة".. سيرة ذهنية تقتفي رحلات "السي يوسف"

صدرت قبل أسابيع، بالولايات المتحدة الأمريكية، رواية جديدة للروائي أنور مجيد، اختار لها عنوان "فرصة ثانية في طنجة"، لتحيل على عدة تأويلات، منها "الفرصة الأولى" التي هي فرصة لامين، يحكي قصة السي يوسف، الشخصية الرئيسية، في طنجة في المقهى ذاتها، كما عرضت لذلك الرواية الأولى: "السي يوسف"؛ كما قد تحيل على رغبة راوي "فرصة ثانية" نفسه في العودة إلى طنجة.
هذا الراوي الذي كان يهيئ أطروحة دكتوراه، وترك دراسته ليأتي إلى مسقط رأسه، طنجة، ليكتب سيرة لامين نفسه.
وتكاد الرواية تمثل سيرة عاطفية وفكرية أو ذهنية للامين، ورحلاته عبر العالم، جغرافيا، مثل جده الطنجي ابن بطوطة، ورحلاته الفكرية عبر النظريات والمعارف..
ويلاحظ أن الصوت الذي استرجعه الكاتب، صوت لامين الطالب بكلية فاس سابقا، وصوت الطالب بأمريكا لاحقا، أكثر غضبا، وثورة، وانخراطا في الفكر من صوت الشباب لامين. أيعود الأمر إلى نضج الشخصية وإيمانها العميق بدور الفكر بل بأهمية الثورة الفكرية في تقدم المجتمعات والتحرر من التقليدانة؟.. ولعل هذا الطابع يكاد يمنح هذه الرواية خصيصة رواية الأجيال كما السابقة..
وكما في كل كتاباته التخييلية السابقة يعنى أنور بالمشاعر أكثر من العناية بالوصف الواقعي، ويعنى بالفكر أكثر من الأحداث..
تجدر الإشارة إلى أن طبعة للرواية ستصدر باللغة الانجليزية بالمغرب، بعد أن توارى الجائحة التراب، مع ترجمة إلى اللغة العربية في بحر السنة القادمة.
فرصة ثانية في طنجة
في كثير من الأحيان، أذهب إلى لقاء الحياة في حالة شبه وعي، وأنسى التواريخ المهمة بسهولة، كما أنسى ما أتناوله في عشاء خاص، وأسماء الأشخاص، أو شكلهم وكيف يبدون.
مندهش أنا دائما من الأصدقاء الذين يتذكرون أنواع السيارات ولوحات أرقامها بمجرد النظر إليها أثناء القيادة. أنسى كل ذلك ما لم يكن بيانا مزعجا يتعارض مع حكمة من الحكمة التقليدية، ولا تسألني أبدا عما قيل وما يرتديه الناس في اجتماع ما، ما لم يتعلق الأمر بقول أو جملة تتعارض مع الحكمة التقليدية المتعارف عليها وتقوضها.
الوضع سيئ للغاية إلى درجة أنني في بعض الأحيان أكون أقرأ كتابا أو أشاهد فيلما ولا أذكر شيئا وليست لدي أي فكرة عن المؤلف أو المخرج أو العنوان ذاته. ليس من المؤلم بالنسبة لي أن أتساءل عما إذا كنت شرعت أعرف نوعا من الخرف. لا أريد أن أكون على قيد الوجود عندما قد يحصل ذلك حقا.
لكن الحدث الحاسم الذي أدى إلى كتابة رواية "فرصة ثانية في طنجة" سيظل محفورا في ذاكرتي إلى الأبد. في يوم الأحد الموافق للسادس من شهر يناير 2019، انضم إليَّ صديقي وزميلي عبد العزيز (عزيز اختصارا) جدير في نزهة طويلة على طول ساحل طنجةز. كان هدفه مواصلة سلسلة من الحوارات التي بدأها معي منذ عام 2015، ونشر، أحيانا، أجزاء منها في مختلف الصحف والمجلات باللغة العربية؛ ويومها، علمت أنه يكتب سيرتي الذاتية.
عزيز هو أحد أكثر الكتاب والقراء إنتاجا بين الذين أعرفهم؛ هو روائي، ومترجم، كتب عن حياة الروائي الأمريكي بول بولز (الذي أقام فترة طويلة في طنجة)، وعن النبي محمد، وشخصيات ثقافية وسياسية بارزة أخرى في المغرب وخارجه. (وقد نشر، قبل أيام، كتابه عن محمود أمين العالم، الكاتب والناقد الاشتراكي المصري الشهير).ولا أعرف، بصراحة، كيف أرد له نظير الاهتمام الكبير الذي يحيطني به بلطف. والغريب في الأمر، أني قد اعتدت على ذلك بعد فترة وأصبحت مسيراتنا والنزهات سيرا على الأقدام في طنجة (بلومرة في باريس خلال أيام) مسرحا لنقاشات وتأملات مسجلة في الثقافة، والسياسة، وحبنا الدائم والأبدي للمغرب.
من خلال تجربته الطويلة في الإذاعة، حيث كان يجري حوارات مع كبار المفكرين والكتاب، ومعرفته الواسعة بالأدب العالمي، يمكن للمرء أن يقول إن عزيزا كان الشخص المثالي لاستكشاف تفكيري وسبره، وتشجيعي على متابعة المشاريع الثقافية المختلفة؛ وما ظل يلح عليه ولا يلين عنه، منذ البداية، هو أن أكتب رواية جديدة. كنت نشرت رواية واحدة بعنوان "السي يوسف" في عام 1992 (والتي، لدهشتي المطلقة، تم إدراجها من قبل جريدة "الجارديان" كواحدة من أفضل 10 روايات كتبت عن طنجة)، ولكني كنت توقفت عن كتابة رواية، واستسلمت بعد عدة محاولات لاحقة لكتابة المزيد من الروايات. منقسما كنت بين مشاغل حياتي العائلية والعمل الأكاديمي، إلى جانب المهام الإدارية المتزايدة التي أسندت إلي في جامعتي، وهكذا لم يعد بحوزتي ببساطة ما يكفي من الوقت لتكريسه لكتابة التخييل.
وعندما كان أصدقائي وبعض طلاب الجامعات المغربية يسألونني، من حين لآخر، عما إذا كانت لي خطط لكتابة رواية جديدة، كنت أرد إن شاء الله، وأبتسم، ثم ما أنفك أعود إلى حياتي العادية.
حتى جاء ذلك اليوم من شهر يناير...
وعلى رصيف المارينا الجديد، رضخت أخيرا لإصرار عزيز ولنت له، وتوقفت فجأة، وصافحته.. وافقت على كتابة رواية بحجم "السي يوسف" وإنهائها في عام واحد. ولف بعض التشويش والضبابية والغموض بقية نزهتنا سيرا على الأقدام ومسيرتنا المسجلة يومها. وبينما كنت أجيب عن أسئلة عزيز، وأناقش معه العديد من القضايا، كان ذهني يكافح من أجل معرفة موضوع الرواية التي وعدت للتو بكتابتها، وحبكتها، وسبل الإمساك بهما.
وفي ذلك الوقت بالذات، كانت قد مرت ست وعشرون عاما على نشر رواية "السي يوسف".. لم أبق الشخص ذاته، وعرفت أنني فقدت منذ زمن طويل الصوت غير المبالي للشاب الذي كنته يوم نشرها. ولم تكن تلك المرة الأولى التي اشتبهت فيها وارتبت في أن العمر، والاتفاقيات، والمسؤوليات المتزايدة قد قيدت تدريجيا حريتي في العمل وأثرت في أسلوبي. إلى جانب ذلك، لقد اعتقدت على الدوام (ومازلت إلى الآن) أن تعبئة المرء جهوده لينتج إبداعه ومعرفته لذاته لينغمر بالكامل في العالم لهو أكثر مكافأة من السعي للعيش من خلال الأعمال المنشورة أو الفن الذي يعرض على الناس. قد لا تترك المتع غير الموثقة والمنشورة أي آثار أدبية، لكنها مازالت تؤدي إلى صداقات تعزز الحياة وتثري اللقاءات الإنسانية، وهذا الأمر جيد بما يكفي ليجعل رحلتنا التي لا يمكن التنبؤ بها على هذه الأرض صفقة مقبولة.
ولما عدت إلى فندقي، وتوادعنا، أنا وعزيز، لم أكن أعرف بعد ما الذي يجب فعله بعد ذلك. فقط عندما كنت أستحم، ضربتني بل هبطت علي الفكرة الرئيسية لروايتي الجديدة فجأة مثل صاعقة برق، مثل ردم. كانت الضربة من الشدة والقوة أنني اضطررت معها إلى الاتكاء على الحائط لتجنب السقوط، وتبدد معها الضباب الكثيف والحالك الذي كان يلف ذهني، ما سمح للشخصية التي ستكون في قلب قصتي الجديدة وستحتله بالسير بثقة في ضوء النهار الساطع. مَنْ غير لامين -الراوي الشاب في رواية "السي يوسف"- يقدر أن يربطني بالصوت الذي كنت فقدته منذ فترة طويلة؟ في هذه اللحظة السريالية، كان بإمكاني أن أكون في عالم أو في مملكة ميتافيزيقية، رجلا متحررا من حاجات الجسد، ولا يحسِب له حساب.. رجل أصبح تحت رحمة قوى أخرى. وإذا كان هذا الوحي حدثا طبيعيا في عالم الفن، فأنا أحسب نفسي إذن إنسانا محظوظا للغاية لأنني لمستني شرارة منه.
وعندما تعافيت وارتديت ملابسي، حملت حقيبتي وذهبت إلى مقهى السمارة التي مثلت الفضاء النموذجي لمقهى عشاب في رواية "السي يوسف". كان محمد، النادل الرئيسي، فرحا ويشعر بالحبور عندما أخرجت حاسوبي المحمول وبدأت في الكتابة. والآن بعد أن عدت إلى الطابق الأول الخالي من الزبناء بالمقهى، تابع التحدث معي، وهو ينظر من فوق كتفي، محاولاً فك رموز الكلمات الإنجليزية التي كنت أكتبها وأحيانا أحذفها لإعادة كتابة كلمات أخرى. وبعد فترة معينة، انسحب غاضبا من الطرق الغريبة التي يعامله بها هذا الطنجاوي الذي ذهب إلى أمريكا وعاد وهو يشبه نوعا من الصحافيين، وليس الزبون، الذي اعتاد التردد على المقهى في المساء.. الزبون الذي كنته قبل عقود.
تركت النادل يقوم بعمله بينما كتبت الفقرة الأولى. ومنذ ذلك الوقت، سمحت لنفسي فقط أن أسترشد برحلة لامين، سعيدا بأن أكون كاتبه الناسخ غير المرئي، الذي يُمْلى عليه ما يكتب بينما واصلت حياتي العادية، مقسما وقتي بين الولايات المتحدة والمغرب، كما كنت أقوم بذلك طيلة عدد من السنوات.
لم تكن لدي أي فكرة عن السبب الذي من أجله كتبت الرواية وما سيكون مآلها والمصير حين أنتهي من كتابتها. ولم أكن أعرف أيضا ما سيكون العنوان النهائي (وكنت جربت عدة عناوين طيلة مدة كتابتها). وكل ما كنت أعرفه هو أنني منحت نفسي موعدا نهائيا صارما للانتهاء من كتابتها. ويمكن لعدد من الندل و"الباريستاس" في بلدان مختلفة أن يشهدوا على ذلك!.
ولم أكن لأستطيع كتابة هذه الرواية (التي اتضح أنها أطول قليلا من السابقة)، كما هو الحال بالنسبة "للسي يوسف"، لو لم أكن واقعا تحت السحر الجارف والعارم لمدينتي؛ مسقط الرأس. قد يفترض المرء أن قضاء ما يقرب من أربعة عقود في أمريكا كان سيجعلني محصنا إلى حد ما ضد إغراء طنجة الذي لا يرحم، وغوايتها التي لا تبقي ولا تذر. كنت أتمنى فقط. لهذا السبب، في نهاية الأمر، عنونت روايتي "فرصة ثانية في طنجة". يقضي كل الطنجيين في الشتات حياتهم وهم يحاولون إعادة ربط الشمل بالمدينة التي أنجبتهم أو تبنتهم؛ بل إن أولئك الذين لم يغادروا المدينة أبدا لا يمكنهم أن يحصلوا منها على ما يكفي، فهم يرثون دائما طنجة التي كانت، كما لو أن المدينة لا يمكن تجربتها والسكن فيها من دون طعم الحنين إلى الماضي، أو فردوس يظل بعيد المنال إلى الأبد، أو هي مجرد ذكرى مؤرقة. إن قوى طنجة الساحرة، لكن والمدمرة أيضا، أصبحت الآن جزءا من أسطورة.
وعلى كل حال، فقد التزمت بوعدي لعزيز وأصدقائي وقراء "السي يوسف"، والأهم من ذلك كله لذاكرتي الخاصة. ويسعدني أني تمكنت من نشر هذه الرواية من خلال مجلة "تنجيس"، المجلة المطبوعة التي شاركت في تأسيسها مع خالد گوراد بعد الأحداث المأساوية للحادي عشر من شتنبر، لتعكس التقاليد الليبرالية المغربية وتبرزها. ولسوء الحظ، تبين أن نشر المجلة كل ثلاثة أشهر أمر غير قابل للاستمرار من الناحية المالية. وعلى الرغم من نفاد كل أعداد المجلة في نهاية المطاف، تمكنت -بمساعدة نيل جاندرو، المصمم والمنتج الواسع الحيلة إلى حد كبير، الذي يقف وراء كل ما قمت به خلال الاثني عشر عاما الماضية- من إبقاء "تنجيس" على قيد الحياة وحصول القراء عليها بالمجان. ونأمل الآن تجاوز عتبة جديدة مع نشر هذا الكتاب؛ هذا المنشور الجديد. كما هو الحال مع مجلتنا، فإن هدفي هنا أيضا هو أن الكتابة تنبع من الإلهام وعدم العناية بالأعراف والتوافقات الأدبية، أو الفئات المعبأة مسبقا، أو ضغوط السوق.
وفي الواقع، إن أحد أسباب كتابتي لهذه الرواية هو معالجة القضايا التاريخية، والدينية، والثقافية التي طالما مثلت شغلي الشاغل بأسلوب إبداعي بل وتجريبي. ولإطلاق هذا المشروع في شكل كتاب، اخترت أن أبدأ من قصة رجل مغربي ورحلته إلى الولايات المتحدة، ورحلته عبر الثقافات (حكاية مكاسب وخسائر المهاجر الدائم في أرض الحلم الأمريكي)، لكن هدفي على المدى الطويل هو التفكير في المواضيع التي، في رأيي، لا يتم تناولها بشكل مرض في وسائل الإعلام الرئيسية الموجهة للجمهور الواسع. لم أسع إلى الحصول على موافقات أو استحسان ما قبل عملية النشر (من أي جهة كانت)، وواثق أنا من أنك إذا قرأت الرواية وأعجبتك، فستجد طريقة ما لتشارك أفكارك حولها في أي منتدى تختاره.
شكرا لك، ابق آمنا، وعش بشكل مرض واعتن بصحتك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.