قلوبنا وقلوبكم

قلوبنا أجزاء من العلا وأشواق إلى الخلود؛ وقلوبكم حفن من التراب وأميال إلى الفناء.
قلوبنا نسجتها المحبة بأناملها العلوية، وغسلتها الأحزان بدموعها المقدسة، فكبرت وسارت مبتهجة أنى شاءت تحت ظل الإله؛ وقلوبكم أنشأتها الشناءة في المهد، وصفقها الجاه برياحه المدنسة، فظلت متكدرة إلى الأبد.
قلوبنا ليست من قلوبكم، وقلوبكم ليست من قلوبنا، فهلموا إلى ميزان القسط السرمدي، نقابل ماضينا بماضيكم، وحاضرنا بحاضركم، ومستقبلنا بمستقبلكم!
قلوبنا أبحرت مع يونس في الظلام، وجالست أيوب يوم السقم، وبسمت كالشمس في وجه المسيح؛ وقلوبكم سجنت يوسف جورا، وطاردت موسى الكليم، وفتكت بعلي والحسين.
قلوبنا أعتقت بلال من العذاب، وأسمعت الفرقان في العلن، وهاجرت لنشر اليقين؛ وقلوبكم أفتت في دار الندوة، وخضبت رداء عثمان، وجلدت الأنصاري والإمام.
قلوبنا أشعلها طموح جيفارا وألهمتها حكمة شريعتي وثبتها إباء المنجرة؛ وقلوبكم أرقصها وعد بلفور وألهبتها نقمة هتلر وأقامها جنون ستالين.
قلوبنا من الأنبياء والشهداء وأنصار النور والجمال؛ وقلوبكم من الطغاة والبغاة وأهل الظلام والعداء، فهل حاضرنا كحاضركم!
قلوبنا تزرع السرو والسندان متهللة، وتبذر الأوركيد والياسمين في كل مكان؛ وقلوبكم منهمكة في تشييد قلاع السطوة والسيادة وتوريث الأثرة في الأجيال.
قلوبنا تحررها السماء في الأفق والحب في الخلق، فتُصَير فيها ألوانا وأكوانا؛ وقلوبكم يكبلها البغض القبيح فتستحيل عوالمها في المحيط سجونا في النفوس.
قلوبنا تشيخ فرحا أو تفنى في اعتناق الحق، وتتبع قبس الحقيقة إلى القبر؛ وقلوبكم تسير تائهة لا تحفل، وتفتش عن أسباب الأبدية في العدم.
قلوبنا ليست من قلوبكم، وقلوبكم ليست من قلوبنا؛ فهل تلتقي يوما في الآتي بعدما تفرقت في ما مضى!
قلوبنا سوف تخلع جلودها لتدفئ بها المساكين في العراء والزمهرير، وسوف تنصب لليتامى والأيامى أكواخا من نضالها وشرفها الجليل؛ وقلوبكم سوف تبني الحصون من جماجم الفقراء وهياكل العبيد، وسوف تسقي حدائقها من دماء الشهداء والأكرمين.
قلوبنا سوف تعيش لتعانق البطولة أو الموت النبيل؛ وقلوبكم سوف تبيد في التيه وتسقط وحيدة في الحمى.
قلوبنا سوف تظل محبة لسبلها ولكم لأنها لا تملك غير الحب؛ وقلوبكم سوف تجتوينا أبدا وتجتوي سبلها لأنها لم تترك لمستقبلها شيئا من الحب.