مواهب كروية .. 200 طفل يظهرون مواهبهم من أجل تحقيق حلمهم    مغربية تشكو النصب من أردني.. والموثقون يقترحون التقييد الاحتياطي للعقار    حريق مهول يلتهم سوق المتلاشيات بإنزكان    فرنسا.. أوامر حكومية بإتلاف مليوني عبوة مياه معدنية لتلوثها ببكتيريا "برازية"    طقس الثلاثاء.. أمطار الخير بهذه المناطق من المملكة    الأمن المغربي والإسباني يفككان خيوط "مافيا الحشيش"    ميارة يستقبل رئيس الجمعية البرلمانية لأوروبا    أسماء المدير تُشارك في تقييم أفلام فئة "نظرة ما" بمهرجان كان    سكوري : المغرب استطاع بناء نموذج للحوار الاجتماعي حظي بإشادة دولية    الجيش الملكي يرد على شكاية الرجاء: محاولة للتشويش وإخفاء إخفاقاته التسييرية    وزارة الفلاحة: عدد رؤوس المواشي المعدة للذبح خلال عيد الأضحى المقبل يبلغ 3 ملايين رأس    مطار الصويرة موكادور: ارتفاع بنسبة 38 في المائة في حركة النقل الجوي خلال الربع الأول من 2024    مشروبات تساعد في تقليل آلام المفاصل والعضلات    خمري ل"الأيام24″: الإستقلال مطالب بإيجاد صيغة جديدة للتنافس الديمقراطي بين تياراته    تحديات تواجه نستله.. لهذا تقرر سحب مياه "البيرييه" من الاسواق    أمن فاس يلقي القبض على قاتل تلميذة    بلينكن: التطبيع الإسرائيلي السعودي قرب يكتمل والرياض ربطاتو بوضع مسار واضح لإقامة دولة فلسطينية    رسميا.. عادل رمزي مدربا جديدا للمنتخب الهولندي لأقل من 18 سنة    مجلس النواب يطلق الدورة الرابعة لجائزة الصحافة البرلمانية    برواية "قناع بلون السماء".. أسير فلسطيني يظفر بجائزة البوكر العربية 2024    عملية جراحية لبرقوق بعد تعرضه لاعتداء خطير قد ينهي مستقبله الكروي    المحكمة تدين صاحب أغنية "شر كبي أتاي" بالسجن لهذه المدة    الشرطة الفرنسية تفض اعتصاما طلابيا مناصرا لفلسطين بجامعة "السوربون"    غامبيا جددات دعمها الكامل للوحدة الترابية للمغرب وأكدات أهمية المبادرة الملكية الأطلسية    الملك يهنئ بركة على "ثقة الاستقلاليين"    تحرير ما معدله 12 ألف محضر بشأن الجرائم الغابوية سنويا    "التنسيق الميداني للتعليم" يؤجل احتجاجاته    هذا هو موعد مباراة المنتخب المغربي ونظيره الجزائري    الرئاسيات الأمريكية.. ترامب يواصل تصدر استطلاعات الرأي في مواجهة بايدن    نيروبي.. وزيرة الاقتصاد والمالية تمثل جلالة الملك في قمة رؤساء دول إفريقيا للمؤسسة الدولية للتنمية    يوسف يتنحى من رئاسة حكومة اسكتلندا    الدورة السادسة من "ربيعيات أصيلة".. مشغل فني بديع لصقل المواهب والاحتكاك بألمع رواد الريشة الثقافة والإعلام        مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    الفنان الجزائري عبد القادر السيكتور.. لهذا نحن "خاوة" والناظور تغير بشكل جذري    اتفاق بين الحكومة والنقابات.. زيادة في الأجور وتخفيض الضريبة على الدخل والرفع من الحد الأدنى للأجور    المكتب الوطني للسياحة يضع كرة القدم في قلب إستراتيجيته الترويجية لوجهة المغرب    المغرب التطواني يتعادل مع ضيفه يوسفية برشيد    رسمياً.. رئيس الحكومة الإسبانية يعلن عن قراره بعد توجيه اتهامات بالفساد لزوجته    فيلم أنوال…عمل سينمائي كبير نحو مصير مجهول !    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    وزارة الفلاحة…الدورة ال 16 للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب تكللت بنجاح كبير    أسعار الذهب تتراجع اليوم الإثنين        إليسا متهمة ب"الافتراء والكذب"    غزة تسجل سقوط 34 قتيلا في يوم واحد    رئيس ريال مدريد يهاتف مبابي عقب التتويج بالدوري الفرنسي    المفاوضات بشأن اتفاق الاستعداد للجوائح بمنظمة الصحة العالمية تدخل مرحلتها الأخيرة    المنتخب المغربي يتأهل إلى نهائي البطولة العربية على حساب تونس    حكواتيون من جامع الفنا يروون التاريخ المشترك بين المغرب وبريطانيا    "عشر دقائق فقط، لو تأخرت لما تمكنت من إخباركم قصتي اليوم" مراسل بي بي سي في غزة    بعد كورونا .. جائحة جديدة تهدد العالم في المستقبل القريب    دراسة: الكرياتين يحفز الدماغ عند الحرمان من النوم    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    الأمثال العامية بتطوان... (583)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إشكالية المنهاج التربوي وسؤال الإصلاح
نشر في هسبريس يوم 04 - 01 - 2013

يعتبر قطاع التعليم قطاع حيوي في سياسات الدول، بل هو قطب الرحى، إذ اكتنفه أي عطب سيؤدي إلى عطالتها وفرملة المرافق الأساسية في سياساتها، خصوصا إذا ما استحضرنا أهمية المرافق المرتبطة بالقطاعات الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية وغيرها، وذلك نظرا لمحورية النظام التربوي في بلورة المشروع المجتمعي و النهضوي والحضاري الذي يطعم و يزود باقي المجالات ويقدم لها الأطر البشرية القادرة على تحقيق الريادة والسبق في عالم، زجت فيه الدول في أتون العولمة و إفرازتها الممركزة حول اقتصاد السوق الحر و مخالب شركات اللاقومية و انتشار أنظمة الترست والكارتل الإقتصادية والكوسموبوليتية العابرة للقارات حيث وضعت قسرا أنظمة التربوية للدول في الصراع محتدم حول المعرفة والعلم .
ومن هذا المنظور أصبح من اللازم إعادة النظر في المنظومة التربوية المغربية في شموليتها، و الرفع من اهتمام في أسسها البسيكوبيداغوجيا و الديداكتكية و الفلسفية و الأخلاقية، على اعتبار أن العملية التربوية والتعليمية لا تأتي من فراغ فكري ولا معرفي ولكنها تأتي لتعبر عن طموحات مجتمع ما في مجال التربية والتعليم والتي بضرورة، تصدر من تصورات هذا المجتمع للإنسان والكون والحياة وللخالق، فجوهر أي إصلاح لن يتأتى له، إلا إذا استنبت في بنياته قيم ديموقراطية وتكافؤ الفرص، التي بدورها تبقى صورية، إذ لم تتجاوز الفوارق القائمة بين الذكور والإناث، وبين الأرياف والحواضر، وبين الأحياء الراقية والفقيرة، و ذلك خدمة لقناعة مفادها “أن كل تلميذ يعتبر مهما"، و بالمناسبة هو شعار تبنته دولة فنلندا الرائدة في التعليم، سيما أن التقارير التقييمية والتشخيصات تؤكد تردي المنتوج التربوي الوطني، بل يعتبر المغرب للأسف بالطفل الكسول في فصل المنتظم الدولي. فتجاوز المنطقة الرمادية لتعليمنا تبدأ بالتشخيص، ثم طرح التساؤلات التنويرية، من نحن؟ و ماذا نريد؟ فبوابتنا مثلا على الإتحاد الأروبي"فرنسا" لم يتأتى لها ذلك إلا عندما عزمت على المضي قدوما نحو الإصلاح، فسنت قانون 1989 بمعية طرح التساؤلات التنويرية التالية: الأولوية لمن؟ التلميذ أم المعارف ؟
فاستمرار المغرب لإغفاله لمقومات الحقيقية للإصلاح، جعل منه الدولة الأكثر اهتمام بالإصلاحات، حيث أحصي منها حوالي 16 إصلاح. كانت حلقته الأولى منذ الاستقلال، وقتئد استدماج ما يسمى بالمبادئ الأربعة " التعميم، التوحيد، التعريب والمغربة" ضمن الإصلاح، الذي رفع كشعار توحيد المغاربة قاطبة حول مدرسة مغربية موحدة، وفي تعزيز المشترك بينهم، عبر منهاج دراسي يتم تصريفه في جميع المؤسسات التعليمية بالبلاد، الأمر الذي انعكس سلبا على مبدأ تكافؤ الفرص بين المغاربة على اعتبار أنه لم يستحضر المحددات الهوياتية المتنوعة ولا حتى انحدارات المواطنين حسب طبقاتهم الاجتماعية، ويضاف أيضا اعتماد بناة المنهاج على مقاربات بيداغوجية أجنبية التقليدية، التي ترتكز على الطريقة التلقينية المتمركزة حول المدرس والمحتوى، إذ لم يكن التلميذ يساهم بفاعلية في بناء معارفه، بل يتلقاها جاهزة من لذن الأستاذ، حيث كانت هذه الطرق تنبني على الحفظ والذاكرة. فجاءت النتائج الدراسية للمتعلمات والمتعلمين دون المستوى المطلوب، فأصبح منذ ذلك اللحظة يحتل المغرب المراتب المتأخرة في الترتيبات المنظمات الجهوية و العالمية. فحظي التعليم المغربي أقصد المنهاج التربوي وقتها بانتقادات داخل المجتمع، من باحثين و فاعلين في الحقل التربوي في التعليم الثانوي الإعدادي والتأهيلي، وكانت ضرورية إطلاق شرارة الإصلاح للخروج من دوامة مستنقع الفشل وهكذا بدأت المنظومة المغربية للتربية والتكوين تشهد العديد من محطات الإصلاح باءت أغلبها بالفشل، وبادر المسؤولون بعد كل محطة إلى تدارك ما فات بأساليب وطرق مختلفة، وهكذا نقف عبر تاريخ إصلاح التعليم في بلادنا على مجموعة من المحاولات التي تصب في إصلاح الإصلاح، بدءا بالإصلاح المعروف بالمذهب التعليمي لسنة 1957 ومرورا بالاصلاح المرافق للمخطط الخماسي 1960/1964 ثم محطة المذهب التعليمي الجديد المنسوب لوزير التعليم الدكتور بنهيمة 1966، ثم الإصلاح الذي يسمى فى أدبيات التربويين "بالقسري" الذي انطلق سنة 1985 في إطار سياسة التقويم الهيكلي إبان 1983، و أخيرا الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي انطلق سنة 2000 ثم البرنامج الاستعجالي 2009/ 2012. بدون إطالة، نستخلص إذن أن العقل الأكاديمي التربوي أقصد الفكر المغربي بصفة عامة، لم يستطع إلى حد الآن رغم بعض الاستثناءات الفردية أن ينتج نظرية للتربية تنسجم مع المرتكزات الثابتة والمبادئ الأساسية والغايات الكبرى التي تعكس فلسفة المجتمع وتطلعاته وقيمه، لذلك ينبغي التأكيد في هذا السياق، أن تحقيق أي مشروع إصلاحي في مجتمعنا لا يمكن أن يتم إلا من خلال تعميم الاستشارة من جهة لكل الفاعلين و النشطاء التربويين، والاعتماد على منظور تحليلي علمي من جهة أخرى، سواء على مستوى النظام التربوي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو القانوني أو على مستوى الخطاب الفلسفي أو العلمي أو الديني..
ولهذا كانت أهمية طرح هذا المساهمة المعنونة "إشكالية المنهاج التربوي و سؤال الإصلاح". التي نتوخى من خلالها تنوير الرأي العام و من جهة أخرى إثارة هذا الموضوع لعله يسترشد المسؤولون به في أفق الإصلاح المزمع إجراءه مع حكومة عبد الإله ابن كيران بعد إخفاقات الملموسة للميثاق الوطني للتربية و التكوين بمعية انتكاسة البرنامج الإستعجالي. تود هذه الورقة إلى ملامسة و تسليط الضوء على مكامن الخلل و نقاط الضعف في إصلاحاتنا التعليمية-التربوية وذلك بوضع الأصبع على المنهاج التربوي، باعتباره أحد أهم أركان النظام التربوي المؤسس لسياسة التربية و استراتيجيتها ببلادنا، فما هو إذن المنهاج التربوي في حالتنا المغربية؟ و ماهي نقاط و الإشكاليات التي تتطلب المراجعة و ضرورة ضبطها ضمن أجندة الإصلاح المرتقب حسب تقديرينا؟
أولا-المنهاج التربوي المغربي:
ينطلق المنهاج التربوي المغربي من مرجعية أساسية ألا وهي "الميثاق الوطني للتربية والتكوين"والذي يعتبر بمثابة"دستور تربوي" الذي واضعته أغلب القوى و الحزازات السياسية في البلاد: الأحزاب الممثلة في البرلمان(حزب الإستقلال، الإتحاد الإشتراكي، الحركة الشعبية...)، النقابات الأكثر تمثيلية (الإتحاد المغربي للشغل، الكنفديرالية الديموقراطية للشغل...)، بعض جمعيات المجتمع المدني(الجمعية المغربية للحقوق الإنسان مثلا....)، شخصيات فاعلة (احمد الريسوني، احمد بوكوس، نور الدين الصايل....) و بحضور السيد الوزير الأول والسيد مستشار صاحب الجلالة رئيس اللجنة الخاصة بالتربية والتكوين وبعض الوزراء، وقد عمل "الكتاب الأبيض" للتربية والتكوين على أجرأة وتدقيق محتويات الميثاق، وذلك لتحديد الاختيارات التربوية الموجهة للمراجعة وبناء المنهاج والبرامج التربية والتكوين، التي تنطلق من المبادئ والأهداف التالية:
-اعتماد العلاقة التفاعلية بين المدرسة والمجتمع، باعتبار المدرسة محركا أساسيا للتقدم الاجتماعي، وعاملا من عوامل الإنماء البشري المندمج.
-وضوح الأهداف والمرامي البعيدة من مراجعة مناهج التربية والتكوين، والتي تتجلى أساسا في تكوين شخصية مستقلة ومتوازنة ومتفتحة للمتعلم المغربي، تقوم على معرفة دينه و ذاته ولغته وتاريخ وطنه وتطورات مجتمعه.
-استحضار أهم خلاصات البحت التربوي الحديث فمراجعة (وبناء) مناهج التربية والتكوين، باعتماد مقاربة شمولية ومتكاملة تراعي التوازن بين البعد الاجتماعي والوجداني والبعد ألمهاراتي، والبعد المعرفي، وبين البعد التجريبي والتجريدي، كما تراعي العلاقة البيداغوجية التفاعلية وتيسير التنشيط الجماعي.
-اعتماد مبدأ التوازن في التربية والتكوين بين مختلف أنواع المعارف، وبين مختلف أساليب التعبير(فكري، فني، جسدي) وبين مختلف جوانب التكوين(نظري، تطبيقي عملي).
-اعتماد مبدأ التنسيق والتكامل في اختيار مضامين المناهج التربوية، لتجاوز سلبيات التراكم الكمي للمعارف ومواد التدريس.
-اعتماد مبدأ التجديد المستمر و الملاءمة الدائمة لمناهج التربية والتكوين وفقا لمتطلبات التطور المعرفي والمجتمعي.
-ضرورة مواكبة التكوين الأساسي والمستمر لكافة أطر التربية والتكوين لمتطلبات المراجعة المستمرة للمناهج التربوية.
-اعتبار المدرسة مجالا حقيقي الترسيخ القيم الأخلاقية و قيم المواطنة وحقوق الإنسان وممارسة الحياة الديمقراطية (مقتطف من الكتاب الأبيض، 2002). و الجذ ير بالذكر بأن وزارة التربية الوطنية أصدرت ما أسمته بالكتاب الأبيض، في ثمانية أجزاء و أزيد من 1930صفحة من القطع الكبير.
ثانيا:
نقاط و الإشكاليات التي تتطلب المراجعة ضمن أجندة الإصلاح المرتقب حسب تقديرينا: و نظرا للأهمية المنهاج باعتباره كركيزة تربوية مهمة، فسنعرج على إشكاليته المؤرقة، بداية و نحن إذ نناقش الآن محاوره، لا ندعي قراءة نقدية شاملة، بل هي جملة من الملاحظات و الانطباعات الأولية، التي ستركز بالأساس على إستراتجية تعامله مع إشكاليات كالهوية و مدخل بسيكو-بيذاغوجي و كلفة الحصص الزمنية لبعض المواد و منهجية التقويم و الشق المادي ضمن المتن المنهاج و طروحاته في تصوره للتعليم الابتدائي و الثانوي الإعدادي والثانوي التأهيلي.
1)إشكالية تحديد الهوية في المنهاج، حيث لم يستحضر المكونات الحضارية المتنوعة و الغنية للمغرب، و رغم الاستدراكات المتعاقبة، لم يشمل المكون الأمازيغي و الحساني واليهودي والأندلسي. فكيف إذن، نكرس حب الوطن وتعزيز الرغبة في خدمته وهذا الوطن لا يعترف بشق أساسي ألا وهو البعد الهوياتي لقطاع واسع من المواطنين.
2)إشكالية التقسيم الشخصية المتعلم إلى ما هو معرفي و انفعالي و حسي- حركي، و ما يطرحه هذا التقسيم المتعسف، و حتى إن كانت تلح عليه النظريات التربوية، فلماذا انفرد الجانب الوجداني (الانفعالي) حيزا خاصا و هاما في تحديد الأهداف التربوية، هذا الحيز هو الذي يعنونه الكتاب الأبيض "بالاختيارات و التوجهات في مجال القيم" و الذي يشمل القيم التي تم إعلانها كمرتكزات ثابتة في الميثاق الوطني للتربية و التكوين، و المتمثلة في: قيم العقيدة الإسلامية السمحاء، قيم الهوية الحضارية و مبادئها الأخلاقية و الثقافية، قيم المواطنة، وإلى أي حد تنسجم قيم العقيدة الإسلامية مثلا مع قيم أخرى مثل حقوق الإنسان، الديموقراطية، المواطنة...الخ، وهي مفاهيم ترتبط أساسا بنموذج الدولة العلمانية، و أمام هذا الوضع غير منطقي حسب هذه القراءة، ساهم بالإضافة إلى عوامل أخرى، في جعل المتعلمين متمردين على القيم والأعراف المدرسية، وعن أعراف المجتمع وقيمه، بل إن من بينهم من اختار الظواهر الإنحرافية من قبيل الغش في الامتحانات وعدم الحفاظ على المرافق المدرسية والتعاطي للمخدرات وأحيانا حتى ارتكاب الجنح والجرائم.... في خلاف أن لو كان المنهاج أكثر واقعية لدفع المدرسة إلى التصدي لهاته الظواهر على اعتبار المدة الطويلة التي يقضونها المتعلمين في المدرسة الأساسية و الثانوية (حوالي 12ألف ساعة ) ويتأثرون بالجو العام السائد في المدرسة و بالأنشطة وبالتجارب النجاح.
حتى أصبحت الأسرة المغربية تتحفظ على إرسال أبناءها للمدارس العمومية، وتنطبق علينا مقولة الباحث المتخصص في علوم التربية د. ماجد عرسان الكيلاني سنة 1993. حيث أقر أنه يتردد في إرسال أبنائه إلى هذه المؤسسات التربوية كتردده في إرسالهم إلى بيت الدعارة، ويشرح ذلك " إن الناشئة يتطلعون إلى حقائق مؤكدة كتلك التي تقدمها الأديان والتقاليد الراسخة، ولكن أثر الأديان والتقاليد تداعى، فليس الإله وحده هو الذي مات في ضمائر الناشئة وإنما مات أيضا ماركس، ومات فرويد، ومات داورين. وكل شخص أصبح في ضمائرهم ميتا وليس لديهم مصدر للقيم يتبعونه.
3)إشكالية الشق المادي تتجلى أساسا في عدم المواكبة المالية والمادية والبشرية الكافية للإصلاح ومتطلباته الحقيقية (عدم كفاية الميزانية المالية المخصصة للتعليم، قلة الأطر والمناصب المالية، ضعف وعدم كفاية وجودة البنيات و الفضاءات التربوية والتكوينية...). حيث تبقى المجهودات الرسمية المبذولة في هذا الميدان غير كافية أمام تراكم المشاكل والصعوبات الاجتماعية و الإدارية التي تعاني منها أطر التربية والتكوين (الأجرة ونظام التعويضات، السكن الإداري، التنقل، الحركة والتعيينات، الظروف المهنية الداخلية...).
4)إشكالية الحصص الزمنية المخصصة للمواد، و هنا نقف عند ما أكدوه الخبراء الاقتصاديين المتخصصين، بان خسارة المنهاج التربوي الوطني المغربي عالية و عالية جدا، نظرا لتضخيم حصة تدريس اللغة العربية في 1615 ساعة في الكتاب الأبيض موزعة على ستة سنوات من التدريس في التعليم الابتدائي. إذا ما أضفنا إليها، حصة التربية الإسلامية المحددة في 628 ساعة فسنجد أن هنالك إسراف غير مبرر في تدريس اللغة الوطنية المنصوص عليها في الدستور، دون إغفال حصة تدريس اللغة الأمازيغية المقدرة ب576 ساعة. الدليل على هذا هي الدراسات التي قامت بها بعض المعاهد المختصة في تحديد عدد الساعات الإجمالية الضرورية لإتقان لغة ما.
فهذه الدراسات أثبتت بان الغلاف الزمني الخاص بإتقان لغة ما يختلف من لغة إلى أخرى حسب الخصائص الفونولوجية للغة و طرق تدريسها. هذه المعاهد أكدت بأنه لإتقان اللغة الألمانية مثلا من طرف تلاميذ فرنسيين يحتاجون إلى غلاف زمني يقدر ب2000 ساعة في حين اللغة الانجليزية تحتاج فقط إلى 1500ساعة و اللغة الايطالية إلى1000 ساعة. هذا المعدل الدولي تتجاوزه المملكة المغربية بشكل كبير مما يؤكد بان هذا الاختيار هو اختيار سياسي مكلف و ليس خيارا بيداغوجيا و تربويا.
5)إشكالية التقويم في المنهاج، هو بدوره لا يستحضر جديد الإنتاجات البحث التربوي للباحثين أمثال J. Hadji, J- J-P. Astolphi, J-M. de Kettle، إذ عيوبه تتجلى في تقويم المعرفة المجزئة و المنفصلة على حساب تقويم الشخصية بشموليتها (تقويم معرفي-بيذاغوجي-تربوي...)، هذا التقويم ببساطة تقويم نقطي إن صح الذكر.
و هكذا يعد سؤال الإصلاح التربوي والنظام التعليمي في المغرب ضروري لمسايرة المستجدات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتربوية التي تعرفه بلادنا بعد مجموعة من هذه الإشكاليات السالفة الذكر التي يعرفها المنهاج التربوي وقطاع التعليم بشكل عام. و هذه الإقتراحات الذي نناشدها من خلال هذه الورقة، هي محاولة التفكير في وضع إصلاح منهاج التربوي إصلاحا شاملا، تكون فيه المشاركة كل من اللجان التالية: لجنة المقاولة والتعليم والإدارة والمجتمع السياسي والمدني...ألخ.
إضافة إلى الباحثين المغاربة مع الإستفادة الفعلية و ليست الشكلية من الخبرات الأجنبية كالخبرات اليابانية و الصينية و ليس الاقتصار على الأوروبية و الأمريكيةً فقط.
فيما يخص الشق المرتبط بالأسس المشيدة للمنهج، يجب نهل الموضوعي المتوازن من المستجدات السيكلوجية و الديداكتيكية و ليس الاجتماعية و الفلسفية فقط، في صياغة المواصفات و الكفايات و تحديد القدرات، و تتويج ذلك بنموذج علمي مغربي معدل يعكس روح دستور الوطني (دستور 2011) و يعانق خصوصية الإنسان المغربي أقل البطل للاعتبارات نعرفها جميعا، تجاوزا لنمطية وخلاصات عقلية الغرب الماكرة، التي نعتته بأقدح النعوت، فمثلا السوسيولوجي بول باسكون تحدث عن الإنسان المركبl'homme composite الذي يستعصي على التحليل حتى من خلال أعتى النظريات السوسيولوجية و قبله المؤرخ ستيفان كزيل الذي أقر بالتمرد و توحش الإنسان المغربي المنتمي لشمال إفريقيا، حيث حسب زعمه "فهو دائما يبحث على من يأخد بيده نحو الحضارة و التمدن"، مما سبق تظهر جليا ضرورة نهج سياسة قائمة على اللامركزية و اللاتمركز، سيما وأن هذه السياسة أضحت في السياق الكوني المعاصر، من بين أهم الأولويات العقلانية والديمقراطية و النسبية في صنع وتصريف القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي في مختلف أنماطه ومستوياته من جهة، وعلى اعتبار أن بعض الخصوصيات الجهوية في المغرب، تتطلب في الحقل التربوي على سبيل المثال مقاربةً نوعية وخاصة للمسألة التربوية بكل أبعادها ومشكلاتها ومكوناتها، مجمل القول يجب تجاوز التقليد الإقصائي المختزل لتحديث النظام التعليمي عبر بوابة البنيات الفوقية فقط، من حيث السياسات والغايات التربوية والنماذج والاختيارات البيذاغوجية والتدبيرية… ، و إصرار على إغفال تحديث بوابة بنيات التحتية على اعتبارها تمس في الجوهر العقليات و الممارسات وأشكال العمل البيداغوجية والخدمات والعلاقات التربوية، والبنيات والتجهيزات والوسائل التربوية و هلم جرا.
فقطب الرحى في أي إصلاح و الرهان الذي يجب ربحه في المغرب، هو تحديث وعصرنة كل النظام التعليمي في شموليته، من أجل تحديث الإنسان والمجتمع المغربيين، ومن أجل ربح رهانات التنمية والتقدم، ومجابهة التحديات الوطنية والعالمية الجديدة والخطيرة، وإلا ستيكون إصلاحتنا مجرد أضغاث أحلام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.